200 سؤال وجواب حول فكر الزيدية

مسائل حول العصمة

** مسائل حول العصمة :

أجَاب عنها : الأستاذ الكاظم الزّيدي وفقه الله .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

____________________
السؤال الأول :

متى ظهر مُصطلح العصمة في فكر الزيدية؟!.

الجَواب :
إنّ مُصطلَح العصمَة كاعتقَاد هُو قديمٌ أصلُه من أصلِ قولِ رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- لعليّ والحسَنين وأهل البيت آ تلكَ الآثار الدّالة على عصمَة آحادهِم، أو عصمَة إجماعَاتهِم، فأصلُها رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله-، وأصلُها كتابُ الله تعالى القاضي بتلكَ العصمَة في حقّ أهل الكسَاء : ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب:33]، وقولُه -صَلوات الله عليه وعلى آله- : «الحسَن والحُسين سيّدا شباب أهل الجنّة»،

وقولُه -صلوات الله عليه وعلى آله-: «عليّ مع الحّق، والحقّ معَ عَلي»،

وقولُه -صَلوات الله عليه وعلى آله وسلّم- : «يا عمّار، لو سلكَ النّاس وادياً، وسلك عليّ وادياً، فاسلك واديَ علي»،

وقولُه -صلوات الله عليه وعلى آله- عن فاطمَة «إنّها سيّدة نسَاء العالَمين»،

وقولُه -صلوات الله عليه وعلى آله-: «من كُنت مَولاه فعليّ مَولاه»، بها أو بما معناها هذه أدلّةٌ تقضي بالعصَمة الفرديّة، وأدلّة تقضي بالعصمَة الجماعيّة لمن لم يثبُت عليهم النّص مَن كان من العترَة بعد الإمام الحُسين، فحديث الثّقلين، والسّفينَة، والنّجوم، والتّقديم وغيرها، هذا من جهَة الأدلّة، ومن جهَة استخدَام اصطلاح العِصمَة فإنّي فيما نظرتُ فيها وجدتُ الإمامَين الباقر وزيد بن عَلي أوّل من استخدمها أو وصلنَا عنهُم النّقل، وهُم المُعاصرون للقرن الأوّل والثّاني من سَادات العترَة،

وسأنقل أقوالَهم من رواياتنا وروايات غيرنا .

1- روى الحافظ محمد بن سليمان الكوفي، عن الإمَام البَاقر، (ت118هـ) ؛، أنه قال: «المعصُومون منّا خمسة : رسول الله، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين -صلوات الله عليهم أجمعين-» ([1]).

2- وروى الحافظ ابن عسَاكر، عن الإمَام زيد بن عَلي، (122هـ) ؛، أنّه قال: «المعصُومون منّا خمسة : النبي ص، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين» ([2]).

3- وسُئلَ الإمَام أحمَد بن عيسى بن زَيد بن عَلي  (ت 247هـ) . عن رجلٍ تجوزُ شهاَدته وحدَه ؟!.، فقَال : «لا، إلاَّ عَلياً والحسَن والحسين، فِقيل : وكَيفَ ذلك؟ قال: لأنّهم مَعصُومُون» ([3]).

بهذا أكتفِي ففيه كفايةٌ من مَطلوب السّؤال .

اللهمّ، صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

([1]) مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ؛ : 2/162.

([2]) تاريخ مدينة دمشق: 19/464، ورواه عن الإمَام زيد بن علي الحافظ محمّد بن سُلميان الكُوفي ، في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ؛ : 2/153 .

([3]) جامع عُلوم آل محمّد، مخطوط.

_______________________________

السؤال الثاني :

هل هناك فرق بين عصمة الأنبياء و عصمة غيرهم كالوصي والحسنين؟

الجَواب :
أنّه لا يوَجد فارقٌ بين العِصمَتين، عصمَة الأنبياء، وعصمَة الأئمّة الثّلاثة عليّ والحسَنين، لمكان التّخصيص الإلهيّ، إلَّا أنّ الأنبياء أفضلُ من الأئمّة لمَكان الوَحي وكثرَة العَمل ومزيد الدّرجَة والفضيلَة، وهُم جميعاً معصومون من الكَبائر دونَ الصّغائر، والقرآن مليءٌ بأخبَار الأنبياء في ذلك، ولكنّه مغفورٌ لهُم إزَاء حسناتهِم، والصّغائر بعُموم لجميع المُسلمين مكفّرة بإذن الله تعالى إذا ما اجتنب المُكلّفون الكبائر، قال الله تعالى: ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا﴾ [النساء:31]، ولسنَا نمنعُ أن يكونَ للأنبياء ألطافٌ أكبر وأكثَر من غيرهِم من الأئمّة في الابتعاد عن الصّغائر .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

______________________________

السؤال الثالث :

ما رأيكم في الأطروحات التي انتقدَ بها السيد كمال الحيدري الفكر الاثنا عشري هل تكون مُلزمة للإمامية؟!.

والجَواب :

أنّ الانتقادَات الأخيرَة التي وجّهها السيّد كمال الحَيدري وهُو من كِبار عُلماء الإماميّة في هذا العَصر ، وقد اطّلعنَا على كثيرٍ منهَا ، تكون مُلزِمَةً للإماميّة من جَهتين موضوعيّتين :

الجَهة الأولَى : وهِيَ أنّ ذلك َالاختلافُ الشّديد والجَذري داخل الوسَط العُلمَائي والمَرجعي داخل البيت الإماميّ في زمن غياب العترَة عنهُم من اثني عشرَ قرناً يجعلُنا نشكّ في صحّة اجتهادَاتهم واستنباطاتهم وفَهمهم لأصول الفِكر الإماميّ وفُروعِه ، حيث أنّ هؤلاء العُلماء من الشّيعَة هُم مَنْ بلوَر وشكّل وألّف وأصلّ وفرّع وصحّح وضعّف في أحاديث العترَة وفي فكر العترَة بعُموم ، والأمّة قد أُمرِتَ باتّباع (الكِتاب والعترَة) ، لا الكِتاب (وفَهم علماء الشّيعة الإماميّة) ، وفَهم علمَاء الشّيعة الإماميّة فيه اختلافٌ شَديدٌ على مرّ الأزمان ابتداءً بالشّيخ الصّدوق والمُفيد وانتهاءً بما نراه من اختلاف المَرجعيّات اليوم ، وهذا يجعلُ العاقِل والباَحث يتوقّف ويتأمّل مرّات عديدَة هَل هُو على أصل الإماميّة يتّبع أهل البَيت ، أم يتّبع علماء الإماميّة ؟!. مَنْ أصّل أصو الإماميّة ، هل أئمّة أهل البيت ، أم عُلماء الإماميّة ؟!. مَن صحّح وضعّف أحاديث أهل البيت المتضادّة ، هَل أئمّة أهل البيت ، أم عُلماء الإماميّة ؟!. مَنْ فسّر القُرآن ، هَل أئمّة أهل البيت ، أم عُلماء الإماميّة ؟!. سيجدُ الباحث أنّ الإماميّة ومن اثني عشر قرناً بلا إمامٍ من أهل البيت يُؤصّل ويُصحّح ويُضعّف لهُم وإنّما هُم يعتمدونَ على عُلمائهم الذين ليسوا هُم بالعترَة ولم يأمرنا الله بالتمسّك بهم ، ولا أخبرنَا الله جلّ شأنُه بأنّ العصمَة من الضّلال بالتمسّك بهِم ، ثمّ هُم مع ذلكَ (علماء الإماميّة) يختلفُون فيما بينهم في الأصول والفُروع ، فأيّهم يُمثّل قولَ أئمّة أهل البيت ، هل السيّد الخامنئي اليَوم أم السيّد كمَال الحَيدري ، بقَطع ويَقين وثبَات ورُسوخ ؟!. هَل المَرجع الشّيرازي أم الخامنئي ؟!. هَل الخُميني أم الخوئي ؟!.

الجهَة الثّانية : وهي في خُصوص ما طرحَه السيّد كمال الحَيدري ، وقول السّائل هل يضرّ ما طرحَه السيّد الحيدريّ على الاثني عشريّة ، والجَواب أنّه يضرّ من الجهَة الأولَى ، ثمّ في صحّة قولِه وإطلاقِه على الإماميّة فيمَا آخذَه على أصحابِه فإنّه ذلكَ يعودُ إلى دراسَة أقوالِه هَل عي صحيحَة موجّهة ضدّ أصحابِه أم أنّه قد افترَى عليهِم ، والله يُحبّ الإنصَاف ، فليسَ كلّ مَنْ خرجَ مِن أصحابِه وشنّع عَليهم يُعتبرُ قولُه صحَيح على أصول أصحابِه ، فلو خرجَ أحدٌ اليوم من الزيديّة وقال أنّ الزيدية والعترَة تقولُ بإثبات الرّؤية الإلهيّة يوم القيامَة ، فكلامُه هذا عير صَحيح ،

نعم! وقد تابعتُ كثيراً مما جَاء به السيّد الحيدري على أصحابه ونظرتُ فيه نظرَة باحثٍ مُتأمّل مُتدبّر فوجدتُ أنّ ما انتقدَه على أصحابِه مُوجّهاً وصحيحاً وقويّاً وأنّ الحجّة مَعه على أصحابِه ، وأخصّ منها عَدم رؤيَة أحد للمَهدي رؤيَة العيان بالمَعرفَة بعد السّفارَة ، وتشكيكُه في السّفراء الأربَعة ، وإثباته أنّ عُلوم الإماميّة مأخوذَةٌ من المُعتزلَة ، وأنّ الإماميّة قد تأثّروا بالفرقَة السنيّة في تصانيفهِم ، وهذه تقوّض عُرى الفكر الإماميّ من وجوه عدّة ليسَ المَقام مقام تفصيلهَا ، وإنّما الإشارَة للسّائل .

وبهذا وما مضَى تمّ الجَواب على على هذه المسألَة ، وقريباً كانَ للمرجع الإماميّ السيّد محمد حسين فضل الله خلافَات على أصول الإماميّة لو تأمّلها السّائل بأصوليّة ومنهجيّة .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

_________________________

السؤال الرابع :

ما معنى العصمَة ، وهل جميع الأنبياء معصومون ، وما تفسير معصية آدم ، ورمي موسى للألواح ، وموقف يونس عليهم السلام؟!.

والجواب :

أنّ السّؤال قد انقسمَ إلى أربعَة أقسَام ،

القسم الأوّل: عن مَعنى العصمَة ، وهل جَميع الأنبياء مَعصومون؟!.

والقسم الثّاني : عن تفسير معصيَة آدَم -عليه السلام- ؟!.

والقسم الثّالث : عن رَمي موسَى -عليه السلام- للألواح ؟!.

والقسم الرّابع : عن موقف نبيّ الله يونس -عليه السلام- ؟!. ونأتي بإذن الله على الجَواب بأقسامِه حسب ترتيب السّائل .

القسم الأوّل : عن مَعنى العصمَة ، وهل جَميع الأنبياء مَعصومون؟!.

والجَواب :

نذكُر تعريف العصمَة كمَا عرّفها الإمَام المنصور بالله عَبدالله بن حمزَة -عليه السلام- ، قال: ((هي مَا يختار المُكلف مَعه فعل الطّاعة ، وتوجب تكثير دَواعيه إليها.)) [شرح الرّسالة النّاصحة] ، والأنبياء عندَ أئمّة العترَة مَعصومون ، وعصمتهُم فعَن كبائر الظّنون والذّنوب وتجوزُ عليهم الصّغائر ممّا لا يتعلّق بأمر التّشريع والتّبليغْ ، فيكون من أحوَال النّفوس الحياة فذلك يجوزُ عليهم الخطأ الصّغير فيه ، فأمّا الكبَائر أو ما يُخلّ بالتّبليغ للرّسالات الإلهيّة فذلك هُم معصومون عنه ، وذلك إجمَاع العترَة الفاطميّة ، وقد تكلّم الأئمّة عليهم السّلام حول هذا في المصنّفات الأصوليّة بما لا مَزيد عَليه ، وكذلكَ ذكرنَاه في مبحثنَا (العصمَة عند الزيديّة والجَعفريّة) ، فليُراجعها المهتمّ والبَاحث ، نعم! وسنقفُ في الأقسام القريبَة التي تضمنّها سُؤال السّائل على أمثلَة لخطايا صغيرَة وقعَت الأنبياء صلوات الله عليهِم غير متعتمّدةٍ منهُم.

والقسم الثّاني: عن تفسير معصيَة آدَم -عليه السلام- ؟!.

والجَواب :

نذكُر فيه كلامَ الإمام الهَادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين -عليه السلام- ، من مسائل سألَ عنه يحيى بن المحسّن العَلوي ، منها قولُه –أي يحيى بن المحسّن العلوي- : ((قُلتُ: فَعِصيان آدَم صلوات الله عليه في أكْل الشّجرة كيف كَان ذَلك مِنه أتَعَمّداً أم نسياناً؟ فقال [أي الإمَام الهَادي]: قَد أعْلَمَك الله في كتابه مِنْ قَوله: ((وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا)) ، يَقول لم نجد له عزماً عَلى أكْلِهَا وَاعتمادها بِعَينها. ولكن سَلني فَقُل لي: فَإذا كانَ آدَم في أكْل الشّجرة ناسياً كَيف وَجبَت عَليه العَقوبة، وقَد أجمعت الأمة على أنّه إذَا نَسِي الرّجُل فَشَرِب في رَمضَان وَهُو نَاسٍ، أو أكَل وهُو ناس، أو تركَ صَلاة حتّى يخرج َوقتها وهو ناس، أو جامَعَ امرأته في طَمثها وهو نَاسٍ، لم يَجب عليه في ذلك عَقوبة عِند الله، فكيفَ يجب على آدم صلوات الله عليه العَقوبة في أكل الشّجرة نَاسياً؟ فإنْ سَألتني عَنْ ذَلك قُلتُ لَك: إنّما عُوقِب آدَم صَلوات الله عليه في استعجَالِه في أكْل الشّجرَة، وذَلك أنّ الله تبارَك وتعَالى لما نَهاه عَن أكل الشّجرة وهِي البرّ، وأمرَه بالشّعير، ولم يحظُره عَليه، فكان يَأكل مِن شَجرَة الشّعير وهي وَرق ولم تحمِلْ ثَمَراً، فلما صَار فيها الحب والثّمَر أشكَل عليه أمْرها، فَلم يدر أيّهما نُهي عَنها، فأتاه اللعين بِخِدَعه وغَروره، فقاسَمَه على ما ذكرَ الله في كتابه فقال: ((مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إلا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ)) ، فَاستعجل آدم فأكلَ مِنَ الشّجرَة، ولم يَنتظر الوَحي في ذلك مِن عِند الله، فَعُوقب في استعجاله في أكْلها، وقلّة صَبره لانتظار أمر ربه)) [مجموع كتب ورسائل الإمَام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين] ،

نعم! وذلك كلامِ الإمَام الهادي إلى الحقّ -عليه السلام- بيّنٌ واضح ، من عدَم تعمّد آدَم-عليه السلام- الأكل من الشّجرة التي نهاهُ الله تعالى عنها ، وأنّه إنما اشتكلَ عليه نوع الشّجر وهي لازَالت ورقاً فتعجّل ولم يسأل الله البيَان ، فعاقبَه الله تعالى لأجل ذلكْ .

والقسم الثّالث: عن رَمي موسَى -عليه السلام-للألواح ؟!.

والجَواب :

لعلّ السّائل يقصدُ قولَ الله تعالى : ((وَلَمَّا رَجَعَ رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)) [الأعراف:150] ، فظنّ أنّ إلقَاء نبيّ الله تعالى موسَى-عليه السلام- لألواح التّوراة فيه معصيَة أو ازدرَاء لكلامِ الله تعالى ،أو تهوينٌ من شأنِ التّوراة ، أو تصرّف غير جيّدٍ معَ ألواح الله تعالى ، وهذا لا يُقال به ، وليستَ الآيَة تُفيدُه ولا تدلّ عَليه ، وموسَى -عليه السلام- أجلّ أن يلقي كلامَ الله تعالى إلقاءً شديداً ، أو يطرحُه طرحاً شديداً وهُو الوجيه عندَالله تعالى المخصوص بالتّكليم ، قال الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا)) [الأحزاب:69] ،

نعم! وإلقاء موسَى -عليه السلام- إنّما هُو إلقاءٌ يليقُ بموسَى -عليه السلام- مع كلامِ الله تعالى ، إلقاء وطرحٌ برفق واحترام ، وإن كانَ غضباناً على فعل قومِه وعبادتهِم للعجلْ .

فإن قيل: ولكنّ من حالُه الإلقَاء لا يكونُ فعلهُ برفقٍ ولين ، وإنّما بشدّة وعُنفوان ؟!.

فنقول: تأمّل قول الله تعالى عن حال أمّ موسى وهي الشّفيقَة بابنَها ليظهَر لك مَعاني الإلقَاء في القُرآن ، قال الله تعالى : ((وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)) [القصص:07] ، فكانَ إلقاءً برفقٍ ولين ، وقول الله تعالى في القرآن الكَريم : ((وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ)) [القصص:86] ، فذلك إلقاءٌ لا على سبيل الإهانَة لا للكِتاب ولا للنبيّ صلوات الله عَليه وعلى آله ، وإنّما هُو بلاغٌ وَوحي كَريمْ أنزلَه الله على نبيّه صلوات الله عليه وعلى آله ،

نعم! وهذا فبيّنٌ واضحٌ من هذا القسم في مناقشَة إلقاء موسى -عليه السلام- للألواح ، نعمّ يوجَد رواية من غير طريق الزيديّة مفادُها أنّ موسَى -عليه السلام- ألقَى الألواح فتكسّرت ، وذلك لا يظهَر لي صحّته ، والحمدلله .

والقسم الرّابع: عن موقف نبيّ الله يونس-عليه السلام- ؟!.

والجَواب :

نذكُر فيه كلامَ الإمام الهَادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين -عليه السلام- ، من مسائل سألَ عنه يحيى بن المحسّن العَلوي ، منها قولُه –أي يحيى بن المحسّن العلوي- : ((وسألته: عن قول الله سبحانه: ((وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ)) [الأنبياء: 87] ، فقال: أمّا ذُو النّون فهو يونس، والنّون: فهو الحوت. وأما قوله: ((إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا)) [الأنبياء:87]، فإنما كانَ ذَهابه غَضباً على قومه، واستعجَالاً منه دون أمر ربه، لا كما يَقول الجهلة الكاذبون على أنبيائه ورسله صلوات الله عليهم، من قولهم إنّ يُونس خرَج مغاضباً لربه. وليس يجوز ذلك على أنبياء الله صلوات الله عليهم، وإنّما كان ذلك كما ذكرتُ لَك من غضبه على قومه ومُفارقته لهم، واستعجاله دُون أمر ربه، وهو قوله لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم: ((وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إذ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ)) [القلم: 48] – وهو يونس – يقول: لا تَعجّل كعَجَلته، واصبر لأمْري وطَاعتي، ولا تَستعجل كاستعجاله. فهذا معنى قوله: ((إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا)) [الأنبياء:87]، وهو قوله: ((فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ)) [الأنبياء: 87] أرادَ بِذلك من قِوله: (فَظَنَّ)، أي: أفَظَنَّ أنْ لَن نَقدر عَليه؟ وهذا على مَعنى الاستفهام، ولم يَكُن ظَنَّ ذَلكَ صلى الله عليه، وهذا مما احتَجَجْنا به في الألِف التي تطرحها العرب وهي تحتاج إلى إثباتها، وَتثبتها في موضع وإن لم تحتَج إليها، مثل قوله: ((لا أُقْسِمُ)) وإنما معناها: ألا أقسم، وقوله: ((وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ)) [البقرة: 184]، فَطرح الألف وهُو يُريدها،

ومن ذلك قول الشاعر:

نَزلتم مَنزل الأضياف مِنّا …. فَعَجّلنا القِرى أن تَشتُمونَا

وإنما أراد: ألاّ تَشتمُونا؛ فطرح الألف، وَمثل هَذا كثير في الكتاب، وهُو حُروف الصّفَات. فلما صَار يُونس في السّفينَة ورَكب أهلها، واستقَلّت بهم وطابَت الرّيح لهم، أرسَل الله حوتاً فحبَس السفينة، فَعَلم القَوم عند احتباسها أنها لم تحبس بهم، إلاَّ بأمر مِنَ الله قد نزل بهم، فتشاوَر القوم بينهم، وترَاجعوا القول في أمْرهم، وماقد نزل بهم وأشفَقوا. فقال لهم يونس: يَا قَوم أنا صَاحِبُ المعصيَة، وبِسببي حَبست بكُم السفينة، فإنْ أمكَنكم أن تخرجوني إلى السّاحل فافعلوا، وإن لم يُمكنكم ذَلك فألقوني في البَحر وامضُوا. فقال بعضهم: هَذا صَاحبنا وقد لَزِمَنا من صُحبته ما يلزم الصّاحِبُ لصَاحبه، وليس يُشبهنا أن نلقيه في البَحر فَيتلف فيه على أيدينا ونسلَم نَحن، ولكن هلّمُوا نَسْتَهِم، فمَن وَقع عَليه السّهم ألقينَاه في البحر. فتساهم القَوم، فوقَع السّهم على يونس، ثم أعادُوا ثانية فوقَع عَليه، ثم أعادُوا ثَالثة فوقعَ السهم على يُونس، فرمَى بنفسه، فالتقمَه الحوت ومَضى في البحر، وكان يُونس صلى الله عليه يَنظر إلى عَجَايب البَحر مِن بَطن الحوت، وجَرت سفينة القوم بهم. قال: ولَبث يونس صلى الله عليه في بطن الحوت ما شاء الله من ذلك، فاستمطّ شَعره وجِلده، حتى بقي لحمه، وَمنعَ الله منه الموت، فلما عَلِم الله تَوبَته، وقد نادى بالتوبة: ((أَن لاَّ إِلَهَ إلا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)) [الأنبياء: 87] فاستجاب له وتقبّل تَوبَته، ورَحِم فَاقته. فأرسَل مَلكَاً مِن الملائكَة، فساق ذَلك الحوت إلى جزيرة من جَزائر البحر، فألقى يُونس من بطنه، وقد ذَهب شَعرُه وجِلده، وذهبت قوّته، فردّ الله جسمه على ما كان عليه أولاً مِن تمام صورته، وحَسّن تَقويمه، وأنبت الله له شَجرة اليقطين، وهي الدّباء فكان يأكُلها. فلما اشتدت قوّته، واطمَأنَّ مِن خَوفه وإشفاقه، أرسله الله إلى قومِه، وكانوا في ثلاث قُرى، فمضى إلى أول قرية فدَعاهم إلى الله وإلى دينه، فَأجابه نِصفهم أو أكثَر مِنَ النّصف، وعَصَاه الباقون، فسار بمَن أطاعه إلى العُصَاة لأمره، فحمَلهم عليهم وقَاتلهم، فقتلَهم وأبَادهم. وسَار إلى القرية الثّانية، فدعَا أهلها وأعذر إليهم وأنذرَهم، فأجابه منهم طائفة، فحمَل المطيع على العَاصي، فقتلهم وأبادَهم. ثمّ سَار إلى القرية الثالثة، وكانَت أعظمها وأشدها بأساً ومنَعَة، فدعاهم إلى الله وأعذَر إليهم وأنذَر، وحَذّر مَا حَل بإخوانهم، فلم يجبه منهم أحد، واستعصمُوا على كفرهم، فسَار إليهم وخرَجُوا إليه، فحاربهم فلم يَقدر عليهم. فلما كان بَعد وقت وعلم الله منه الصّبر على ما أمَرَه به من طاعته، والإعذار إلى خلقه، أمرَ الله جبريل صلوات الله عليه، فطرَح بينهم ناراً، ثمّ أرسل الرياح فأذرَت النار عليهم وعلى منازلهم ورِحَالهم، فأحرَقَتهم جميعاً ودَمّرتهم، فهذا مَا سَألت عنه مِن خَبر يُونس عليه السلام)) [مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين] .

نعم! وبهذا وما مضَى تمّ الجَواب على السّؤال بأقسامِه ، والحمدلله .

اللهمّ صلّ وسلّم على محمّد وعلى آل محمّد …

____________________

السؤال الخامس :

هل أئمة أهل البيت معصومون عن الخطا ، إذا كان الجواب نعم ، فمن هم؟!.

الجواب:

إنّ للعصمَة عندَ أئمّة العترَة معنيَان ، المَعنى الأوّل خاصّ ، والمَعنى الثّاني عامّ ، الخاصّ هُو في أصحاب الكسَاء الخمسَة لدلالة آيَة التّطهير وغيرهَا من الأخبَار ، وهُم رسول الله ، وعَلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحُسين ، صلوات الله عليهِم أجمَعين ، قال الله تعالى : ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)) [الأحزاب:33] ، وأمّا المعنى العامّ فهُو في جمَاعة العترَة ذريّة الحسن والحسين ما أجمعُوا عليه من أصول الدّين وفروعِه فهُو حجّة مَعصومٌ مُقارنٌ للقُرآن ، لدلالَة حديث الثّقلين الُمتواتر ، قولُه صلوات الله عَليه وعلى آله : ((إنّي تاركٌ فيكُم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً كِتاب الله وعِترتي أهل بيتي إنّ اللّطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقَا حتّى يردَا عليّ الحوض)) ، نعم! وعصمَة أصحاب الكسَاء فَعن كبائر الظّنون والذّنوب .

نعم! ونُوردُ هُنا أقوالاً لأئمّة العترَة في ذلك ،

-قال الإمام أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين -عليهم السلام- ، فيما سَمِعَه عنه إسماعيل بن إسحاق ، أنّه سُئِلَ : (( عَن رَجُلٍ تَجوزُ شَهَادَتُه وحدَه ؟ فَقال [ أحمد بن عيسى -عليه السلام- ] : لا ، إلاَّ عَلياً والحسَن والحسين، فِقيل : وكَيفَ ذلك؟ قال: لأنّهم مَعصُومُون ))[جامع عُلوم آل محمّد] ، وفي ذلك روى الحافظ محمد بن سليمان الكوفي رحمة الله عليه في كتابه مناقب أمير المؤمنين ، بسنده ، عن الإمام زيد بن علي -عليه السلام- أنّه قال : ((المعصُومون منّا خمسة : النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ))[مناقب أمير المُؤمنين] ، ورواهُ عنه -عليه السلام- أيضاً ابن عساكر في تاريخ دمشق ، وروى الحافظ محمد بن سليمان -عليه السلام- عن الباقر -عليه السلام-أنه قال: ((المعصُومون منّا خمسة : رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين ))[مناقب أمير المُؤمنين ] .

وقال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة -عليه السلام- ، مُتكلّما عن العِصمَة الفرديّة في كتابه (الرسالة النافعة بالأدلة الواقعة) : ((وَلَمْ تَقَع العِصْمَةُ فِيمَن عَلِمْنَا مِن وَلدِ إسمَاعيل إلاّ لِمُحمّدٍ وَعَليٍّ وَفَاطِمَة وابنَيهَا سَلام الله عليهِم أجْمَعِين)) [الرّسالة النّافعَة بالأدلّة الواقعة] .

اللهمّ صلّ وسلّم على محمّد وعلى آل محمّد …

____________________________

السؤال السادس:
نحن مأمورون بالتمسك بإجماع العترة، فلماذا خالف بعض علماء العترة أنفسهم هذا الاجتماع وجاؤوا باجتهادات وآراء عديدة خرجت عن إجماع من سبقهم؟ أليسوا هم مأمورون أيضاً باتباع إجماع العترة، أليس في اختلافهم دعوة للناس ان يقلدوهم فيخالفوا هم أيضاً الإجماع، فليس من المنطقي ان يقول عالم رأيا ثم يدعوا الناس ان يتركوا رأيه ويتبعوا الإجماع الذي يراه خطأ !!! أليست محصلة هذه الاجتهادات ان تصبح الزيدية كالامامية من حيث تعدد الآراء ؟

الجواب:

أستاذِي الحَبيب ، ذلكَ التمسّك بنهَج وإجمَاع العترَة من مَدلول حَديث الثّقلين ، فأمّا عن مُخالفَة بعض عُلماء العترَة أنفُسَهم ، وأنّهم خرجُوا عن إجمَاعات عَنْ منْ سبقَهُم ، فإنّ المسألَة يجب تَحريرهَا لفهمِهَا بشكل يطّرد:

1- مَا كانَ من المَسائل في أصول الدّين ، ممّا الحقّ فيه واحِدْ ، فإنّ أئمّة العترَة سادات بني الحسن والحُسين قد أجمعُوا عَليه في سابقِ الزّمان ، وكانَ ذلك قولُهم في لاحِق الزّمان ، كالتّوحيد ، والعَدل ، والَوعد والوَعيد ، والأمر بالمَعروف والّنهي عن المُنكَر ، والإمامَة ، نعم! فجمُلة هذه الأصول قد أجمَع عليها أئمّة العترَة ، يبقَى أنّ هُناك مسائل زائدَة عن أصل الاعتقَاد من تفاصيل ودَقيق تلكَ المسَائل قد يختلفُ حولَها العُلماء لتمايُز الآرَاء ، كمَن يتعمّق في تناول الإرادَات والأفعَال والصّفات ، إلاّ أنّه من أصل إيمانِه فإنّه لا يُخالفُ على أصْل المسألَة الصّحيحة التي يقولُ بها سلفُه فلا يُخلّ وَهْمُه في الدّقائق بما يصحّ أن يُقال عنه مُخالفَة لإجمَاع العترَة ، وذكرتُ ذلكَ استقصاءً وصدقاً في البيَان .

2- ما كانَ من المَسائل في فُروع الشّريعَة ، وهي المسائل الاجتهاديّة التي لم تنهَض بها أدلّة يُقطَعُ بهَا لأجلِها ، لا آيَة مُحكمَة ، ولا سنّة مُتواترَة ، ولا إجمَاع عترَة ، فإنّ ذلك ممّا يجوزُ اختلاف الآرَاء حولَه ، كقليل النّجاسَة في الوضوء وكثيرِه ، وتلك المسائل الحادثَة الجديدَة ، اتي تتمايزُ أنظار المُجتهدين فيها بإعمَال آلة الاجتهَاد .

نعم! عَليه فلا يصحّ أن يُقال أنّ العترَة خالفَت سلفَها ، فالخَلفُ مُخالفٌ لإجمَاع السّلف ، وهذا يعني تقليدُ المُعاصرون للخَلف المُخالِف للسّلف ،فهذا تحريرٌ لا يحصّ ، وعدم صحّته لأجل عَدم المُخالفَة ، نعم! ثمّ نلفتُ إلى أنّ الباحث لو وقفَ على قول أحَد المتأخّرين خالفَ فيه أصلاً ، فإنّ قول ذلك المُتأخّر لا يكونُ حجّةً على الإجمَاع ، وليسَ ذلكَ المتأخّر قُدوةً فيه البتّة ، هذا لو صحّ ، والواقعُ أنّه لم يصحّ في أصول المسائل .

نعم! ومُدرجٌ مع الجواب صُورة تحملُ جوابَ متى يكونُ الفاطميّ قدُوة يستحقّ الاتّباع لتّطرِدَ المُتابَعة للسّلف من أهل البَيت -عليهم السلام- .

وفّقكم الله .

أجَاب عنه : الأستاذ الكاظم الزّيدي وفقه الله .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

200 سؤال وجواب حول فكر الزيدية, الكتب و الأبحاث, سؤال وجواب

الجزء الثاني ٢٠٠ سؤال وجواب بروابط تحميل وورد للنسخ واللصق و pdf

* الجزء الثاني ، أثاب الله من شاركها في الخير ، فكثير الأسئلة يكررها ويحتاجها الطالب والمهتم :

٢٠٠ سؤال وجواب بروابط تحميل (وورد) للنسخ واللصق ، و (pdf) ، حسب طلب الإخوة ، وموضوعها الشبه الإمامية يجد فيها الباحث أغلب إن لم يكن كل ما يثار من قبلهم ، مما تولى الجواب عنها المفتقر إلى رحمة الله تعالى (الكاظم الزيدي) .

* رابط تحميل(وورد) :

https://www.mediafire.com/file/0w3ztnk2szz7gz0/%25D9%2581%25D9%2587%25D8%25B1%25D8%25B3_%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B4%25D8%25A8%25D9%2587%25D8%25A7%25D8%25AA_%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A5%25D9%2585%25D8%25A7%25D9%2585%25D9%258A%25D8%25A9_%25D9%2588%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B1%25D8%25AF%25D9%2588%25D8%25AF_%25D8%25B9%25D9%2584%25D9%258A%25D9%2587%25D8%25A7.docx/file

* رابط تحميل(pdf) :

https://www.mediafire.com/file/wzt9a66smult4wt/%25D9%2581%25D9%2587%25D8%25B1%25D8%25B3_%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B4%25D8%25A8%25D9%2587%25D8%25A7%25D8%25AA_%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A5%25D9%2585%25D8%25A7%25D9%2585%25D9%258A%25D8%25A9_%25D9%2588%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B1%25D8%25AF%25D9%2588%25D8%25AF_%25D8%25B9%25D9%2584%25D9%258A%25D9%2587%25D8%25A7.pdf/file

أسعد الله بكم

اللهم صل وسلم على محمد وعلى آل محمد …

200 سؤال وجواب حول فكر الزيدية

مسائل حول الإمامة

** مسائل حول الإمامة :
🔵🔴🔵🔴🔵🔴🔵
1- الفضل والمكانة لأئمة الإمامية والزيدية ؟!.

السّؤال الأول :

أئمة الإثني عشرية هم أئمة للزيدية، ولكن هل لهم من الفضل والمكانة والأجر مثلما لمن خرج في وجه الظالمين وشهر سيفه؟

والجَواب :

يُبيّنه قولُ الله تعالى : ﴿لاَّ يَسْتَوِي القَاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّـهُ المُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى القَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّـهُ الحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّـهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء:95]، ويبيّنه قول الله تعالى في بني فاطمَة : ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ذَلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ﴾ [فاطر:32]، فالقائمونَ بالدّعوة وتحمّل المشاق من العترَة الحسنيّة والحُسينيّة بنصّ القُرآن لا يستوون معَ القَاعدين، والكلّ قد وعدَ الله الحُسنى، والقائمونَ بالأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر والإمامة العُظمى في الدّين هُم السّابقون بالخَيرات في آية فاطِر، والقاعدون هُم المقتصدون،

وقد يُقال: إنّ الإمَام الصّادق مثلاً أعلم من الإمام النّفس الزكيّة محمّد بن عبدالله ؛ فكيفَ يكونُ القائمُ النّفس الزكيّة أفضَل من القاعِد جعفر الصّادق ؟، 

والجَواب:

أنّ الآيَة قد حدّدت معيار الأفضليّة وهُو القيام والجَهاد والسّبق بالخَيرات، والقائمُ بالدّعوة من ذريّة الحَسنين لا يقومُ إلاّ ومعَه العِلم الكافِي والشرّوط اللازمَة قد توافَرت فيه وذلك يَكفي في هدايَة الأمّة ويقومُ بأمر العامّة، قالَ الإمام النّفس الزكيّة ؛: ((يَا قَاسم بن مسلّم، مَا يَسُرّني أنّ الأمّة اجْتَمَعَتَ عَليّ فَكَانَت كَعلاقَة سَوطِي هَذَا، وأنّي سُئلتُ عَن بَابِ حَلالٍ أو حَرامٍ لَم آتِ بَالمخرج مِنه، يَا قَاسِم بن مسلّم، إنّ أضلّ النّاس مَن ادّعَى أمرَ هَذهِ الأمّة ثمّ يُسأل عَن بَابِ حَلالٍ أو حَرامٍ لم يأتِ بِالمخرَج مِنه)) ([1])، وفي هذا ما رواهُ الحاكم الحُسكاني من غير الزيدية عن الإمَام زين العَابدين ؛ يُبيّن مَن هُو السّابق بالخَيرات، وفيه مع الآيَة جوابٌ للأفضليّة بمعيار القيام والدّعوة، لا بكثَرة العِلم، لمّا كان تحمّل الأوّل أكثر من تحمّل الثّاني، وتعرّضه أكثر من تعرّض الثّاني، وأئمّة الإمامية هُم أئمّة العِلم والهدى عند الزيدية، بل هُم نجوم أعلامنَا وروايتهُم وإجماعاتهُم مع بني عُمومتهم وإخوتهم يقوم على أساسها المذهب الزّيدي، فروى الحاكم الحسكاني الحَنفي في (شواهد التّنزيل)، بإسناده، عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين ؛، قَال : «إنّي لَجَالِس عِندَهُ، إذ جَاءَه رَجُلان مِن أهل العراق، فقالا: يا ابنَ رسول الله، جِئنَاكَ كَي تُخبِرَنَا عَن آياتٍ مِنَ القرآن. فَقَال: وَمَا هِيَ؟ قَالا : قَول الله تعالى : ﴿ثمّ أورَثنا الكتاب الذين اصطَفينا﴾ [فاطر:32]، فَقال ؛: يَا [و] أهلَ العراق أيش يقولون ؟ قَالا : يقولون : إنّها نَزَلَت في أمّة محمد -صلوات الله عليه وعلى آله- فَقال علي بن الحسين : أمّة محمّد كلّهم إذاً في الجنة ! ! قّال: فَقلتُ مِنْ بَين القَوم: يَا ابن رسول الله، فِيمَن نَزَلَت ؟ فَقَال: نَزَلت والله فِينَا أهل البَيت ثَلاث مَرّات . قُلتُ: أخبِرنَا مَنْ فِيكُم الظّالِمُ لِنَفسِه ؟ قَال: الذي استوَت حَسَنَاتُه و سَيئاتُه و هو في الجنّة، فَقلتُ: والمُقتصد ؟ قال: العابِد لله في بيته حتى يأتيه اليَقين، فَقلت : السّابق بالخيرَات ؟ قَال: مَنْ شَهَرَ سَيفَه وَدَعَا إلى سَبيلِ ربّه» ([2]) ،

نعم! فليسَ أحدٌ يُزايدُ على الزيدية في حبّ زين العَابدين، والباقر، والصّادق، والكاظم، وبقيّة أعلام الهُدَى من أخيار بني الحُسين، بل إنّ الإمَام جعفر الصّادق فيما رواه أبو الفرج الأصفهاني كان يقول: «ما آسَى على شَيء إلاّ على عدَم خروجي مع ابنَي هند»([3])، به أو بما معناه، ويقصدُ الإمامين محمّد وإبراهيم -عليهِما وعَليه سلامُ الله-.

