* (3) أنموذج على التحريف في خبر الثلاثة عشر الذي لا يجد ناظرٌ بدّ من أن يعودَ إلى كبار عُلماء الإمامية في أزمانهم كالشيخ الصدوق أو المفيد أو غيرهما بعدم الوثاقة؟!
– مبحثٌ متفرّعٌ : وإذا قد كنا نقولُ بأنّ الأخبار حُرّفَت وإن كان الرّواة لها هم جبال الحفظ عند الإماميّة؛ فهل هذه دعوى مذهبيّة منّا، أم أنّها حقيقة أقرّ بها عُلماء الإمامية في حق بعض رجالهم؛ لعلّني في هذا المبحث المتفرّع أسلّط الضّورء عل جبل الوثاقَة عند الإماميّة الشّيخ الصّدوق محمّد بن علي القمّي؛ لتكون قراءة الباحث لما سبقَ –ولما سيأتي من نسبة التحريف في الأخبار وتعمّدها- محمولة بجديّة أكثَر.
لقد كان الشّيخ الصدوق بمحلٍّ من التّساهُل والغفلَة عند تلميذِه الشيخِ المُفيدِ -لمن قد اطّلع على نقد الشّيخ المفيد لشيخِه الشّيخ الصّدوق- ؛ ثمّ هُو -أي الشّيخ الصّدوق- قد اعتاد تغيير الرّوايات والإضافة عليها وتغيير ألفاظها؛ فأنّى يكونُ حالُ تراثٍ روائي هذا حالُ جبل الوثاقَة فيه؟! ولذلك نحنُ نقولُ بأنّه تراثٌ روائيّ مُظلم؛ لأن قوام فقه وتراثٍ روائيّ عظيمٍ مَهول هُو هذا الرّجل، بل وروايات لأصولٍ وكُتبٍ!. حتى قال الشيخ عبّاس القميّ : ((وظنّي أنّه لولاهُ [أي الصّدوق] لاندَرَست آثار أهل البَيت -عليهم السلام- )) [هدية الأحباب:71] ، وكيف لا وقد ذكرَ البعضُ أنّ رواياته في التّراث الإمامي نافَت على العشرين ألف روايَة !.
– الشّيخ الصّدوق وشهادَة أصحابِه عليه في التغيير على الرّوايات؛ فكيف إذا علمتَ أنّه قد ينفردُ بروايات يجعلُها أصحابُه حجّةً في عدد من المسائل!.
– فيقولُ المجلسيّ الأوّل معلّقاً على خبرٍ ساقَه الشيخ الصّدوق : ((والظَّاهِرُ أنّ هَذِه الزِّيادَة المُخِلَّةُ مِنَ الصَّدوق)) [روضة المتّقين:4/106] ، وقال أيضاً عن أحد الأخبار: ((فَتدبّر في التّغييراتِ المُخِلّة)) [روضة المتّقين:3/191] ، وقالَ عن خبرٍ آخَر : ((والظّاهِرُ أنّ هَذهِ التّغييرات المُخِلَّة بِالفَهْمِ؛ إنّما وَقعَت لإسقَاط السَّنَد؛ وسَقطَ بَعضُه سَهْواً، ويُحتمَلُ كَونُه مِنَ النّسّاخ وهُو بَعيدٌ)) [روضة المتّقين:1/300]؛ واستبعاد المجلسيّ لكونِه من النسّاخ؛ لمكان ما اشتُهر من حال الشّيخ الصّدوق في التغيير والتصرّف في الأخبار والزّيادة عليها بزيادات تُخلّ بمعاني الأخبار!. وقال محمّد تقيّ المجلسيّ عن خبرٍ آخَر: ((والظَّاهِرُ أنَّ الصَّدوقَ أخَذَهُ مِن كِتابِ الحَلَبي؛ وغَيَّرَ بَعض التّغييرَاتِ المُخِلَّة)) [روضة المتّقين:1/390]، ويقولُ المجلسيّ : ((لما غَيَّر المُصَنِّفُ [أي الصّدوق] العِبارة الأولى ؛ غَفل عَن تَغيير مَا بعده كما يَقع كَثيراً منه)) [روضة المتقين:11/233] ، فتتأمّل أنّ من قولِه (كثيراً) أنّ ذلك أصبحَ عادةً للشّيخ الصدوق في تغيير الأخبارِ والمُتون والتصرّف فيها.