اللهمّ، صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

([1]) المصابيح لأبي العبّاس الحسنيّ.

([2]) شواهد التنزيل:2/155.

([3]) مقاتل الطالبيين.

________________________

السّؤال الثاني:

ماعلاقَة السّياسة بالدّين :

 سلام الله عليكم ..أنس الله بحياة الجميع .. أستأذنكم في طرح سؤالي .. حقيقة واجهت إشكالية كبيرة في الإجابة عن السؤال التالي : هل الإسلام كدين جاء كرسالة توحيد فقط بمعني يرشد الناس إلى توحيد وتنزيه الخالق -جل جلاله- أم أن الإسلام جاء كرسالة توحيد وبناء دولة ؟ فإن قلت لي: إن الإسلام جاء كرسالة توحيدية وبناء لدولة إسلامية فلماذا لم يفصل لنا في سياسة هذه الدولة المنشودة، نعم الإسلام يحوي تعاليم راقية لبناء دولة لكن أساس بناء هذه الدولة يقوم على تحديد نظام الحكم فيها ككيف يكون اختيار الحاكم وغيرذلك .. وهذا ما جعل الفرق والمذاهب الإسلامية تختلف، فأهل السنة يقولون: إنَّ السياسة فرع في الدين وليس أصل وإن الحاكم قد يكون جائراً فنصبر أو عادلاً فنشكر, والزيدية يقولون: إنَّ السياسة أو الإمامة أصل وفصلوا فيها, والإمامية حدودها باثني عشر إماماً آخرهم الغائب الذي ينتظرون فرجه, والإباضية حددوا الإمامة بشروطهم وهكذا تجد افتراق الأمة .. فأنا أعتقد والله أعلم أن الإسلام جاء في الأساس كرسالة توحيدية نعم والإسلام يتضمن كل معالم وتشريعات بناء دولة لكنه بالضرورة لا يوجب بناءها بل تركها للناس يقيمون حياتهم .. فما رأيكم ؟.

الجَواب :

أنّ دينَ الله تعالى دينٌ مُتكامِلٌ، رسالَة سيّدنا محمّد -صَلوات الله عليه وعلى آله-، شمَلت الجانب العلميّ -العلميّات والفروعيّات- والجَانب العَملي الميَداني التّطبيقي، الجَانب العِلمي هُو قوامُ النّفس وتأصيلُ عقائدهَا وتثبيتُ إيمانهَا وتمهيد الطّريق لنجاتهَا وفوزها برضَا الله تعالى، والجانب العَملي الميداني التّطبيقي وهُو الذي تُمثّله الإمَامة السّياسيّة فهُو تطبيقٌ لذلك المنهَج العلميّ أصولاً وفروعاً، فعقائد القرآن كالأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر، ودفع الظّلم، وإحلال العَدالة، والطّاعة لأولي الأمْر، وغيرها كلّ هذه الأمور تجَعل من الجَانب العَملي التّطبيقي (الإمامَة) جانباً أصيلاً في ديننا الإسلامي ليسَ هامشيّاً، بل إنّ هُناك أخباراً وآياتٍ مُحكمَة ومُتواترَة معناها بوجوب ذلك، ومنهَا قول الله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [آل عمران:104]، فإن كانَت الإمامَة ليسَت أصلاً، ولم يكُن لها تأصيلٌ وتشريعٌ في الدّين فكيفَ سيكون الأمرُ بالمَعروف والنّهي عن المُنكَر في الآيَة ؟!.، هَل يكونُ الكلّ مخوّلاً لذلك، فذلك أجمعَ أهل الإسلام على إسقاطِه، وهل يكونُ الحاكِم الجَائر هُو الآمر بالمَعروف وهُو المُرتكبُ للمُنكَر المُنتهِي عن المَعروف؟!.، أم أنّ ذلك من واجبَات الإمَام العادِل، وليسَ عندي إلاّ هذا القَول، فإن صحّ، فهَل جعلَ الإسلامُ كتشريعٍ قرآنيّ أو محمّدي نبويّ من طريقٍ إليه، أم لا، فإن لَم يجَعل له من طريقٍ سقطَ الاحتمَال وسقطَ الأمرُ في الآيَة، وإن كانَ هُناك من طريق فذلك هُو قول الزيدية، ثمّ إذا نظرنَا قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّـهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء:59]، زادَ إيمانُنا بأنّ الأصل من ذلك التشّريع موجود بآيات الكتَاب العَزيز، ثمّ أيضاً الإمامة خالفَة النبوّة، والرّسول -صَلوات الله عليه- كانَ هادياً يقوم بالجَانب العلمي أصولاً وفروعاً وكان يقوم بالجَانب العمليّ التّطبيقي السيّاسة والجهَاد وإقامَة الحُدود والجُمع والجمَاعات وقبض الزّكوات، فذلك كلّه لن يكونَ بلا إمام سياسيّ عادِل حاكِم شرعيّ، ونختصرُه بأنّ القوام الإسلاميّ لا يقوم بفصل الدّين عن السّياسَة (الحُكم) .

وبعدَ ذلك يكونُ الكَلام في نظريّة الإمامَة وأيّ تلك النظريّات الإسلاميّة هُو الصّحيح منهَا، فمِن قال: هي في قريشٍ، وقالَ بعضهم: بالتغلّب لمنعِ الفتنَة، ومِن قائلٍ: في سائر الأمّة، ومن قائلٍ: في اثني عشر إماماً،

وقالت الزيدية : إنَّها في أولاد الحسَن والحُسين إلى يوم القيامَة لما اقتضاه حديث الثّقلين وأحاديث أخرى روتها الزيدية، ولمّا كانوا أفضَل الأمّة ولم ينقطع صالحوهم إلى يوم الدّين، وكان أوّلهم نبيّ وآخرُهم هُو الإمام المَهدي محمّد بن عبدالله ، ولمّا كانَ ذلك وعد الله لإبراهيم الخَليل أن تبقَى الإمَامة في ذريّته، وبنو فاطمَة بقيّة ذريّة إبراهيم، وكذلك وعد الله لإبراهيم بأن تبقى الهدايَة والإيمان في ذريّته ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الزُّخرُف:28] ، ولمّا خصّصت الإمامية الإمامة في اثني عشر شخصاً بلا دليلٍ يُفيد العِلم بعكس حديث الثّقلين المُتواتر، وبشكل عامّ فتفصيلُ ذلك في باب الإمامات، وجوهَر السّؤال كان حول النظريّة السياسيّة (الإمامة) في الجانب الدّيني ارتباطاً وابتعاداً، والجَواب قد درَج، ويُعاوننا السّائل بالبَحث عن أصول ما أشرنَا إليه، ودونَته كُتب العترَة -صَلوات الله عليهم- ، والتّجربَة المُعاصرَة، نختزلُها بقولِنا : هل يستقيمُ الدّين بدون تطبيقِه وإقامَة حُدودِه وتطبيق أوامره ونواهيه ومنها الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر، والجواب فيه الجَواب .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

السّؤال الثالث :

مَا هو مَفهوم الرّافضة عند الزيدية وسبب الرّفض؟!.

نريد أن نعرف مفهوم الرافضة في الزيدية ، وما مدى صحة الرواية التي ذكرت في بعض الكتب مثل كتاب (الحور العين) لنشوان الحميري والتي تروي عن قدوم جماعة إلى الإمام زيد ؛ يشترطون منه أن يسب الشيخين من أجل أن يتبعوه ويناصروه، فقال لهم: كيف أسب من كانا وزيري جدي وجدي وزيرهما، فقالوا: إذاً نحن نرفضك، فقال لهم الإمام زيد ؛: اذهبوا فأنتم الرافضة ؟.

الَجواب :

أنّ مَفهوم الرّافضَة عندَ الزيدية، مفهومٌ ومُصطلَح شرعيّ أصّله وحدّه رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، فيَروي الحافظ علي بن الحُسين الزّيدي، بإسنادِه: حَدّثني يَحيى بن الحُسَين بن القَاسِم بن إبرَاهِيم ؛، قَالَ: حَدّثني أبِي، عَن أبِيه، قَالَ : لمّا ظَهرَ زَيد بن عَلي ؛ ودَعَا النّاس إلى نُصرَة الحَقّ فَأجَابته الشِّيعَة وَكثيرٌ مِن غَيرها، و قَعَد قَومٌ عَنه، وقاَلوا له: لستَ الإمَام، قَال: فمَن هُو؟ قَالوا: ابن أخيكَ جَعفَر. فَقَال: إن قَال جَعفرٌ: إنّه الإمَام فقَدْ صَدَق. فَاكتُبوا إليه واسألوه. قَالوا: الطريق مَقطوعَة ولا نجدُ رَسُولاً إلاّ بأربَعين دِينَاراً، قَال: هذه أربَعُون دِينَاراً، فَاكتُبوا وأرسِلُوا إليه، فلمَّا كَان مِنَ الغَد أتَوْه ، فَقالوا: إنّه يُدَاريك، فقَال: وَيلكُم إمَامٌ يُداري مِن غَير بَأس، أو يَكتُم حَقاً أو يَخشَى فِي الله أحَداً، اختَاروا أن تَقاتلوا مَعي وتُبايعوني عَلى مَا بُويع عَليه عَليٌّ والحَسَن والحُسين ، أو تُعينُوني بسلاحِكُم وتكفّوا عَنّي ألسِنَتَكُم، قَالوا: لا نفعَل، فقال: اللّه أكبَر أنتُم والله الرّوافض الذي ذكرَ جَدي رَسُول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- ، قال: «سَيكون مِن بَعدِي قَوم يَرْفُضُون الجِهَادَ مَع الأخيَار مِن أهل بَيتِي، ويَقولون: ليس عَليهم أمرٌ بمَعروف ولا نَهيٌ عَن مُنكَر، يُقلِّدون دِينَهُم ويَتّبعُون أهَواءَهُم» ([1]

وهُنا في الخَبر عدّة أمور فيها جوابُ السّؤال :

الأمرُ الأوّل : قصّة الرّفض، وأنّها ليسَت تلكَ التي ترويهَا العامّة، من أنّ تلكَ الجماَعة أتت أبا الحُسين وامتحنتهُ بالسّؤال في حالِ أبي بَكر وعُمر، وإنّما هُم قومٌ امتحنُوه رغبةً في إيجاد العُذر للخُروج من البيعَة وتركِ الجَهاد وخوفاً من أسنّة الرّماح وحرّ السّيوف، فقالوا: لَستَ الإمَام، وهذا السّبب مُتواترٌ من طريق الزيدية أجمَعوا عليه كسَبب رئيس في قصّة الرّفض، وإن أوردَ أحدٌ من المؤرّخين أو غيرهم من الزيدية قصّة الرّفض بطريق الامتحَان للمشائخ فليسَ على سبيل التّأصيل بل الحكاية غالباً، وذلكَ فيمَا وقفنَا عليه من مصنفّات الأصحَاب، ثمّ إنّنا نقولُ إنصافاً: بأنّه إن صحّت قصّة الامتحَان للصّحابَة من تلكَ الجمَاعة من الشّيعَة، فيكونون قَد سألُوا مسَألتين، الأولَى في أبي بَكر وعُمر، والثّانية في الوصيّة وأنّ الإمام هُو جعفر بن محمّد ؛، وهذا مُحتمَل ومُستبَعد، ويبقَى سَبب الرّفض هُو أنّ تلكَ الجماعَة من الشيَعة رفضَت الجهَاد معَ الإمَام زيد بن عَلي ؛، لا لأنّها رفضَت أبا بَكر وعُمر، قالَ الإمام المنصور بالله عَبدالله بن حمزَة ؛ : «وأمّا تَسميتُه الرّافضة الذين رَفضُوا أبا بكر وعُمَر وعُثمان وغَيرهم، فَالصّحِيح أنّ الرّافضَة هُم الذين رَفضُوا زَيد بن عَلي ؛» ([2])، بل إنَّ ابن تيميّة نفسَه قد أقرّ أنّ سبب الرّفض، هُو رفضُ الإمام زَيد ؛ لا لرفض الشّيخين، قال ابن تيمية : «مِن زمن خُروج زيد، افترقَت الشِّيعَة إلى رافضَة وزيديّة، فإنه لما سُئل عَن أبي بَكر وعمر فترحَّم عَليهما، رَفضَه قَوم، فقالَ لهم: رَفضتُمُوني، فسُمّوا رافضَةً لرفضِهِم إيّاه، وسُمّي مَنْ لَم يَرفُضهُ مِن الشِّيعَة زَيدياً لانتسابِهم إليه» ([3])، بل وحتّى صاحب كتاب (الحور العين) نشوان الحميري ذكرَ أنّ سبب الرّفض، هُو رفضُ الإمام زيد بن عَلي ؛، قال : «وسُمّيت الرّافضة من الشيعَة رافضَة، لرفضهِم زيد بن عَلي بن الحسين بن عَلي بن أبي طَالب، وتركهِم الخُروج معه» ([4])، والمَعلومُ أنّ سلفَ الإمامية لم يخرُج من أصحابهِم مع الإمَام زيد بن عَلي ؛ أحَد، بل كانوُا يُخذّلون النّاس عَنه، ويُناظرونَه يحسبونَ ويزعَمون أنّهم يُسفّهونَ قولَه!!، كمُناظرَة مؤمن الطّاق، وأبي بَكر الحضرميّ، حتّى قالَ العلاّمة الحلّي عن سليمان بن خَالد الأقطَع: «لَم يخرُج مِن أصحَاب أبي جَعفَر غَيرُه» ([5])، يَعني لم يخرُج معَ الإمام زيد بن عَلي، ثمّ سُليمان هذا استتابَه سلفُ الإمامية من خُروجِه ذلك!!، قال الميرزا النّوري : «عَن سُليمَان بن خَالِد البُجلي الأقطَع الكُوفي، وكَان خَرج مَع زَيد بن علي ؛، فَأفلتَ . قُلتُ: ثمّ تَاب ورجعَ إلى الحقّ قَبل مَوته» ([6])، والله المُستعَان، فظهرَ لك -أخي الباحث- قصّة الرّفض من هذا الأمر الأوّل.

الأمرُ الثّاني : من ذلكَ الخبر المحمّدي، يظهَر للباحِث المُنصف أنّ ذلكَ اللقب وجهُه الشّرعي يُقصدُ به : « قَوم يَرْفُضُون الجِهَادَ مَع الأخيَار مِن أهل بَيتِي» كمَا قالَ -صلوات الله عليه وعلى آله-، ولذلكَ قالَ الإمَام الأعظَم زيد بن عَلي ؛ من رواية أخرى للإمَام الهادي إلى الحقّ عنهُ ؛ : «اللهمّ، اجعَل لَعنَتك ولعَنة آبَائي وأجَدَادي وَلَعنتي عَلى هَؤلاء الذين رَفَضُوني، وخَرجُوا مِن بَيعَتي، كما رَفضَ أهلُ حَرُورَاءَ عَليّ بن أبي طَالب ؛ حتّى حَارَبُوه» ([7]).

الأمرُ الثّالث : أنّ نشوان الحِميري وإن كانَ قد أوردَ أنّ قصّة الرفض هي الامتحَان في الشَيخين، فإنّه على شرط العترَة، يُقدّم قولُ أهل البيت آ إذا تخالفَت الأقوال، ورواية نشوانَ فعَن مُؤرّخي العامّة من غير العترَة، وقد قدّمنا لكَ ما احتجّ به ورواه الأئمّة عن آبائهِم، ومَنْ أرادَ التوسّع راجَع أقوال العترَة من طرق كثيرَة في الرّافضة في مبحثَنا (الرّافضة) .

لتصفّح البحث الرافضة بصيغَة (الفِلاش) ، ويُمكن التّحميل مِنه :

https://www.calameo.com/read/0061241571c4d749329ac

لتحميل البَحث (ميديا فير) :

https://www.mediafire.com/file/ayl319x4g6416ir/alrafedah.pdf/file

اللهمّ، صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

([1]) المحيط بالإمَامة «مخطوط»، ورَواه الحافظُ أبو العبّاس الحسنيّ في المَصابيح.

([2]) الشافي: 2/434.

([3]) منهاج السنّة النبويّة: 1/35.

([4]) الحور العين: 221.

([5]) خلاصة الأقوال: 153.

([6]) خاتمة المستدرك: 4/328 .

([7]) مجموع كتب ورسَائل الإمَام الهادي إلى الحق: 60.

________________________

السّؤال الرابع:

هل للعلماء دور في تعيين الإمام حتى وإن لم يكن راضي بالإمامة حتى لايكون هناك تعارض مع الحديث؟!.

الجَواب :

نعَم للعُلمَاء أهل الحلّ والعقد دورٌ في تعيين الإمَام ومُبايعته، تماماً كمَا حصل مع الإمَام القاسم بن إبراهيم الرّسي ؛، عندمَا اجتمَع سادات العترَة، زاهدُ الآل موسى بن عبدالله بن موسى الجون، وأحمد بن عيسى بن زيد بن عَلي، والحسن بن يحيى بن الحُسين بن زيَد بن عَلي، والحافظ محمّد بن منصور المُرادي، والقاسم بن إبراهيم الرّسي، وقدّموا للإمَامة أبا محمّد الإمَام القاسم بن إبراهيم الرّسي وقبلَ بذلك وتقدّم، وبعدَم الرّضا فإنّهم يُقيمونَ عليه الحجّة، ثم يلزمُه القِيام مع ارتفاع المَوانع والأعذَار، وبدون رضَاه فلا يكونُ ذلك، وبعد اجتماع أهل الحل والعقد فإنّ الإمَام يقوم فيدُعو فتلزم النّاس الإجابَة، وكذلكَ اجتمعَ يحيى بن عَبدالله بن الحسَن، وموسى الكَاظم بن جعفر، ووجوه بني الحسن والحُسين، وقدّموا الإَمام الحُسين الفخّي للإمامة، فرضيَ وقام ودَعا واستُشهِدَ سنَة (169هـ)، وكذلكَ اجتمعَت البيَعات من ابن الأشَعث الكندي عندَ الإمَام الحسَن بن الحسَن بن عَلي بن أبي طَالب، فقال الإمَام الحسَن ؛ : «مَالِي رَغْبَةٌ عَن القِيام بِأمْرِ الله، ولا زُهد في إحيَاء دِين الله، ولَكن لا وَفَاءَ لَكُم، تُبَايُعونَنِي ثُمّ تَخْذُلُونَنِي»، فلّما استوثقَ أمرَهم قامَ ودعَا، ولم يُكتب لدَعوته الاكتمَال حيث عاجلَ الأمويّون جيش ابن الأشعث قبل وصول الإمَام الحسن بن الحسن إليهم، فطُوردَ عُمره، وماتَ مسموماً -صلوات الله عليه- وأُشير عليه أيضاً إلى أنه قد يكون ابتداء أمر الفاطمي دعوةٌ يلتف حولها أهل العلم والعامة من الناس، فالأصل الدعوة في الحالتين .

اللهمّ، صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

السّؤال الخامس :

لماذا تُطلق الزيدية على الصّادق لقبَ الإمَام وزيدٌ إمَام:

ما حيثيّات إطلاقِنا على جَعفر الصّادق لقبَ الإمَام، وعلى كون الإمام جَعفر الصّادق إماماً، والإمَام زيد بن عَلي إماماً، فكيف يكونُ هُناك إمامان في وقتٍ واحِد، وذلكَ عندَما قالَ الإمام زيد للرّافضة «إمامٌ ويُداري …، اذهبُوا إليه فإن قالَ: إنَّه الإمَام فهُو الإمَام»، في الخبر المشهور عند الزيدية وغيرهِم ؟.

الجَواب :

أنّ الإمَامة في اللّغَة تَعني القُدوة، قال ابن فَارس : «الإمَام: كلّ مَن اقتُدِي بِه وقُدّم في الأُمُور، والنّبي: إمَام الأئمّة، والخَليفة: إمَام الرّعية، والقُرآن: إمَام المُسلمين»، فالإمَامة لفظةٌ تختلفُ حَسب استخدامِنا لها، فإذا قُلنا: إمَام الصّلاة لم نعنِ به إمامَ المُسلمين، وإذا قُلنا: إمَام الضّلالَة لم نعنِ به إمَام المُسلمين العادِل، والله تعالى يقول: ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الكُفْرِ﴾ [التوبة:12]، وكذلك إذا قُلنا عن سيبويه: إنَّه إمَام اللَغة، فليسَ يعني هذا أنّه إمامُ المُسلمين،

نعم! وكذلكَ نحنُ إذا أطلقَنا على العُلماء من آل محمّد من غير الأئمّة القائمين لقب الإمَام فإنّما يُطلق لكونِه يُقتدَى به في علمِه وورعِه وزُهدِه إمامُ علِم، يُقتدَى به في ذلك، لا أنّه إمامٌ شرعيّ قائمٌ مُستحقّ، ولذلك تجد الزيدية تُطلقُ لقبَ الإمَام على غير الأئمّة القائمين، كقولِنا: الإمَام الباقر، والإمَام الصّادق، فتنبّه لذلك، وقولُ الإمام زيد بن عَلي ؛: إمامٌ ويُداري لأولئك الرّافضة فإنّما هُو تهجينٌ لهُم لمّا كذبوا على الإمَام الصّادق وتكلّمواً بلسانِه وقالوا: إنّه يُداريك ويقولُ: إنَّك الإمَام الشّرعي لأنّكَ عمّه، فتعجّب الإمام زيد بن عَلي ؛ من هذا القول، فقال: تزعمونَ أنّه إمامٌ، وتزعمونَ أنّ الإمَام يُداري يعني يتّقي في الحقّ ويقولُ بخلافِه مُداراة لعمّه، ثمّ هُو بقوله: اذهبُوا إليه، فإن قالَ: إنَّه الإمَام فهُو الإمَام، فهُو من إلجاء الكاذِب إلى ما يُلزمُه ويقطعُ خصامَه؛ لأنّه يعلمُ قطعاً ويقيناً أنّ ابن أخيه جعفر بن محمّد لن يقولَ بهذا القَول، وكيفَ يقولُ بهذا وهُو قد بايعَ عمّه بالإمَامة العُظمى وأرادَ أن يخرُج معه للقَتال، فقالَ له الإمام زيد : «قائمُنا لقاعدنَا وقاعدنا لقائمَنا، إذا خرجتُ أنا وأنت فمَن يكون لحرمنا»، وكانَ زيدٌ وجَعفر أكبر أهلهِما من ذريّة زين العابدين في ذلك الزّمان .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

السّؤال السادس :

الأئمّة المُجددّون على رأس كلّ قَرن من الزمان؟!.

قال رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- : «كل قرن من هذه الأمة رسولاً من آل محمد يخرج إلى القرن الذي هو إليهم رسول وهم الأولياء و هم الرسل» .. قرأتها في كتب الاثني عشرية، فهل هي أيضاً عند الزيدية؟ وهل يتعارض الحديث مع النظرية النصية العددية؟.

الجَواب :

أنّ الحَديث المَحفوظ في هذَا عن رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، به أو بمَا معناه: «إنَّ اللهَ يبعثُ لهذه الأمةِ على رأسِ كلِّ مائةِ سنةٍ من يُجدِّدُ لها دينَها»، وقالَ الإمَام المنصور بالله عَبدالله بن حمزَة ؛ : «ورَوينا فِي آثَار كَثيرة مُتظاهِرَة ورَواها الأئمّة آ وعُلماء المُعتزلة: أنّ عَلى رأس كلّ مَائة سنَة حُجّة لا تتمّ إلاّ عَلى حُجّة لله تعالى قائمَة عَلى خَلقِه» ([1])، وقال الإمَام مجدالدّين المؤيّدي ؛ : «وفي بعض الروايات: «إنّ الله يمنّ عَلى أهل دِينِه فِي رَأس كلّ مَائة سنَة برَجُل مِن أهل بَيتي يُبيّن لَهم أمرَ دِينهِم، ….، وقال الإمَام زيد بن عَلي ؛  في الكلام الذي رَواه عنه صاحب (المحيط) مخاطباً لأصحابه: «وَيحكم! أمَا عَلمتُم أنّه مَا مِن قَرن يَنشأ إلا بَعثَ الله -عزّ وجل- مِنّا رَجلاً، أو خرَج منا رَجل حُجّة عَلى ذَلك القَرن، عَلِمَه مَنْ عَلِمَه، وجَهِلَه مَنْ جَهِلَه». قلتُ (أي الإمام مجدالدّين): وهذَا مِن مُؤدّى قَول الرّسُول -صَلوات الله وسلامه عليه وآله- في الخبَر الذي روَته طوائف الأمة، وأجمعَ على صحّته الخلق، وهو: «إنّي تارك فيكم ما إن تمَسّكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً، كِتاب الله، وعِترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحَوض»، وهو من تمام حُجَج الله عَلى عِبَاده، وسَنُبيّن المُجَدِّدين، عَلى رؤوس المِئين، إلى عصرنا هَذا، سنَة خَمس وستين وثلاثمَائة وألف مِن دون اعتبار بالكَسر في السِّنين، مهما كَان يصدق عليه أنّه في رَأس المَائة، كمَا حَقق ذلك بعض عُلمَائنا المحققين … إلخ» ([2]) ، ثمّ استطردَ ؛ في تبيين الأئمّة المُجددّين من سَادات بني الحسَن والحُسين، والحَديث أيضاً رواهُ المحدّثون من الفرقة السنية، أبو داود في ُسننه، والسخاوي والسّيوطي وغيرهم .

والمَعنى من هذا الحَديث أنّ الله تعالى رحمَةً بالأمّة ييُسّر ويُهيّئ للأمّة دعوةً علويّة فاطميّة حسنيّة أو حسينيّة، علمَها مَنْ شاء واهتمّ فلا تكون خافيَة عليه خفاءً لا يستطيعُ الوقوف على الحقّ منها، وجَهلها مَنْ جهلَ بالابتعَاد أو الاستكبَار أو العتوّ أو الإغفَال وعدم البَحث، فالدّعوة موجودَة حاضرَة يُعايشُها البعض بالمُعاصرة والسّماع والاستفاَدة والانقياد والائتمَام وإن غفل عنها أو جهلها البعض لعَدم الاهتمَام، وهذا توضيحٌ لمَا جاء من قول الإمَام زيد بن عَلي الذي أوردَه الإمَام المؤيّدي -صَلوات الله عَليهما-.

وأمّا هل يتعارضُ هذا الحَديث مع النظريّة النصيّة الاثني عشرية فذلك قطعاً نعَم؛ لأنّه ينفي الغَيبَة ويستلزم منهُ وجود الدّعاة على مرّ السّنين، وفي كُتب إخوتنَا من الإمامية ما يشهَد لمعنى ذلكَ الحديث في ذكر المُجدّدين، وهو ما يَنفي العدديّة والنّص، ومنه مَا رواه الشّيخ الصّدوق، بإسنادِه: عن بريد بن مُعاوية العجليّ، قال: قُلتُ لأبي جعفَر ؛: ما معنَى: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد:7]؟ فقال : «المُنذرُ رسول الله ص، وعليٌّ الهَادي، وفي كلّ وقت وزمانٍ إمامٌ منّا يَهديهِم إلى ما جَاء بهِ رسول الله ص» ([3])، وهذا الحَديث يشهَد لعقيدة الزيدية ويردّ على عقيدة الإمامية، وروى ابن بَابَويه القمّي، بإسنادِه: عَن أبي بَصير، عَن أبي جَعفر ؛، في قَول الله عزّ وجلّ : ﴿وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء:59]، قال: «الأئمّةُ مِن وَلد عَليٍّ وفَاطِمَة ‘، إلى أن تَقومَ السَّاعَة»([4])، وهذا يدلّ على قولٍِ الزيدية، وكانَ الأمر عامّاً في ولَد عليّ وفاطمَة، وولدُ عليّ وفاطَمة هُم ذريّة الحسن والحُسين . وروى الكُليني ثقَة الجعفرية، بإسنادِه: عن سماعَة، قال: قال أبو عبدالله ؛، في قولهِ -عزّ وجلّ-: ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا﴾ [النساء:41]، قال: «نَزلَت فِي أمّة محمّد ص خَاصَّة، فِي كلِّ قَرنٍ مِنهُم إمَامٌ مِنّا شَاهِدٌ عَليهِم ومحمّدٌ ص شَاهِدٌ عَلينَا» ([5])، والشّاهد في قولِه «فِي كلِّ قَرنٍ مِنهُم إمَامٌ مِنّا شَاهِدٌ عَليهِم»، وهُو مضمون مَا أوردَه الإمَام مجدالدّين المؤيّدي عن سَادات العترَة -صَلوات الله عليهِم-، وهُو ينفي العدديّة الاثني عشرية والنّص، ويثبّت قول الزيدية عندَ من أنصَف، ولم تُحرق العصبيّة المذهبيّة قلبَه فيتعدى هذه الإجمَاعات عن العترَة من كُتب الفريقين إلى غيرها، قالَ المازندرَانيّ في شرحِه للخبَر، في معنَى القَرن: «القرنُ: أهلُ كلِّ زمَان، وهُو مِقدارُ التّوسط في أعمارِ أهلِ كلّ زمَان، مأخوذٌ من الاقتران فكأنّه المِقدار الذي يقترنُ فيه أهلُ ذلكَ الزّمان في أعمارهِم وأحوالهِم» ([6])، وهذا بيّنٌ منهُ إطلاق قولِ الإمام جعفر الصّادق ؛ وعدم حصرِه الأئمّة بأعدادٍ مُعيّنة، ويُؤيّدُه ما رواهُ الصّفار في (بصائرِ الدّرجات) بإسنادِه، قال أبو عبدالله ؛ في قولِه تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد:7]، فقال : «كلّ إمامٍ هادٍ للقرنِ الذي هُو فيهِم»([7])، فالقرنُ هُو: مُتوسطُ أعمارِ أهلِ كلّ زمانٍ إلى انقطاعِ التّكليف، وأدلُّ منهُ ما رواهُ ابن بابَويه القمّي، بإسنادِه، عن أبي عبدالله ؛، قال : «كلّ إمامٍ هادٍ لكلِّ قومٍ في زمانهِم»، نعم! وهذا فبيّنٌ منهم تثبيتُ الدّعوة من الأئمّة والقيام على منهج الزيدية، والحمدُ لله .

اللهمّ، صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

([1]) المجموع المَنصوري 2/165.

([2]) التحف شرح الزلف.

([3]) كمال الدين وتمام النعمة: 667، الإمامة والتبصرة: 132.

([4]) الإمامة والتبصرة: 134 .

([5]) أصول الكافي: 1/190.

([6]) شرح أصول الكافي: 5/162.

([7]) بصائر الدرجات:50.

________________________

السؤال السابع :

هل تقاتل أئمة الزيدية إن صح ذلك عنهم يقوض المنهج الزيدي؟ هل بمعنى هل الإمام المتغلب سيُغير في منهج الزيدية أو يشرع فيه شيئاً جديداً نتيجة لتغلبه فتختلف الأصول ؟.

الجَواب :

أنّ هذا السّؤال جوهريّ ومهمّ أن يقفَ الباحثُ على أطرافِه؛ لأنّه قد شاعَ وطاشَت العُقول مَعه، وقد أقدَموا معهَ على سوء استنبَاط للأسَف ، وإلاّ فهَل ذلكَ الاختلاف بين المُسلمين اليَوم حول الكتاب والسنّة يُلغي صحّة تلك المنهجيّة من الكِتاب والسنّة؟!. هَل تقول الزيدية بعصمَة آحاد أئمّتها ؟!.، ولأنّ السّؤال مهمّ فسنطوّل الجَواب فيه،؛ لأنّي على ثقةٍ أنّ الباحث الحَصيف الذي يستطعمُ معنى الإنصاف ويستلذّ به سيجد أنّ في هذه المسألة تهويلاً وتضخيماً وتَعميماً طال نظريّة الإمامة التي أجمَع عليها سادت بني الحسَن والحُسين .

وسيكونُ الجواب من عدّة جوانب :

الجانبُ الأوّل : أنّ الفِكر الزّيدي، أو المَذَهب الزّيدي، قامَ على أصلَين رئيسَين وأصلٌ ثالثٌ مُلازم، فالأصلين الرئيسَين هُما: الكتاب، والسنّة، والأصل المُلازمُ هُو: إجماع أهل البيت عليهم السلام .

الجانب الثّاني : أنّ أي فكر إسلامي يكونُ هُو الحاكمُ على أفرادِ أصحابِه، وليسَ أفرادُ أصحابِه هُم الحاكمونَ عليه، خصوصاً وأنّ أفرادَ أصحابَه غير معصومين . فإذا أخطأ العالمُ الفُلاني في تطبيقِ الفِكر، فإنّ هذا لا يعيبُ الفِكر نفسه، وليس هُو بحجّة على الفِكر، تماماً كحال مَن تقاتَل من أئمّة الزيدية، فإنّ الحاصِل هُنا هُو سوءٌ في تطبيقِ الفِكر ومبادئ الإمامَة، لا أنّ هذا يعني أنّ هُناك خللاً في هذا الفِكر، تنبّه لهذه فإنّها دقيقَة، فالفرقة السنية في أصلِ عقيدة بعضهِم أنّ من شروطِ الحاكم العَدل والتديّن، وأن يكون ممّن يصلحُ لمنصِب الفَصل بين النّاس بعلمِه بالشّريعَة، ومعلومٌ أنّه قد تولّى من خلفائهِم الذينَ يسمعون لهُم ويُطيعون من لم يكُن بهذه الصّفات مُتحلٍّ، ومنهُم مَن كان فاسقاً كيزيد بن معاوية، ومنهُم مَن تقاتَل كالأمين والمأمون، فهَل سوء التّطبيق هُنا يردّ على أصلِ الفكر السنّي في تعيين صفَات الإمام وخليفَة المسلمين، قطعاً لا، فهذا -أخي الباحث- من ذاك فيما أثِر من تقاتل بعض أئمّة الزيدية .

الجانب الثّالث : الزيدية تقولُ في المُتقاتلين: إنَّ الإمام المُستحقّ منهُم ليسَ إلاّ واحداً، وتُخطّئ الخارجين عَليه .

الجانب الرّابع : أنّ مَن قال عن هؤلاء المُتقاتلِين، هَل هؤلاء يُمثّلون أهل البيت الذين ادّعيتُم أنّهم سُفن النّجاة، وثقَل الله الأصغَر في الأرض، فهَل نقتدي بهِم على حالهِم هذا من القَتل والتناحُر ؟!، والجَواب : أنّ مَن ينظُر بهذا المِنظَار فيختزلُ فضل جماعةٍ كبيرَة من أئمّة أهل البيت من زمن رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- إلى زمنِنا هذا، بتصرّفات فرديّة نادرَة وقليلَة مُقارنةً بمحاسنِ بقيّة الأئمّة، علماً، واجتهاداً، وجهاداً، وتأليفاً، ونُصرةً للمظلومين، فإنّه ينظرُ بمنظارٍ ضيّق، فنختصرُ على مَن قال بهذا،

ونقولُ له: إنَّك قد شهدَت أنّه قد كاد يكون إجماع أنّ أئمّة اليمن من أهل الدّيانَة والعِلم، فهَل يزرُ الصّالح منهُم وزرَ المُخطئ ؟!، والله تعالى يقول : ﴿ولاتزرُ وَازرةٌ وِزرَ أخرَى﴾ [الأنعام:164]، هل ستزهدُ في الإمام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين لأجلِ من انتقدَت عليهِم تلكَ الأمور؟!، وهَل ستزهُد في المنصور بالله القاسم بن محمّد لأجلِ من تحفّظتَ عليهِم؟!، هَل ستُفرِّط في الإمام النّاصر الأطروش مَنهَ هدى الله على يدَيه من عبدَة الشّجر والحجَر ألف ألف من المكلّفين فآمنوا بالله تَعالى، لماذا لا نجعلُ هؤلاء هُم الحاكمون على حبّ أهل البيت كنماذِج مُضيئَة في اليمن وغير اليمن، لماذا لا نجعلُ هؤلاء هُم الحاكمون على تطبيق فِكر الزيدية بلا دَغل ولا وغَل، الإنصافُ عزيزٌ يا إخوان .

وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلةٌ

وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا

الجَانِب الخامس : أنّه المهّم في المسألَة أن تعرِفَ أنّ إسَاءة التّطبيق راجعَة إلى المُتقاتلين، لا أنّها راجعَة إلى الفِكر الزّيدي، فإذا عرفتَ ذلك أسقطتَ الانتقاد على المذهب الزّيدي كمذهَب، فلا تُدخِلْهُ في تقاتُل هؤلاء الأئمّة، فإن أردتَ أن تتناول الموضوع فتناولُه من جهَة تاريخيّة فقَط، لا من جهَة فكريّة مذهبيّة؛ لأنّ المذهب الزّيدي بمبادئه لا يضرّه أن يُطبّقه بعض أفرادِه تطبيقاً خاطئاً، وكذلك الحالُ مع أيّ مذهب، إلاّ الجعفرية فإنّ أئمّتهم معصومون، وخطأهُم يؤثّر على الفِكر والاعتقاد .

فإن قيلَ: لَو كَان الفِكر الزّيدي لا يُعطِي أشخَاص الأئمّة الزيدية الوَزن والثِّقل الكَبير في مَعرفة الحقّ واتّباعه لكَان كَلامك مَنطقياً، وحِينها لا يَصحّ مُحاجَجة الفِكر الزّيدي بتصرّفات بَعض أئمّة الزيدية ولكنّ وَاقِع الحَال أنّكم تَدعون أنّ طَريق مَعرفة الحق واتّباعه مُقترن بأشخَاص الأئمّة الزيدية، فالذي نَرَاه أنّ حُصُول التّقَاتل بَين الأئمّة الزيدية يَهدّ أسَاس الزيدية كَامِلاً مِن زاوية اقترَان الحقّ بِأشخَاصِ الأئمّة الزيدية .

قُلنَا : قولُكم: لكنّ وَاقِع الحَال أنّكم تَدعون أنّ طَريق مَعرفة الحق واتّباعه مُقترن بأشخَاص الأئمّة الزيدية، فالحقّ الذي تتكلّم عنه -أخي الباحِث- وأنّه مُقترنٌ معرفتهُ بشخصِ الإمام القائم، لا يخلو أن يكون من الأصُول أو الفُروع، فإن كان من الأصُول فإنّ الحقّ قد زُبِر من إجماعات السّلف من أهل البيت المُستندَة إلى الكتاب والسنّة، فمَا هذا الإمام القائم إلاّ مُبلِّغاً لا مُشرِّعاً، وإن كانَ في الفروع فإنّ الرّأي فيها مزبورٌ وليسَ للإمام إلاّ أن يجتهِد بنظرِه في المسائل، واجتهادُه هذا شرطهُ الاستنادُ إلى الشّرع، فالإمام عند الزيدية كشخص وفَرد ليسَ ذاتُ الحقّ مقروناً بمعرفتِه، وإنّما هُو من الأدلاء على الحقّ الذي أقرّه إجماع سلفِه ثَقل الله الأصغَر في الأرض،

وإنّما قُلنا: إنَّه من الأدلاء لمكان علمِه ودورِه التّبليغي، ودورهُ في الهِدايَة للأمّة، فأوجبَت الزيدية إجابَة دَعوَة الأئمّة العلماء المُجتهدين لِما هُو واجبٌ من دَعوة الإمام المستحقّ، وأنّ النّاس يكونون في أغلب أحوالهِم مع هذه الدّعوة العادلَة في مأمنٍ حيث يَلوذون بذلك الإمام فيما يستشكلُ عليهِم من أصولِ دينهِم وفروعهِم، فيُفهّمهم ويستنبطُ لهُم، ثمّ هُو يسوس الرعيّة فيدفع الظّلم، ويأمُر بالمعروف وينهى عن المُنكَر، هذه هي النّظرية العامّة عند الزيدية وقد طبّقها كثيرٌ من الأئمّة بلا مُخالفَة أو اختلاف، كما أُثِر عن بعض مَن تقاتَل من الاختلاف، فالحجّة هُو الأصل، وما طرأ يكون شاذّاً .

فإن قال الباحِث : مَا زلت أستشكلُ كَلامَك، ودَعنِي أستَوضِحُك بشكل مُتسلسل، مِن بَاب الافتراض والتّخيل لَو حَدث قِتالٌ بَين سَيدنا الحسن وأخيه سَيدنا الحسين -رضي الله عنهما- عَلى مَنْ يَكونُ الإمَام أو غَير ذَلك، فَهل هَذا الاقتتال عِندكَ لا يُسبّب إشكالاً في دَعوَى اقتران الحق بأهل البَيت؟!. وكَيف يَتمكَّن المُسلم المعاصر لهذا الاقتتال مِنْ مَعرفَة الحقّ إذا كَان عِندُه دَليلان الحسَن والحسين مُتناقضان ؟!.

قُلنا : لا بَأس، إن شَاء الله أن نَأتي بما قد يُذهِب الالتباس في المسألَة، وسأتمَاشَى مع مثِالكَ فَرَضاً وهُو مُستبعدٌ حقيقةً لأجل العصمَة.

* فالحسَن والحسين حينَ قتالهِم، لا يخلو حالُهم من أمرَين :

1- إمّا أن يكونا مُتّفقين في أصولِ مذهبهِم أصول الزيدية.

2- وإمّا أن يكونا مُختلفين في أصولِ مذهبهِم .

* هُنا الواجبُ على المكلّف اتّباع مَن دعَا إلى الله تعالى، وسنّة رسولِه على منهَج سلفِه من أهل البيت ، وعلى هذا يترتّب السّؤال الثّاني وهُو المهمّ أخي طالبَ،

الجَواب :

* إذا كانَ مصيرُ الحسن والحسين في الدّين إلى أصولٍ واحدَة أصول الزيدية، وقَد عرفنَا أنَّ الزيدية مؤمنَة أنّ الإمام ليسَ بمُشرِّع وإنّما هُو صاحب دور في الهِدايَة إلى مذهب سلفِه من أهل البيت، وصاحب دور في الإفتاء والاجتهاد واستنباط الأحكام الطّارئَة مع الأزمان، وتوطيد العَدل، والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر، فهَل يلزمُ من تقاتُل الحسن والحسين وتناقضهِم مع اتّفاق أصولِهم وعقيدتهِم، هل يلزَم من ذلكَ أن يكونَ معرفَة مذهب أهل البيت أصول الزيدية غير مُمكنَة لتناقُض الإمامين ؟، فإن قيلَ بهذا .

قُلنا : هذا لا يَلزمُ منه عدم المقدرَة على الوقوف على الحقّ في معرفَة أصول الدّين، وأصول الفروع التي زُبرِتَ من قَبل أن يُولَد الإمامان المُتقاتلان، وإنّما يلزمُ منهُ الحيرَة في معرفَة دَعوة المُحقّ من غير المُحقّ كدَعوة جامعَة غرضُها هدايَة أهل العصِر، خصوصاً وأنّ أصولَ هذين الإمَامين المُتقاتِلين واحِدَة، ومذهبٌ أهل البيت آ واضح .

مثال :

* عزمَ الكاظمُ الزّيدي، وزَيد، أن يُسافرا إلى مكّة ومعَهم جماعَة من العامّة من أهل قريتهِم، وطريقُ مكّة مرسومَة معروفَة قد وضعَ لنّا أهل الخِبرَة من آبائنا طريقاً يدلّنا عليهَا، فركبنَا جميعاً سيّارةً واحدَة تُوصُلنا إلى مكّة من الطّريق الذي رسمَه لنا آباؤنا، ثمّ حصلَ خلاف بين الكاظم الزّيدي، وبين زَيد، وهُم على الطّريق، أيّهم يقودُ السّيارَة الكاظِم تخوّفَ من قيادَة أخيه زَيد مع علمِه أنه أهلٌ للقيادَة، ولكنّه غلبَ على ظنّ الكاظم أنّه سيقودُ السّيارة أفضل منه. وكذلكَ حصلَ مع زَيد فإنّه رفضَ أن يكون الكاظم هُو القائد، لما غلبَ على ظنّه أنّ قيادَته ستكون أفضَل مع علمِه أنّ أخاه الكاظم أهلٌ للقيادَة، فحصلَ هُنا خِلاف، فقامَ بعضُ من الأتباع المُرافقين لهم يزيدُ حدّة الخلاف بقصدٍ أو بدون قصد بينَ الكاظم، وبين زَيد، حتّى حصلَت نُفرَة ومُخاصمَة ومُقاتلَة على أيّهم يقودُ السيّارة ليُوصِل مَن معَه إلى مكّة . هُنا وهُو لبّ الإشكال على المُستشكِل، وهُو هَل يضرّ أهل القريَة الرّاكبين معَهم خلافُ الكاظم وزَيد في معرفَة طريقِ مكّة ؟! وطريقُ مكّة معلومٌ غير مجهول من تعريفِ الآباء لَه وزبرِه في مؤلّفاتهِم، ثمّ هذَان المُختلفَان الكاظِم وزَيد لو تمكّن أحدهُما فإنّه ما كانَ يسلك إلاَّ ذلك الطّريق الذي كان واضحاً نهجُه وطريقُه من قبل الآبَاء والسّلف الصّالح، ولو تمكّن الآخَر كان سينهج نفسَ الطّريق ويسلُكه .

مُطابقَة المِثال بالواقِع :

الطّريق المعروف إلى مكّة الذي اتّفقَ على أن يسلكَه الكاظم، وزيد، هي أصول الزيدية وإجماعات أهل البيت .

الكاظم وزيد هُما الإمامان المُتقاتلان .

أهل القريَة الرّاكبون معهُم، هُم الأتباع من العلُماء المقتصدين والفقهاء والعامّة .

الأتباع الذين زادوا الخلاف، هُم البطانَة وأهل الوشايَة .

نعم! ففي هذا لو تدبّرته -أخي الباحِث- ما يُقنِعُ بإذن الله تعالى، وللنّاس أفهامٌ مُتفاوتَة، نعَم وللإنصَاف فإنّنا نزيدُ في البيَان أنّ تلكَ الفتنَة التي سالَت بهَا الدّماء بين المُتخالفين ناتجَة عن أخطاء فرديّة لا علاقَة لنظريّة أهل البيت في الإمامَة بهَا، فإنّ الإمامَة تكليفٌ لا تشريف عند مَن نظرَ وتدبّر، فقَد كانَ أئمّة أهل البيت يتدافَعون الإمامَة يصرفوَنها عن أنفُسهِم إلى غيرهِم من أهل الفَضل والشّرف من أهل البيت، كما تدافعَ ذلكَ كبارُ أهل البيت في زمانهِم، الإمام أحمد بن عيسى، والإمام الحسن بن يحيى، والإمام القاسم بن إبراهيم، كلّهم يُقدّم صاحبَه، ومنهُ ما تنحّى بسببِه الإمام المرتضى محمّد بن يحيى الهادي إلى أخيه النّاصر، ومنهَا ما اجتمعَ لأجلِه سادات بني الحسنَ يحيى بن عبدالله، والحسين الفخّي ومعهم أهلهُم يتدافعوُنها، هذا الأصل، فإذا حصلَ هُناك من طبّق هذا المبدأ بغير ما جاء به الأصل فإنّه مُخطئ، وخطأهُ هذا لا يتحمّله الفِكر، والزيدية لم تُصوِّب جميع مَنْ تَقاتَل من الأئمّة، بل قالَت: إنّ الإمام المستحقّ منهُم واحِد، والبقيّة مُخطئون فيما تسبّبوه، وهذه نظرَة عادلَة، فالزيدية لا تُبرّر سفكَ الدّماء بتصويب المُخطئين، بل تُثبتُ خطأهُم، والإمَام عندَ الله تعالى منهُم واحِد، وسيعامُل الله الجَميع بعَدله، إلاّ أنّه لَم يظهَر لنَا من أفعالهِم العِناد والتّكالب على الرّئاسَة من حيث هِي بدون غايَاتها من إقامَة العَدل والأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكَر وحياطَة الدّين، فلذلكَ وسعنَا فيهم ما وسعنَا من القَول: إنَّ الإمَام منهُم عندَ الله تعالى واحدٌ بدون الحُكم وتَحديد الأعيَان.

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد

________________________

السؤال الثامن:

 هَل كان الإمَام الخُميني زيدي المَذهب والفِكر ؟ ما مكانة الخميني في المذهب الزيدي هل هو إمام زيدي أم إمام اثني عشري.؟.

الجَواب :

أنّ الإمَام الخُميني قد قاَم بثورَة رأى فيها العُلمَاء أنّ فيها روح الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر، ومُجابَهة أمريكا والعدوّ الغَربي، فلذلك زكّوهَا من حيث أهميّة الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر، ومن حيث إنَّ أمريكا دولةٌ ظالمَة عاثَت بالمُسلمين وببلادهِم الفسَاد، أمّا عقيدَة الإمام الخُميني فالذي يظهَر لمن قرأ كُتبه، وعرفَ حالَه من أصحابِه والمُعاصرين لَه ولأصل ولايَة الفقيه التي كانَ عليها، وجدَه إمامياً لا زيديّاً، ولم يدّعِ الإمامَة العُظمى في الدّين، فهُو إماميّ لا زيديّ أصولاً وفقهاً، ومَن قال: إنَّه زيديّ فلن يستطيع أن يُثبتَ ذلك بيقين إلاّ بما تدخُل فيه العاطفَة مع ذلك الخُروج على الظّالم، وإلاّ فإنّ الخوارج قد كانَت تُجابُه الأمويين في ذلك الزّمان ولَم يكونوا زيديّة لأجل خُروجهم على الظّالم، واليوم السيّد حسن نصر الله يُجابه إسرائيل وليسَ زيديّاً، والله يُحبّ الإنصَاف .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد

________________________

السؤال التاسع:

هَل نظرية ولاية الفقيه نظريّة زيديّة ؟!

الجَواب :

أنّ الفرق واضحٌ بين نظريّة ولاية الفَقيه الإمامية، ونظريّة الإمَامة الزيدية، فالإمَامة الزيدية هي : «أنّها رئاسَة عامّة لشخص واحِدٍ في أمورٍ مخصوصةٍ على وجهٍ لا يكون فوقَ يدهِ يد مَخلوق» ([1])، وولايَة الفَقيه عند إخوتنا من الإمامية هي: نيابةٌ عن الإمَام لإقامَة الحُكم، ثمّ اختَلفوا هل هي نيابةٌ مُطلقَة أو مقيّدة، فرأس الهَرم عند الزيدية هُو الإمَام لا يدَ فوقَ يدِه إلاّ الله تعالى، وعند الإمامية رأس الهَرم هُو النّائبُ لا الإمَام، ثمّ ذلك الوَلي الفقيه بنيابتِه تلك يُشترط أن يكونَ قد حصلَ على نيابَة خاصّة بالاسم والعَين على شرط الإمامية؛ لأنّهم يحتجّون على الزيدية بأنّ الإمام لا يُحددّه البشَر، وإنمّا تُحدده النّصوص الإلهيّة، فكذلك يلزمُهم في ذلك الذي كان سيتولّى قيادة الأمّة نيابة عن الإمَام أن يكون تعيينهُ من قِبل الإمَام المهدي بالنّص والتعيين والتّخصيص لا أنّ يُحدّده البشَر، حتّى اختلف الإمامية في ذلك ما بين مُقلّدين للخامئني اليَوم، وللسيستاني، وللشيرازيّ، والبعض يُهلّكُ صاحبَه ويلعنُه، وقد انتفَض السيّد الخوئي وعدد من عُلماء الحوزة العلميّة على الإمام الخُميني عندمَا استحدَث نظريّة ولايَة الفَقيه، وسُجن منهُم مَنْ سُجِن، الحاصل -أخي السّائل- أن الإمامة عند الزيدية إمامَة طريقُها الدّعوة والبيعَة بالإمَامة العُظمى والمَنصب الفاطميّ والصّلاحيات المُطلقَة السّياسيّة والدّينية بلا فَصل للإمَام بشروط الفضل التي دوّنتها الزيدية في كُتب الأصول، والعَجب من مُنصفين يُؤمنون بولايَة الفقيه من المنظور الجَعفريّ ثمّ يعترضون على الإمَامة من المنظور الزّيدي، والعلّة واحدَة وهُو القيامُ بأمر الأمّة من تعاليم الكِتاب والسنّة، فإنّه ما ألجأ الإمَام الخُميني لتأصيل تلك النظريّة ولاية الفقيه بالمعنى الحركيّ إلاّ لمّا ظهرَ له أنّ الأمّة لا يُمكن أن تنهضَ بما كاَنت الإمامية عليه من اثني عشر قرناً، فشهدَ بهذا التأصيل لعقيدَة الزيدية من تأصيلهِم لأهميّة الدّعوة والخُروج، وأنّ روح الإسلام هُو بهذه العقيدَة الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر، فكانَ هذا شهادَة لصحّة نظريّة الزيدية قديماً وحاضراً لقيادَة الأمّة، في الوقت الذي قصّرت فيه النظريّة الإمامية إلى الأربعة والثّلاثين سنَة الماضية في حقّ الجانب العملي لقيادَة الأمّة .

اللهمّ، صلّ على محمّد وعلى آل محمّد

([1]) جوابات للسيّد العلامة الحجّة عبدالرّحمن شايم.

_______________________________________

السؤال العاشر:

ما سبب انقطاع الإمامة عند الزيدية منذُ فترة طويلة ؟ وما تسمون هذا الانقطاع ؟!.

الجَواب :

يكون بذكر مُقدّمات على أصول الزيدية يكونُ فيها الجَواب -بإذن الله تعالى-:

المقدّمَة الأولى : أنّ الأصل بعد وفاة رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله-، هُو أنّ الهدايَة كانَت في العترَة المحمّديّة : «إنّي تاركٌ فيكُم ما إن تمسكّتُم به لن تضلّوا من بعدي أبداً: كتاب الله، وعِترتي أهل بَيتي، إنّ اللّطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردَا عليّ الحوض»،

ثمّ كانَ للهدايَة من تلكَ العترَة طريقَان:

طريقٌ يقومُ به المُقتصدون وهُم عُلمَاء آل محمّد كالإمَام الباقِر، والإمَام الصّادق، والإمَام عبدالله بن الحسَن، وغيرهم من أئمّة العِلم، وطريقٌ يقومُ به السّابقون بالخَيرات وهُم الأئمّة الدّعاة من ذريّة الحسَن والحُسين كالإمَام زيد بن عَلي، والإمام يحيى بن زَيد، والإمَام محمّد بن عبدالله النّفس الزكيّة وغيرهِم من أئمّة العِلم والجِهَاد، فالهِدايَة من هَذَين الطّريقين على مذهب الزيدية قد ضمنَها الله تعالى في العترَة كُهدَاة للأمّة لا يُفارقونَ القُرآن ولا يُفارقُهم، وأنّ على الأمّة أن يتمسّكوا بأسبَاب الهِداية تلك .

المقدّمة الثّانية : أنّ الأصل على مذهب الزيدية هُو أنّ الأرض لَن تخُلوَ من أسباب الهِدايَة يَوماً، ما دامَ أنّ المُتَمسِّكَ مَوجود، فالمُتمَسَّكُ به مَوجودٌ أيضاً، وإلَّا لأصبحَ كلامُ رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- عبثاً بل كذباً والعياذُ بالله تعالى؛ لأنّه قد تحققّ خلافُه عندمَا غابَت أسباب الهداية الفاطميّة عن المُكلّفين ولم يستطِع المُكلّفون الوقوف على أسباب الهدايَة، وقد أخبرنَا أنّ أسباب الهدايَة هُم إمّا عُلمَاء مُقتصدون، وإمّا علُمَاء أئمّةٌ دُعاةٌ سابقون بالخَيرات، وعلى أصل الزيدية فإنّه يجوزُ أن يخَلو الزّمان القَصير من الإمَام الدّاعي القَائم، ولكن لا يَجوزُ أن يَخلو الزّمان الطّويل منه، ولا يجوزُ أن يخلُو الزّمان من صالحٍ للإمامَة من سَادات بني الحسَن والحُسين، ولا يجوزُ أن يخلو الزّمان من السّبب الآخر للهدايَة وهُم العُلماء المُقتصدون من بني الحسَن والحُسين الذين تلتفّ عليهم الأمّة في منهجهَا؛ لأنّه يجبُ أن يكون للمكلّفين أسبابٌ للهدايَة يتمسّكون بهِم، فكمَا أنّ سبب الهدايَة القُرآن الكَريم موجودٌ دائماً حاضر غير غائب، فكذلك العترَة موجودَة دائمةَ غير غائبَة .

المقدّمة الثّالثة : أنّ الأصل الذي حكينَاه في المقدّمة الثّانية من جَواز خلو الزّمان القَصير من الإمَامة، وأنّه لا يَخلو الزّمان من صالحٍ للإمامة لقيادَة الأمّة من بني الحسَن والحُسين، كلّ ذلكَ يعودُ للأسَباب المُحيطَة بالعترَة في ذلك الزّمان الذي لَم تقُم فيه دَعوة، فالعترَة موجودة ولكن الأسبَاب منعَت من القِيام،

والأسباب لخّصها أئمّة العترَة في سَببين رئيسيَن :

السّبب الأوّل : أن لا يُؤدّي الخُروج لتغيير المُنكر إلى مُنكر أنكَر منه، كمَا لم يقُم أمير المُؤمنين على أبي بَكر وعُمر، وقال : «لأسالمنّ ما سلمَت أمور المُسلمين»، ويتفرّع منه عدم الخُروج على الحاكِم غير الظّالم بعُموم .

والسّبب الثّاني : أن لا يتوفّر النّاصر والمُعين، فتُغمَر العترَة وأنصارهُم فلا يستطيعونَ إقامَة الحجّة الظّاهرَة، فتكونُ الحجّة هُنا الهدايَة موجودَة مُعَاصَرَة ولكنّها مغمورَة غطّاها الظّلم، إلاّ أنّها تبقى مع ذلك الغُمور حجّة لكون أنّ العترَة تقوم بواجب الهدايَة وإقامَة الحجّة على النّاس وإن كانُوا مُضايقين يَجتهِدُون،

نعم! فكانَ المانِع من القيام يعودُ إلى الأمّة عندما لَم تلتفّ على أهل بيتِ نبيّها الحاضرين، والذي لن يخُلو منهُم الصّالح للقيام بأمر الإمامَة لو تهيّأت له أسباب القيام التي ذكرنَاها، وكذلكَ كانَ الحالُ مع الإمَام الحسن بن عَلي ؛ عندما اضطرّ لمُصالحَة مُعاوية، فإنّه فقَد سبباً من أسباب القيام وهُو عدم توفّر النّاصر والمُعين، وكذلكَ الإمَام الحُسين بن عَلي ؛ فإنّه مكثَ عشر سنوات بعد موتِ الإمَام الحسن فاقداً للنّاصر والمُعين فلَم يقُم، فلمّا توفّر النّاصر والمُعين وسقط عُذر ذلك السّبب قام بدعَوة أهل الكوفة والبصرة، إذاً السّبب ليسَ في عَدم وجود المؤهّل للقيام بأمر الأمّة من بني الحسَن والحُسين، السّبب هُو في التفَاف الأمّة حول سَادات بني الحسن والحُسين بالصّدق والنّصرَة تنفيذاً لوصيّة رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- في حَديث الثّقلين والسّفينة والنّجوم وغيرها، فكانَ في هذه المقدّمة الثّالثة الجَواب على السّؤال ما هُو سبب انقطَاع الإمامة عند الزيدية منذُ فترَة طويلَة ؟، وإن كان لا يصحّ أن تُسمّى هذه الفترَة الماضيَة بالفترَة الطّويلَة؛ لأنّ الإمَام مجدالدّين المؤيّدي إمام علمٍ ودَعوة وقد بايَعه العُلمَاء وأهل الحلّ والعَقد على ذلك، سمعنَا ذلك وتواترَ لنَا من مشائخَنا، وقد كانَت الزيدية له تسمعُ وتُطيع وتنقَاد، وقَد دَعا أوّل الأمر بعد النّكوث على الإمَامة ثمّ قمَعه الظّلم فقعَد تماماً كحال الإمام أبي محمّد الحسَن بن علي السّبط، ووفاتُه -صَلوات الله عليه- كانَت سنَة (1428هـ) .

المقدّمة الرّابعَة : وفيها بيَان بعض ما تقدّم، وهُو أنّ الباحث قد يُقارن فترَة عدم قيام الإمَام الدّاعي من الزيدية، بتأويل عقيدَة الغيبَة للإمَام المَهدي عند إخوتنا من الإمامية، وهذه مُقارنةٌ خاطئَة انبنَت على مادّة خاطئَة وفي عِلم المنطق ذلك من أفسَد طُرق التّفكير، فالزيدية لا تجوّز أن يخلَو الزّمن الطّويل من إمامٍ علويّ فاطميّ حسنيّ أو حُسيني يقومُ ويدعُو بالحقّ والأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر، وتاريخ الزيدية لذلك شاهِد، والغيبَة عند الإمامية من اثني عشر قرناً (1200 سنة تقريباً) غابَ ذلك الإمَام الحجّة عن الأمّة، وفرقٌ بين المُقارَنتين . أيضاً قد تطرأ مقارنَة أخرى وهُو أنّ العلّة التي تعيشُها الأمّة وتطلُبهُا في ظلّ عدَم وجود إمام زيدي قائم هي ذات العلّة التي تُنكرها الزيدية على الإمامية في ظلّ غياب إمامِهم المَهدي، والزّمن لا يهمّ طالَ أم قصُر لحاجَة المكلّفين لتلك الحجّة التي تقومُ عليهم ولا فرق بين جيلين أو ثلاثة أو اثني عشر جيلاً . وهذه أيضاً مُقارنة فاسدَة لأنّنا قد قدّمنا في المقدّمة الأولى ما يمنعُ منهَا،

فعلى أصل الزيدية فإنّ أصل الهِدايَة لها طريقَان:

الطّريق الأوّل : أئمّة العِلم المُقتصدون .

والطّريق الثّاني : الأئمّة الدّعاء السّابقون بالخَيرات، فإذا انعَدم القائم لأسبابٍ منعتهُ من القِيام، فإنّ بقاء الحجّة قائمة بهدايَة الأمّة عن طريق الأئمة المُقتصدين وهُم عُلمَاء آل محمّد بقيّة العترة الحسنيّة والحُسينيّة فيتجّه المُكلّفون حولَهم ويتعلّمون منهُم ويُوطّنون أنفُسَهم على نُصرَة قائمِهم، والإمامية على أصلهِم لا يملكونَ عترةً قائمةً بذاتهَا تكون وجهَةً ومقصداً لرسول الله من حَديث الثّقلين تكون حجّة على العِباد، فلا يجدُ المُكلّف مَنْ يتمسّك به إلاّ عُلماء ومراجِع ليسوا هُم العترَة من الإمامية، فيكون المكلّف غير مأمور باتّباعِهم، وإنّما مأمور باتّباع ذات العترَة، ولا يصحّ أن نبني اتّباعنا لعلماء ومراجع الإمامية من حديث آحاديّ لم نُسلِّم بإسنادِه يقول: عليكُم بفقهائنا، فالرسول يقول: تمسّكوا بالكِتاب والعترَة، لا بفُقهَاء ومراجع حالهُم كحال بقيّة عُلمَاء الفرق الإسلاميّة من غير العترَة، وبهذا ينتهي الجَواب .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد

_________________________________________________

السّؤال الحادي عشر :

في آية إيتاء الله المُلك ونزعه : رأيت بعض من يناقش حول الإمامة يستدل على إمامة الثلاثة بقوله تعالى: ﴿تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاء﴾ [آل عمران:26], فكيف ترون استدلاله سيدي الكاظم -حفظكم الله تعالى- ؟.

الجَواب :

أنّ الآيَة وهي قولُ الله تعالى : ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ المُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيَّتَ مِنَ الحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْر حسابِ﴾ [آل عمران:26-27]، لا تُؤصِّل لخُصوص إمامة الثّلاثة عليّ والحسَنين بشكل خاصّ، وإنّما تُؤصّل إلى صفَات الكمَال للذات الإلهيّة وتملّكها لأسبَاب ذلكَ الإيتَاء للمُلك، وأسبَاب نَزعِه، ومن ذلكَ قولُ الله تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّـهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المَالِ قَالَ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّـهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:247]، فآتَى الله المُلكَ طالوت ونزعَه من أصحابِه، ومن ذلكَ قولُ الله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آل إِبْرَاهِيمَ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء:54]، فالله تعالى أرادَ أن يُؤتي المُلك العَظيم لآل إبراهيم وينزعُه من غيرهِم،

نعم! والحاصل أنّ الآيَة محلّ السّؤال تُؤصّل لصفَات الكمَال للذاّت الإلهيّة وأنّها المالكَة والقادرَة على كلّ شيء، ثمّ تأتي تحتَ تلك الآيَة تخصيصَات لمَنْ قد آتاهُم الله المُلك، كآية مُلك طَالوت، وآية مُلك آل إبراهيم، وآيَة توليَة أمير المُؤمنين: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾[المائدة:55] .

والإمَامة في ذريّة إبراهيم الخَليل: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾[البقرة:142]،

والاصطفَاء للعترَة في قول الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ذَلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ﴾ [فاطر:32]، وبالاصطَفاء للعترة بالحَديث المُتواتر : «إنّي تارك فيكُم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً: كتاب الله، وعترتي أهل بَيتي، إنّ اللّطيف الخَبير نبّأني أنّهما لن يفترقَا حتّى يردَا عليّ الحوض»، وحديث السّفينة، والغَدير، والنّجوم، والمنزلَة، وغيرها، والحَاصل أنّ الآية عامّة وتُؤصّل لأدلّة خاصّة بعدَها .

نعم! ثمّ اعترضَ السّائل، وقال: ولكن قَد يُقال : كيفَ يُؤتي الله المُلك للإمَام علي؛، ثمّ يُؤتيه أبا بكر، ثمّ آتى الله المُلك للحسَن بن عَلي، ثمّ يُؤتيه مُعاوية بن أبي سُفيان، ثمّ يُؤتي الله المُلك للحُسين بن علَي، ثمّ يُؤتيه ليزيد بن مُعاوية ؟!.

والجَواب :

أنّ الأصل في ذلك المُلك الذي هُو للعترَة، وللذريّة الإبراهيميّة، هُو مُلكُ تفضيلٍ من الله تعالى، ابتداءٌ من الله تعالى واجتبَاء، على الأمّة أن تُسلّم بهذا تسليماً لله تعالى ولرسولِه -صَلوات الله عليه وعلى آله-: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ [الأحزاب:36]، فتلكَ خيرَةُ الله لعليّ والحسَن والحُسين وأئمّة العترة سادات بني الحسَن والحُسين، وكون أنّ سنّة الله تعالى في الأرض هي التّخليَة والتّمكين للعِباد، فإنّ مَنْ يتعدّى على ما يخصّ ذلكَ الإمَام المُصطفَى بالقَهر أو بالتّأويل فإنّه بذلكَ يكون مالكاً حَاكماً ولكن ليسَ مُلكُه هذا مُلكاً شرعيّاً؛ لأنّ المُلك الشّرعي الذي هُو الإمامَة، وقَد كان سُليمان ؛ مَلِكاً نبيّاً، ﴿قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ﴾ [ص:35]، فالله تفضّلاً لم يُؤتِ من تقدّم أمير المُؤمنين ذلكَ المُلك، ولَم يؤتِ مُعاوية أو يزيدَ ذلك، وبذلكَ خرجوا من المُلك الإلهيّ الشّرعي الذي يُريدُ أن يتفضّل به على عبادِه، ودَخلوا في المُلك الدّنيويّ الحُكم الذي كان سببُه التّخليَة والتّمكين والابتلاء من الله تعالى، وفرقٌ بين المُلكَين، ونُشيرُ أيضاً إلى أنّ هُناك تملّكاً آخَر مُباحاً، وهُو الملّك الذي لا يكونُ مُخلاً بإرادَة إلهيّة في اصطفَاء البَعض كالذي مرّ مَعك، وهذا التملّك المُباح فهُو كتملّك صاحب مِصر في عهد يُوسف النّبي -صلى الله عَليه-، وكتملّك النّمروذ في عهد إبراهيم الخَليل، فذلك المُلك من حيث تملّك صاحبِه لم يُعارض دَعوة الأنبياء المُعاصرين لمّا لم يطلُب أولئك الأنبياء المُلك فعُورضوا عَليه، وإن كانَ النّمروذ قد عارض على دَعوة إبراهيم، والرّومان عارضوا على دَعوة عيسى، فذلك لأجل مضمون الرّسالة لا لأنّهما طلبا الرّئاسَة، فكأنّ الوحي الإلهيّ لم يجَعل دَعوتهما دعوة رئاسَة ونشر تعاليم الدّين، بل دَعوة نشر التّوحيد، وقد كان رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله-حاكماً ونبيّاً رسولاً، يُجاهد ويُجيّش الجُيوش وتُجبى إليه الزّكوات ويُحارب عليها ويُنظّم أمور المُسلمين ويُعيّن الوَلاة ويخلَعهم، وكان صاحب دَعوة التّوحيد والإسلام، فكانَت إمامَة مَن بعدِه خالفة له -صَلوات الله عليه وعلى آله- حُكماً وهدايةً، وذلك مِن فضل الله وتمليكِه لتلكَ العترَة المحمديّة . ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آل إِبْرَاهِيمَ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء:54] .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

السّؤال الثاني عشر :

هل الإمَامة مقتصرة على أمتنا أم كانت في الأمم السابقة؟

الجَواب :
أنّ الإمَامة في اللّغَة بمعنى القُدَوة، والأنبياء أئمّة لأقوامهِم، وبهذا يكونُ كلّ نبيّ أو رسول هُو إمام، وليسَ كلّ إمامٍ نبيّاً، والله تعالى قد جعلَ الهدايَة في ذريّة إبراهيم الخَليل: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة:124]، وقوله تعالى : ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد:26]، فالإمامة حاضرةٌ إذا غابَت النبّوة في الأقوام السّابقَة، وفي أمّة سيّدنا محمّد -صلوات الله عليه وعلى آله-، ويدلّ على ذلك أيضاً قول الله تعالى : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إسرائيل، وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة:23-24]، فالأئمّة من بني إسرائيل ذريّة إبراهيم الخَليل كانَت موجودَة، بشروط الفضَل واكتساب عدم الظّلم والصّبر واليقين .
اللهمّ، صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

السؤال الثالث عشر :

هل شروط الإمامَة الأربعة عشر منصوص عليها أم اجتهادية ؟!.

الجواب:

أنّ شروطُ الإمَامة، وقدّ حدّدها السّائل بأربعَة عشر، هي اختصارُ شروط الفَضل والأهليّة للإمامَة، وتحديدُها بأربعَة عَشر شرطاً هو تفصيليّ تدخُل أدّلته بعضها ببعض أقرّها الأئمّة والعُلماء والمُحققّون من عُلماء وأعيان الزيدية، وإلَّا فأصلُها وتفصيلُها يَحكي شروط الفَضل والأهليّة، فكان التّمام بتفصيلَها في أربعَة عشر شرطاً إبرازاً لأهميّتها على التّفصيل وعلوّ شأنها، ويدخُل تحت كلّ شرط أدلّةٌ شرعيّة عامّة استُنِدَ إليها، ولا مكانَ فيها للاجتهَاد، إلاّ أن يكونَ هُناك تفصيلات أخرى تحت كلّ شرط كتحديد درجات العلم والاجتهَاد ومعاني سلامَة الأطراف والحواسّ وما إليها من التّفاصيل، فأمّا على شرطَي العِلم وسلامَة الحواس والأطراف بشكلٍ عامّ فلا خلافَ في ذلك، وليس وجهه الاجتهَاد دونَ الدّليل القاطِع من الشّرع، فعلى ذلك تكون شروط الإمامَة عند الزيدية قد نصّ عليها الشّرع الحَنيف وهي من روحِه، ورتّبها الأئمّة تفصيلاً في أربعة عشر شرطاً، وإجمالاً في شروط الفَضل والاستحَقاق،

ونحنُ نذكرُ تلك الشّروط الأربَعة عشر، فقالوا:

الأوّل : العِلم، واستدلّوا بقول الله تعالى : ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إلَّا أَنْ يُهْدَى﴾ [يونس:35]، ثمّ دخَل تحت ذلك الشّرط الاجتهَاد، وأن يكونَ لدى الإمَام ما تحتاج إليه الأمّة من العلم أصولاً وأحكاماً ويكون به نجاتهُم في أمور دينهِم، فلا إمامَة لجاهِل أو عامّي .

الثّاني : الفَضْل، وهُو أن يكونَ الإمام أفضل أهل زمانِه، أو كأفضلهِم، ودليلُ ذلك داخلٌ ضمن قولِ الله تعالى : ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إلى الحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إلَّا أَنْ يُهْدَى﴾ [يونس:35]، فإنّ الأفضَلَ أو مَن هُو كالأفضَل أقدرُ على الهَدْي، ويقول رسول الله ص: «مَنْ وَلّى رَجُلاً وهُو يَعلم أنّ غَيرَه أفضَل مِنه فَقد خَان الله فِي أرضِه».

الثّالث : الشّجاعَة، وغيرُ الشّجاع فلا يستطيعُ القيام بأمرِ الأمّة، فتضيعُ ثمرَة القِيام، أو أن يحميَهم، فذلك عَقليّ، والله تعالى يقول : ﴿يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّـهَ مَعَ المُتَّقِينَ﴾ [التوبة:123]، ولازمُ ذلكَ كلّه الشّجاعَة .

الرّابع : السّخَاء، وأفردَ الأئمّة هذا الشّرط وخصّوه، ووجهه أن تُوضع الأموال والحُقوق مكانَها الصّحيح فلا إمساكَ عن أهلها ومُستحقّيها، ولا صرفَ في غير أهلهَا، وذلكَ ممّا يجرحُ العدالَة، ويعطّل أمر القِيام، والله تعالى يقول : ﴿وَآتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ [الإسراء:26]، فلا استئثَار دونَ الأمّة .

الخَامس : الورَع، وهُو ما يحجزُه عن المَعصيَة، ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا﴾[البقرة:187].

السّادس : البُلوغ، فلا تصحّ إمامَة الصّبيان، والإمَام إمامُ الأمّة في جُمعتها وجماعتهَا وإقامَة حُدودها، وقد جاءت الأدلّة بعدَم جواز إمامَة الصّبي في الصّلاة، ويقول الله تعالى: ﴿وَلْيَتَّقِ اللَّـهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الذِي عَلَيْهِ الحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ﴾ [البقرة:282]، والسّفيه هُو: الصّغير، والصّبي أيضاً يفتقدُ الشّروط السّابقَة .