– وقال السيستاني –المُعاصر من الإماميّة- : ((ومَن راجَع (الفقيه) يِجد أنّ دَأب الصّدوق -قُدس سره- عَلىٰ تَعقِيب بَعض الرّوايات بكلامٍ لنَفسِه مِن دُون فَصلٍ مُشعر بالتّغاير ـ كما أنّ الأمر كَذلك في التهذيب ـ ومِن هُنا قَد يَشتبهُ الأمرُ عَلىٰ النّاظر فَيعدّ كَلامه جُزءاً مِنَ الرِّوايَة)) [قاعدة لا ضرر ولا ضرار:27].
– وقال المجلسي الأوّل: ((وعلى أيّ حَال؛ فَالتغييُر الذي مِنَ المُصِنِّف [أي الصّدوق] مُخِلُّ بالمعنَى، ومُخالِفٌ للأخبَار ولِقَول الأصحَاب)) [روضة المتقين:7/388].
– ويقولُ المجلسيّ : ((والظّاهِر أنّه [أي الصّدوق] نقلَهُ بالمعنَى، وأسقَطَ بَعضَه)) [روضة المتقين:3/180] ، ويقول محمد تقيّ المجلسيّ -أيضاً –وهذا نقلٌ مفيدٌ في البداء في حقّ إسماعيل ومن يتعلّق بقول الصّدوق فيه ، وهو في الزيارة والسّلام على الإمام موسى الكاظم – : ((وَأسقطَ المصنّف [يعني الشيخ الصّدوق] قَولَه : (يَا مَنْ بَدا لله) لأنّه لا يَعتقِدُ هَذا الخبر الذي نُقِلَ أنّه بَدا لله في إسماعيل ، والأخبَار في البَداء عِندنا مُتواتِرَة ، لا يُمكن نفيه حتى يترك هَذا الخبر لأجله ، ومعناهُ : أنّ الإمامة لمّا كانت في الأكبر من الأولاد بعد وفَاة الأب ، ولمّا كَان إسماعيل أكبَرُ الأولاد ، كانَ جميع الأصحَاب يَنتظرُونَه، فَلمّا مَات ظَهر لَهم أنّه لم يَكُن إمَامَاً ؛ فَأُطلِق البَداء عليه بِاعتبار ظُهورِه عِندَ النّاس ؛ لأنّه لا يتغيّر عِلم الله أبداً ، أو كانَ إمَامته في لَوح المَحو والإثبَات ، ومحى وأثبتَ إمَامة مُوسى -عليه السلام- لمَصْلَحَة لا نَعرفها ، كما في أكثر مَا يُمحَى خَبراً كَان أو حُكما ، و لو عَرفه العُلماء لم يَعرِفْه العَوامّ ، فكَانَ عَدم ذِكره أولى)) [روضة المتقين:5/440-441] ، وفي هذا فتأمّل لتعرف حقيقة البداء ، ولتعلَم أنّ هذا ينقضُ وجود النصّ على الاثني عشر قبل الغيبَة تامّاً على لسان رسول الله –صلوات الله عليه وعلى آله- ، وكيفَ أنّ جميع!! الأصحاب ينتظرونَ إمامَة إسماعيل بعد أبيه جعفر ، واربطه بحيرة كبار أصحاب الإماميّة بعد موت الإمام الصّادق –عليه السّلام- كهشام بن سالم وأبي بصير ومؤمن الطّاق وغيرهم كما في (الكافي) لا يعرفون إمامهم بعد إمامهم ، وكيفَ يتشبّث البعض بأقوال الصّدوق للخروج من مأزق البداء هذا الذي نسفَ النصّ ، والصّدوق إنّما يستحدثُ أفهاماً تخصّه لروايات أصحابه يغيّر فيها ليتخلّص من إلزامات مخالفيه ، ثمّ تأمّل كيفَ أنّ هذا يثبتُ قولنا بأنّ الأخبار بعد عصر الغيبَة اختُلِقَت !. وكقولِ المجلسيّ يقولُ الشيخ علي أكبر غفاريّ بعد أن ذكرَ وجوهاً من إسقاط تلك العبار في البدَاء: ((أو أسَقطهَا المُصنّفُ [أي الصّدوق] وهُو الأظهَر؛ لأنّه لا يَعتقُدُ الخَبر الذي نُقل عَن الصادق -عليه السلام- أنّه قال: ((مَا بدا للّه بدَاء كمَا بدا له في إسمَاعيل ابني)) [حاشية تحقيق من لا يحضره الفقيه:2/601].