السّابع : التّكليفُ، أي أن يكون عاقلاً، فلا يكونُ مجنوناً، ودليلٌ هذا داخلٌ فيمَا قبلَه.

الثّامن : أن يكونَ ذَكَراً، ودَليلُه أنّ القرآن لمِ يحكِ إمامَة أو نبوّة أو رسالَة امرَأة، ثمّ السّنة أيضاً، وقد قال رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- : «لا يُفلحُ قومٌ ولّوا أمرههم امرأة»، والإمَام قاضٍ، وحاكِم، والمرأة تفتقدُ الشّجاعَة، وتغلبُ عليها العاطفَة، ولا تستطيعُ أن تنكحَ نفسها إلاّ بإذن وليّها أو بإذن الإمَام، فكيف تكونُ بعدَ ذلك إماماً يعود أمر نكاح من لا وليّ لها من النّساء إليها، وقال الله تعالى : ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّـهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ المَالِ قَالَ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّـهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:247].

التّاسع : الحريّة، فلا يكونُ عبداً، فمَن كان لا يملكُ أمرَ نفسِه فكيفَ تكون له الولايَة على الأمّة، قال الله تعالَى : ﴿وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي المَدِينَةِ امْرَأَةُ العَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ…، إلى أن قال تعالى: ﴿قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾ [يوسف:30، 32]، ومنْ كان عليه الطّاعة لسيّده واجبَة فكيف تكون طاعَة سيّده لهُ واجبَة، والإجماع مُنعقدٌ على ذلك، والله تعالى يقول : ﴿يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّـهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء:59] .

العاشِر : أن يكونَ سليمَ الحواسّ والأطرَاف، وهي كلّ ما يمنعُ الإدراك من الإمَام، كالأعمَى، والأصمّ، فإنّ ذلكَ لا يستطيعُ القيام بكلّ أو بعض تلك الشّروط السّابقَة بأدلّتها، ولا يستطيع قيادَة الأمّة، بل إنّه سيكون مُحتاجاً لغيرِه، كالأعمَى مثلاً، ويدخُل فيه كلّ ما يخلّ بحركَة الإمَام، أو يكون ذا آفَة ومرض يَنفُر منه النّاس كالجذام والأمراض المُعديَة المُزمنَة المنفرّة عن مُخالطة النّاس له، فإنّ هذا يتعذّر عليه القيام بأمر الأمّة وإقَبال الأمّة عليه، فلا يتّبعه النّاس ولا يُطيعوه ﴿إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ﴾ [القصص:26].

الحَادي عشَر : السّبق في الدَعوة، بحيث لا تسبَقه دَعوة إمامٍ عادِل، فتكون في ذلك الفتنَة، ويكونُ ذلكَ القائم مأموراً بطاعَة الإمام السّابق ﴿يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّـهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء:59].

الثّاني عشَر : جودَة الرّأي، وقوّة التّدبير، بمعنى أن يكونَ قادراً على تدبير الأمُور، بحيث يكون أكثر رأيه الإصابَة، ﴿إنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ﴾ [القصص: 26]، ﴿وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كثيراً﴾ [البقرة:269]. فمَتى لم يكُن الإمَام صاحب نظَر ثاقِب، وتَدبير يسوس به الأمّة، فإنّه لن يُحسن أن يقوم بأمر نفسِه فضلاً عن غيرِه، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ﴾[القصص: 26]، ويقولُ -جلّ شأنه- : ﴿وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كثيراً﴾ [البقرة:269]، وفي قصّة طالوت وذي القَرنين ما يؤكّد تلك الصّفات في الإمَام القائد .

الثّالث عشر : العَدالة، والله تعالى يَقول: ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين﴾ [البقرة:124]، ولهذا معنى واسعٌ أصيلٌ مهمّ مُقدّمٌ عندَ العترَة من حال الإمَام القائم.

الرّابع عشر : أن يكونَ الإمامُ فاطميّاً، والله تعالى يقول : ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة:124]، ويقول تعالى: ﴿إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِينَ﴾ [آل عمران:33]، ويقول: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آل إِبْرَاهِيمَ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء:54]، ويقول تعالى : ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد:26]، وقال تعالى : ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّـهِ ذَلِكَ هُوَ الفَضْلُ الكَبِيرُ﴾ [فاطر:32]، ويقول رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- : «إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، إنّ اللّطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحَوض»، ويقول -صلوات الله عليه وعلى آله-: «مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبهَا نجا ومن تخلّف عنها غرق وهَوى»، ويقول -صلوات الله عليه وعلى آله-: «مَنْ أمر بالمَعروف ونهَى عَن المُنكر مِن ذُريتي فَهو خَليفَة الله في أرضه، وخَليفة كَتابه، وخَليفَة رَسُوله» .

* نعَم، فذلكَ ما فصّله الأئمَة والعلماء المُحققّون من شيعتهِم في صفات الإمَام إبرازاً لأهمّ شروطها بتفاصيلها، وإن أمكنَ إجمالُها كمَا تكلّمنا بأقلّ من ذلك، بمَا لا يخلّ بجوهر وأصل تلكَ الشّروط،

وسنذكرُ لكَ بعضاً من إجمَال الأئمّة في صفَات الإمَام، وكلّها من روُح القُرآن والسنّة وأدّلتها، كما مرّ معَك :

1- قالَ الإمَام موسَى الكاظِم ؛ : «ليسَ مِنا أهل البَيت [إمام] مُفترَض الطّاعة وهُو جَالس في بيتٍ والنّاس يُختَطَفُون مِن وَراء بَابِه، لا يَدفع عَنهم ظَالِماً ولا يَهديهِم سَبيلاً، إنّما الإمَام مِنّا البَاذلُ نَفسَه، العَالِم بكِتاب الله، الدّاعي إلى الحقّ، النّاهِي عَن البَاطِل»([1]).

2- قالَ الإمَام زيد بن عَلي ؛ : «حَقّاً عَلينَا أهلَ البَيت إذَا قَامَ الرَّجُل مِنّا فدَعَا إلى كِتاب الله وسنّة رَسُوله وجَاهَد عَلى ذلِك واستُشهِدَ ومَضَى، أن يَقومَ آخَرٌ يَتلوهُ يَدعُو إلى مَا يدعُو إليهِ، حُجّةُ الله -عزّ وجلّ- عَلى أهلِ كلّ زمَانٍ إلى أن تَنقَضِي الدّنيَا»([2]).

3- روى الحافظُ علي بن الحُسين الزّيدي، بإسنادِه، حدّثنا عَلي بن عَلي، قال: كُنت عِند جَعفر بن محمّد، فقالَ لَه رَجل: سَمعتُ عَمّك زيد بن عَلي يَقول: «الإمَامُ مِنّا أهلَ البَيت المَوثوقِ بِه فِي دِينِه وَعِلمِه، والبَاذِلُ نَفسَه لربّه يُجاهِد عنَ دِينه». فقال جَعفَر: «صَدقَ عَمِّي وبَرّ» ([3]).

4- قال الإمَام القاسم بن إبراهيم الرّسي ؛ : «وإنما صِفَةُ الإمام، الحَسَنُ في مَذهَبِه، الزَّاهِدُ فِي الدّنيا، العَالِم فِي نَفسِه، بِالمؤمنِينَ رَؤوفٌ رَحِيم، يَأخذُ عَلى يَدِ الظَّالِم، وَينصُرُ المَظلوم، وَيُفَرِّجُ عَن الضّعِيف، وَيَكُونُ لِليَتِيم كَالأبِ الرّحِيم، ولَلأرمَلَة كَالزّوج العَطُوف، يُعَادِي القَريب فِي ذَاتِ الله، ويُوالي البَعيد فِي ذَاتِ الله، لا يَبخَلُ بِشَيء مِمَّا عِندَه مِمَّا تَحتَاجُ إليهِ الأمّة، مَنَ أتَاهُ مِن مُسْتَرشِدٍ أرْشَدَه، ومَن أتَاهُ مٌتَعَلّمِاً عَلَّمَه، يَدعُو النَّاسَ مُجتَهِداً إلى طَاعَةِ الله، ويُبَصِّرَهُم عُيوب مَا فِيهِ غَيهم، ويُرَغِّبَهُم فِيمَا عِندَ الله، لا يَحتَجِبُ عَن مَن طَلَبَه، فَهُو مِن نَفسِه فِي تَعَبٍ مِن شِدَّة الاجتهَاد، وَ النَّاسُ مِنهُ فِي أَدَبٍ، فَمَثلُه كَمَثَلِ المَاءِ الذي هُوَ حَياةُ كُلِّ شَيء، حَيَاتُهُ تَمضِي، وَعِلمُه يَبقَى، يُصَدِّقُ فِعْلُه قَولَه، يَغرِفُ مِنهُ الخاصُّ والعَام، لا يُنكِرُ فَضلَهُ مَن خَالَفَه، ولا يَجحَدُ عِلمَه مَن خَالَطَه، كِتابُ الله شَاهِدٌ لَه ومُصَدِّقٌ لَه، وفِعلُه مٌصَدِّقٌ لِدَعْواه » ([4]).

وبهذا تمّ الجَواب على هذه المسألَة، ولَعمري إنّه يكفِي من اطّلع على هذه الشّروط الزيدية، وتمسّكهم بها، وإصرارهِم علَيها، أن يقع إجلالاً واحتراماً لهذا الفِكر الذي عرفَ أنّ صلاحَ الأمّة في صلاح أئمّتها وقادتها، وأن بلاَء الأمّة إنّما هُو من فسادِهم، واليوم نحن نعيشُ ذلك وقد خرجَ الحقّ عن نصابِه، وأهملَت تلك الشّروط، فلو لم يقُم بها دليلٌ نَقليّ، فإنّ أدلّة العُقول قاضيَة .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

([1]) المحيط بالإمامة، مخطوط.

([2]) المحيط بالإمَامة، مخطوط.

([3]) المحيط بالإمامة، مخطوط.

([4]) مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم الرّسي .

________________________

السّؤال الرّابع عشر:
سلام الله عليكم -سيدي الكاظم الزيدي-، أريد قولكم الجلي في الرد على شبهة القول بضعف ولاية الإمام علي بسبب اعتماد المذهب بالقول بالنص الخفي؟!.
الجَواب :
أنّ تَحقيق مسألَة النّص الجليّ والخَفي من إطلاقَات الأئمّة مسألةٌ قد خفيَ وجههُا وأصلُها على كثيرٍ من البَاحثين، والمسألَة ليسَ يرتّب عليهَا ذلك الخَطر؛ لأننّي قد قرأتُ لبعض الإمامية أنّ الزيدية لجَأت للقَول بالنّص الخفي لإيجَاد العُذر لأبي بَكر وعُمر، وما درَت الزيدية بذلك أنّها قد نسبَت التّقصير بإبلاغ أمرٍ خافٍ وجه دلالته على الأمّة في مثل هذا الأصل العَظيم الإمَامة، فيترتّب عَليه أنّ رسول الله ص مات غير متمّ للتّبليغ، هذا مُنتهَى فهم مَن قرأتُ لهُ، وهُو خاطئٌ جدّا وفيه تهويلٌ وتضخيمٌ للمسألَة،

ونبيّن ذلكَ من عدّة وجوه يترتّب بعضها على بعض من اعتقَاد أئمّة العترة سَادات بني الحسَن والحُسين:
الوَجه الأوّل : أنّ أصل الزيدية أنّ رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- قد مات مُتمّاً للَبلاغ الرّسالي في أصول الدّين وفروعِه، وإمامة أمير المُؤمنين قد نزلَت فيها آياتٌ خاصّة فيقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إليْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّـهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ﴾ [المائدة:67]، فوقَف رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- ليُبلّغ المُسلمين يوم الغَدير الثّامن عشر من شهر ذي الحجّة السّنة العاشرَة للهجرَة ولايَة أمير المُؤمنين، بَشكل قطعيّ جليّ مِن مقصدِ رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- ، بأنّ عليّ بن أبي طَالب هُو الإمَام بَعدي بقولِه -صَلوات الله عليه وعلى آله-: «مَنْ كُنتُ مولاه فهذا عليٌّ مَولاه» بتمَام الخَبر، «ألستُ أولى بكُم من أنفُسِكم»، فتلكَ الولايَة خرجَت من مقصَد رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- واضحةً جليّةً في توليَة أمير المؤمنين وإمامته وقد فهمهَما كثيرٌ من عُلماء وأهل الحلّ والعقد من الصّحابَة كسلمان الفارسيّ والبَراء بن عازب وأبي ذرّ الغفاريّ والمقداد بن الأسوَد وأيضاً العبّاس بن عبدالمطلّب وابنه عبدالله وجميع بني هاشم، وأيضاً الزّبير بن العوّام وطلحة بن عُبيدالله وغيرهِم، فكانوا مع أمير المُؤمنين لم يُصالحُوا أبا بَكر إلاّ بعد أن صالحَه أمير المُؤمنين بعد ستّة أشهر من بيعَة النّاس لأبي بَكر، فهؤلاء من عُلماء وجلّة الصّحابة قد فهموا من مقصدِ رسول الله التّولية والإمامة لأمير المُؤمنين ؛،

فلذلك قُلنا: إنَّ النّص من مقصدِ رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- جليٌّ واضحٌ قطعيّ على إمامة أمير المُؤمنين، ولن يترتّب على آيَة البَلاغ السّابقَة التي حثّت على تبليغ أمرٍ بدونِه فكأنّ رسالات رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- لم تُبلَّغ ، لن يترتّب على هذا الحثّ إلاّ تبليغٌ قطعيّ (أمرٌ قطعيّ)، وهُو إمامة أمير المُؤمنين ؛، وذلكَ هُو إجماع العترَة المرضيّة من الجَلاء في التّبليغ، بل إنَّ بعضهم من المتقدّمين قد عبّر عنه بالفريضَة، قالَ الإمَام الحسن بن يحيى بن الحُسين بن زيد بن عَلي  (ت 260هـ) : «الإمام المفترض الطاعة بعد رسول الله ص عَلي بن أبي طالب-صلى الله عليه-» ([1])، وقالَ ؛ في موضعٍ آخَر : «إن الله سُبحَانه أكمَل لنبيّه ص الدّين الذي افترَضَه على عباده وبيّنه له، وافترَض عَليه إبلاغه، فكانَ مِمّا افترَض الله على عباده طَاعته وطاعة رسوله -صلوات الله عليه وعلى آله-، وطَاعة ولي الأمر الذي يَستحق مقام رسول الله ص والإبلاغ عَنه» ([2]).
الوجه الثّاني : فإن قيلَ : ولِم أُثر عن بعض أئمّة العترَة القول بأنّ النّص في أمير المُؤمنين كانَ خفيّاً، وأنتُم تقولون: إنَّه جَليّ، وهَل في هذا تناقُض ؟!.

قُلنا : ليسَ في هذا تناقُض فمقصدُ من عبّر أنّ النّص خفيّ كان باستحضَار اختلافِ المُختلفين فيه من المُتأخّرين بالاستدلال على وجه الولايَة من نصّ يوم الغَدير، عندما اختلفوا في مَعنى الوليّ في اللّغَة وهل تعني المحبّة والنّصرة أو الإماَمة والنّصرَة، كلّ ذلك من معنى الوليّ في اللّغة، فكّل قام يستدلّ على إمامَة أمير المؤمنين نفياً وإثباتاً، فعندمَا حَصَل الخلاف في الاستدلال قال البعضُ: إنَّ النّص خَفيّ لكونِ أنّه أصبح يطلبُ الاستدلال منه لمعرفَة إمامة أمير المُؤمنين وخرجَ بهذا عن الأمر الضّروري البدهيّ، ومعرفَة الله تعالى عندَ أهل الأصول استدلاليّة نستدلّ عَليه -جلّ شأنهُ- بمخلوقَاته وبمقدّمات النّظر الصّحيح، ولا يُخرج ذلك المَطلبُ -الاستدلال- الحقيقَة عن أصلها وهي أنّ الله موجودٌ وواحدٌ وليسَ كمثلِه شَيء، وكذلكَ كان كلّ من قَال: إنّ النصّ خفيّ فإنّهم بإطلاقِهم ذلك القَول باستحضار اختلاف المُختلفين في الاستدلال عَلى إمامة أمير المُؤمنين من نصّ رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، فإنّهم يقولون: إنّ النّص في أمير المُؤمنين -صلوات الله عليه وعلى آله- نصّ جليّ تامّ من مقصدِ وبلاغِ رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- وقد وقفَ عليه عُلماء الصّحابَة وعرفُوا المقصودَ منه فكانوا مَع أمير المُؤمنين، وكون أنّ النّص باختلاف المُختلفين أصبحَ استدلالياً لمجرّد الاختلاف، فإنّ هذا لا يُلغي الحقيقَة الظّاهرَة الجليّة وهي إمامة أمير المُؤمنين ؛، فالاستدلال لا يحتاج مع الإنصاف والإخلاص والتخلّص من البُغض والتّقصير إلى جُهد كَبير للوقوف على ذلك المقصد المحمّدي والإمامَة العلويّة، وأؤكّدَ لكَ -أخي البَاحث- أنّه ليسَ غير هذا من مقصدِهم، فيقولُ الإمام المنصور بالله عَبدالله بن حمزَة، وأنّه كانَ يعتقدُ أن النّص من مقصد وبلاغ رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- كانَ جليّاً قطعيّاً في الإثبات، بقولِه ؛ في رسالَته (زُبد الأدلّة) قال : «فَإن قيل: لِمَ قلتَ: إنَّ الإمامَ بعدَ رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-  عليُّ بن أبي طالبٍ ؛ ؟ قُلتُ: لقَول النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- : (مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ)، وهو لا يُريد بذلك إلاَّ إثبَات الإمَامةِ له ؛، فَثبت بذلك كونه ؛ إماماً» (زُبد الأدلّة)، وأيضاً ما هُو أصرَح من ذلكَ فإنّه قالَ ؛ في أرجوزَته النّاصحَة بجَلاء النّص يقصدُ به من مقصَد رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- :
ثُمَّ الإمامُ مُذْ مضى النبيُّ

صلَّى عَليِهِ الواحدُ العليُّ

بغيرِ فَصلٍ فَاعْلَمَنْ عليُّ

والنَّصُ فِيهِ ظاهِرٌ جَلِيُّ

يومَ الغَدِيرِ ساعةَ الإحْفَالِ ([3])
وهُو ممّن نسبَ إليه بعض من سمعنَا أنّه كان يقولُ بالنّص الخفيّ، وذلكَ بحاجَة إلى تحقيقٍ في ذلك عنه ؛ ومع ذلكَ فقد وقفتَ على قولِه، فالخلافٌ لفظيّ لا يمسّ أصل الاعتقاد من سادات العترَة بتمام البلاغ والرّسالة، فالنّص في أمير المُؤمنين جليّ من مقصد رسول الله -صَلوات الله عليه-، وقد فهمَه عُلماء الصّحابة وأهل النّظر على ذلك المَقصد، ووجه الخَفاء في كونِه نصّاً استدلاليّاً يحتاج للنّظر القَليل للوصول إلى ذلك المَطلوب، فالخلاف لفظيّ .
اللهمّ، صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …
([1]) جامع علوم آل محمّد، مخطوط.
([2]) جامع عُلوم آل محمّد، مخطوط.
([3]) شرح الرّسالة النّاصحة.

________________________

السّؤال الخامس عشر:

إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ وَ لَا لِلْغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ وَ إِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَ سَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رِضًا فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أَوْ بِدْعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى وَ لَعَمْرِي يَا مُعَاوِيَةُ لَئِنْ نَظَرْتَ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ لَتَجِدَنِّي أَبْرَأَ النَّاسِ مِنْ دَمِ عُثْمَانَ وَ لَتَعْلَمَنَّ أَنِّي كُنْتُ فِي عُزْلَةٍ عَنْهُ إِلَّا أَنْ تَتَجَنَّى فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ وَ السَّلَامُ .

هذا كلام الإمام علي إلى معاويه مارأيكم في هذه الرساله هل يدل كلام الإمام على خلافة الشيخين صحيحه أم ماذا أرجو التوضيح جيدا؟

والجَواب :

أنّ هذا الكَلام من أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- من كِتابٍ له مُوجّه إلى مُعاوية ، والكلامُ انقسمَ إلى قِسمَين ، القسمُ الأوّل احتجاجٌ على مُعاوية بما يُؤمنُ به مُعاوية ، والقسمُ الثّاني تأصيلٌ في الإمامَة .

فأمّا القسمُ الأوّل الذي هُو احتجاجٌ على مُعاوية بما يُؤمنُ به : فقولُ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- : ((إِنَّهُ بَايَعَنِي الْقَوْمُ الَّذِينَ بَايَعُوا أَبَا بَكْرٍ وَ عُمَرَ وَ عُثْمَانَ عَلَى مَا بَايَعُوهُمْ)) ، فمَا بالُكَ تنكصُ وتَبغي وتقسطُ عن المُبايعَة والطّاعَة يا مُعاوية ، وقد أوجبتَ الطّاعَة والخِلافَة لأبي بَكر وعُمر وعُثمَان بتلكَ البيعَة من أولئكَ النّاس ، ((فَلَمْ يَكُنْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَخْتَارَ وَ لَا لِلْغَائِبِ أَنْ يَرُدَّ)) ، فلمّا أن بايعَهم النّاس ورضيتُم بخلافتهِم على أصلِكم في الخلافَة وصرفهَا عنّي وأنَا الأحقّ فإنّه على ذلكَ الأصل لم يكُن شرطُ تلكَ البيعَة أن يحضُرها جميعُ النّاس ، وليسَ لمَن غابَ عنها أن ينقُضَها إذا كانَت بيعةً صحيحةً وأنتُم تعتبرونَها بيعةً صحيحَةً في حقّ أبي بَكرٍ وعُمر وعُثمان ، فلماذا تردّون يا مَعاويةَ بيعة النّاس لي عندمَا غبتُم عنهَا وقد شهدَها المُسلمون وبايعونِي عليها ، فأصلُكم يمنعُكم من ردّ تلكَ البيعَة والنّكوص والعُدول عنهَا ، فما لكُم حُجّة بنقض بيعَتي إلاّ بما ينقضُ على بيعَة مَنْ قَبلِي أبي بكر وعُمر وعُثمان ،

نعم! فهذا من أسلوب المُحاجَجة للخصْم على أصلِه ، ويدلّ على هذا المَعنى من إرادَة المُحاجَجة على أصل المُخالف ما أوردَه نصر بن مُزاحم لهذا الكِتاب بفظٍ آخَر أدلّ على المُراد ، قالَ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- : ((فَإنّ بَيعَتي بالمَدينَة لَزِمَتكَ وأنْت بالشّام لأنّه بَايَعَني القَوم الذين بَايعوا أبَا بَكر وَعُمَر وعُثمَان عَلى مَا بُويعُوا عَليه ، فَلم يَكُن للشّاهِد أن يَختار ولا للغَائب أن يَردّ)) [وقعَة صفّين] ، فتأمّله .

وأمّا القسم الثّاني الذي هُو تأصيلٌ في معنىً من معاني الإمامَة ، فقولُ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- : (( وَإِنَّمَا الشُّورَى لِلْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارِ)) ، والمُراد به أهل الحَل والعَقد من أهلم العِلم يسمعونُ دعَوة الإمَام فيقومونَ بواجب الاختبَار والنّصرَة ، فالدّعوة تكونُ ثمّ شُورى اهل العِلم ، وقد خصّها أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- في زمانهِم بالمُهاجرين والأنصَار يقصدُ أهل العلم والرّأي لمّا كانوا المنظور إليهم في الزّمان ، واعلَم أنّ كلامَ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- هُنا تأصيلٌ في غير المَنصوصِ عليهِم ، فأمّا المنصوص عَليه فقد قام بفرض أحقيّته النّص الشّرعي الإلهي المحمّدي ، نعم! ثمّ قالَ -عَليه السّلام-: (( فَإِنِ اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ وَ سَمَّوْهُ إِمَاماً كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رِضًا)) ، وهذَا هُو الحاصلُ مع شرط الزيديّة في أئمّتهم نعني الدّعوة ثمّ مُبايعَة أهل الحلّ والعَقد ، وهذا الكَلام من أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- ينقضُ أصلَ الإماميّة من الشّيعَة القائلون بالنّص على جميع أئمّتهم ، إذ أنّ المنصوص عَليه لا يصحّ أن يُقال أنّ إمامته تكون بشورى أهل الحلّ والعَقد ، فكان أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- مُخرجاً ناقضاً استطرادَ النّص على غير الثّلاثة (عليُّ والحسَنان) ، وتسميتهُم للقائمِ بالإمَام بمعنَى النّظر في استحقاقِه ذلك المَنصب ، وليسَ أهل الحلّ والعَقد بُعلمَاء السّلاطين ، ولا أصحاب المذاهب الفاسدَة في الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر ، وإنّما هُمْ مَنْ كانوا على منهاج الكِتاب والسنّة المحمديّة ، وإلاّ فإنّ مَنْ كان نظرهُ فاسداً في أصلِه في الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر بتأصيل توليَة الظّلمَة فأنّا يكونُ ذلكَ أهلاً لأن يكون من أهل الحلّ والعَقد في النّظر في أمر مَنء يقومُ ويَدعو لإزالَة ذلكَ الظّالم ، فتفهّم .

نعمّ ثمّ قالَ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- : ((فَإِنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرِهِمْ خَارِجٌ بِطَعْنٍ أَوْ بِدْعَةٍ رَدُّوهُ إِلَى مَا خَرَجَ مِنْهُ فَإِنْ أَبَى قَاتَلُوهُ عَلَى اتِّبَاعِهِ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَ وَلَّاهُ اللَّهُ مَا تَوَلَّى)) ، فالمُرادُ منه أنّ أمرَ البيعَة والدّعوة إذا تمّ من الحاضِرين ، فإنّ مَنْ دخلَ لا ينكُث بغير وَجه حقّ ، فإن خرجَ ردّوه إلى جادّة البيعَة وطريقَة المُؤمنين ، فإن أبى إلاّ إثارَة الفتنَة كانَ ممّن يسعَى في الأرض فساداً فيُقاتلُه إمام الزّمان ، وكذلكَ قاتَل أميرُ المؤمنين -عَليه السّلام- النّاكثين والمَارقين والقاسطين ، وكذلكَ قاتَل الإمَام المنصور بالله عَبدالله بن حمزَة -عَليه السّلام- المطرفيّة لمّا شغبُوا عَليه وألّبوا الفتنَة وخرجُوا منَ الأمْر ، لا كمَا يتوهّم البعض بأنّ ذلكَ قتلٌ لأجل مُخالفتهِم في الفِكْر فتأمّل ، وتأمّل قولَ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- مُؤصّلاً .

نعم! هذا أقصَى ما يظهَر لي من هذا الكَلام لأمير المُؤمنين -عَليه السّلام- ، وإنّ النّاقد والنّاظر والباَحث ينظرُ إلى كلامِ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- لا يفصل بين قِسمَي الكَلام فإنّه سيلتبسُ -عَليه السّلام- أنّ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- يُصحّح خلافَة المشائخ الذين تقدّموه وذلكَ غير صَحيح ، ومُعارَضٌ هذا الفَهم بأدلّة أقوَى ، إذ لو كانَ هذا الفَهم صحيحاً ما قعدَ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام-ستّة أشهُر لا يُبايعُ أبا بكر وقَد بَايَعَه جَمَاعة من الصّحابَة ، بل لكانَ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام-بكلامِه هذا يُناقضُ موقفَه ويُخطّئ قعودَه عن أبي بَكر ، ولكنّ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- كانَ يفصلُ بينَ المنصوص عَليه من الأئمّة ، وبينَ الأئمّة بالقيام والدّعوة من بعد الإمَام الحُسين بن عَلي -عَليه السّلام- ، أيضاً كان لسانُ حاله الاحتجاج على الآخَر (مُعاوية) بأنّه يلزمُه على أصلِه أن يدخُل في طاعتِه كمَا لزمَه على اصلِه أن يدخُل في طاعَة مَن تقدّمه (أبو بكرٍ وعُمر وعُثمَان) .

ثمّ بعدَ ذلك قد يقولُ البَاحث ، ما دليلُكم على أنّ أمير المُؤمينن -عَليه السّلام- يُؤصّل أمر الإمامَة على شرط الزيديّة من أنّ الدّعوة في بني فاطمَة ، وأنّ الشّورى فيهِم ، بمعنَى أنّ قول أهل الحلّ والعقد واجتماعهم تكونُ حول الدّاعية من بني فاطمَة ، فظاهرُ كلامِ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- لا يُفيد التّخصيص وإنّما في عُموم المُسلمين ؟!. وقد يحتجّ به السّلفي على خلافَة مَن تقدّم أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- ؟!.

ونُجيب على ذلكَ بأنّ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- ، قد خصّص المُستحقّين للإمامَة في كلامِه ببني فاطمَة بقولِه في النّهج نفسه : ((إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيشٍ غُرِسُوا فِي هذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ، لاَ تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ مِنْ غَيْرِهمْ)) [نهج البلاغَة] ، فهذا تخصيصٌ في بني هاشِمَ من قُريش ، ثمّ في بطنِ بني فاطمَة من بني هاشِم ، يؤيّده قول الإمَام الأعظَم زيد بن عَلي -عَليه السّلام- : ((الإمَامَةُ والشّورَى لا تَصلُح إلاّ فينَا)) [مجموع كُتب ورسائل الإمَام زيد بن عَلي] ، يؤيّده من سياقِ كِتاب أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- السّابق ما رواه نصر بن مُزاحم ، يُخاطبُ به أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- مُعاوية بن أبي سُفيان : ((واعْلَمْ أنّكَ مِنْ الطّلقَاء الذين لا تَحل لَهم الخِلافَة ولا تعرَض فِيهم الشّورَى)) [وقعة صفّين] ، فذلك كلّه أخي الباحث يُخرجُ ذلك العُموم الذي قد يُفهَم من ذلكَ الكِتاب من أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- ، فتدبّره تجدهُ كمَا قلنا ، وبه تمّ الجَواب على هذه المسألَة ، والحمد لله .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

السّؤال السادس عشر :

كثر الخلاف في هذا الزمان عن الإمامة عند الزيدية وتأصيلها الشرعي ! فالبعض يقول بالشروط الأربعة عشر ويجعلها كأنها غير متحققه ، والبعض يقول بالاصطفاء ، والبعض يقول لاداعي لها في هذا الزمان  ، فكيف نعلم أولادنا الإمامة عند الزيدية وتأصيلها الشرعي ؟

والجَواب :

أنّ الإمامَة عندَ الزيديّة ، إمامَةٌ في حقّ المنصوص عليهم وهُم عليٌّ والحسَنان ، وإمامةٌ في حقّ عُموم ذريّة الحسن والحسين أهل البيت عليهم السّلام ، وطريقُها الدّعوة بعد توافر شروط الإمامَة الأربعَة عشَر ، هذا ما أجمَعت عليه العترَة ، والعترَة مُصطفَاة اصطفاءً خاصّاً لمَن سمّاهُم الشّرع (عليٌّ والحسنَان) ، واصطفاءً عامّاً لمن لم يُسمّهم الشّرع (ذريّة الحسن والحُسين بعد الإمَام الحُسين) ،

نعم! فمَنْ قالَ بعد الإمام الحُسين بن عَلي -عَليه السّلام- بأنّه يوجَد أحدٌ من أئمّة العترَة طريقُ إمامته بالاصطفَاء الخاصّ من الله تعالى بالاسم والعَين ، فقَد لزمُه مُخالفَة أئمّة العترَة أوّلاً ، وأن يُخبرَ بطريق إخبار الله تعالى ورسوله -صلوات الله عليه وعلى آله- باسم ذلك الإمام وعينِه والأمّة مُجمعَة على أنّ الوَحي قد انقطَع و أنّ النبوّة قد خُتمَت ، وهذا القُرآن لا يدلّ إلاّ على صَفات في الأئمّة وهي مَا أصلّه أئمّة العترَة في الأربَعة عشر شرطاً وهذا ثانياً ،

نَعم! ومَن قالَ بأنّ الإمامَة في هذا الزّمان غير مُتحقّقة لأجل شروطَها ، فذلك من شاهِد الزّمان غير صَحيح ، والعترَة على أنّه لن يَخلو زمان من صالحٍ للإمامَة يقودُ الأمّة لو اجتمعَ النّاصر والمُعين حول أهل البيت -عَليه السّلام- ، والأصل أنّ الزّمان لا يخلو من مُجتهِد يُبيّن للنّاس ، وقد قالَ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- بأنّ الأرض لا تَخلو من الحجّة ، والحجّة لا يكون مُقلّداً أو غير صالحٍ لقيادَة الأمّة ، وحديث الثّقلين والسّفينة وأمثالها شاهدَة ببقاء العترَة بشروط الفَضل والصّلأح باقيةٌ في الأمّة ، فلا يصحّ أن يُقال بأنّ الإمامة غير متحقّقة في هذا الزّمان لأجل شروطِهَا ،

نعم! وأمّا كيفَ يُمكن أن نعلّم أبناءنا الإماَمة عندَ الزيديّة بتأصيلها الشّرعي فذلك بفضل الله محفوظٌ من مصنّفات العترة المتقدّمين والمتأخرّين ضمن كُتب الأصول ، فليحرص الآباء على تلقّي تلك العلوم صافيةً نقيّةً من مصادرها ومظانّها عندَ أهل العِلم المُستحفَظين .

اللهمّ صل ّعلى محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

السؤال السابع عشر:

هل تقاتل أئمة الزيدية إن صح ذلك عنهم يقوض المنهج الزيدي؟ هل بمعنى هل الإمام المتغلب سيُغير في منهج الزيدية أو يشرع فيه شيئاً جديداً نتيجة لتغلبه فتختلف الأصول ؟.

الجَواب :

أنّ هذا السّؤال جوهريّ ومهمّ أن يقفَ الباحثُ على أطرافِه؛ لأنّه قد شاعَ وطاشَت العُقول مَعه، وقد أقدَموا معهَ على سوء استنبَاط للأسَف ، وإلاّ فهَل ذلكَ الاختلاف بين المُسلمين اليَوم حول الكتاب والسنّة يُلغي صحّة تلك المنهجيّة من الكِتاب والسنّة؟!. هَل تقول الزيدية بعصمَة آحاد أئمّتها ؟!.، ولأنّ السّؤال مهمّ فسنطوّل الجَواب فيه،؛ لأنّي على ثقةٍ أنّ الباحث الحَصيف الذي يستطعمُ معنى الإنصاف ويستلذّ به سيجد أنّ في هذه المسألة تهويلاً وتضخيماً وتَعميماً طال نظريّة الإمامة التي أجمَع عليها سادت بني الحسَن والحُسين .

وسيكونُ الجواب من عدّة جوانب :

الجانبُ الأوّل : أنّ الفِكر الزّيدي، أو المَذَهب الزّيدي، قامَ على أصلَين رئيسَين وأصلٌ ثالثٌ مُلازم، فالأصلين الرئيسَين هُما: الكتاب، والسنّة، والأصل المُلازمُ هُو: إجماع أهل البيت عليهم السلام .

الجانب الثّاني : أنّ أي فكر إسلامي يكونُ هُو الحاكمُ على أفرادِ أصحابِه، وليسَ أفرادُ أصحابِه هُم الحاكمونَ عليه، خصوصاً وأنّ أفرادَ أصحابَه غير معصومين . فإذا أخطأ العالمُ الفُلاني في تطبيقِ الفِكر، فإنّ هذا لا يعيبُ الفِكر نفسه، وليس هُو بحجّة على الفِكر، تماماً كحال مَن تقاتَل من أئمّة الزيدية، فإنّ الحاصِل هُنا هُو سوءٌ في تطبيقِ الفِكر ومبادئ الإمامَة، لا أنّ هذا يعني أنّ هُناك خللاً في هذا الفِكر، تنبّه لهذه فإنّها دقيقَة، فالفرقة السنية في أصلِ عقيدة بعضهِم أنّ من شروطِ الحاكم العَدل والتديّن، وأن يكون ممّن يصلحُ لمنصِب الفَصل بين النّاس بعلمِه بالشّريعَة، ومعلومٌ أنّه قد تولّى من خلفائهِم الذينَ يسمعون لهُم ويُطيعون من لم يكُن بهذه الصّفات مُتحلٍّ، ومنهُم مَن كان فاسقاً كيزيد بن معاوية، ومنهُم مَن تقاتَل كالأمين والمأمون، فهَل سوء التّطبيق هُنا يردّ على أصلِ الفكر السنّي في تعيين صفَات الإمام وخليفَة المسلمين، قطعاً لا، فهذا -أخي الباحث- من ذاك فيما أثِر من تقاتل بعض أئمّة الزيدية .

الجانب الثّالث : الزيدية تقولُ في المُتقاتلين: إنَّ الإمام المُستحقّ منهُم ليسَ إلاّ واحداً، وتُخطّئ الخارجين عَليه .

الجانب الرّابع : أنّ مَن قال عن هؤلاء المُتقاتلِين، هَل هؤلاء يُمثّلون أهل البيت الذين ادّعيتُم أنّهم سُفن النّجاة، وثقَل الله الأصغَر في الأرض، فهَل نقتدي بهِم على حالهِم هذا من القَتل والتناحُر ؟!، والجَواب : أنّ مَن ينظُر بهذا المِنظَار فيختزلُ فضل جماعةٍ كبيرَة من أئمّة أهل البيت من زمن رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- إلى زمنِنا هذا، بتصرّفات فرديّة نادرَة وقليلَة مُقارنةً بمحاسنِ بقيّة الأئمّة، علماً، واجتهاداً، وجهاداً، وتأليفاً، ونُصرةً للمظلومين، فإنّه ينظرُ بمنظارٍ ضيّق، فنختصرُ على مَن قال بهذا،

ونقولُ له: إنَّك قد شهدَت أنّه قد كاد يكون إجماع أنّ أئمّة اليمن من أهل الدّيانَة والعِلم، فهَل يزرُ الصّالح منهُم وزرَ المُخطئ ؟!، والله تعالى يقول : ﴿ولاتزرُ وَازرةٌ وِزرَ أخرَى﴾ [الأنعام:164]، هل ستزهدُ في الإمام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين لأجلِ من انتقدَت عليهِم تلكَ الأمور؟!، وهَل ستزهُد في المنصور بالله القاسم بن محمّد لأجلِ من تحفّظتَ عليهِم؟!، هَل ستُفرِّط في الإمام النّاصر الأطروش مَنهَ هدى الله على يدَيه من عبدَة الشّجر والحجَر ألف ألف من المكلّفين فآمنوا بالله تَعالى، لماذا لا نجعلُ هؤلاء هُم الحاكمون على حبّ أهل البيت كنماذِج مُضيئَة في اليمن وغير اليمن، لماذا لا نجعلُ هؤلاء هُم الحاكمون على تطبيق فِكر الزيدية بلا دَغل ولا وغَل، الإنصافُ عزيزٌ يا إخوان .

وعينُ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلةٌ

وَلَكِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِيَا

الجَانِب الخامس : أنّه المهّم في المسألَة أن تعرِفَ أنّ إسَاءة التّطبيق راجعَة إلى المُتقاتلين، لا أنّها راجعَة إلى الفِكر الزّيدي، فإذا عرفتَ ذلك أسقطتَ الانتقاد على المذهب الزّيدي كمذهَب، فلا تُدخِلْهُ في تقاتُل هؤلاء الأئمّة، فإن أردتَ أن تتناول الموضوع فتناولُه من جهَة تاريخيّة فقَط، لا من جهَة فكريّة مذهبيّة؛ لأنّ المذهب الزّيدي بمبادئه لا يضرّه أن يُطبّقه بعض أفرادِه تطبيقاً خاطئاً، وكذلك الحالُ مع أيّ مذهب، إلاّ الجعفرية فإنّ أئمّتهم معصومون، وخطأهُم يؤثّر على الفِكر والاعتقاد .

فإن قيلَ: لَو كَان الفِكر الزّيدي لا يُعطِي أشخَاص الأئمّة الزيدية الوَزن والثِّقل الكَبير في مَعرفة الحقّ واتّباعه لكَان كَلامك مَنطقياً، وحِينها لا يَصحّ مُحاجَجة الفِكر الزّيدي بتصرّفات بَعض أئمّة الزيدية ولكنّ وَاقِع الحَال أنّكم تَدعون أنّ طَريق مَعرفة الحق واتّباعه مُقترن بأشخَاص الأئمّة الزيدية، فالذي نَرَاه أنّ حُصُول التّقَاتل بَين الأئمّة الزيدية يَهدّ أسَاس الزيدية كَامِلاً مِن زاوية اقترَان الحقّ بِأشخَاصِ الأئمّة الزيدية .

قُلنَا : قولُكم: لكنّ وَاقِع الحَال أنّكم تَدعون أنّ طَريق مَعرفة الحق واتّباعه مُقترن بأشخَاص الأئمّة الزيدية، فالحقّ الذي تتكلّم عنه -أخي الباحِث- وأنّه مُقترنٌ معرفتهُ بشخصِ الإمام القائم، لا يخلو أن يكون من الأصُول أو الفُروع، فإن كان من الأصُول فإنّ الحقّ قد زُبِر من إجماعات السّلف من أهل البيت المُستندَة إلى الكتاب والسنّة، فمَا هذا الإمام القائم إلاّ مُبلِّغاً لا مُشرِّعاً، وإن كانَ في الفروع فإنّ الرّأي فيها مزبورٌ وليسَ للإمام إلاّ أن يجتهِد بنظرِه في المسائل، واجتهادُه هذا شرطهُ الاستنادُ إلى الشّرع، فالإمام عند الزيدية كشخص وفَرد ليسَ ذاتُ الحقّ مقروناً بمعرفتِه، وإنّما هُو من الأدلاء على الحقّ الذي أقرّه إجماع سلفِه ثَقل الله الأصغَر في الأرض،

وإنّما قُلنا: إنَّه من الأدلاء لمكان علمِه ودورِه التّبليغي، ودورهُ في الهِدايَة للأمّة، فأوجبَت الزيدية إجابَة دَعوَة الأئمّة العلماء المُجتهدين لِما هُو واجبٌ من دَعوة الإمام المستحقّ، وأنّ النّاس يكونون في أغلب أحوالهِم مع هذه الدّعوة العادلَة في مأمنٍ حيث يَلوذون بذلك الإمام فيما يستشكلُ عليهِم من أصولِ دينهِم وفروعهِم، فيُفهّمهم ويستنبطُ لهُم، ثمّ هُو يسوس الرعيّة فيدفع الظّلم، ويأمُر بالمعروف وينهى عن المُنكَر، هذه هي النّظرية العامّة عند الزيدية وقد طبّقها كثيرٌ من الأئمّة بلا مُخالفَة أو اختلاف، كما أُثِر عن بعض مَن تقاتَل من الاختلاف، فالحجّة هُو الأصل، وما طرأ يكون شاذّاً .

فإن قال الباحِث : مَا زلت أستشكلُ كَلامَك، ودَعنِي أستَوضِحُك بشكل مُتسلسل، مِن بَاب الافتراض والتّخيل لَو حَدث قِتالٌ بَين سَيدنا الحسن وأخيه سَيدنا الحسين -رضي الله عنهما- عَلى مَنْ يَكونُ الإمَام أو غَير ذَلك، فَهل هَذا الاقتتال عِندكَ لا يُسبّب إشكالاً في دَعوَى اقتران الحق بأهل البَيت؟!. وكَيف يَتمكَّن المُسلم المعاصر لهذا الاقتتال مِنْ مَعرفَة الحقّ إذا كَان عِندُه دَليلان الحسَن والحسين مُتناقضان ؟!.

قُلنا : لا بَأس، إن شَاء الله أن نَأتي بما قد يُذهِب الالتباس في المسألَة، وسأتمَاشَى مع مثِالكَ فَرَضاً وهُو مُستبعدٌ حقيقةً لأجل العصمَة.

* فالحسَن والحسين حينَ قتالهِم، لا يخلو حالُهم من أمرَين :

1- إمّا أن يكونا مُتّفقين في أصولِ مذهبهِم أصول الزيدية.

2- وإمّا أن يكونا مُختلفين في أصولِ مذهبهِم .

* هُنا الواجبُ على المكلّف اتّباع مَن دعَا إلى الله تعالى، وسنّة رسولِه على منهَج سلفِه من أهل البيت ، وعلى هذا يترتّب السّؤال الثّاني وهُو المهمّ أخي طالبَ،

الجَواب :

* إذا كانَ مصيرُ الحسن والحسين في الدّين إلى أصولٍ واحدَة أصول الزيدية، وقَد عرفنَا أنَّ الزيدية مؤمنَة أنّ الإمام ليسَ بمُشرِّع وإنّما هُو صاحب دور في الهِدايَة إلى مذهب سلفِه من أهل البيت، وصاحب دور في الإفتاء والاجتهاد واستنباط الأحكام الطّارئَة مع الأزمان، وتوطيد العَدل، والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكَر، فهَل يلزمُ من تقاتُل الحسن والحسين وتناقضهِم مع اتّفاق أصولِهم وعقيدتهِم، هل يلزَم من ذلكَ أن يكونَ معرفَة مذهب أهل البيت أصول الزيدية غير مُمكنَة لتناقُض الإمامين ؟، فإن قيلَ بهذا .

قُلنا : هذا لا يَلزمُ منه عدم المقدرَة على الوقوف على الحقّ في معرفَة أصول الدّين، وأصول الفروع التي زُبرِتَ من قَبل أن يُولَد الإمامان المُتقاتلان، وإنّما يلزمُ منهُ الحيرَة في معرفَة دَعوة المُحقّ من غير المُحقّ كدَعوة جامعَة غرضُها هدايَة أهل العصِر، خصوصاً وأنّ أصولَ هذين الإمَامين المُتقاتِلين واحِدَة، ومذهبٌ أهل البيت آ واضح .

مثال :

* عزمَ الكاظمُ الزّيدي، وزَيد، أن يُسافرا إلى مكّة ومعَهم جماعَة من العامّة من أهل قريتهِم، وطريقُ مكّة مرسومَة معروفَة قد وضعَ لنّا أهل الخِبرَة من آبائنا طريقاً يدلّنا عليهَا، فركبنَا جميعاً سيّارةً واحدَة تُوصُلنا إلى مكّة من الطّريق الذي رسمَه لنا آباؤنا، ثمّ حصلَ خلاف بين الكاظم الزّيدي، وبين زَيد، وهُم على الطّريق، أيّهم يقودُ السّيارَة الكاظِم تخوّفَ من قيادَة أخيه زَيد مع علمِه أنه أهلٌ للقيادَة، ولكنّه غلبَ على ظنّ الكاظم أنّه سيقودُ السّيارة أفضل منه. وكذلكَ حصلَ مع زَيد فإنّه رفضَ أن يكون الكاظم هُو القائد، لما غلبَ على ظنّه أنّ قيادَته ستكون أفضَل مع علمِه أنّ أخاه الكاظم أهلٌ للقيادَة، فحصلَ هُنا خِلاف، فقامَ بعضُ من الأتباع المُرافقين لهم يزيدُ حدّة الخلاف بقصدٍ أو بدون قصد بينَ الكاظم، وبين زَيد، حتّى حصلَت نُفرَة ومُخاصمَة ومُقاتلَة على أيّهم يقودُ السيّارة ليُوصِل مَن معَه إلى مكّة . هُنا وهُو لبّ الإشكال على المُستشكِل، وهُو هَل يضرّ أهل القريَة الرّاكبين معَهم خلافُ الكاظم وزَيد في معرفَة طريقِ مكّة ؟! وطريقُ مكّة معلومٌ غير مجهول من تعريفِ الآباء لَه وزبرِه في مؤلّفاتهِم، ثمّ هذَان المُختلفَان الكاظِم وزَيد لو تمكّن أحدهُما فإنّه ما كانَ يسلك إلاَّ ذلك الطّريق الذي كان واضحاً نهجُه وطريقُه من قبل الآبَاء والسّلف الصّالح، ولو تمكّن الآخَر كان سينهج نفسَ الطّريق ويسلُكه .

مُطابقَة المِثال بالواقِع :

الطّريق المعروف إلى مكّة الذي اتّفقَ على أن يسلكَه الكاظم، وزيد، هي أصول الزيدية وإجماعات أهل البيت .

الكاظم وزيد هُما الإمامان المُتقاتلان .

أهل القريَة الرّاكبون معهُم، هُم الأتباع من العلُماء المقتصدين والفقهاء والعامّة .

الأتباع الذين زادوا الخلاف، هُم البطانَة وأهل الوشايَة .

نعم! ففي هذا لو تدبّرته -أخي الباحِث- ما يُقنِعُ بإذن الله تعالى، وللنّاس أفهامٌ مُتفاوتَة، نعَم وللإنصَاف فإنّنا نزيدُ في البيَان أنّ تلكَ الفتنَة التي سالَت بهَا الدّماء بين المُتخالفين ناتجَة عن أخطاء فرديّة لا علاقَة لنظريّة أهل البيت في الإمامَة بهَا، فإنّ الإمامَة تكليفٌ لا تشريف عند مَن نظرَ وتدبّر، فقَد كانَ أئمّة أهل البيت يتدافَعون الإمامَة يصرفوَنها عن أنفُسهِم إلى غيرهِم من أهل الفَضل والشّرف من أهل البيت، كما تدافعَ ذلكَ كبارُ أهل البيت في زمانهِم، الإمام أحمد بن عيسى، والإمام الحسن بن يحيى، والإمام القاسم بن إبراهيم، كلّهم يُقدّم صاحبَه، ومنهُ ما تنحّى بسببِه الإمام المرتضى محمّد بن يحيى الهادي إلى أخيه النّاصر، ومنهَا ما اجتمعَ لأجلِه سادات بني الحسنَ يحيى بن عبدالله، والحسين الفخّي ومعهم أهلهُم يتدافعوُنها، هذا الأصل، فإذا حصلَ هُناك من طبّق هذا المبدأ بغير ما جاء به الأصل فإنّه مُخطئ، وخطأهُ هذا لا يتحمّله الفِكر، والزيدية لم تُصوِّب جميع مَنْ تَقاتَل من الأئمّة، بل قالَت: إنّ الإمام المستحقّ منهُم واحِد، والبقيّة مُخطئون فيما تسبّبوه، وهذه نظرَة عادلَة، فالزيدية لا تُبرّر سفكَ الدّماء بتصويب المُخطئين، بل تُثبتُ خطأهُم، والإمَام عندَ الله تعالى منهُم واحِد، وسيعامُل الله الجَميع بعَدله، إلاّ أنّه لَم يظهَر لنَا من أفعالهِم العِناد والتّكالب على الرّئاسَة من حيث هِي بدون غايَاتها من إقامَة العَدل والأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكَر وحياطَة الدّين، فلذلكَ وسعنَا فيهم ما وسعنَا من القَول: إنَّ الإمَام منهُم عندَ الله تعالى واحدٌ بدون الحُكم وتَحديد الأعيَان.

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد

________________________

السّؤال الثامن عشر :
اذا كانت إمامة الإمام -عَليه السّلام- متواترة فلماذا خالف النص بالإمامة غالبية الصحابة وهم الذين تركوها دين آبائهم وحاربوا قومهم نصرة لرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله بل خالفه الإمام علي -عَليه السّلام- نفسه يوم رضي بالتصالح ؟
والجَواب :
ينقسمُ حسبَ المسألَة إلى قسمَين ، أوّلُها : إذا كانَت إمامَة أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- مُتواترَة فلماذا خالفَها غالبيّة الصّحابَة وهُم الذين تركوا دينَ آبائهَم وحاربوا قومَهم لأجل دِينِ الإسلام ، والأشبَه بهذا السّؤال مَن قالَ بإجمَأع الصّحابة على مُخالفَة أمير المُؤمنين -عَليه السّلام-مع ورود مثل نصّ الغَدير .

والثّاني : أنّ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام-خالفَ ذلك النّص عليه عندمَا رضي بالتّصالح مع أبي بَكر .
ونجُيبُ على القسم الثّاني أوّلاً ، ثمّ على سابقِه ، فأمّا أنّ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام-قد خالف نصّ الغَدير عندمَا رضي بمُصالحَة أبي بَكر ، فإنّ ذلكَ غير صحيح ، فإنّ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام-ما صالحَ أبا بَكر إلاّ بعد مُنازعَة دامَت رُبع مدّة خلافَة أبي بَكر ، ستّة أشهُر ومعه كبار الصّحابَة ، ثمّ لمّا رأى أميرُ المُؤمنين أنّ من القَبائل من قد ارتدّ عن دينِه وأنّ الإسلام يُكادُ ألجأه ذلكَ إلى إيثار المصلحَة العامّة على حقّه الشخصيّ من الإمامَة ، فقالَ -عَليه السّلام-: ((لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي وَ وَ اللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ وَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَ فَضْلِهِ وَ زُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَ زِبْرِجِهِ)) [نهج البلاغَة] ، ثمّ بقيَ -عَليه السّلام-مرجعاً للتّشريع في زمن قيامِ من تقدّمه ، هذا باخصتَار قد طوّلناه في مباحِث وإجابَات عدّة ، فلتُراجَع ، فليسَ التّصالُح يعني الرّضا بحال المُتصالَح مَعه ، وقد صالحَ رسول الله -صَلوات الله عَليه وعلى آله- المُشركين فلا يَؤصّل الصّلح الرّضا ، أو المُخالفَة على الدّليل أو الحجّة ، هذا من جهَة .
وأمّا ما جاء في القسم الأوّل من مُخالفَة غالبيّة الصّحابة ، أو ادّعاء الإجمَاع على بيعَة أبي بَكر ، فقد حررّنا فيه ردّا نسوقه هُنا من مبحثنا (الرّد الجليّ على صاحب القَول الجَليّ في الذّب عن الإمَام زيد بن عَلي) ، نسوقُه هُنا بمصادرِه :
((تعليق : مَسألَة الإجماع من الصّحابة رضوان الله عليهِم على خلافَة أبي بكر دَعوى غيرُ مُسلَّمَة ، وقَبل الخَوض في نقاش هذه المسألَة ،

أقدّم بمُقدّمَة أقولُ فيها :

أنّ صَحابَة رَسول الله -صَلوات الله عَليه وعَلى آله-يَتمايَزون ، ويتفاضَلون ، فمنهُم العُلماء ، ومنهُم مَن هُم دونَهُم ، ومنهُم العَوام ، فأمّا العُلماء الذين لا يُشقّ لهُم غُبار ، فعليٌّ صلوات الله عليه ، ومنهُم مَن هُم دونَهُ في العِلم كابن عبّاس وابن مَسعود ، وسلمان الفارسي ، وأبو أيوبٍ الأنصاري ، والمقداد ، وأبو بكر ، وعُمر ، وغيرهِم ، ومنهُم العَوام الذي يَدخُل فيهم الأعراب ، وأهل الحِرف غير المُختصّين برسول الله -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- كاختصاص مَن قبلَهُم ، وهذا فلا يُخالِفُ عليه أحد من المُسلمين ، إلاّ أن يُقال أنّ جميع الصّحابَة كانوا عُلماء عامِلينَ مُستنبطِين! ، وهذا ما لا يُقالُ به ، فإن أنتَ وقفتَ على هذا ، دخلنَا وإياّكَ إلى أصل مسألَة الخِلاف وهِيَ الإجمَاع ، وأبرزنا لكَ أنّ عُلماء وكِبار الصّحابَة سَبَقَاً وعِلمَاً وَفَضلاً وجِهاداً لَم يَكونوا قَائلين بخلافَة أبي بكر ابن أبي قُحافَة ، وعليٌّ -عَليه السّلام-أوّلهُم ، وقد تقدّمَت رواية أمّ المؤمنين عائشَة في أنّه ما صالَحَ أبا بَكر إلاّ بعد ستّة أشهر (بعد موت فاطمة الزّهراء) ، وذلكَ لأنّه كانَ يرى لهُ حقّاً في الإمامة والخلافَة استبدّ بها أبو بَكرٍ دونَه ، ولأنّ حديث الَغدير مَازَال وَقْعُهُ في آذان كَبار صحابة رسول الله -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- ، فإنّهم حَفظوا لرسول الله -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- وصيّتهُ في علي -عَليه السّلام-، فَمَالوا إلى عَلي -عَليه السّلام-ولم يُبَايعُوا حتّى صالحَ أمير المؤمنين -عَليه السّلام-، ومنهُم جميعُ بني هاشم[1] ، الذي منهُم العباس بن عبدالمطلب ، وحَبر الأمّة عبدالله بن العبّاس ، والفَضل بن العبّاس[2] ، وناهيكَ بِهم مِن رِجَال ، ومِن المُتخلّفين عن بيعة أبي بكر ، الزّبير بن العوام[3] ، وطلحة بن عبيدالله، وخَالد بن سَعِيد بن العَاص الأموي[4] ، والمقداد بن الأسود ، وسَلمَانُ الفَارسي[5] ، وأبو ذَرٍّ الغِفَارِي ، وعمّارُ بن يَاسِر ، والبَراء بن عَازِب[6] ، وأبيّ بن كَعب[7] ، وأبان بن سَعيد بن العاص[8] ، وهؤلاء فكانَ هَواهُم مع أمير المؤمنين -عَليه السّلام-، وممّن تخلّف أيضاً من كبار الصّحابَة عن بيعة أبي بكر ، سَعد بن عُبادَة ، وغيرهم ،

نعم ! فإنْ أنتَ وقفتَ على هذا وتَيقّنتَهُ عرفتَ أنّ أهل الحلّ والعقد من الصحّابَة كَانُوا غائبين عن أسَاس بَيعَة أبي بَكر ، ولكنّ أكثريّة النّاس كَانُوا مَع أبي بكر ، ولكن مَنْ هؤلاء الأكثريّة ؟!

هؤلاء الأكثريّة من الصّحابَة ، لا يخَلوا حالُهُم مِن أمرَين اثنيَن ،

الأمر الأوّل : أن يكونوا عُلماء .

والأمر الثّاني : أن يكونوا من عامّة المُهاجرين والأنصَار .

فأمّا العُلماء فَسَوادهُم مَعَ أمير المؤمنين ، ومنهُ فلم يَبقَ إلاّ العَوام من الصّحابَة ،

فإن قُلتَ : فَلِمَ اتّبعُوهُم هؤلاء العَوام .

قُلنا : ليسَ أبو بكرٍ ولا عُمَر بأصحاب الشأن القَليل في ذلك المُجتمَع الإسلامي ، فقد كانَا مِن وُزراء[9] الرّسول -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- ، ومِن أصحابهِ القَريبينَ منه ، والعَوامّ فِي ذَلِكَ الزّمَان فَقد كانوا يَحفظون لهُم منزلَتهُم ، ودخولَهُم ، وخروجهم ، وَوَجَاهَتَهُم عند الرّسول -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- ، فَمِن هُنا كانَ عوامّ الصحابة يُحسنون الظنّ فيهِم ، ويثقونَ بهِم ، فلمّا بُويِعَ أبو بكر في السّقيفَة ، بايَعوه تِبَاعَاً[10] ، وخَبر الغدير فَلعلّهُم لم يَقفوا على صدرهِ وأطرافِه كما وقفَ عليه سلمانٌ وعمّار وبقيّة أصحاب علي -عَليه السّلام- ، فمِن هاهُنا كاَنت بيعَة هؤلاء الصّحابَة وهُم الكَثيرون لأبي بَكر ، فأمّا رؤوس الصّحابة وكُبرائهُم فلم يُبايعوا وهُم القلّة ، ولا استغراب فأهل العِلم في أغلب المُجتمعات قَليلون مُقارنةً بعامّة النّاس ، وليسَ كلامي هذا قَدحاً في الصّحابَة (أعني عندمَا أقولُ أنّ منهُم العَوام) ، فهي حقيقة ثابِتَة ، فمنهُم الأعراب ، والطّلقاء ، ومَن لم يتمكّن الإيمان من قلوبهِم، ولو يكن دليلُها إلاّ ردّةُ بَعضهِم ، وإقامَة المشَائخ الحُدودَ على بعضهِم[11].

نعم ! وبهذا ظهرَ لَنا ولكَ أخي في الله افتقار دَعوى الإجماع للبُرهان ، وسقوط حجّة من يحتجّ باستحالَة إجماع كُبراء الصّحابة على مُخالفة رسول الله -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- ، وأنّ هذه الأخيرَة دَعوى عريَضة ، ليسَ عليهَا دَليل ، أكثرُ مَا فيها استجلابُ العاطِفَة ، والله المُستعان .
وبهذا تمّ الجَواب على السّؤال بقسمَيه ، والحمدُ لله .
اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ..
[1] روى البيهقي ، بإسناده ، قال : ((عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، … ، قالت عائشة رضي الله عنها : فَكان لِعلي رضي الله عنه مِنَ الناس وجه حياة فاطمة رضي الله عنها ، فلمّا توفّيت فاطمة رضي الله عنها انصرَف وجوه الناس عنه ، عند ذلك قال معمر قلت للزهري كم مكثت فاطمة بعد النبي -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- قال ستة أشهر . فقال رجل للزهري : فلم يبايعه علي رضي الله عنه حتى ماتت فاطمة رضي الله عنها . قال : ولا أحَدٌ مِن بني هَاشم رواه البخاري في الصحيح من وجهين عن معمر ، ورواه مسلم عن إسحاق بن راهويه وغيره)) سنن البيهقي الكبرى :6/300 ، مسند أبي عوانة : 4/251 ، مصنف عبدالرزاق:5/472 .
[2] قال اليعقوبي : ((قَامَ الفضل بن العبّاس وَكان لِسَان قُريش ، فقال : يَا مَعشر قُريش إنّه مَا حقّت لكُم الخِلافة بالتّمويه ، ونَحنُ أهلُهَا دونَكُم وصَاحِبنا أولى بهَا منكُم)) . [تاريخ اليعقوبي :2/126] قلت : يعني علي بن أبي طالب -عَليه السّلام- . وقال اليعقوبي: ((وكان المهاجرون والأنصار لا يشكون في علي)) [المصدر السابق] .
[3] روى ابن أبي شيبه ، بإسناده ، قال : ((حدثنا زيد بن أسلم ، عن أبيه أسلم ، أنهُ حِينَ بويع لأبي بَكر بعد رسول الله -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- كَان علي والزّبير ، يَدخُلان على فَاطمَة بنت رَسول الله -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- فَيشاورونَها ، ويرتجعون في أمرهِم ، فلمّا بلغَ ذلك عمر بن الخطاب ، خرج حتى دخل على فاطمة ، فقال : يا بنت رسول الله -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- والله مَا من أحد أحب إلينا من أبيك ، وما مِن أحد أحب إلينا بعد أبيك منك ، وأيم الله ما ذاك بمَانعِي إنِ اجتمعَ هؤلاء النفرعندك إن أمَرتِهم ، أن يُحْرَق عليهم البَيت ، ..إلخ )) مصنّف ابن أبي شيبة:7/432 ، الاستيعاب:3/975، . قُلتُ : وقد كان طلحَة معهُم .
[4] وهُوَ القائل لعليٍّ -عَليه السّلام- : ((هَلمّ أبَايعُك فوالله مَا فِي النّاس أحد أولى بِمَقام محمّد منك)) . تاريخ اليعقوبي:2/126 . قلتُ : وخالدٌ هذا أسلمَ قديماً ، قيل أنّه لم يكُن بينه وبين إسلام أبي بكر مدة طويلة .
[5] جاء في أخبار قزوين ، ما نصّه : ((لمّا كانَ يومُ السّقيفة اجتمَعَت الصّحابة على سَلمَان الفَارسي ، فقالوا يَا أبا عبد الله ، إنّ لكَ سِنك ودِينكَ وعَمَلك وصُحبَتك مِن رسول الله -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- فقل فِي هذا الأمْر قَولاً يخلدُ عنك ، .. ، ثمّ أنشأ يقول : مَا كنت أحسب أنّ الأمر مُنصرفٌ**** عن هَاشم ثمّ منهم عن أبي الحَسن ^ أليس أوّل مَن صلّى لِقبلَته **** وأعْلم القَوم بالأحْكَام والسّنن ^ مَا فِيهُمُ مِن صنوفِ الفَضل يَجمَعُهَا**** وَليسَ فِي القَوم مَا فِيه مِنَ الحُسْنِ )) [التدوين في أخبار قزوين:1/79] ، ونُسبت هذه الأبيات إلى عُتبة بن أبي لهب بن عبدالمطلب انظر [الاستيعاب:3/1133] ، وانظر [تاريخ اليعقوبي:2/126] .
[6] وكان البراء بن عازب رضوان الله عليه ، هُو أوّل مَن جاء ليُخبر بني هاشم بأمر السّقيفَة . تاريخ اليعقوبي [تاريخ اليعقوبي :2/126] .
[7] جميع الأسماء المَاضِيَة من تاريخ اليعقوبي :2/124 .
[8] قال السّخاوي في التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة : ((وَهُو ممّن كَانَ تَخَلّف عن بَيعَة أبي بَكر لِينظر مَا يَصنعُ بنوا هَاشم ، فَلمّا بَايعُوه بَايَع)) [1/60] ، قُلت : ولم يحصُل هذا إلاّ بعد ستّة أشهُر .
[9] بمعنى قريبين من الرّسول -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- في الإشارة والاستشارَة ، إضافَة إلى غيرهم من الصّحابة .
[10] وهكذا دائماً : زلّة العَالِم زلّة عالَم .
[11] ومنه إقامة عمر الحد على الصّحابي قدامة بن مظعون الجمحي . [المغني:9/48] . والعجيبُ أنّ قُدامَة بن مظعون كان قد هاجر الهجرتين ، وكان بدرياً ، واستعملهُ عمر على البحرين ، ومع ذلك شرب الخمر مُتأوّلاً ، فأقام عليه عُمر الحد . [تعجيل المنفعة:1/343]. وذُكِر أيضاً أن عمّر أقام حدّا على أعرابي سكر من النّبيذ . [نصب الراية:3/349] ، ومنه جلد أمير المؤمنين -عَليه السّلام- للوليد بن عقبة حد الخمر ثمانين جلدة . [مقدمة الفتح: 1/300] ، ومنه رجم أبي بكر لعبدالله بن الحارث بن معمر الجمحي ، وذلك لوقعه في الزّنا . [الإصابة:4/50] ، ولهذا نماذج كثيرة في عصر رسول الله -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- ، وفي عصر علي -عَليه السّلام- والمشائخ)).
________________________

السّؤال التاسع عشر:

 هل إمامة أمير المؤمنين -عَليه السّلام- بالتعريض ؟!. وما الفرق بين التعريض والتقية؟!.

والجَواب :

أنّ التّعريض كلامٌ يكونُ المقصودُ منه غير مُباشرٍ من وَجه الخِطاب ، كقولِ العَبدِ لسيّده : إن عمَل المزرعَة شَديدٌ ومُنهِك . يُريدُ العَبدُ ويقصدُ أن يُعفيَهُ سيّده من العمَل في المزعَة ، فهذا من العَبد تعريضٌ لا تَصريح ، والتّصريحُ أن يقولَ العَبد : إنّ العمَل شديدٌ ومُنهكٌ وأريدُ أن تُعفيَني منه ، وعرّفه ابن أبي الحَديد بقولِه : ((هُو التّنبيه بفِعل أو لَفظ عَلى مَعنىً اقتضَت الحَال العُدول عَن التّصريح به)) ، ونقلَ أيضاً عن ابن الأثير : ((التّعريض هُو اللّفظ الدّال عَلى الشّيء مِن طَريقِ المَفهوم، لا بالوَضع الحَقيقي ولا بالمَجَازي، فَإنّك إذا قُلت لِمَن تتوقّع مَعروفَه وَصلَتَهُ بِغير طَلب: ((أنَا مُحتاج ولا شَيءَ فِي يَدى، وأنَا عَريان والبَرد قد آذانى)) ، فَإن هَذا وأشباهه تَعريضٌ بالطّلب ولَيس اللّفظ مَوضوعاً للطّلب، لا حَقيقة ولا مَجَازاً، وإنّما يَدل عَليه مِن طَريق المَفهوم،….،وإنّما يُسمّى التّعريض تَعريضاً، لأنّ المَعنى فيه يُفهَم مِن عَرض اللّفظ المَفهوم، أي مِن جَانِبه)) [شرح نهج البلاغَة] .

وقولُ السّائل هل كانَت إمامَة أمير المُؤمنين عَلي بن أبي طَالب -عَليه السّلام- ، كانَت بالتّعريض يقصدُ من رسول الله -صَلوات الله عَليه وعلى آله- ، فذلكَ غيرُ صَحيح ، وإنّما كانَت إمامتهُ -صلوات الله عَليه وعلى آله- تصريحاً جليّاً يومَ الغدير وفي غيره من المواقف قالَه رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله : ((ألستُ أولى بكُم من أنفُسِكُم؟!. قالوا : بلى ، يا رسول الله. قالَ : فمَن كُنت مولاه ، فهذا عَليٌّ مَولاه)) ، ثمّ زادَ برفع اليَد وذلكَ تسليمٌ للأمِر بالفِعل إلى جانِب القَول ، ثمّ إنّ موقف الرّسول -صلوات الله عَليه وعلى آله- يوم الغَدير كانَ بسبب نُزول قول الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)) ، فالأمرُ الذي كانِ عدلاً للرّسالَة الإلهيّة في تمَام التّبليغ من عدمِه ، لن يكونَ تبليغُه بالتّعريض وإنّما بالتّصريح الجَلي ، وهُو في إمامَة أمير المُؤمنين عليه السّلام ، وذلكَ إجماعُ العترَة الأطهَار سَادات بني الحسن والحُسين .

نعم! ومن مسألَة السّائل ما هُو الفَرق بين التّعريض وبين التقيّة ، فإنّ التّعريض الغايَة منهُ إيصالُ مقصودٍ ومُراد مَا ، قولاً أو عَملاً ، كما قدّمنَا ، وأمّا التقيّة فإنّ الغايَة منها حفظُ النّفس والعِرض بإظهَار أمرٍ مَا على غيرِ وجهه الصّحيح مع بَقاء أصلُ ذلك الأمر في قلبِه لا يزول ، كما أُكره عمّار بن ياسر على نُطق الكُفر وقلبُه مُطمئنٌ بالإيمَان ، فالتقيّة أن يقولَ رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- أنّ إمامَكم بَعدي هُو عُمر بن الخطّاب خوفاً مِنْ أمر مَا يجلّ خطرُه ، ومقصدُ واعتقادُ رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- أنّ عليّاً هُو الإمامُ من بعدِه ، فهذا من التقيّة ، وللتقيّة عندَ أئمّة العترَة شروطٌ ومفَهومٌ مُجوّد ، فالتقيّة لا تجوزُ على الحُجّة كرسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- فيما يُوقع النّاس في تدليسٍ وإيهَام وإخفاء لوجه الحقّ كالمثال الذي ذكرناهُ قريباً فإنّه لا يصحّ أن يصدرُ عن رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله ، وإنّما بلاغُه في أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- كانَ جليّاً بلا تقيّة ولا تعَريض ، والحمدلله .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد

________________________

السّؤال العشرون :

أريد قولكم الجلي في الرد على شبهة القول بضعف ولاية الإمام علي بسبب اعتماد المذهب بالقول بالنص الخفي؟

والجَواب :

أنّ تَحقيق مسألَة النّص الجليّ والخَفي من إطلاقَات الأئمّة مسألةٌ قد خفيَ وجههُا وأصلُها على كثيرٍ من البَاحثين ، والمسألَة ليسَ يرتّب عليهَا ذلك الخَطر ، لأننّي قد قرأتُ لبعض الإماميّة أنّ الزيديّة لجَأت للقَول بالنّص الجَليّ لإيجَاد العُذر لأبي بَكر وعُمر ، وما درَت الزّيديّة بذلك أنّها قد نسبَت التّقصير بإبلاغ أمرٍ خافٍ وجه دلالته على الأمّة في مثل هذا الأصل العَظيم الإمَامة ، فيترتّب عَليه أنّ رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- مات غير متمّ للتّبليغ ، هذا مُنتهَى فهم مَن قرأتُ لهُ ، وهُو خاطئٌ جدّا وفيه تهويلٌ وتضخيمٌ للمسألَة ،

ونبيّن ذلكَ من عدّة وجوه يترتّب بعضها على بعض من اعتقَاد أئمّة العترة سَادات بني الحسَن والحُسين :

الوَجه الأوّل : أنّ أصل الزيديّة أنّ رسول الله صَلوات الله عَليه وعلى آله قد مات مُتمّاً للَبلاغ الرّسالي في أصول الدّين وفروعِه ، وإمامة أمير المُؤمنين قد نزلَت فيها آياتٌ خاصّة فيقول الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)) ، فوقَف رسول الله صَلوات الله عليه ليُبلّغ المُسلمين يوم الغَدير الثّامن عشر من شهر ذي الحجّة السّنة العاشرَة للهجرَة ولايَة أمير المُؤمنين ، بَشكل قطعيّ جليّ مِن مقصدِ رسول الله -صَلوات الله عَليه وعلى آله- ، بأنّ عليّ بن أبي طَالب هُو الإمَام بَعدي بقولِه -صَلوات الله عليه وعلى آله- : ((مَنْ كُنتُ مولاه فهذا عليٌّ مَولاه)) بتمَام الخَبر ((ألستُ أولى بكُم من أنفُسِكم)) ، فتلكَ الولايَة خرجَت من مقصَد رسول الله -صَلوات الله عَليه وعلى آله- واضحةً جليّةً في توليَة أمير المؤمنين وإمامته وقد فهمهَما كثيرٌ من عُلماء وأهل الحلّ والعقد من الصّحابَة كسلَمان الفارسيّ والبَراء بن عازب وأبي ذرّ الغفاريّ والمقداد بن الأسوَد وأيضاً العبّاس بن عبدالمطلّب وابنه عبدالله وجميعُ بني هاشم وأيضاً الزّبير بن العوّام وطلحة بن عُبيدالله وغيرهِم فكانوا مع أمير المُؤمنين لم يُصالحُوا أبا بَكر إلاّ بعد أن صالحَه أمير المُؤمنين بعد ستّة أشهر من بيعَة النّاس لأبي بَكر ، فهؤلاء من عُلماء وجلّة الصّحابة قد فهموا من مقصدِ رسول الله التّولية والإمامة لأمير المُؤمنين -عليه السلام- ، فلذلك قُلنا أنّ النّص من مقصدِ رسول الله -صَلوات الله عَليه وعلى آله- جلّي واضحٌ قطعيّ على إمامة أمير المُؤمنين ، ولن يترتّب على آيَة البَلاغ السّابقَة التي حثّت على تبليغ أمرٍ بدونِه فكأنّ رسالات رسول الله -صَلوات الله عَليه وعلى آله- لم تُبلَّغ لن يترتّب على هذا الحثّ إلاّ تبليغٌ قطعيّ (أمرٌ قطعيّ) ، وهُو إمامة أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- ، وذلكَ هُو إجماع العترَة المرضيّة من الجَلاء في التّبليغ ، بل إنّه بعضهم من المتقدّمين قد عبّر عنه بالفريضَة ، قالَ الإمَام الحسن بن يحيى بن الحُسين بن زيد بن عَلي (ت247هـ) : ((الإمام المفترض الطاعة بعد رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم عَلي بن أبي طالب-صلى الله عليه)) [جامع علوم آل محمّد] ، وقالَ -عليه السلام- في موضعٍ آخَر : ((إن الله سُبحَانه أكمَل لنبيّه صلّى الله عليه وآله وسلم الدّين الذي افترَضَه على عباده وبيّنه له، وافترَض عَليه إبلاغه، فكانَ مِمّا افترَض الله على عباده طَاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وطَاعة ولي الأمر الذي يَستحق مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإبلاغ عَنه)) [جامع عُلوم آل محمّد] .