– ويقولُ المحقّق يوسف البحراني عن روايةٍ أوردها : ((والظّاهر أنّ هذا التّفسير مِن كَلام الصّدوق الذي يُدخِلُه غَالباً في الأخبَار)) [الحدائق الناضرة:18/230] ، فتقيّ المجلسي قريباً يقولُ (كثيراً) والبحراني هُنا يقولُ (غالباً) في تصرّف الشيخ الصّدوق بالأخبار، والسّبزواري يقولُ (كثيراً) ؛ وهذا كلّه فيقودُ إلى أنّ روايات الشيخ الصّدوق –خصوصاً ما يتفرّد به- تبقى محلّ نظرٍ كبيرٍ ، لا سيّما وهو كثير الجدَل مع مُخالفيه كما عرفتَ ؛ حتّى أقرّ بذلك المجلسي عندما روى الشيخ الصّدوق روايةً في كتابه (التّوحيد) بإسنادِه إلى الكليني ، ثمّ هذه الرّواية في (الكافي) مخالفةٌ لروايَة الشّيخ الصّدوق ، فقال المجلسي : ((هَذا الخبرُ مَأخوذٌ مِن الكَافي، وفَيه تَغييراتٌ عَجَيبة تُورِثُ سُوءَ الظنّ بالصَّدوق ، وإنّه إنّما فَعَلَ ذَلك ليُوافق مذهب أهل العَدل، وفِي الكافي هَكَذا: أيها السّائل .. [ثم ساق المجلسي تمام رواية الكافي])) [بحار الأنوار:5/156] ؛ فتتأمّل قولَه أنّه غيّر في ألفاظ الرّواية لِتُوافقَ الرّواية قول أهل العدل دوناً عن أهل الجَبر؛ وذلك أنّ عامّة مشايخ القمّيين والإمامية في ذلك الزّمان كانوا على القول بالتجسيم والجبر بناءً على تلك الأخبار التي أعادَ تغيير جُملة منها إلى العَدل الشّيخ الصّدوق، وقد مرّ معك من حكايَة بعض الباحثين أنّ روايات الشيخ الصّدوق في تراث الإمامية نافَت على العشرين ألف روايَة؛ وتغيير المعاني والمُتون معه حرفُ وتغيير فكرٍ طائفةٍ بأكملها قامت على أُسس تلك الرّوايات .
– وكذلك يقولُ المحدّث النّوري الطّبرسي عن تصرّف الشيخ الصّدوق في المتون ، قال : ((هَذا ويظهر من بعض المواضع أنّ الصّدوق -رحمه الله- كان يختصر الخبر الطّويل ، ويُسقِطُ منه ما أدّى نَظره إلى إسقَاطِه))[مستدرك الوسائل:11/171].
– وقال أستاذ العُلماء المحقّق أسد الله الكاظميّ : ((وبالجُملَة فَأمْرُ الصَّدوقِ مُضْطِربٌ جِدّاً ، وَلا يحصُل مِن فَتَاواه غَالباً عِلمٌ وَلا ظنّ؛ [لا كما ظ] يحصُل من فتاوى أساطِين المُتأخّرين، وكذا الحالُ في تصحيحِه وترجيحِه،…، وربّما طَعنَ عَليه بَعض القُدمَاء بِمِثل ذَلك في حَديثٍ رَواه في العَمل في الصَّوم بالعَدَد، وهَذا عَجيبٌ مِنْ مِثلِه)) [كشف القناع عن وجوه حجية الإجماع : 213] ، قلتُ: وهذا الحديثُ الذي في العدَد؛ رواهُ الصّدوق في كتابه الذي جعلَه صحيحاً [مَن لا يحضرهُ الفقيه:170] ؛ واستدركَ عليه الشّريف المُرتضى بقولِه : ((أمّا هَذا الخَبر فَكأنّهُ مَوضُوعٌ ومُرتَّبٌ عَلى مَذهَب أصْحَابِ العَدَد، لأنّه عَلى تَرتِيب مَذهبهم، وقَد احتُرِس فِيه مِن المَطاعِن، و استُعمِل مِن الألفَاظ مَا لا يَدخُلُه الاحتمَال والتّأويلُ، ولا حُجَّةَ في هَذا الخبر ولا في أمْثَالِه عَلى كُلّ حَال)) [رسائل المرتضى:2/30] ، قلتُ: وكذلك نرى في أخبار الإماميّةِ أخباراً يتمّ تفصيلُها عن أخيار ولد الحسين –عليهم السّلام- على القضايا التي تفرّدت بها الإماميّة في النّصوص والعصمَة وأحوال الأئمّة وأمثالها من العقائد؛ تفصيلاً يُحترسُ فيه من المطاعِن، ويغترّ به غير ذي العلم والتّحقيق، والله المُستعان؛ وهذا فمن قَبيل ما عابه الشّريف المُرتضى على أصحابه من أخبار العدد المُفصّلة لذلك الغرض في أصحّ كُتبِ أصحابهم.
– قال الخوانساري : ((ومِن المَنقول عن شيخنا العلاّمَة البحراني -المتقدّم ذكرِه في باب السّين- : أنّه قال فى بعض حَواشيه على كتابه (البلغة) : كَان بعَضُ مَشايخنَا يَتوقف في وثَاقة شَيخنَا الصّدوق)) [روضات الجنات:6/133] ، وكذلك قال العلاّمة الحرّ العامليّ يصفُ المُعاصرين من أهل زمانه : ((والحاصل أن حَاله [أي الصّدوق] أشهَر مِن أن يخفى؛ ومَع ذلك فَإن بعضَ المُعَاصِرِين الآن يَتوقّفُ في تَوثِيقِه؛ بَل يُنكر ذلك؛ لعَدم التّصريحِ بِه)) [الفوائد الطوسيّ:07] ، وقال الكلباسي –يذكر علّةً أخرى في عدم التوثيق؛ غير عدم التصريح بتوثيقِ المتقدّمين له-: ((لأنّه وإن كان في أعلا دَرجَة الزُّهد والعبادة والتّوفيق والسّعَادة، إلا أن الضّبط في الحَديث أمرٌ آخَر يحتاجُ إلى الثّبوت. وكذَا مَا ذَكرَه بَعضُ عُلماء الرِّجَال في حَق الصّدوق المُجمَع على عدالته: مِن أن تَوقّف بَعضٍ في اعتبار رِوَايتِه؛ لَعلّه لعَدم ثُبوت ضَبطِه)) [سماء المقال في علم الرّجال:2/210] ، وهذا فنتيجةٌ مُتوقّعةٌ لمن كان حالُه ذلك الاضطراب الذي وقفتَ عليه –وستقفُ عليه بإذن الله تعالى- ؛ وقد مرّ معك قولُ الكجوريّ : ((وَكذلِك قَال السيد المرتضى -رحمه الله- : إنّ الصَّدوقَ كَذوبٌ في هَذه المسْألَة)) [الخصائص الفاطميّة:2/245] ، يُريدُ مسألة إثبات سهو النّبي؛ مع أنّ الصّدوق يدّعي في ذلك أخباراً لا يسعُ إنكارُ مثلها؛ ولم يمنعه ذلك من تكذيبِه؛ فكيفَ إذا قد تجاوزَ الأمرُ إلى تصرّفاتِ في المتون والأسانيد؛ فذلك أدعى لتطلب مُستند التّوثيق من مشايخ الإماميّة أولئك في كلام البحراني.
– فلا جرمَ، قُلنا أنّه تراثٌ روائيٌ مُظلمٌ، يصيغه غير الأكفَاء؛ والعترة غائبة من اثني عشر قرناً، والله المُستعان؛ ليعودوا يجعلوا فكرَهم خاصّتَهم فكراً للعترَة!.
– منتزع من مبحثنا (الشّيخُ الصّدوق والاضطرابُ الحديثيّ والعلمي في منهجيّته).
2 أنموذج على التحريف في خبر الثلاثة عشر
https://wp.me/p3zlyI-4Wx
1 أنموذج على التحريف في خبر الثلاثة
https://wp.me/p3zlyI-4W9