الوجه الثّاني : فإن قيلَ : ولِم أُثر عن بعض أئمّة العترَة القول بأنّ النّص في أمير المُؤمنين كانَ خفيّاً ، وأنتُم تقولون أنّه جَليّ ، وهَل في هذا تناقُض ؟!.

قُلنا : ليسَ في هذا تناقُض فمقصدُ من عبّر أنّ النّص خفيّ كان باستحضَار اختلافِ المُختلفين فيه من المُتأخّرين بالاستدلال على وجه الولايَة من نصّ يوم الغَدير ، عندما اختلفوا في مَعنى الوليّ في اللّغَة وهل تعني المحبّة والنّصرة أو أو الإماَمة والنّصرَة كلّ ذلك من معنى الوليّ في اللّغة فكّل قام يستدلّ على إمامَة أمير المؤمنين نفياً وإثباتاً ، فعندمَا حَصَل الخلاف في الاستدلال قال البعضُ أنّ النّص خَفيّ لكونِ أنّه أصبح يُطلبُ الاستدلال منه لمعرفَة إمامة أمير المُؤمنين وخرجَ بهذا عن الأمر الضّروري البدهيّ ، ومعرفَة الله تعالة عندَ أهل الأصول استدلاليّة نستدلّ عَليه جلّ شأنهُ بمخلوقَاته وبمقدّمات النّظر الصّحيح ، ولا يُخرج ذلك المَطلبُ (الاستدلال) الحقيقَة عن أصلَها وهي أنّ الله موجودٌ وواحدٌ وليسَ كمثلِه شَيء ، وكذلكَ كان كلّ من قَال أنّ النصّ خفيّ فإنّهم بإطلاقِهم ذلك القَول باستحضار اختلاف المُختلفين في الاستدلال عَلى إمامة أمير المُؤمنين من نصّ رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- ، فإنّهم يقولون أنّ النّص في أمير المُؤمنين -صلوات الله عليه وعلى آله- نصّ جليّ تامّ من مقصدِ وبلاغِ رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- وقد وقفَ عليه عُلماء الصّحابَة وعرفُوا المقصودَ منه فكانوا مَع أمير المُؤمنين ، وكون أنّ النّص باختلاف المُختلفين أصبحَ استدلالياً لمجرّد الاختلاف فإنّ هذا لا يُلغي الحقيقَة الظّاهرَة الجليّة وهي إمامة أمير المُُؤمنين -عَليه السَّلام- ، فالاستدلال لا يحتاج مع الإنصاف والإخلاص والتخلّص من البُغض والتّقصير إلى جُهد كَبير للوقوف على ذلك المقصد المحمّدي والإمامَة العلويّة ، وأؤكّدَ لكَ أخي البَاحث أنّه ليسَ غير هذا من مقصدِهم ، فيقولُ الإمام المنصور بالله عَبدالله بن حمزَة ، وأنّه كانَ يعتقدُ أن النّص من مقصد وبلاغ رسول الله صَلوات الله عليه وعلى آله كانَ جليّاً قطعيّا في الإثبات ، بقولِه -عَليه السَّلام- في رسالَته (زُبد الأدلّة) قال : ((فَإن قيل: لِمَ قلتَ: إنَّ الإمامَ بعدَ رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله ـ عليُّ بنُ أبي طالبٍ ـ عليه السلام ـ؟ قُلتُ: لقَول النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ: (مَنْ كُنْتُ مَوْلاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلاهُ)، وهو لا يُريد بذلك إلاَّ إثبَات الإمَامةِ له ـ عليه السلام ـ، فَثبت بذلك كونه ـ عليه السلام ـ إماماً)) [زُبدة الأدلّة] ، وأيضاً ما هُو أصرَح من ذلكَ فإنّ قالَ -عَليه السَّلام- في أرجوزَته النّاصحَة بجَلاء النّص يقصدُ به من مقصَد رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- :

ثُمَّ الإمامُ مُذْ مضى النبيُّ …. صلَّى عَليِهِ الواحدُ العليُّ

بغيرِ فَصلٍ فَاعْلَمَنْ عليُّ …. والنَّصُ فِيهِ ظاهِرٌ جَلِيُّ

يومَ الغَدِيرِ ساعةَ الإحْفَالِ [شرح الرّسالة النّاصحة] ، وهُو ممّن نسبَ إليه بعض من سمعنَا أنّه كان يقولُ بالنّص الخفيّ ، (وذلكَ بحاجَة إلى تحقيقٍ في ذلك عنه -عَليه السَّلام- ومع ذلكَ فقد وقفتَ على قولِه ، فالخلافٌ لفظيّ لا يمسّ أصل الاعتقاد من سادات العترَة بتمام البلاغ والرّسالة ، فالنّص في أمير المُؤمنين جليّ من مقصد رسول الله صَلوات الله عليه ، وقد فهمَه عُلماء الصّحابة وأهل النّظر على ذلك المَقصد ، ووجه الخَفاء في كونِه نصّ استدلاليّ يحتاج للنّظر القَليل للوصول إلى ذلك المَطلوب ، فالخلاف لفظيّ .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

السؤال الواحد والعشرون:

هل لقب الرّافضة يطلق على من رفض الجهاد مع الإمام زيد من الإمامية ؟ أم أنه يشمل غيرهم ممن يرفض الجهاد مع أهل البيت؟!. ومناقشة مع باحث إمامي حول الصحيفة السجادية وجهل الإمام زيد بالنص على الاثني عشر؟!.

والجَواب :

أنّ علّة إطلاق الرّفض هُو رفض الجَهاد مع الأخيار من أهل البَيت -عَليه السَّلام- ، الأئمّة الدّعاة ، كمَا في الخَبر المحمّدي الذي رواه الإمَام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين -عَليه السَّلام- ، عن رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- : ((سيكُون من بَعدي قَوم يَرفضُون الجهَاد مَع الأخيَار مِنْ أهل بَيتي، وَيقُولون ليس عليهم أمرٌ بمَعروف، ولا نَهي عَن مُنكَر، يُقلّدون دينهم، ويتّبعون أهوَاءهم)) ،

نعم! والإماميّة هُم أوّل مَنْ استحقّ ذلكَ اللّقب ككيانٍ دينيّ انفردَ من بين الشّيعَة في زمان الإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- برفض أئمّة سَادات بني الحسن والحُسين الدّعاة بالإمامة والخُروج على سلاطين الجور كاعتقَادٍ منهُم ، وقالوا بالوصيّة من السجّاد ، للباقر ، للصّادق وهكَذا ، فأطلقَ عليهم الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- ذلكَ اللّقب فاختصّوا به ولصقَ بهم إلى يومِ النّاس هذا ، ومَنْ طالَع كتاب جواهر التأريخ للكوراني العامليّ المُعاصِر وجدَ أنّ أصول الرّفض لا زالتَ مُتجذّرة في مُعاصري زمانِنا .

نعم! فهذا ما كان من أوّل السّؤال ، وآخره فإنّ مَنْ كان مُعتقداً بإمامة الإمَام الأعظم زيد بن عَلي ، ثمّ رفضَ إجابَة الإمَام الدّاعي المُستحقّ من أهل البيت بلا مُوجبٍ لتأويلِ عَدم الخُروج فإنّ ذلك القاعِد يستحقّ لقبَ الرّفض ، لأنّ العلّة من ذلكَ اللّقب قد انطبقَت عليه بترك الجهاد مع الأخيار من أهل البَيت -عَليهم السَّلام- ، وقد استحقّ الوَعيد الشّديد على تخلّفه عن إجابَة داعي الحقّ من أهل البيت -عليهم السّلام- ، كمَا روى الحافِظ علي بن الحسني الزّيدي ، عن رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- ، أنّه قال : ((مَنْ سَمع وَاعيتنا أهل البيت فَلَم يُجبها أكبّه الله على مِنخَريه في قَعر جهنّم)) ، وقريبٌ منه رواه الإمَام الهادي إلى الحقّ -عَليه السَّلام- ، والحاصلُ أن الوَعيد مُنطبقٌ على الخاذل عدَم المُجيب لدعوة الإمَام من آل رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- ، نعم! ثمّ قد نظرتُ فوجدتُ أنّ الأخبار المحمديّة والإشارات الفاطميّة من أئمّة العترَة قد زادَت تخصيص من كانَ أصلُ رفضه جحوداً لأئمّة العترَة وتديّنا بعدم إجابَة دعواتهِم وهُم الإماميّة ، فكان هذا اللّقب ألصقُ بهم ، وإن كان قد يدخُل معهم غيرهُم فيه ، فذلكَ سببُ تخصيص الإمام الأعظم زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- لهُم به دونَ غيرهِم ممّن لم يخرُج معَه من سائر الأمّة ، وقد فصّلنا ذلكَ بعُموم في مبحثنا الرّافضة ، فليُراجَعه المُهتم .

* مدُاخلة باحث إماميّ ، تم التطرق فيها لمقدمة الصحيفة السجادية ومدلولاتها :

– قالَ الإماميّ : هل هذا يعني أن الإمام زيد -عليه السلام- كان يلعن الباقر والصادق ؟

– قُلنَا : لا يَعني ذلكَ ذلكْ ، لأنّ الأئمّة البَاقر وزيد والصّادق ، كانُوا على مُعتقَد واحِد ، لم يتناقَضوا في مسألَة الإمامَة ، ولا في مبدأ الخُروج على الظّالم ، ولا في إيجاب إجابَة دَعوة الإمَام الدّاعي إلى الله من ذريّة الحسن والحُسين ، هذا ما تعتقدُه الزيديّة في هؤلاء الأعلام ، فهُم واحدٌ كيانٌ واحِد .

نعم! ويعُين الباحث والنّاظر على إطلاق قولِنا السّابق القَريب من اتّحاد عقيدَة القول ، من اعتقَاد أنّ الإمَامة لمن قامَ ودعا من أهل البَيت -عَليهم السَّلام- ، ويتفرّع من ذلك لزوم إجابَة دعوة الإمام الحسنيّ أو الحُسينيّ ، ما اتّفقت على روايته المصادر المُختلفَة ، الإماميّة ، والسنيّة ، والزيديّة .

– فمن طرف الإماميّة هذه الرّواية التي رواها الشّيخ الصّدوق ، بإسنادِه ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : ((كُنتُ جَالساً فِي المَسجد الحَرام مَع أبي جَعفَر عَليه السلام إذ أتَاه رَجُلان مِنْ أهل البَصرَة فقَالا لَه : يَا ابنَ رَسُول الله إنّا نريد أن نَسألك عَن مَسألة فقالَ لَهُمَا : اسألا عمّا جئتمَا. قَالا : أخبِرنَا عَن قول الله عز وجل : “ثمّ أورَثنا الكِتَاب الذين اصطفينا ((مِنْ عِبادنا فمنهُم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير)) ” إلى آخر الآيتين . قال : نزلَت فِيناَ أهل البَيت . قَال أبو حمزَة فَقُلت : بَأبي أنت وأمّي فمَن الظّالم لنفسَهِ؟!. قَال : مَن استوَت حَسنَاته وسَيئاته مِنّا أهل البيت فَهُو ظالم لنفسه . فَقلتُ : مَن المُقتصد مِنكُم؟!. قَال : العَابدُ لله ربّه فِي الحَالين حتى يأتيه اليقين . فَقلت : فمَن السّابق مِنكُم بالخَيرَات؟!. قَال : مَنْ دَعا والله إلى سبيل ربه ، وأمرَ بالمَعروف ، ونَهى عَن المنكر ، ولَم يَكُن للمُضلّين عَضُدا ، ولا للخائنين خصيما ، ولم يَرضَ بحُكم الفَاسِقين إلاّ مَنْ خَاف على نفسه ودينِه ولَم يَجِد أعوانًا)) . [معاني الأخبَار:105] . وهذه عقيدَة الزّيديّة عن الإمَام الباقِر -عَليه السَّلام- .

* الشّاهد : قولُ الإمام البَاقر -عَليه السَّلام- : ((فمَن السّابق مِنكُم بالخَيرَات؟!. قَال : مَنْ دَعا والله إلى سبيل ربه ، وأمرَ بالمَعروف ، ونَهى عَن المنكر ، ولَم يَكُن للمُضلّين عَضُدا ، ولا للخائنين خصيما ، ولم يَرضَ بحُكم الفَاسِقين إلاّ مَنْ خَاف على نفسه ودينِه ولَم يَجِد أعوانًا)) .

– ومن طريق الفرقَة السنيّة : ما رواه الحاكم الحُسكاني الحَنفي ، فيروي ، بإسنادِه : ((عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين، قَال: إنّي لَجَالِس عِندَهُ، إذ جَاءَه رَجُلان مِن أهل العِراق، فقالا: يا ابن رسول الله جئناكَ كَي تُخبِرَنَا عَن آياتٍ مِنَ القرآن. فَقَال: وَ مَا هِيَ ؟ قَالا: قول الله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا﴾ فَقال -عَليه السَّلام-: يَا [و] أهلَ العِراق أيش يقولون ؟ قَالا: يقولون: إنّها نَزَلَت في أمّة محمد فَقال: علي بن الحسين: أمّة محمّد كلّهم إذا في الجنة ! ! قّال: فَقلتُ مِنْ بَين القَوم: يَا ابن رسول الله فِيمَن نَزَلَت ؟ فَقَال: نَزَلت و الله فِينَا أهل البَيت ثَلاث مَرّات. قُلتُ: أخبِرنَا مَنْ فِيكُم الظّالِمُ لِنَفسِه ؟ قَال: الذي استوَت حَسَنَاتُه و سَيئاتُه و هو في الجنّة، فَقلتُ: و المُقتصد ؟ قال: العابِد لله في بيته حتى يأتيه اليَقين، فَقلت: السّابق بالخيرَات ؟ قَال: مَنْ شَهَرَ سَيفَه وَ دَعَا إلى سَبيلِ ربّه)) [شواهد التّنزيل:2/156] .

* الشّاهد : قولُ الإمام السجّاد -عَليه السَّلام- : ((فَقلت: السّابق بالخيرَات ؟ قَال: مَنْ شَهَرَ سَيفَه وَ دَعَا إلى سَبيلِ ربّه)) .

– أيضاً من طريق الفرقَة السنيّة عن الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- ، يروي الحاكم الحُسكاني الحَنفي أيضاً ، بإسنادِه : ((عن أبي خالد، عن زيد بن علي في قوله تعالى: ثم أورثنا الكتاب و ساق الآية إلى آخرها و قال: الظالم لنفسه المختلط منا بالناس و المقتصد العابد و السابق الشاهر سيفه يدعو إلى سبيل ربه)) [شواهد التّنزيل:2/157].

* الشّاهد : قولُ الإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- : ((و السابق الشاهر سيفه يدعو إلى سبيل ربه)) .

نعم! فلا يلزمُ ذلك اللّازم من لعن الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- ، للإمامين البَاقر والصّادق ، لأنّهم لم يختلفُوا ، ولم يردّ بعضهم على بعض ،

نعم! وإنّما الإماميّة مَنْ روَت بينَهم اختلافاً في الاعتقاد وردّاً على بعضهم البَعض ، فعندَهم أنّ الإمام النّفس الزكيّة محمّد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن على غير قول ابن عمّه الإمام الصّادق جعفر بن محمّد ، وكذلكَ عيسى بن زيد ، والحسين بن زَيد ، والحُسين الفخّي ، ويحيى بن زيد ، وإبراهيم بن عبدالله النّفس الرضيّة أئمّة الزيديّة وسادات بني الحسن والحُسين ، عندَهم (الإماميّة) أنّ هؤلاء على غير قولِ أئمّتهم الاثنا عشر ، فلزمَ اللّعن من هؤلاء لأولئك على شرط الإماميّة للخِلاف .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

– قالَ الإماميّ : العزيز الكاظم الزيدي، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مفهوم واسع، ولا يدل على حث الإمام الصادق عليه بدخول الخروج المسلح على الظالم فيه، فلا يمكن أن تلصق كلام الإمام الصادق عليه السلام بدعواك لتقارب الموقف وتنتهي من أزمة نص اللعن! لو كان الإمام الصادق عليه السلام يرى ما يراه الإمام زيد لخرج معه وهذا أكبر من التمحل في ليّ أعناق النصوص. وأكبر منه ما في رواية الصحيفة السجادية التي رواها الإمامية والزيدية على حدٍ سواء قول يحيى بن زيد عليه السلام : ( قد كَانَ عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ – عَلَيْه السَّلَامُ – أَشَارَ عَلَى أَبِي بِتَرْكِ الْخُرُوجِ وعَرَّفَه إِنْ هُوَ خَرَجَ وفَارَقَ الْمَدِينَةَ مَا يَكُونُ إِلَيْه مَصيرُ أَمْرِه ). ثم قوله : ( إِنَّ عَمِّي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وابْنَه جَعْفَراً – عَلَيْهِمَا السَّلَامُ – دَعَوَا النَّاسَ إِلَى الْحَيَاةِ ونَحْنُ دَعَوْنَاهُمْ إِلَى الْمَوْتِ ). وهو أصرح في التعبير عن مخالفتهم لفكرة الخروج المسلح كما فعل زيد عليه السلام.

– قُلنَا : هل أفهم من كلامك ، أنك تفرق بين الإمامين زيد بن علي وابنه يحيى بن زيد وبين الإمام جعفر بن محمد الصادق صلوات الله عليهم ؟!.وأنهما على غير عقيدة الإمام الصادق في الإمامة ؟!. فقد خرجوا ودعوا إلى أنفسهم بالإمامة فلم يخرج معهم الإمام الصادق ولا حث على الخروج معهم ، وهل تقول بهذا؟!. وما جاء في مقدمة الصحيفة السجادية له تأويل غير ما ذهبت إليه ، ولو أنك تدبرت والتفت إلى روايتي الصدوق والحسكاني عن الباقر والسجاد لما ذهبت إلى نتيجة من نص رواية الصحيفة وتركت نتيجة الروايتين السابقتين عن الصدوق والحسكاني . وقبل أن تجيب على ذلك كله ، وأنت إمامي المذهب، فآمل أن تطالع كتب أصحابك في اعتقادهم في زيد وجعفر ، فقد أصلت عنهما قولا ليس عليه أصحابك .

وفقكم الله .

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد …

– قالَ الإماميّ : لم أتطرق أخي العزيز لمسألة الاعتقاد بالإمامة. الاختلاف بين الإمام زيد عليه السلام ومن سار نحوه وبين الباقرين عليهما السلام في مورد الخروج المسلح فقط. وما ذكرته عن مقدمة الصحيفة أوضح من رواية الصدوق وحاكمة عليها بالبيان الأوضح.

– قُلنَا : أخي ، بمعنى آخر : هل عصى الإمام زيد ابن أخيه الإمام جعفر بن محمد عندما خرج خروجا مسلحا ؟!.

– قالَ الإماميّ : الإمام الصادق عليه السلام نهى زيداً عليه السلام عن الخروج، وظاهر النصوص أن النهي كان إرشادياً لا تحريمياً ولذلك لم يذمه. والإمام زيد رحمه الله فاضل من أفاضل علماء وفقهاء آل محمد عليهم السلام، وخالف الأولى في المسألة فكان ما كان.

– قُلنَا : ما هو دليلك أخي ؟!. ثم كلامك الأخير ينقض على ما احتججت به من نص الصحيفة السجادية فإن الصحيفة فيها ما قد يقتضي تباين الدعوتين (دعوة للحياة ، ودعوة للموت) ، فهل عندما تتباين الدعوتان يصح أن تقول معه أن ذلك نهي إرشادي لا تحريمي ؟!. وقد قدمت لك أن لنا تأويل لحديث الصحيفة يختلف عن تأويلك القاضي بنتيجته بالتفريق بين الدعوتين.

– قالَ الإماميّ : اختلاف الدعويين لا يعني كون الدعوى المخالفة حراماً. فليست هي أعظم من مخالفة النهي عن الأكل من الشجرة الذي كان نهياً إرشادياً ..!!

وعليه فكلامي لا ينقض ما في الصحيفة، فما في النص أن الإمام كان لا يرى الخروج. أما أنه دعا للحياة فهذا من فهم يحيى – ره – وليس عدم الخروج يعني أنه دعوة للحياة .. بل كانت مرحلة صعبة على الصادق عليه السلام وشيعته .. والقول بأن رأي الصادق -عَليه السَّلام- دعوة للحياة هو مجرد مكابرة على الواقع!.

أتمنى من الأخ العزيز الكاظم الزيدي أن يبين تأويله لنص الصحيفة السجادية وليشرح لي كيف أنه لا يدل على أن الصادق عليه السلام وابنه كانا يريان الخروج وليس كما فهمت.

– قُلنَا : المَعذرَة أستاذِي ، فقد كُنت في المُشاركَات الأخيرَة أكتُب من الجَوال فلذلكَ لجأت إلى الاختصَار أجتهدُ كتابَة محل الشّاهد سؤالاً وبياناً ، ولو أنّك اكتفيتَ ابتداءً بقراءة المبحث المشار إليه في أصل الجَواب رجوتُ أن توفّر الوقتَ عليكَ وعلينَا لما هُو أحفظُ لكَ ولنَا ، ومع ذلكَ فسأعيدُ تلخيص المسألَة وتأصيلَها ، ولم أذكُر فيها ما يخصّ النّهي الإرشاديّ الذي قارنتهُ بنهي الله تعالى لآدم -عَليه السَّلام- الأكل من الشّجرة ، فإن ذاكَ كان نهياً تحريميّاً ، ولو كانَ إرشادياً ما لزمَت منه توبَة ، ولا استحقّ لقب العِصيان (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) ، ولذلكَ عندَ أهل البيت تأويل ، فجرى التّنبيه لعَدم الاغترار وتسلّق عُذر النّهي الإرشادي من الصّادق لزيدٍ عليهما السّلام دون التّحريمي .

نعم! فالحاصلُ من طرحكُم أستاذِي ، أمور :

الأوّل : أنّ الإمَام الصّادق -عَليه السَّلام-لَم يكُن يرَى ما يراهُ الإمامَان زيدٌ ويحيى من الخُروج المُسلّح ، لذلكَ لم يخرُجَ معَهما ، وذلكَ من قولِك : ((لو كان الإمام الصادق عليه السلام يرى ما يراه الإمام زيد لخرج معه وهذا أكبر من التمحل في ليّ أعناق النصوص)) .

تَعليق : وهذَا التّأصيل منكَ خاطئٌ على أصلِ الزيديّة ، فإنّ الإمَامين زيدٌ وجَعفر كانا على عقيدَة واحِدَة ، أوّلاً : في أصل الإمَامة العُظمَى في الدّين ، وثانياً : في حثّ الأمّة على الخُروج مع الإمام القائم الشّاهر لدعوتِه وسيفِه يأمرُ بالمَعروف وينهَى عن المُنكر ، وهُنا أفصّل وأؤصّل :

فأمّا قولُنا أوّلاً : فأصلُ الزيديّة أنّ الإمَام بعدَ الإمَام الحُسين بن عَلي في أهل البيت (ذريّة الحسن والحُسين) مَنْ قامَ ودَعا وشهرَ سيفَه ،

ونثبتُ ذلكَ القول الذي آمَنت به الزيديّة في أصل الإمامَة مِن كُتب الزيديّة والإماميّة والفرقَة السنّية .

1- فمِن كُتب الإماميّة ، يروي الشّيخ الصّدوق ، بإسنادِه ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : ((كُنتُ جَالساً فِي المَسجد الحَرام مَع أبي جَعفَر -عَليه السلام – إذ أتَاه رَجُلان مِنْ أهل البَصرَة فقَالا لَه : يَا ابنَ رَسُول الله إنّا نريد أن نَسألك عَن مَسألة فقالَ لَهُمَا : اسألا عمّا جئتمَا. قَالا : أخبِرنَا عَن قول الله عز وجل : “ثمّ أورَثنا الكِتَاب الذين اصطفينا ((مِنْ عِبادنا فمنهُم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير)) ” إلى آخر الآيتين . قال : نزلَت فِيناَ أهل البَيت . قَال أبو حمزَة فَقُلت : بَأبي أنت وأمّي فمَن الظّالم لنفسَهِ؟!. قَال : مَن استوَت حَسنَاته وسَيئاته مِنّا أهل البيت فَهُو ظالم لنفسه . فَقلتُ : مَن المُقتصد مِنكُم؟!. قَال : العَابدُ لله ربّه فِي الحَالين حتى يأتيه اليقين . فَقلت : فمَن السّابق مِنكُم بالخَيرَات؟!. قَال : مَنْ دَعا والله إلى سبيل ربه ، وأمرَ بالمَعروف ، ونَهى عَن المنكر ، ولَم يَكُن للمُضلّين عَضُدا ، ولا للخائنين خصيما ، ولم يَرضَ بحُكم الفَاسِقين إلاّ مَنْ خَاف على نفسه ودينِه ولَم يَجِد أعوانًا)) . [معاني الأخبَار:105] . وهذه عقيدَة الزّيديّة عن الإمَام الباقِر -عَليه السَّلام- .

الشّاهد : قولَ الإمَام الباقِر -عَليه السَّلام- : ((فمَن السّابق مِنكُم بالخَيرَات؟!. قَال : مَنْ دَعا والله إلى سبيل ربه ، وأمرَ بالمَعروف ، ونَهى عَن المنكر ، ولَم يَكُن للمُضلّين عَضُدا ، ولا للخائنين خصيما ، ولم يَرضَ بحُكم الفَاسِقين إلاّ مَنْ خَاف على نفسه ودينِه ولَم يَجِد أعوانًا)) ،

نعم! وهذَا هُو عينُ ما اعتقدتُه الزيديّة في السّابقين بالخَيرات من أهل البَيت -عَليهم السَّلام- ، وأنّهم مَن قام ودعَا إلى سبيل ربّهم إلاّ أن لا يجدوا أعواناً وأنصاراً ، فقامَ الإمام زيد بن عَلي ، وابنه الإمام يحيى بن زَيد ، والإمام النّفس الزكيّة محمّد بن عبدالله بن الحسن ، وغيرهم من سَادات العترَة بناءً على ذلك الأصل الذي يجدُه الباحث ظاهراً من قول الإمام الباقِر -عَليه السَّلام- في رواية الشّيخ الصّدوق ، فثبتَت بهذا النّص ثمرَة قولِنا أوّلاً من اتّحاد عقيدَة الإمامَين زيدٌ والصّادق صلوات الله عليهِما في أصل الإمامَة وأنّها بالخُروج والدّعوة ، فالسّابق بالخَيرات هُو الإمَام ، والصّادق لن يُخالف على أبيه الباقِر ، وزيدٌ لن يُخالفَ على قول أهل بيته وكذلك النّفس الزكيّة ويحيى بن زيد ، فأصلُ هؤلاء واحدٌ ومنهلهُم واحد ، عيونُ الأمّة ،

نعم! فكيفَ يقولُ القائل أنّ أصلَ الإمامَين الباقر والصّادق لم يكُن الخُروج المُسلّح وذلكَ قولُ الإمام الباقِر في صفَة السّابق بالخَيرات ، وما أسقطَ -عَليه السَّلام- الخُروج إلاّ ضيّق الحُدود عند فُقدان النّاصر ، والإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- لم يُفقَد النّاصر حيث بايعته الشّيعَة فيمَا أحفظ (خمسون ألفاً) ، ثمّ خذلته الرّافضة كما خُذلَ جدّه الإمام الحُسين بن عَلي -عَليه السَّلام- لما توفّر له النّاصر فقامَ ثمّ خُذِل فجاهدَ في القّلة حتّى استُشهِدَ إلى رضوان الله وكرامتِه ،

نعم! فلا يصحّ أن يُقال أنّ رأي الإمَام الصّادق -عَليه السَّلام- ليسَ الخُروج المُسلّح مع الإمَام القائم من ذريّة الحسن والحُسين ، وسنثبتُ هذا عند كلامِنا الثّاني القَريب .

2- ومن طريقِ الفرقَة السنيّة ، في إثبات اتّحاد أصل اعتقَاد الإمامين زيد وجَعفر في أصل الإمَامة ، وأنّها في مَنْ قامَ ودَعا من أهل البيت ، وفيه الدّعوة إلى الخُروج المسلّح على الظّلمَة ، ما يرويه الحاكم الحُسكاني ، بإسنادِه ، عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين، قَال: إنّي لَجَالِس عِندَهُ، إذ جَاءَه رَجُلان مِن أهل العِراق، فقالا: يا ابن رسول الله جئناكَ كَي تُخبِرَنَا عَن آياتٍ مِنَ القرآن. فَقَال: وَ مَا هِيَ ؟ قَالا: قول الله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا﴾ فَقال -عليه السلام- : يَا [و] أهلَ العِراق أيش يقولون ؟ قَالا: يقولون: إنّها نَزَلَت في أمّة محمد فَقال: علي بن الحسين: أمّة محمّد كلّهم إذا في الجنة ! ! قّال: فَقلتُ مِنْ بَين القَوم: يَا ابن رسول الله فِيمَن نَزَلَت ؟ فَقَال: نَزَلت و الله فِينَا أهل البَيت ثَلاث مَرّات. قُلتُ: أخبِرنَا مَنْ فِيكُم الظّالِمُ لِنَفسِه ؟ قَال: الذي استوَت حَسَنَاتُه و سَيئاتُه و هو في الجنّة، فَقلتُ: و المُقتصد ؟ قال: العابِد لله في بيته حتى يأتيه اليَقين، فَقلت: السّابق بالخيرَات ؟ قَال: مَنْ شَهَرَ سَيفَه وَ دَعَا إلى سَبيلِ ربّه)) [شواهد التّنزيل:2/156] .

* الشّاهد : قولُ الإمام السجّاد -عَليه السَّلام- : ((فَقلت: السّابق بالخيرَات ؟ قَال: مَنْ شَهَرَ سَيفَه وَ دَعَا إلى سَبيلِ ربّه)) ،

نعم! وهذا من الإمام زين العَابدين السجّاد هُو عين ما اعتقدته الزيديّة في أصل الإمامَة ، وهُو دعوةٌ صريحَة من السّابق بالخَيرات للخُروج وشَهر السّيف بالخُروج المُسلّح للأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر ، وهذا كما ترى عن الإمام السجّاد من غير طريق الزيديّة ، وهُو مبيّنٌ لكلامِ ابنه الإمام الباقِر -عَليه السَّلام- في رواية الشّيخ الصّدوق ، فكيفَ يُقال أنّ رأي الأئمّة السجّاد والباقر والصّادق ليسَ الخُروج المُسلّح ؟!. بل إنّ تلكَ الرّوايات أدلّ ما تكون على صدق اعتقاد الزيدية في صفَة الإمام الأعظَم ووحدَة عقائد أهل البيت المُتقدّمين في تلك الصّفة من الخُروج لاستحقاق منصب الإمامَة ، وعلى ذلكَ خرجَ زيد بن عَلي وهو ابن زين العَابدين ، وابنه يحيى ، ومحمّد بن جَعفر (وهو ابن جعفرٍ الصّادق) ، كلّ هؤلاء خرجوا يدعون لأنفُسهم بالإمامَة العُظمى بناءً على ذلك الأصل الذي اعتقدَه آبائهم وسلفُهم من سادات بني الحسن والحُسين في صفَة السّبق بالخَيرات .

3- من طريق الزّيدية ، قالَ الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- : ((فَإن قالوا: فَمَنْ أولى الناس بعدَ الحسين؟ فقُولوا: آل محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم أولادُهما أفضلهم أعلمهم بالدِّين، الدَّاعي إلى كِتاب اللّه، الشَّاهر سَيفِه فِي سَبيل اللّه)) [مجموع كُتب ورسائل الإمام زيد بن عَلي] .

* الشّاهد : قولُ الإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- : (( الدَّاعي إلى كِتاب اللّه، الشَّاهر سَيفِه فِي سَبيل اللّه)) ، نعم! ثمّ لهذا القَول عن الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- شاهدٌ من من طريق الفرقة السنيّة رواه الحاكم الحسكاني ، عن أبي خالد، عن زيد بن علي فِي قوله تعالى: ثمّ أورثنَا الكتاب و سَاق الآية إلى آخرها و قال: الظّالم لنفسِه المُختلط منّا بالنّاس، والمقتصد العَابد، والسّابقُ الشّاهر سَيفَه يَدعُو إلى سَبيل رَبّه)) [شواهد التّنزيل:2/157] .

نعم! فهذا كمَا ترى أخي الباحث إثباتٌ لأصل عقيدَة الزيدية عن سادات العترَة من غير طريق الزيديّة ، الباقر ، والسجّاد ، وزيد بن عَلي ، وفيه عن الإمام زيد بن عَلي إثبات دعوَة الخُروج المسلّح وشهر السّيف كمَا جاء عن أبيه زين العَابدين في رواية الحُسكاني ، وكما هُو الواضحُ من قولِ الإمام الباقر -عَليه السَّلام- في رواية الشّيخ الصّدوق ، فكيفَ يُقال أنّ رأي السجّاد والباقر هُو غير رأي زيد بن عَلي في الخُروج المُسلّح ، وهُم يؤصّلونَ له ، وسنأتي على أنّهم كانوا يحثّونَ النّاس على الخُروج معَ الأئمّة القائمين من آل رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- ، وهذا اتّحادٌ في الأصل وما تفرّع منه (الدّعوة وإجابَة الدّعوة) .

نعم! فهذا اختصرتُه من نقولات أخرَى كثيرَة بين يدي في أصوليّة الدّعوة والقيام من كُتب الإماميّة بما يثبتُ أصل الزيديّة ، وفيه دلالَة على ثمرَة قولِنا أوّلاً من اتّحاد عقيدَة الأئمّة السّجاد والباقر وزيد بن عَلي و الصّادق ويحيى بن زيد والنّفس الزكيّة ، وغيرهم من أئمّة الزيديّة في أصل الإمَامة ، وقولِهم بأصوليّة الخُروج على الظّالم والثورة المُسلحّة في وجهه ، فنأتي على قولنَا ثانياً .

ثانياً : في حثّ الأمّة على الخُروج مع الإمام القائم الشّاهر لدعوتِه وسيفِه يأمرُ بالمَعروف وينهَى عن المُنكر ، وذلكَ على أصل الزيديّة ، فأمّا الإماميّة فإنّها كانت تُخذّل النّاس عن الأئمة من بني الحسن والحسين القائمين بالأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر زيدٌ ويحيى بن زيد والنّفس الزكيّة وغيرهم ، وليسَ ذلك هُو موقفُ الأئمّة الباقر والصّادق والكاظم من تدّعيهم الإماميّة ، بل كان هؤلاء الأخيار من آل الحُسين على قولِ بني عمومتهم في مُناصرتهم ومُبايعتهِم للأئمّة القائمين ، فنذكرُ من تلك الأدلّة على شرط الزيديّة ما يقومُ بتلك الأدلّة والأصول التي حكيناها في قولِنا أوّلاً عن الإمامين السجّاد والباقر ، لأنّ إجابَة دعوة الشّاهر لسيفِه فرعٌ من ذلك الأصل المؤصّل للقيام وشَهر السّيف الذي مرّ معنا ،

فمن تلكَ المواقِف :

1- ما رواه الإمَام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين -عَليه السَّلام- ، أنّ قوماً قدموا إلى الإمام الباقِر -عَليه السَّلام- ، وقالَوا له : ((يَا ابن رَسُول الله، إنّ أخَاك زَيداً فِينَا، وهُو يَسألنا البَيعَة، أفنُبايِعَه ؟ فَقال لَهم محمّد: بَايعُوه، فإنّه اليومَ أفضَلُنا)) [مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق:58] .

تعليق : وهُنا تأمّل قولَ الإمام الباقِر -عَليه السَّلام- لمن وفدَ إليه : ((بَايعُوه، فإنّه اليومَ أفضَلُنا)) ، وهذا حثّ على البيعَة بالإمَامة ، وحثّ على الخُروج المُسلّح مع الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- ، فهذا من الإمام الباقر نُصرةٌ وتأييدٌ بل ومُبايعَة عندَ التّحقيق لأخيه الإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- .

2- روى الحافِظ علي بن الحُسين الزّيدي ، بإسنادِه ، أخبَرَنا عَمرو بن عَائذ ، قال: كُنت عِند أبي عبدالله جَعفر بن محمّد فَذكَرنَا زَيد بن عَلي ، فَقال: ((رَحِم اللّه عمّي، خرَج عَلى مَا خرَج آباؤُه ، وَوَدِدتُ أنّي استطَعتُ أن أصنَع مَا صَنعَ فَأكونَ مِثل عمّي. وقَال: مَن قُتِلَ مَع عَمِّي زَيد بن عَلي كمَن قُتِل مَع الحُسين ، ومَن قُتِل مَع الحُسين كَمَن قُتِل مَع عَلي بن أبي طَالِب عَليه السّلام)) [المحيط بالإمامَة] .

تعليق : وهُنا تأمّل كيفَ أنّ الإمام الصّادق -عَليه السَّلام- يجعلُ خروج الإمام زيد المُسلّح كذلك الخُروج لآبائه يعني عليّاً والحسن والحسين عليهم السّلام ، ثمّ تأمّل كيف تمنّى أنه استطاع أن يخرُج كخروج عمّه .

3- روى الإمَام الهادي إلى الحق يحيى بن الحُسين -عَليه السَّلام- : ((قَال جَعفر بن محمّد الصّادق رحمة الله عليه، لما أرادَ زَيدٌ الخروج إلى الكوفة مِن المدينة ، قَال لَه جَعفر: أنَا مَعك يَا عمّ. فقَال لَه زَيد: أو مَا عَلِمتَ يَا ابن أخي أنَّ قَائمَنا لقَاعِدِنا ، وقَاعدنا لقَائمِنا، فَإذا خَرجتُ أنَا وأنتَ فَمَن يَخلفنا في حُرَمِنا، فَتخلَّفَ جَعفرٌ بأمرِ عمّه زَيد)) [مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق:58] .

نعم! أكتفي بهذا من طُرق الزيديّة ، لأنّ الأصل على ما توجّه من المُعترض من إطلاقِنا بناءً على مُعتقدنَا اتّحاد عقائدَ الأئمّة بأنّ ذلك غير متوجّه لمكان أنّ الإمَام الصّادق -عَليه السَّلام- لم يخرُج مع الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- ، وهذا يقودُ إلى افتراقٍ حاصِل فصّلهُ لاحِقاً بعدَم تأييد الإمام الصّادق -عَليه السَّلام- للثّورة المسلّحة ، وأنّ الصّأدق قد نهى الإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- نهياً إرشاديّاً لا تحريميّاً ، وقصدُ المُعترض بذلكَ الخُروج من تبعَة أن يكونَ زيدٌ عاصٍ لابن أخيه ، وقصدهُ أيضاً أن يلحقَ زيداً بذمّ جرّاء خُروِجه ذلك الذي كانَ الصّادق -عَليه السَّلام- مُعترضاً عليه كخروجٍ مُسلّح ، وهذا كلّه من أوهام الإماميّة على أولئك الأخيَار ، وقد اضطربُوا فيه نتيجَة تلكَ الأوهَام ، فإنّ أصلَ سلفهِم كانَ على ذمّ الإمام زيد بن عَلي في أصلِه (في الإمامَة الزيديّة) وفي ثورتِه بالخُروج على الظّالم ، فلّما كانَ المُتأخّرون من زمَن الصّدوق تقريباً فما بعد أدركُوا أنّ قدحهم في الإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- قدحٌ لنصّهم الاثني عشري ولتحقيقِهم ، فما مثلُ زيد بن عَلي وفضلِه يُجهّل في أصلٍ (الإمامة) ولا فَرع (الخُروج) ، فاستحْدَثوا بروايات مُخترعَة أنّ ذلكَ الخُروج لم يكُن للدّعوة إلى نفسه بالإمامة وإنّما هو يدعو لابن أخيه جَعفر ، ثمّ قالوا بأنّ الإمام الصّادق -عَليه السَّلام- نهى الإمَام زيد بن عَلي نهياً إرشاديّاً لا تحريميّاً لمنع إسقاط العصيان عليه -عَليه السَّلام- ، ونحنُ نبيّنُ لهُم من كُتبهِم ورواة أخبارهِم الذي هُم حجّة الله عليهِم كما أخبرَ إمامهم المَهدي ، بل وبالسّند الصّحيح الذي قوّاه السيّد الخوئي ، أنّ الإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- لم يكُن قائلاً بإمامَة أخيه ولا أبيه ولا ابن أخيه الإمامة النصيّة الإماميّة .

1- فيروي ثقة الإماميّة ، بسندٍ صحيح ، عن أبَان قال : أخبرني الأحوَل [هُو مؤمن الطّاق] ، أنّ زَيدَ بن عَلي بَعَثَ إليهِ وهُوَ مُستخفٍ ، قال : فَأتيتُه ، فقالَ لِي : يَا أبَا جَعفر! مَا تقولُ إذا ( إن ) طَرَقَكَ طَارقٌ مِنَّا أتَخرُجُ مَعَه ؟! فَقلتُ لَه : إنْ كَانَ أبَاكَ أو أخَاكَ خَرجْتُ مَعَه ، فَقَالَ لي : فَأنَا أُريدُ أنْ أخرُجَ أجُاهدُ هَؤلاء القَوم ، فَاخرُج مَعِي ، قُلتُ : لا مَا أفْعَل ! جُعِلتُ فِدَاك. فَقالَ لِي : أتَرغَبُ بِنَفسِك عَني ؟ فَقلتُ لَه : إنّمَا هِيَ نَفسٌ واحِدَة ، فَإنْ كَانَ لله في الأرضِ حُجّةٌ فَالمُتَخَلِّفُ عَنكَ نَاجٍ والخارجُ مَعَكَ هَالِك ، وإنْ لَم يَكن لله حُجّةٌ في الأرض فَالمُتَخلِّفُ عَنكَ والخَارِجُ مَعَكَ سَواء ، فَقَالَ لي: يا أبَا جَعفر ! كُنتُ أجْلسُ مَعَ أبي عَلَى الخوان ، فُيلقِمُنِي البِضعَةَ السّمينَة ، ويُبَرِّدُ لِي اللُّقمَة الحارّة ، شَفقةً عَليَّ ، ولَمْ يُشفِقْ عَليَّ مِن حَرِّ النّار ؟! إذْ أخْبَرَكَ بالدِّينِ ولَم يُخبِرنِي بِه ؟! فَقُلتُ له : جُعلتُ فِدَاك ، مِن شَفَقَتِهِ عَليكَ مِن حَرَّ النَارِ لَم يُخبِركْ ، خَافَ عَليكَ أنْ لا تَقبَلَهُ فَتدخُلَ النَّار ، وأخْبَرنِي أنَا ، فإنْ قَبِلتُ نَجوتُ ، وإنْ لَمْ أقبَل لَم يُبالِ إن أدْخُلَ النَّار ! ، ثمّ قُلتُ له : جُعلتُ فِدَاك أنْتُم أفْضلُ أمِ الأنْبياء ؟ قَالَ : بل الأنبياء ، قُلتُ : يَقولُ يَعقوبُ ليوسف -عَليه السَّلام- ((يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً)) ، ثمَّ لَم يُخبِرهُم حَتّى كَانُوا لا يَكيدونَه ولَكِن كَتَمَهُم ذَلك ، فَكَذَا أبُوكَ ! كَتَمَكَ لأنّه خَافَ عَليكَ ، فقال : أمَا والله لَئن قُلتَ ذَلكَ ، لقَد حَدّثنِي صَاحِبُكَ بِالمدينَة : أني أُقتَلُ وأصْلَبُ بِالكُنَاسَة ، وأنَّ عِندَه صَحيفةً فَيهَا قَتلي وصَلبي . فَحَجَجْتُ فَحَدّثتُ أبَا عبد الله -عَليه السَّلام- بِمَقالَة زَيدٍ وما قُلتُ لَه ، فَقَالَ لي : (( أخَذتَهُ مِن بَينِ يَديِهِ ، ومِن خَلفِهِ ، وعَن يَمِينهِ وعَن شِمَالِه ، ومِن فَوقِ رَأسِه ومِن تَحتِ قَدَميه ، ولَم تَترُك لَه مَسلكاً يَسلُكُه)) [أصول الكافي:1/174] .

تعليق : تومن طريق الكُليني هذا ، يظهرُ لكَ أخي الباحِث أنّ الإمام زَيد بن عَلي -عَليه السَّلام- دعَا مُؤمن الطّاق إلى نُصرتِه والخُروج معَه ، فرفضَ مؤمن الطّاق ذلك ، واحتجّ عليه بأنّه لا حجّة معهُ من الله تعالى ، وهذا ينسفُ ما تعتقدُه الجعفريّة من أنّ زيد بن عَلي خرجَ بإذنِ الحجّة جَعفر بن محمّد ، يدعُو إلى الرّضا من آل محمّد ، يَعنون به جَعفر بن محمّد ، ويظهرُ من هذه الرّواية أنّ الإمَام زيد بن عَلي يُنكرُ ما يتكلّم بهِ مُؤمن الطّاق من عقيدَة الوصيّة ، وأنّه لَم يعرِف هذه الوصيّة من أبيه إلى أخيِه ، ولا مِن أخيِه إلى ابن أخيِه ، ولو كان ذلكَ كذلك لآمنَ بها الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- ، فاحتجّ مؤمن الطّاق مُكابراً بعذرٍ لا يعتذرُ به عاقِلٌ مُنصِف من أن زّين العابدين -عَليه السَّلام- أخفاهُ على ابنِه شفقةً عَليه من حرّ النّار إن هُو لم يَقبله ، وأخبرَ به مُؤمن الطّاق ، لأنّ زين العابدين -عَليه السَّلام- لا يُبالِي إن قبِلَ أو لَم يقبَل فيدخُل النّار .

2- جاء في مناقب آل أبي طالب : ((وقَال زيد بن علي : ((ليس الإمام منا من أرخى عليه ستره إنما الإمام مَن أشهر سيفه)) ، فقال له أبو بكر الحضرمي : يا أبا الحسَن أخبرني عن علي بن أبي طالب أكان إماماً وهو مرخي عَليه ستره أو لم يكن إماما حتى خرج وشهر سيفه ؟ فلم يجبه زيد فردد عليه ذلك ثانيا وثالثا كل ذلك لا يجيبه بشئ ، فقال أبو بكر : إن كان علي بن أبي طالب إماما فقد يجوز أن يكون بعده إمام وهو مرخى عليه ستره وإن كان علي لم يكن إماما وهو مرخي عليه ستره فأنت ما جاء بك ههنا؟)) [مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب:1/223] .

تعليق : ولَم يزِد سلفَ الإماميّة ومُحققّوهم على فعلِ أبي بَكرٍ الحضرميّ هذا إلاّ تزكيةً لوجِه مُناظرتِه تلكَ مع الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- ، ولم يستنكروهَا عَليه ، قال التفرشي : ((عبد الله بن محمد : أبو بكر الحضرمي الكوفي ، سمع من أبي الطفيل ، تابعي ، من أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام ، رجال الشيخ. وروَى الكشي له مُناظرَة جَرت له مع زَيد بن علي عَليه السلام جيّدة)) [نقد الرجال:3/133] .

نعم! فهذه الأخبَار في ذمّ أصل وفَرع زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- من كُتب الإماميّة ، مع تلكَ الأخبار السّابقة من طريق الشّيخ الصّدوق والحاكم الحُسكاني ، وغيرها مما تضمّنها مبحثنا الرّافضة ، تبيّن تخلخُل موقف الإماميّة وضبابيّة موقفِهم من الإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- .

نعم! ثمّ تعلّقوا بنصّ جاء في مقدّمة الصّحيفة السجّاد لحوارً دارَ بين الإمام يحيى بن زَيد وبين متوكّل بن هارون ، ظنّوا أنّه يقويّ عقيدَتهم الإماميّة في أئمّتهم بالنّص ويردّ على عقيدَة الزيديّة القائلة باتّحاد عقائد العترَة ، وما دَروا أنّ لذلكَ تأويلٌ عند الزيديّة يجمعُ بينَ المُتشابهات يردّها إلى أصلَها متى وردَت فلا يُبنى من المُتشابَه مُحكماً أو ردّاً لمُحكم ، ولو أنّ ما بين أيدنا من كتب إخوتنا الإماميّة في ردّ مُعتقدهم أو بيان تناقضُه نصّاً واحداً ما بنينا عليه ردّاً جازماً على اعتقادِهم (من كُتبهِم) ، وإنّما هي نصوصٌ كثيرَة لا يأبهونَ لها ولا لمدلولاتها ولا لجلائها وهُم فقط يُعوّلون على تلك الرّواية في مقدّمة الصّحيفَة ، ثمّ أيضاً فاتَهم أنّ تلكَ الرّوايات بلا تأويلٍ يُعيد الفَرع على الأصل تردّ على اعتقاد الإماميّة ونحن وهُم قد اتّفقنا على روايتها ، فنقولُ في تأويل وبيان ما يحتجّ به المُخالف على الزيديّة من تلكَ الرّواية ، مما أصلُه حوارٌ غير هذا القَائم مع أحَد الإخوَة الإماميّة :

أنّ ذلكَ الخبَر في أقصَى درجاتِه سيكونُ من المُتشابهَأت التي يُعادُ أصلهُا إلى أصول اعتقَاد الأئمّة يحيى وجَعفر صلوات الله عليهِما ، فلا يتأتّى إلاّ بتأويلِه ، وذلكَ هُو الأصل عند اشتباه الأخبار ومُعارضَتها لما هُو أقوى منها وأصحّ عن الإمامَين ، وأبيّن ذلكَ من أمور من الخبَر :

1- الأوّل : أنّه يُظهرُ أنّ زيداً وابنه يحيى مُخالفونَ على الباقر وابنه الصّادق صلوات الله عليهِم أجمَعين (عقائديّاً) ، فهُنا مُخالفَة اعتقَاد (جعل لنا العلم والسيف فجمعا لنا) ، (وخص بنو عمنا بالعلم وحده) ، إضافَة إلى قرينَة الدّفع للنّفس الزكيّة ، والنّفس الزكيّة مقدوحٌ فيه بإجماع الإماميّة اعتقاداً وعدالةً لزيديّته ، فذلك يدلّ على أنّ زيداً وابنه يحيى كانا على منهجٍ عقائديّ غير منهَج بني عُمومتهم الباقر وابنِه ، فهل هذا من اعتقَاد الإماميّة ؟!. هل هذا الفَهم يتأصّل من أصل عقيدَة الإماميّة في الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- ، فخروُج يحيى هُو خروج أبيه .

والتّصحيح والتّأويل المُعيد للفَرع إلى الأصل :

أنّ الاختلافُ هُو في مبدأ الاستجابَة في ذلك الوقت للثّورَة ، كما كانَ الإمام الحُسين السّبط لا يرَى أن يُصالحَ الإمام الحسن مُعاوية ، والإمام الحسن كانَ له رأيٌ أفهمَ أخاه به فسلّم الإمام الحُسين للإمَام الحسن -عَليه السَّلام- ، فالأصل في ذلك الاختلاف أنّه كانَ مرحلي كتوقيت واستجابَة للثّورة وللمُبايعين لعدَم التوثّق ربّما ، كما أنّ الإمام السجّاد -عَليه السَّلام- لم يستجِب لدعوة ابن الأشعث في معركة الفقهاء واستجاب الإمام الحسن بن الحسن فبايعُوه ، فالخلاف مَرحليّ ، لا أنّه جوهريّ من أنّ الإمام الصّادق -عَليه السَّلام- لم يكُن يرضى السّيف والخُروج على الظّلم على مقتضى اعتقَاد الزيديّة وعلى ما يعتقدُه عمّه الإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- وابنه الإمام يحيى بن زيد وبقيّة أئمّة الزيديّة ، وإنّما ذلكَ باعتبارات الزّمان والحال في ذلك الوَقت ، ويؤيّده ما رواه الكُليني عن الإمَام الصّادق -عَليه السَّلام- : ((عن سدير الصيرفي قال: دخلت على أبي عبدالله (عليه السلام) فقلت له: والله ما يسعك القعود، فقال: ولم ياسدير؟ قلت: لكثرة مواليك وشيعتك وأنصارك والله لو كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) مالك من الشيعة والأنصار والموالي ما طمع فيه تيم ولا عدي،…. فقال: والله يا سدير لو كان لي شيعة بعدد هذه الجداء وما وسعني القعود، ونزلنا وصلينا فلما فرغنا من الصلاة عطفت على الجداء فعددتها فإذا هي سبعة عشر)) [أصول الكافي] ، فعقيدَة الإمام الصّادق هي الخُروج والدّعوة والقيام فقَط هُو كان يتشدّد في التوثّق من الشّيعَة والمُبايعين ، فأمّا الإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- ، والإمام يحيى بن زَيد -عَليه السَّلام- ، كما كانَ جدّهم الإمام الحُسين -عَليه السَّلام- فإنّهم استوثقُوا أمرَ النّاس بالعَهد والأيمَان فهُم لا يعلمُون غيبَ المآل ، ولا غيبُ المآل يمنعُ من فِعل الواجِب والدّعوة ، كما فعل الإمام الحُسين -عَليه السَّلام- عندمَا استجابَ لدعوة أهل الكوفَة والأخبار قاضيَة بأنّه سيُقتَل فلم يمنعُه ذلكَ من الخُروج بعد اسيثاق أمر المُبايعين بإرسال مُسلم بن عَقيل ،

الحاصِل : أنّ قولَ الإمام يحيى بن زَيد : ((انه جعل لنا العلم والسيف فجمعا لنا)) ، يقصدُ باختيارهِم الخُروج بالسّيف والدّعوة بالإمامة العُظمى على نهج جدّهم الإمام الحُسين مع وجود العِلم والفَضل الواجب توفّره فيمن يدعو إلى نفسه وإن كان غيرُهم من العلماء القاعدين أعلمُ منهُم ، فليسَ شرطُ الإمَام القائم أن يكونَ أعلَم أهل زمانِه وإنّما من أعلمهِم ، والأعلَم إذا لم يقُم ، وقامَ من توفّر فيه القدر الواجبُ من العِلم والاجتهَاد كفاه في دعوتِه وأصبح الأعلم تابعاً للإمام القَائم ولذلك كانَ الإمام الصّادق -عَليه السَّلام- مُبايعاً للإمام النّفس الزكيّة على شرط الزيديّة ، بل ودفع ابناه للخُروج معه كما جاءت الأخبَار ، فهذا وجهُ قولِ الإمام يحيى بن زَيد ((انه جعل لنا العلم والسيف فجمعا لنا)) ، فأمّا قولُه : ((وخص بنو عمنا بالعلم وحده)) ، فذلكَ إشارةٌ على ما اختارُ بنو عموتِه من طلب العِلم وتحصيلِه عن آبائهم جفراً وروايةً وتحصيلاً ومُلازمةً دوناً عن التشرّد في البلاد كما حصل لبني عُمومتهم زيد ويحيى والّنفس الزكيّة والنّفس الرضيّة وغيرهِم ، فكانوا أكثرَ تحصيلاً لأجل ما اختاروه لأنفُسهِم ، ومعَ ذلك فالمنهجُ واحِدٌ والطّريقَة واحدَة بينَ العالمِ المُتبحّر القاعِد والعالمِ القائم بالسّيف الدّاعي بالإمامَة والخروج على الظّالم ، فهذا ما يتوجّه إليه تأويل كلام الإمام يحيى بن زَيد -عَليه السَّلام- هُنا ،

فإن قيلَ : ولكنّ ذلكَ غير ظاهِر من قولِ الإمام يحيى بن زَيد : (( إنَّ عَمِّي مُحَمَّد بْنَ عَلِيٍّ وَابْنَهُ جَعْفَرَ عَلَيْهِمَا السَّلام دَعَوَا النَّاسَ إلَى الْحَيَاةِ، وَنَحْنُ دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْمَوْتِ)) ، فإنّه يظهَر أنّ الدّعوتين في جوهرَها مُنقسَمة بدعوة إلى جَهاد وقيام وأمر بالمَعروف ونهي عن المُنكر ودَعوة إلى عَدم الخُروج ؟!.

قلتُ : ذلكَ غير صَحيح من أصل اعتقَاد الإمَام الصّادق -عَليه السَّلام- لأنّ أصل عقيدَته الخُروج كمَا قدّمنَا من رواية الكُليني وإن كانَت ليسَ بحجّة عندنَا إلاّ أنّنا نعضّدها برواية المقاتِل أنّه -عَليه السَّلام- كان يقول ما آسَى على شيء إلاّ على عدم خروجي معَ ابنَي هِند يقصد النّفس الزكيّة وأخوه النّفس الرضيّة أبناء عبدالله المحض [مقاتل الطالبيين] ، فمعنى الكَلام القَريب أنّ ابتداء الأمر قبل قيام الدّاعي من بني الحسن والحُسين هُو أنّ الإمام الصّادق والباقر لم يبتدئوا دعوَة النّاس إلى القِيام لمّا رأوا من أنفُسِهم عَدم قيام الحجّة عليهِم في القيام لعدم وجود النّاصر حسبَ ما اشترطوه على أنفسهِم من التثبّت في أمر المُبايعين وإن كانوا في أنفُسهم مالكين لأدوات الإمامة لو قامُوا ودَعوا للأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر ، فكانوا على ذلك الحَال الذي لم يقوموا فيه والنّاس حولَهم مُجتمعين يأخذون العِلم والرّواية بمثابَة من يَدعو النّاس إلى الحيَاة ، تأمّل والدّعوة إلى الحياة لا تُنسب إلى الباقر والصّادق وإنّما تُنسب إلى النّاس الذين كانوا يميلون إلى الباقر والصّادق ، فسبب قول الإمام يحيى بن زيد السّابق هُو قول متوكّل بن هارون : ((فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إنّي رَأَيْتُ النَّاسَ إلَى ابْنِ عَمِّكَ جَعْفَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَمْيَلَ مِنْهُمْ إلَيْكَ وَإلَى أَبيكَ؟ فَقَالَ: إنَّ عَمِّي مُحَمَّد بْنَ عَلِيٍّ وَابْنَهُ جَعْفَرَ عَلَيْهِمَا السَّلام دَعَوَا النَّاسَ إلَى الْحَيَاةِ، وَنَحْنُ دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْمَوْتِ)) ، فكان وجه كلام الإمام يحيى بن زيد بأنّ النّاس أميلُ إلى الحيَاة وعدَم الخُروج ، فعدم خروج الإمام الباقر والصّادق وتعليمهم النّاس ابتداءً كان بمثابَة الدّعوة إلى الحياة من تهافُت النّاس على ذلك دوناً عن الخُروج ، سأجمعُ للقارئ ذلك فقد تشتّت عَليه ربّما ،

فخُلاصَته: أنّ الإمامين الباقر والصّادق ابتداءً عندما لم يدُعو إلى القيام والخُروج بالإمامة العُظمى وكانت دعوتهُم إلى العِلم ، فإنّ ذلك كان بمثابَة الدّعوة إلى الحياة لا إلى المَوت ، فلذلك النّاس أميلُ إليهِم ، ولكن عندما يقومُ داعي بني الحسن والحُسين فيدعو بالإمامَة فإنّ موقفَ الإمامَين الباقر والصّادق هُو دعوةُ النّاس إلى القيامِ معَهم ، وفي ذلكَ ما رواه الإمام الهادي إلى الحقّ -عَليه السَّلام- عن الإمام الباقِر -عَليه السَّلام- أنّه كان يحثّ النّاس على مُبايعَة الإمام زيد بن علي -عَليه السَّلام- بقولِه ((بايعُوه فإنّه اليوم أفضلنا)) ، وكذلك روت الزيديّة أنّ الإمام الصّادق -عَليه السَّلام- كان يُريد أن يخرجُ مع عمّه الإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- فمنعَه الإمام زيد ، وقالَ له ، إنّما قائمنا لقاعدِنا ، وقاعدُنا لقائمنا ، فإذا خرجتُ أنا وأنت فمَن لحُرَمِنَا ، وقد كانَا أكبرَ أهل بيتهِما ، وهُنا لو تأمّل الباحث لوجد أنّ موقفَ الإمامين بعد قيام الدّاعي بالإمامَة من أهل بيتهِم قد تغيّر عن ذلك الموقف الابتدائي الذي لم يقمُ فيه أحَد من أهل بيتهِم ، فالنّاس أميلُ إلى مَنْ لم يدعُهم ابتداءً إلى الجهَاد دوناً عمّن يقوم ويدعو بالإمامَة والجهَاد في سبيل الله ، ومحصّلة ذلك إخوَة البَحث أنّ جوهَر الأئمّة زيد ويحيى والباقر والصّادق واحِد وذلكَ القولُ من الإمام يحيى بن زَيد عائدٌ إلى أصل اعتقاد هؤلاء الأئمّة ، وأقصَى ما على الباحث هُنا إن لم يقتنع بما سُقناه هُو أن يتعامَل مع هذه الرّواية كالمُتشابَه ، أو كالآحاد التي لا تُفيد إلاّ الظنّ إلى جانب إجماع سَادات بني الحسن والحُسين ووحدَة اعتقادِهم فذلك هُو المعصوم على شرط الزيديّة ، وإلاّ لزمَه في الطّرف الآخَر أن يُجهّلَ زيداً وابنه يحيى ويُفرّق بينَهما وبينَ الباقر والصّادق ، وذلكَ قدحٌ في النّص الاثني عشريّ بعُموم ومعيبٌ عندَ من استلهَم التشيّع الحقّ وعرفَ منْ هُو زيدٌ ومَنْ هُو يحيى بن زَيد ، على أنّ الإماميّة لا تتورّع في القَدح في سَادات بني الحسن والحُسين بعُموم ، وانظُر ما قالَه الشّيخ الكوراني المُعاصِر عنهم في جواهر التأريخ لتعلَم أصوليّة وتجذّر مبدأ الرّفض ماضياً وحاضراً .

2- الثّاني : تأويلُ قولِ الإمام يحيى بن زيد -عَليه السَّلام- : ((فَهَلْ لَقِيتَ ابْنَ عَمِّي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلامُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَهُ يَذْكُرُ شَيْئَاً مِنْ أَمْرِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: بِمَ ذَكَرَنِي؟ خبَّرْني، قُلْتُ: جُعلْتُ فدَاكَ مَا اُحِبُّ أنْ أسْتَقْبلَكَ بِما سمِعْتُهُ مِنْهُ، فَقَالَ: أَبالْمَوْتِ تُخَوِّفنِي؟! هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ فَقُلْتُ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إنَّكَ تُقْتَلُ وتُصْلَبُ كَمَا قُتِلَ أَبُوكَ وَصُلِبَ ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَقَالَ: يَمْحُو الله مَا يَشَآءُ وُيثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)) .

وذلكَ قد يفهمُ منه المُخالف أنّ في ذلكَ إثباتٌ لعِلم الغَيب في حقّ الإمام جَعفر الصّادق -عَليه السَّلام- ، وذلكَ تأويلٌ غير صَحيح ، فإنّما ذلك إشارَةٌ إلى المَعرفَة بعلم الجَفر ، ونحن قد روينَا أنّ محمّد بن الحنفيّة رضوان الله عَليه كان يرى الإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- ويبكِي ويقول أعيذكُ الله يا بن أخي أن تكون المصلوب في الكُناسَة ، فذلك من علم الجَفر لا أنّه علمٌ للَغيب البتّة ، ثمّ قولُ الإمام يحيى بن زَيد ((يَمْحُو الله مَا يَشَآءُ وُيثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)) ، قالوا : ذلكَ تأصيلٌ لعقيدَة البَداء ، وذلكَ غير صَحيح البتّة من سياق كلامِه -عَليه السَّلام- ، وإنّما المقصدُ أنّه -عَليه السَّلام- يسألُ الله أن يكُتب له الخَير في خُروجِه ومآله بما يُقدّمهُ من الخير في سبيلِه بأن يقيَه مصارعَ السّوء ، وفذلك تفاؤلٌ بالله تعالى ، وفي الخَبر الذي رواه الإمام المرشد بالله يحيى بن الحسين -عَليه السَّلام- ، بإسناِده ، ((عن الأوزاعي قال: دخلت المدينة مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: فقلت من هاهنا من الفقهاء؟ فقالوا: محمد بن المنكدر، ومحمد بن المبشر، ومحمد بن علي -يعني ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، فقلت في نفسي: ليس من هؤلاء أحق أن يبدأ به من ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتيته وقلت: يابن رسول الله أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}؟ فقال: أخبرني أبي عن جدي عن علي عليه السلام أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- : ((لأبشرنك يا علي بها تبشر بها أمتي من بعدي، وهي: الصدقة على وجهها، وبر الوالدين، واصطناع المعروف، وصلة الرحم تحول الشقاء سعادة، وتزيد في العمر، وتقي مصارع السوء)) [الأمالي الخميسيّة] ، فرجا الإمام يحيى بن زَيد -عَليه السَّلام- أن يكون سابقُ عملِه شفيعاً في أن يقيه مصارع السّوء ، كما أنّ العبد قد يزيدُ الله في عُمره ببرّه لوالديه وصلّه لأرحامِه ، وقد أشبعَ أئمّتنا الفرق بين البدَاء وعلم الله سبحانَه تعالى بحال العِباد بما جعلَه لهم شرطاً لحصول الزّيادَة والخَير ، هذا والرّواية تقوّي ما قُلناه قريباً من التّفاؤل بوقاية مصارع السّوء أو التّخفيف في القِتلة لمّا قال الإمام يحيى بن زيد بأنّه سيصحّ ما قاله ابن عمّه جَعفر ، فينصرفَ قولُه في الآية عن طلب البدَاء الذي تعتقدُه الإماميّة .

نعم! ثمّ في علم الجَفر فإنّ أهل البيت -عَليهم السَّلام-كان يمتلكون بعض ذلك العِلم ، وإن كانَ الإمامان الباقر والصّأدق يمتلكون أكثرَه ، ويدلّ عَليه من نفس الرّواية قولُ الإمام يحيى بن زيد لمتوكّل بن هارون : ((فَإذَا قَضَى اللّهُ مِنْ أَمْرِي وَأَمْرِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ مَا هُوَ قَاض فَهِيَ أَمَانَةٌ لِي عِنْدَكَ حَتَّى تُوصِلَها إلَى ابْنَيْ عَمِّي مُحَمَّد وَإبْرَاهِيمَ ابْنَيْ عَبْدِاللّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيّ عليهما السلام فَإنَّهُمَا الْقَائِمَانِ فِي هَذَا الامْرِ بَعْدِيَ)) ، فهَل كانَ إخبار الإمام يحيى بن زَيد -عَليه السَّلام- بقيامِ محمّد وإبراهيم من بعدِه علمَ غَيب ؟!. كما يقولُه المُعترض من قول الإمام الصّادق في مصيرِ الإمام يحيى بن زيد -عَليه السَّلام- ؟!. فهذا يُفسّر ذاك ، لو تأمّله النّاظر ، ثمّ فليسأل الإماميّ نفسَه هل يبدُو لله في المَحتوم إذا كانَ إخبار الصّادق عن مآل الإمام يحيى بن زيد من المَحتومَات ؟!.

فإن قالوا : لا يجوزُ في المَحتوم بدَاء .

قُلنا: فقد ارتفَعت أصلُ شبهتِكم وعادَت إلى أصل اعتقادِنا تماماً كمسأَلة الأعمار تزيد في رضوان الله ، فلا يصح أن يطلبُ الإمام يحيى بن زيد بالآيَة بداءً في المَحتوم .

وإن قالوا : يَجوز في المَحتوم بدَاء .

قُلنا : فقد نقضتُم كلّ محتوم وعدَ الله به إلى يوم القيامة وشكّكتُم فيه ، ومنه ذلكَ المحتوم الذي هُو الإمام المهدي الغائب على شرطكم فيجوز أن يكون قد بدا لله فيه أن يموت ولا يظَهر ، أو علامَات السّاعة أن تتبدّل أو لا تتحقّق بعضها أو كلّها ، فتدبّر ذلكَ موفّقاً أخي الباحِث ، فما يكادُ الباحث المُنصف زيديّ أو إماميّ يخرجُ من هذه الرّواية بما يصلح أن يكونَ قاطعاً على أمرٍ مَا ، إلاّ بإعادَة الفُروع إلى أصول الإمامَين يحيى والصّادق على شرط الزيديّة ، وإعادتُها على شرط الإماميّة لن تتحقّق إلاّ بالقَدح في الإمام يحيى بن زَيد ، وذلك يسيرٌ عليهِم أن يقدحُوا فيه ، فأمّا نحن فعزيزُ علينَا أن نقدحَ في الإمام يحيى أو الإمام جَعفر صلوات الله عليهمَا .

بهذا أختمُ ، وأذكّر أخي الباحِث أنّ هذه الرّواية في جُملتهَا وهي آحاديّة لا يسمَح الإنصاف تسلّقها لتأصيل أعلميّةٍ لدنيّة ، إو إمامةٍ نصيّة ، أو عقيدةٍ إماميّة في حقّ الإمام جعفر بن محمّد -صلوات الله عَليه وعلى آله- ، فإن فعل ذلك الباحث فمَا هُو إلاّ إلى باحث عن الأعذَار والظنيّات دونا عن القواطعِ واليقينيّات ، وإلا فكُتب إخوتنا من الإماميّة مليئةٌ بضدّ هذه الرّواية ممّا يثبتُ عقيدَة الزيديّة وقد سُقناها في أوّل الرّد ،

نعم! فما سقناه هُناك هُو اختبارٌ لإنصاف مَن يُريد أن يَلوي ذلكَ الخبر الواِحد من مقدّمة الصّحيفَة السجّاديّة ليعصرَ منه عقيدةً إماميّة نصيّة ثمّ هوُ يتجاهلُ أمثالها وأعظمَ منها ، بل وأصرَح دلالَة في اعتقَاد الزيديّة من كُتب الإماميّة ، بل وبشواهِد من غيرَها ، هُنا نكون ، أو لا نكون كباحثِين ، وعُذري إن قالَ القارئ قد تكلّفت شيئاً من التّأويل السّابق من كلام الإمام يحيى بن زيد ، هُو أنّه لا يصحّ إلاّ أن تكونَ بتأويلٍ يُعيدها إلى أصل اعتقَاد الإمامين يحيى بن زيد وجعَفر بن محمّد صلوات الله عَليهما ، فإمّا أن يتأوّلها الباحث بأفضل من ذلكَ ، وإمّا أن تتُركَ فلا يَخرُج منها الباحثُ كعقيدَة تصلُح أن يستندَ عليها كباحث لتأصيلِ عقيدَة نصيّة إماميّة فذلك عاطفَة ، خصوصاً مع وجود الاحتمَال الغالب كمَا ترَى ، والأصل مُقدّم على الفَرع ، والزيدية قد روَت بأنّ الإمام الصّادق -عَليه السَّلام- ، قال لابن عمّه يحيى بن زيد وهُو يستعدّ للّحاق بأبيه في الكوفَة ، ابلغ عمّي عنّي السّلام وقُل له أنّي إن كُنت أزعُم أنّي عليكَ إمامٌ فأنا مُشرك ، وهي صحيحَة على شرط الزيديّة ، فتأمّل ، فلا يُضرب المظنون من المَتن بالواضح ، والله يبصّرنا الهُدى والهَدي المحمّدي .

وفّقكم الله .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

– قالَ الإماميّ : العزيز الكاظم الزيدي،

أولاً : لا بد أن تعرف أنَّ أصلَ مشاركتي كانت في الاستشكال على نص اللعن الوارد ومدى انطباقه على من لا يرى الخروج، فاستشكلت بأن الصادق والباقر -عليهما السلام- لم يكونا على هذا الرأي، فلا أدري لماذا فتحت الباب على مصراعيه وأدخلت مبحث الإمامة فيه، مع أني لستُ بصدد بحث ذلك الآن، وإن شئتَ بحثناه لاحقاً.

ثانياً : رواية الصدوق سبق أن أسلفتُ التعليق عليها بأن نصَّ الإمام -عَليه السَّلام-واسع ومصاديقه مخصصة، وإنما كان يقصد الإمام نفسه لأنه كان آمراً بالمعروف وناهٍ عن المنكر، ولا يلزم من النص على كونه آمراً بالمعروف وغيره أن يخرج بالسيف، فتأمل! لذلك قلت لك ليس في النص دلالة قطعية على تجويزه للخروج المسلح!

ثالثاً : ما ذكرته عن السنة والزيدية لا اعتبار له في مقام المحاججة، فتنبه!

رابعاً : ما ذكر عن نص الباقر عليه السلام على مبايعة زيد رحمه الله مناقضٌ تماماً لعدم خروجه، إذ أنَّه أولى بأن يخرج مع عمه إذ أمر بهذا المعروف وقعد عن تطبيقه! وهو ليس حجة علينا إذ هو من روايتكم! وللتنبيه فإن موقف الإمامية أنار الله برهانهم من زيد لا يُعرف من الروايات وإنما من المحققين وهم على جلالته ومدحه! .

– قالَ الإماميّ : خامساً : أما رواية الأحول فليس فيها ما يدل قطعاً على الجهل بالوصية، بل كان الأمر يدور حول الخروج من عدمه وليس النص على الإمامة لأن الحوار أصلاً ابتدأ بالدعوة للخروج! والأخبار عندنا بجهل زيدٍ -عَليه السَّلام-بالوصية مطروحة ولا تقاوم ما تفيد التزامه بالإمام الصادق عليه السلام كحجة لله. مضافاً إلى أن تتمة الرواية لا تسعف المحتج بها إذ في خاتمتها قول الصادق -عَليه السَّلام- أنه لم يترك له مسلكاً أي أنه أفحمه وأقام عليه الحجة في علَّة عدم الخروج معه وعدم إخبار أبيه السجاد -عَليه السَّلام- برأيه في قضية الخروج! والإمام حجة الله لا يُفحم فتنبه!

أما نص رواية الأحول فيعلق السيد الخوئي بقوله : ( فالصحيح أن الرواية غير ناظرة إلى ذلك – أي الجهل بالوصية – ، بل المراد بها أن زيدا حيث طلب من الأحول الخروج معه وهو كان من المعاريف وكان في خروجه معه تقوية لأمر زيد ، اعتذر الأحول عن ذلك بأن الخروج لا يكون إلا مع الإمام وإلا فالخارج يكون هالكا والمتخلف ناجيا ، وحينئذ لم يتمكن زيد من جوابه بأنه مأذون من قبل الإمام وأن خروجه بإذنه ، لأنه كان من الأسرار التي لا يجوز له كشفها ، إجابة بنحو آخر وهو أنه عارف بوظيفته وأحكام دينه ، واستدل عليه بأنه كيف يمكن أن يخبرك أبي بمعالم الدين ولا يخبرني بها مع كثرة شفقته علي ، وأشار بذلك إلى أنه لا يرتكب شيئا لا يجوز له إلا أنه لم يصرح بالإذن خوفا من الانتشار وتوجه الخطر إلى الإمام عليه السلام ، ولكن الأحول لم يفهم مراد زيد فقال : عدم إخباره كان من شفقته عليك وأراد بذلك : أنه لا يجوز لك الخروج بدون إذن الإمام وقد أخبرني بذلك السجاد ولم يخبرك بذلك شفقة من عليك فتحير زيد في الجواب .. إلخ ) ( معجم رجال الحديث، ج8، ص 367 ).

سادساً : ما ذكرته من نصوص عن مناقب ابن شهر آشوب وغيره محل نقاش وتأمل عند فقهائنا والصحيح على التحقيق أن رأي زيد عليه السلام في الإمامة لا يعدو ما يقوله الإمامية ولم يكن يرى إمامة من يخرج بالسيف! والروايات في هذا الباب كثيرة وخلاصتها ما قال السيد المحقق الخوئي قدس سره : (ويؤكد ما ذكرناه ما في عدة من الروايات من اعتراف زيد بامامة أئمة الهدى عليهم السلام ، وقد تقدمت جملة منها ، فتحصل مما ذكرنا أن زيدا جليل ممدوح وليس هنا شئ يدل على قدح فيه أو انحرافه ) ( المصدر السابق ).

سابعاً : لا أدري لماذا تحاول تصوير أن الحوار مع يحيى بن زيد (ره) دال على اختلاف عقائدي مع أنَّ محور الحوار هو قضية الخروج، فلا وجه لقولك : ( فذلك يدلّ على أنّ زيداً وابنه يحيى كانا على منهجٍ عقائديّ غير منهَج بني عُمومتهم الباقر وابنِه ، فهل هذا من اعتقَاد الإماميّة ؟! ) وإنما ما نقوله حسب النص ولا نجاوزه أن الخلاف بين زيد والباقرين عليهما السلام في قضية الخروج فقط فما دخل بقية العقائد لتقول أن هناك منهجاً عقائدياً مخالفاً ؟!

وأما تقييدك للخلاف بأنَّه مرحلي، فهو تقييد زمني يشير إلى تغير رأي الباقرين عليهما السلام وبذلك أنت مطالبٌ بالدليل عليه! ولكن الواقع يثبت أنهما لم يكونا يريا أي دور للخروج المسلح حتى توفي الباقر عليه السلام وكذلك الصادق عليه السلام ولم نلحظ أنهما قادا خروجاً بعينه !

وأما قولك بأن الرواية في هذا آحاد، فكيف بما استدللت به وبنيت عليه في رواية الصدوق وابن شهر آشوب، فتعجب !

والنصوص واضحة في مقدمة الصحيفة ولولا قطعية دلالتها لما احتجت للتطويل في لي عنق هذه الألفاظ بتأويلات لا صلة لها بالنص وأدخلتنا في بحث البداء وعلم الغيب والجفر وكثير مما لا صلة له ببحثنا مطلقاً وإنما هو تطويل لا حاجة له أبداً!

بحثي في العبارات هو عن معرفة رأي الباقرين عليهما السلام في الخروج باعتراف زيد والنص واضحٌ في ذلك، والله الموفق. فإن كان لديك ما ينقض دلالة المتن فأتِ به دون بحثٍ في البداء والجفر وعلم الغيب!

أعيد النصوص بحذافيرها لنعرف رأي الباقر والصادق عليهما السلام :

1- قول يحيى (ره) : ( قد كان عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ – عَلَيْه السَّلَامُ – أَشَارَ عَلَى أَبِي بِتَرْكِ الْخُرُوجِ وعَرَّفَه إِنْ هُوَ خَرَجَ وفَارَقَ الْمَدِينَةَ مَا يَكُونُ إِلَيْه مَصيرُ أَمْرِه ). وهو واضح في الإشارة على رفض الباقر عليه السلام للخروج المسلح.

2- قول يحيى ( ره ) : (إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ أَيَّدَ هَذَا الأَمْرَ بِنَا وجَعَلَ لَنَا الْعِلْمَ والسَّيْفَ فَجُمِعَا لَنَا وخُصَّ بَنُو عَمِّنَا بِالْعِلْمِ وَحْدَه ) وفيه النص على أن منهج بنو عمه كالصادق عليه السلام بعيدٌ عن السلاح.

3- قول يحيى (ره) في علّة ميل الناس للباقرين عليهما السلام : (إِنَّ عَمِّي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وابْنَه جَعْفَراً – عَلَيْهِمَا السَّلَامُ – دَعَوَا النَّاسَ إِلَى الْحَيَاةِ ونَحْنُ دَعَوْنَاهُمْ إِلَى الْمَوْتِ ). والدعوة للموت يعني الثورة والقتال وعكسها هو عدم الخروج وهو رأي الباقرين عليهما السلام.

والحمد لله رب العالمين.

– قُلنَا : أخي الإماميّ ، باركَ الله فهمَك وعِلمَك .

أوّلاً : الأصلُ أنّ مِنْ أصحابِكَ من يستدلّ من رواية الصّحيفَة على اختلافٍ عَقائديّ بينَ الإمَام يحيى بن زَيد ،وبين ابن عمّه الإمام جَعفر بن محمّد -عَليه السَّلام- ، لمدلولات مُحتملَة لا تفوتُك من النّص ، ثمّ أنْت تصرفُها إلى عَدم الخُروج المُسلّح فقَط في مَدلولها ، فذلكَ نظرُك يخصّك ، كمَا أن ذلكَ نظرهُم يخصّهم ، كمَا أنّ تأويلنا نظرُنا يخصّنا ، والنّص مَتى احتملَ هذه الاحتمَالات معَ آحاديّته لم يُقطع منه باعتقَادٍ مَا ، ثمّ عندمَا تكلّمتُ عن البدَاء ، وأسهبتُ في تأويلِ ذلك النّص من الصّحيفَة مُيعداً الفَرغ إلى أصلِ الإمام يحيى وجَعفر ، فقد أشرتُ في مقدّمة ذلكَ بأنّ أصل ذلك التّفصيل والتّأويل كان جواباً موجّهاً لغيركُم من أصحابِكُم نقلتُه هُنا ،

نعم! ثمّ تعجّبك من إحالتي تلكَ الرّواية من الصّحيفَة إلى الآحَاد وعَدم القطع من مُتشابهها ، ثمّ التفاتِي إلى تلك الرّوايات عن الشّيخ الصّدوق عن الباقر -عَليه السَّلام- ، فاعلَم بأنّي قد تلافيتُ ذلكَ بقولِي بوجود روايات كثيرَة تدلّ على معَنى تلكَ الرّواية عن الإمَام الباقِر من طريق الشّيخ الصدوق ، ورواية الإمام السجّاد من طَريق الحاكِم الحُسكاني ، وكذلكَ رواية الأخذ بين اليَدين ومُناظرَة الإمَام زيد بن عَلي التي رواها الكُليني ، وأمّا ما سُقته عن السيّد الخُوئي فلَم يفُتني في أصلِه وأنْت بإنصافِك تستطيعُ أن تقولَ للسيّد الخُوئي أنّكَ تكلّفتَ وجه التأويل ، فجهَل الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- من تلك الرّواية بإمامَة أبيه وأخيه وابن أخيه واضحٌ ظاهِرٌ ، بل إنّ كلامَ السيّد الخوئي قولِه بأنّ خُروج الإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- كانَ بإذن الإمام الصّادق ينسفُ قولَك بأنّ الإمام الصّادق لم يكُن يرَى الخُروج المُسلّح ، وينسفُ قولَك بالنّهي الإرشاديّ ، قال السيّد الخوئي : (( وحينئذ لم يتمكن زيد من جوابه بأنه مأذون من قبل الإمام وأن خروجه بإذنه ، لأنه كان من الأسرار التي لا يجوز له كشفها)) ،

نعم! ثمّ قولُ الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام-لمؤمن الطّاق : ((يا أبَا جَعفر ! كُنتُ أجْلسُ مَعَ أبي عَلَى الخوان ، فُيلقِمُنِي البِضعَةَ السّمينَة ، ويُبَرِّدُ لِي اللُّقمَة الحارّة ، شَفقةً عَليَّ ، ولَمْ يُشفِقْ عَليَّ مِن حَرِّ النّار ؟! إذْ أخْبَرَكَ بالدِّينِ ولَم يُخبِرنِي بِه ؟!)) ، المقصدُ منه الوصيّة والإمامَة يعرفُها أبو جَعفر مؤمن الطّاق ويجهلُها زيد بن عَلي ، لذلكَ ردّ عَليه مؤمن الطّاق بأنّ ذلكَ من أسبابِه الحسَد لم يُخبركَ والدكُ زين العَابدين به ، قال : ((جُعلتُ فِدَاك أنْتُم أفْضلُ أمِ الأنْبياء ؟ قَالَ : بل الأنبياء ، قُلتُ : يَقولُ يَعقوبُ ليوسف (ع) ((يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً)) ، ثمَّ لَم يُخبِرهُم حَتّى كَانُوا لا يَكيدونَه ولَكِن كَتَمَهُم ذَلك ، فَكَذَا أبُوكَ ! كَتَمَكَ لأنّه خَافَ عَليكَ)) ، وهذا واضحٌ من أنّ المقصدَ هُو الإمامَة وجهل زيدٍ بها وكتمُ والدِه له أمرها ، فكيفَ تُصرف إلى ذلكَ التّأويل البَعيد والمُتكلّف ، ولو أنّك قُلتَ أنّ الرّواية صحيحٌ مدلولها في جَهل الإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- بالنّص على ابن أخيه ، وكذلكَ هي قويّة السّند ، إلاّ أنّها مُعارضَة بكذا وكذَا من قول الإماميّة ، لكانَ أقبَل منكُم يا مَولانا ، والإنصاف عَزيز ، وليسَ بينَ هذه الرّواية ورواية الصّحيفَة مُقارنةٌ من جَهة الظّهور في المَدلول ، فرواية الكليني ظاهرةٌ واضحَة في الجَهل والكَتْم والإشادَة من الإمام الصّادق ، ورواية الصّحيفَة فمُلتبسَة مُتشابهَة حمّالة أوجُه .

سلّمنا ، بأنّ رواية الكُليني آحَاد وليسَ عليها معوّل الإماميّة وأنّها قد تحتملُ ما أوّلها به السيّد الخُوئي ، فإنّ اتّفاق روايَة ذات القصّة من الفرقَة السنيّة (الطّبري) ، والإسماعليّة (النّعمان المَغربي) ، والزيديّة (الأمالي الاثنينيّة للمرشد بالله ، والإمام الهادي إلى الحقّ في مجموعه) ، ومضمونُ ما جاء من طريق الطّبري والنّعمان المَغربي والهادي إلى الحقّ واحدٌ يعضّد ظاهر مَتن رواية الكُليني من جَهل الإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- بالنّص ورفض سلفِ الإماميّة له وعَدم الخُروج مَعه تديّناً ،

نعم! ذلكَ الاتّفاق يُسقطُ تأويل السيّد الخُوئي ويُعيد متن راوية الكُليني إلى عَدم الاحتمَال بذاتهَا .

سلّمنا ، فإنّ الإماميّة تَروي مُناظرَة أبي بكر الحَضرمي ، وأبي الصّباح ، وأبي خالد القمّاط ، مُناظرَتهم كلّهم على حَدة للإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- يما مَدلوله واحِدٌ مع روايَة الكُليني من مُناظرَة مؤمن الطّاق للإمَام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- وجهله بالنّص وإمامة ابن أخيه الإمامة النصيّة ، وهذا كلّه أستاذِي لا يعودُ بنَا كما أشَرْتَ إلى بحث موضوع الإمامَة من قبلنَا ، وإنّما هُو في صَميم ما أردتَ أن تتكلّم عنه من اللّعن للرّافضين للجَهاد مع الأخيار من أهل البيت ، الأئمّة الدّعاة ، فإنّ ذلكَ مُترابطٌ من وجوهٍ لو تدبّرت ،

نعم! وبتلك الرّوايات الكثيرَة في جَهل الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- بالنّص على أخيه وابن أخيه ، بل وما يفيدُ منها النّهي التّحريمي ، هي ما أقصدهُ بالكثرَة إلى جانب ما يُؤصّل أصل الإمامة الزيديّة من الخُروج والدّعوة إلى سبيل الله من كُتب الإماميّة ، فلا تعُد تحتجّ بإسقاطي لمُحتمَل ومُتشابَه روايَة الصّحيفَة لأجلِ آحاد رواية الصّدوق ، أو الكُليني فليسَ مدار حجّتي عليكَ من كُتبكَ آحادٌ ، كما كانَ مدار حجّتك عَليّ من الصّحيفَة السجاديّة وهي آحَاد ، فتنبّه وتدبّر موفّقاً .

ثانياً : مُطالبتُك بَدليل أنّ رأي الإمَامين الباقر والصّادق كانَ مرحليّاً في عَدم الخُروج ابتداءً ثمّ بعد قيامِ الإمام الدّاعي من بني الحسن والحُسين يتغيّر موقفُهما بمُبايعتهم للإمام القَائم وحثّ النّاس على الخُروج معَهم ، فقد أخبرتُ أنّ ذلكَ رأينا في تأويل خبر الصّحيفَة السجّاديّة ، وقد أعدنا فرعَ ذلك الخَبر إلى أصلِه من قولِ الإمام يحيى بن زيد في الدّعوة إلى الحياة وإلى المَوت ، فالفرعُ ما روتهُ الزيديّة من الصّحيفَة ، والأصلُ هُو أيضاً ما روته الزيديّة من الثّابت المُحكم عن الإمامَين الباقِر والصّادق من طُرق الزيديّة ،

نعم! وقد سُقتُ لكَ ما يثبتُ ذلكَ وأدلّته من كُتب الزيديّة من حثّ الإمام الباقر على بيعَة الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- ، وكذلكَ من استعدَاد الإمام الصّادق للخُروج معَ عمّه الإمام زيد بن علي ، وقد تقدّمت الرّوايات في ذلك بمصادرهَا ، فهذا دَليلي مة ذلك الفَرع الذي روتهُ الزيديّة فأعادته إلى ذلك الأصل الذي آمَنت به الزيديّة عن الأئمّة يحيى وجَعفر والباقر وزيد والنّفس الزكيّة وغيرهم من سَادات العترَة ،

نعم! وكونُ ذلك لا يحجّكم من روايات الزيديّة ، فكذلكَ فهمُ من يفهمُ منكُم من روايَة الصّحيفَة اختلافاً عقائديّا أو مدلولاً على إمامة نصيّة بين الإمامين يحيى وزيد ليسَ يلزُمنا لعدَم التفاِته إلى أصل اعتقادِ الإمامين يحيى وجَعفر من طُرق أقوى وأوضَح وأدلّ من طرق الزيديّة ، وقد كان سيكون قولُ النّاقد موجّهاً لو أنّه استنبط من كُتب الزيديّة وأقوال أئمّتها ما يقوم برواية الصّحيفَة بشكلٍ يخرجُ به من الرّواية الواحَدة إلى الاستفاضَة أو إفادَة العِلم ، كمَا قد حرّرنا في ذلك روايات وأقوال لمراجع وعلماء الجعفريّة تخرجُ بروايَتي الصّدوق والكُليني من حدّ الآحاديّة إلى الاستفاضَة والدّلالة على اعتقَاد الزيديّة ، وقد تضمّن ذلكَ أصل مبحثنا الرّافضة لو تأمّله المُعترض .

ثالثاً : ما أشرتَ إليه من أنّ رواية ابن شهر آشوب محلّ نقاش بين عُلمائكم ، وأنّ الصّحيح من قول عُلمائكم أنّ رأي الإمام زيد بن عَلي في الإمامَة لا يَعدو ما قالَت به الإماميّة ، تُريدُ أنّه يثبت الإمامة النصيّة ، وأنّ زيداً -عَليه السَّلام- ممدوح جَليل القَدر عندَ الإماميّة ، فذلكَ يُخرجنا إلى مسألَة تلك الأخبَار المُتعارضَة المُتضاربَة في حَال الإمام الأعظَم زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- في كُتبكم ، والتي لا تَخلو من حَالين ، فإمّا أن تكون الرّوايات في ذمّه ومُخالفته العقائديّة في الإمامة على أخيه وابن أخيه هي الصّحيحَة كرواية الكُليني وابن شهر آشوب . وإمّا أن تكونَ الرّوايات المادحَة له ومُوافقته لعقائد الإماميّة هي الصّحيحَة ،

نعم! والأحاديث التي اعتمدَها علماء الإماميّة في مدح الإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- غير صحيحَة من قولِ الكرباسي أحَد عُلماء الإماميّة ومُحققّيهم ، قال : ((وذكَر الصّدوق في العُيون أخبَاراً كَثيرَة في مَدحه ، ويَلُوح مِن بَعضهَا أمَارَات الوَضع ، وقد رَواها الأجلاّء مِن الأصحَاب وذلك لا يَخلو مِن غَرابة)) [إكليل المنهج في تحقيق المطلب:263] ، وللخُوئي مثل هذا القَول وعلّل أصل الاستناد لأجل الاستفاضَة مع ضعف الأخبَار كلّها!! في مدح الإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- ، فإذا كانَ ذلكَ كذلك ، ومع وجود الرّوايات صحيحَة السنّد ، منها ما قوّاها الكُليني وهي في ذمّ الإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- ، فالسّؤال: ما هُو مستند الإماميّة من الأدلّة على مَدح وجلالَة الإمام زيد بن عَلي ، وما عُذرهُم في قفزِ تلك الرّويات الضّامة له (هُنا أذكُر هذا لبيان وجود خَلل منهجي في تأصيل عُلماء الإماميّة فِقه الاتّباع لُعلمائهم في المسائل التي قد يترتّب عليها نتائج خطيرَة ثمّ هم يختلفون ، فلا يُدرى أي أقوالهم هي أقوال أئمّتهم بالقَطع واليقين وليسَ مع هؤلاء المُختلفين عصمَة من الله ، وليسَ الإمام المَعصوم حاضرٌ يُصحّح لهُم) .

رابعاً : أسوق لكَ قول الشّيخ الطّريحي بما أصلهُ التّباين في الدّعوتين للإمام يحي بن زيد ، ورفض الإماميّة له ، رفضاً لذات الخُروج ، ولذات العقيدَة الزيديّة لهُ -عَليه السَّلام- ، وهُو الذي قالت لأجله الزيديّة باستحقاق الإماميّة للقب الرّفض بعدم مُجاهدتهم مع الأئمّة الدّعاة من سادات بني الحسَن والحُسين ، فذلك كان تديّنا من الإماميّة عدَم الخُروج مَعهم ورفضهِم تستّراً بأنّ ذلك فكرُ الأخيار من بني الحُسن الباقر وجَعفر والكَاظم وغيرهِم ، قال الشّيخ الطّريحي : ((واختلفَت الروايات في أمره [زيد بن عَلي] : فَبعضُهَا يَدلّ عَلى ذمِّه بَل كُفرهِ لِدَعوَاه الإمَامَة بِغَير حَقّ ، وبَعضُها يَدلّ عَلى عُلو قَدره وجَلالَة شَأنه ، فَجمعَ بَين الذمّ والمَدح بِحمل النّهي عَن الخُروج على التقيّة أو أنّه لَيس نَهي تَحريم بل شفَقة وخَوف عَليه ، وأمّا غَيره ممن خَرجَ بالسَّيف مِن أهل البَيت كَيحيى بن زيد ومحمّد وإبراهيم فَظاهرُ حَالهم مُخالَفَة الأئمّة ، ومَا صَدر مِنهُم عليهم السلام مِن الحزن والبُكَاء ليس فِيه دَلالَة عَلى خَيريَّتهِم لاحتمَال أن يَكون شَفقةً عَليهم لضَلالَتهِم أو لَهتكِ حُرمَة أهل البَيت)) [مجمع البحرين:2/308 ] ، وهُنا مُغازلة كمَا ترى وتَلفيق واحتمَال للإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- أن يضمّوه إلى ابنِه وإلى سَادات بني الحسن والحُسين مع أنّ يحيى بن زيد ما خرجَ إلاّ بخروج وعلى مِنهاج والدِه ، وكذلكَ الإمام النّفس الزكيّة وأخوه النّفس الرضيّة ، واعتقاد الإماميّة في هؤلاء الأئمّة والسّادة قرينةٌ بل هُو دليلٌ عندي على رفضهم للإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- ، فما يحيى وزيدٌ والنّفس الزكيّة في أصلهِم بالإمامَة لمن قام ودَعا من ذريّة الحسن والحُسين إلاّ واحِد .

خامساً : وهُو خُلاصَته ، فإنّ علّة الرّفض عندَ الزيديّة ، هُو رفض الجَهاد مع الأئمّة من سَادات بني الحسَن والحُسين ، وقالَت أنّهم في عهد الإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام- الإماميّة روى ذلكَ الإمامان الهادي والمُرشد بالله ، ثمّ وُجدَ شاهدُ تلك الرّوايات الزيديّة في كُتب الفرقَة السنيّة والإسماعيليّة والإماميّة ، ورواية الإماميّة بسند قويّ في رفضهم للإمام زيد بن عَلي -عَليه السَّلام-، وتعذّر الإماميّة بحُجج يُريدونَ أن يُخرجوا زيداً -عَليه السَّلام- من رفضِ الإماميّة له ، ثمّ عادوا واختلفُوا في خُروجِه هل كان بإذن الإمام أمْ لا ،

نعم! ونحنُ فلا يهمّنا تفصيلُ قولِهم هذا ، إذ أنّهم مُجمعون على رفض الأئمّة من بعدِ زيد بن عَلي ، كالإمام يحيى بن زَيد ، والنّفس الزكيّة محمّد ، والنّفس الرضيّة إبراهيم ، وبقيّة أئمّة بني الحسن والحُسين أخيار أهل البيت عليهم السّلام ، فبقي أصلُ علّى الرّفض عليهم مُتحقّق ، فإن برّروا موقفَهم من الإمام زيد بن عَلي ، فرفضهُم لمَن بعده واضِح لا يختلفونَ فيه ، فكانوا رافضةً للجهَاد مع الأخيار من سادات بني الحسن والحُسين ، والخبر المحمديّ قاضي بلعنهِم .

فإن قالوا : يلزمُ من ذلكَ لعن الصّادق والكاظِم والباقر.

فنقول: يلزمُ ذلك على أصلِكم المُباينِ بين اعتقادات أولئك الأئمّة ورفضهم خُروجَهم . وأمّا على أصلِ الزيديّة فلا يلزمُ ذلك لأنّ الزيديّة تحكي عن أولئك الأعلام الباقر والصّادق والكاظم تأييدهم ومُبايعتهم للأئمّة القائمين بالسّيف من بني الحسن والحُسين ، وحثّهم النّاس للخُروج معَهم ، فتلكَ أصلّ علّتنا في الرّفض لا تتناقضُ مع أصلّناه بعدُ عن الأئمّة الباقر والصّادق والكاظِم ، ولا يلزمُ منها لعنٌ لهؤلاء الأعلام ، ثمّ نحنُ لا نُصحّح ما حكيتُموه عنهم من رفض الخُروج المُسلّح بعد قيام الأئمّة الدّعاة ، ولا ما حكيتمُوه عنهُم في الاعتقاد جُملةً ، وهذا البيانُ الأخير قاطعٌ لأطراف المسألَة من بدايتهَا ، إذا فيه كفايةٌ للمُعترض إن كانَ يرى في سابق جوابنا تفصيلٌ يُخرج عن حدّ المطلوب من أصل اعتراضِه ، فهذا الأخير يتناولُ مقصدهُ ومُبتدئ اعتراضِه ، والحمدُ لله .

ثمّ كانَ الحِوار إلى هُنا ، لم يتداخَل الآخَرْ بعدهَا.

________________________

السّؤال الثّاني والعشرون  :

خبر يوم الصوحّ ، ما هو؟!. وهل يُستدل به على إمامة أمير المؤمنين -عَليه السّلام- ؟

والجَواب :

أنّ يوم الصّوح ، هُو يومُ أحُد ، نقل خبره الإمَام مجد الدّين المؤيّدي -عَليه السّلام-  ، رواه عن الإمَام المنصور بالله عبدالله بن حمزَة -عَليه السّلام- .

ورواه  : ((الإمام الناصر للحق -عَلَيْه السَّلام- قَال: أخبرنا عبدالله بن محمد المدني فقيه مصر، قال: حدثنا عمارة بن زيد، قال: حدثني بكر بن حارثة، عن أبيه، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن عبدالله بن أبي أنيس، قَال: أشهَد بالله لَسَمِعت رَسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم- يوم الصَّوح ، وقَد أقبلَ إليه أسَد بن غُويلم، فَاتِك العَرب، عَلى فَرس لَه يجيله، ويُدير رُمحه، وهو يقول ويرتجز:

وَجُرْدٌ سُعَالٌ … وزُعْفٌ مُذَالٌ … وسُمْرٌ عوَال … بِأيْدِي رِجَالِ

تُكِيْدُ الكَذُوبَ … وتُجْرِي الهَبُوبَ … وَتَرْوِي الكُعُوبَ … ببيضٍ صِقَالِ غَدَاةَ النِّزَالِ …. دَماً غَيْر آلِ .

ثمّ سَأل البِراز فأحجمَ النّاس مَعاً ، فقَال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم: ((مَنْ خَرج إلى هذا المُشرك فَقتَلَه فَله عَلى الله عز وجل الجنّة، ولَه الإمَامَة بَعدي)) ، فاحْرنجَم النّاس، وكُنت فيمن احرنجَم ، فقامَ عَلي بن أبي طالب تهزّه العروى، فَقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم: ((يا ذَا القبقب مَا بالك؟)) قَال: ظَمآن إلى البراز، سَغب إلى القتال. فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم: ((نحن بنو هاشم جُودٌ مُجْدٌ، لا نَجبن ولا نَغدر، وأنا وعَلي مِن شجرة لا يَختلف ورقها، اخرُج إليه ولكَ الإمَامَة بَعدي)) [الشّافي] ، وفي محاسِن الأزهَار للشّهيد المحلّي ، والثّمار المُجتباة للأهنومي ، والنّقل عن الثّاني : ((فخَرج وضَربه في مِفرق رَأسه والناس يَنظرون إليه، فَبلغ سيفه إلى السّرج وخرَّ نصفين وانهزم المشركون، دَأب علي عليه السلام يمير سيفه ويقول شعراً:

ضَربتُه بالسّيف وسط الهامة …. بشفرَة صارمة هدامة

فبتكت من جسمه عظامَه …. وبنيت من أنفه إرغامَه

أنا عَلي صاحب الصّمصامَة …. وصَاحب الحوض لدى القيامة

أخو نبي الله ذو العلامة …. قَد قال إذ عمّمني العمَامة

أنت أخي ومَعدن الكرامة …. ومَن له من بعدي الإمامة)) ،

نعم! فذلك خبرَ يوم الصّوح ، وخبر العمامَة.

وأوردَها الإمَام مجد الدّين المؤيّدي في اللّوامع ، وقال : ((ورواه حسام الدين حميد الشهيد ـ رضي الله عنه ـ، بإسناده عن عبدالله بن أبي أنيس. ورواه الحاكم من كتاب الناصر للحق -عَليه السّلام-  ، بإسناده عن عبدالله بن أبي أنيس. ورواه الحاكم أيضاً، عن أبي رافع. أفاده السيد الإمام، أحمد بن محمد الشرفي -عَليه السّلام- ، في شرح الأساس؛ وهو مروي في كثير من مؤلفات علمائنا)) [لوامع الأنوار].

نعم! ولا شكّ أنّ مدلولات الخَبر تثبيتُ الإمَامة لأمير المُؤمنين -عَليه السّلام- ، وكذلكَ شجاعَة أمير المُؤمنين وإقدامُه .

وفّقكم الله .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد

________________________

السّؤال الثّالث العشرون  :

يروى عن رسول الله انه من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة الجاهلية ؟ من هو إمام الزيدية في هذا الزمان؟ كم المدة التي بين رسول ورسول يعني كم كان يجلس القوم بغير رسول حتى يرسل الله الرسول أو النبي بعد موت أي نبي ؟؟

والجَواب :

أنّ هذا السّؤال من ذلكَ الحديث المحمديّ الصّحيح ، أصبحَ ممّا تُمتحنُ به العُقول ، وتطيشُ لأجلِه الأفهَام ، لمَا فيه من الوَعيد الشّديد بالميتَة الجاهليّة ، ولما يُشكلُ على كثيرٍ من الباحثين الإحاطَة بجوانِبه ، وأصحّ ما استأنستُ به في بحثِي لطُرق هذا الحَديث ، هُو ما رواهُ الإمَام الأعظَم زيد بن عَلي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام قال: ((من مات وليس له إمامٌ مات ميتةً جاهليةً إذا كان الإمام عدلا برا تقيا)) [مسند الإمَام زيد بن عَلي] ،

والجوابُ على فِقه هذا الحَديث نُؤصّلُه من عدّة مقدّماتٍ نقولُ فيهَا :

المقدّمة الأوّلى : في مَعاني الإمامَة التي هي خيرٌ وهدايَةٌ ، إمامَة هُدىً وحقّ ، فهيَ إمامَتان ، الإمامَة الأولَى : هي إمامَة القرآن والسنّة ، والإمَامة الثّانية هي إمَامة الإمَام القائم بخلافَة رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- في الأمّة ، والإمامَتان باقيَتان في الأمّة لحاجتهِم لهَا ، إلاّ أنّ إحدَاهُما باقيةٌ بلا شَرط ، والثّانية باقيةٌ بشرط ، فأمّا الإمامة الباقية بلا شَرط فهي إمامَة الكتاب والسنّة ضمنَ الله تعالى بقائهما إلى يوم الدّين ،

فإن قيل: ذلكَ الكتاب عرفنا وجه بقائه إلى يوم الدّين من قولِ الله تعالى : ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) .

قُلنا : ليسَ مُرادنا هُنا بالبقَاء والحِفظ حفظُ ذات الكِتاب سوراً وآياتاً ، وإنّما المُراد بالبقَاء والحِفظ هُو الهَدي الصّحيح من الكِتاب والهَدي الصّحيح من السّنة ، وهذه كلّها قد تكفّلَ الله ببقائها ما بقيَت العترَة الحسنيّة والحسينيّة إلى انقضَاء التّكليف ، ودليلُ ذلك في حديث الثّقلين المُتواتر المشهور ، قولُ رسول الله -صَلوات الله عَليه وعلى آله- : ((إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسكّتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي إنّ اللّطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتى يردَا عليّ الحوض)) ، وإن كانَ الكتاب محفوظاً مصوناً عن التّحريف ،

نعم! فهذه الإمامة للكتاب والسنّة باقيةٌ بلا شَرط تكفّل الله ببقائها وجعلَ لها تراجمةً هُداةً يدلّونَ عليها وهُم أهل بيت سيّدنا محمّد -صلوات الله عليه وعليهِم- ، ومن لَم يكُن الكتاب والسنّة له أئمّة هُداة وماتَ على ذلك فقد مات ميتة جاهليّة .

وأمّا الإمامة الباقيَة بشَرط ، فهي : إمَامة الإمَام القائم بخلافَة رسول الله صَلوات الله عليه وعلى آله في الأمّة ، وشرطُها شرطُ يرتبطُ بالظّهور وإعلان الدّعوة الحسنيّة أو الحسينيّة ،

ولهذا الظّهور شرطَان ، الشّرط الأوّل: أن يتوفّر النّاصر والمُعين من الأمّة فلا تُغمَر العترَة بالقَهر والقَمع .

والشّرط الثّاني : أن لا يؤدّي ذلك القيام بالخلافَة والإمامَة للأمّة إلى مُنكَر أو أنكَر ممّا النّاس فيه ، فمتى تحقّق هذان الشّرطان كانَت الإمامَة للقائم صاحب الفضَل من بني فاطمَة مُلزمةً بالاتّباع لشخص ذلك القائم من قِبل الأمّة ، ومن لَم يكُن ذلك الإمَام له إمَامٌ يسمعُ له ويُطيع وماتَ على ذلك فقد مات ميتة جاهليّة ،

نعم! فإن قيلَ : فإنّ تكلّمتَ عن ظهور دعوةٍ فاطميّة حسنيّة أو حسينيّة وقيّدتها بشرطَين ، وأخبرتَ في مقدّمة ذلكَ أنّ هذا من صنف الإمامَة الباقيَة بشرَط ، وفي هذا تناقُض فكيفَ تقولُ ببقائها وتقولُ بانعدامهَا إلى لم يتحقّق الشّرط ؟!.

قلتُ : ليسَ من تناقُض فمفهوم العترَة أنّ بقاء الإمامَة فيما هُو أمرٌ الله واصطفاؤُه لهذه الذريّة هُو أن لا يُعدَم منهُم القادرُ على القيام بأمر الأمّة والإمَامة وإشهَار الدّعوة والأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكَر ، لا يخلو الزّمانُ من صالحٍ منهُم لقيادَة الأمّة وإمامتهَا ، فالإمامة الثّانية بقايةٌ ببقاء المؤهّل أو المؤهّلين للقيامِ بهَا متى أوفَت الأمّةُ بشرطِ وتكليفِ الله عليها وهو الاجتماع حول العترَة للقيام بأمرِ الأمّة ، الاجتماع لا الذي يغلبُ على الظنّ أنّه يُزاح به الظّلم أو تستتبّ معه أمور العباد بعضهُم أو كلّهم .

نعم! فهذه المقدّمة الأولى للجواب على سؤالِ السّائل وخُلاصته أنّ الإمامَة إمامتَان يموتُ بدونِها المكلّف ميتة جاهليّة ، وكلّها باقيَة لا يخلو الزّمان منهَا ، إمامَة الهُدى من الكتاب والسنّة فعلماء آل محمّد باقونَ يهدونَ النّاس إليهَا ، وإمامَة القيام بأمرِ الإمامة العُظمَى فعلمَاء آل محمّد باقونَ ينظرون أثر تلكَ الإجابَة لذلك الهدي من الكتاب والسنّة للالتفَاف والقيام بأمرِ الأمّة مع الدّاعي والرّضا منهُم يقومُ به فيحكُم ويعدِل سنّة آبائه الأئمّة الهُدَاة .

المقدّمة الثّانية : أنّ من أصول العترَة ، بل هي أصولٌ لغيرِهم من أهل الإسلام ، إلاّ مَن شذّ أنّ الله تعالى لا يُكلّف الله نفساً إلاّ وُسعَها ، ((لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)) ، وأنّه لا طاعَة لأئمّة الضّلالة وأئمّة الجور والظّلم ، فإذا كانَ الحديث المحمديّ : ((من مات وليس له إمامٌ مات ميتةً جاهليةً)) :

إن كانَ المقصودُ منهُ ضرورَة وجود إمامٍ بالمُصطلح الشّرعي القائم العادلِ الحاكِم للأمّة كأمير المُؤمنين ، والأئمّة من ذريّته زيدٍ والهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين ، والنّاصر الأطروش الحسَن بن عَلي وغيرهِم ، فالمَعلوم بالضّرورة التأريخيّة أنّ الزّمان قد انقطعَ يسيراً (على شرط الزيديّة) وكثيراً (على شرط غير الزيديّة) ، فأمّا على قولِ السلفيّة فظاهرٌ من بعد الخلافَة الرّاشدَة (على حدّ قولهِم) واستثناءً لعُمر بن عبدالعزيز ومن بعدَهم من بني أميّة والعبّاس فحالُ أئمّتهم في الظّلم والجَور يعلمُه كلّ مُنصف ، وأمّا على شرطِ الإماميّة فإنّهم من بعد الإمَام الحُسين بن عَلي لم يكُن في أئمّتهم إمامٌ ظاهرٌ مشهورٌ يقودُ الأمّة ، ولو سلمّناَ لهُم بأنّ الثّمانية ظاهِرين ، فإنّهم (الإماميّة) من منتصف القرن الثّالث سنَة (255هـ) إلى يوم النّاس هذا ، ليسَ لهُم إمامٌ ظاهرٌ يقومُ بأمر الأمّة ، يأمرُ فيهم بالمَعروف وينهَى عن المُنكر ، وينتصرُ للمظلومين من الظّالمين ، وكذلكَ الحالُ مع الإسماعيليّة ، وعلى قول الزيديّة فإنّه قد حصلَ زمان فترَة فيما بين الأئمّة القائمين ، كذلك الزّمان بينَ قيام الإمَام الحُسين بن عَلي السّبط ، وبين قيام ابن أخيه الإمَام الحسن بن الحسن ، وأيضاً بين قيام الإمَام الحسن بن الحسن والإمَام زيد بن عَلي ، وأيضاً بين قيام الإمام مجدالدّين المؤيّدي حيث قد ثبتَ قيامُه ثمّ تخاذلُ النّاس عنه ، والمتوفّى سنَة (1428هـ) وبين قيام إمامٍ في زماننا هذَا ، فهذه على شرط الزيدية فتراتٌ يسيرَة قصيرَة بين قيام الأئمّة قد لا يتخلّلها إمامٌ قائمٌ داعٍ ظاهرٍ يقود الأمّة بأمرُ بالمَعروف وينهى عن المُنكر ويُقيم الحُدود وينتصرُ للمظلومين ، نعم! فإن كانَ المقصدود من حديث الميتة الجاهليّة هُو أنّه حديثٌ يدلّ على وجود أئمّةٍ ظاهرينَ بالدّعوة داعين إلى الإمامة يجبُ على النّاس طاعتهُم عَيناً فهذا قد دلّت الضّرورة التأريخية على عدمِه وخلوّ الزّمان من مصاديقِه ، وكون أنّ يقول الباحث والنّاظر بهذا المَدلول من ذلك الدّليل فإنّه سيُكلّف النّاس ما لا طاقَة لهُم ، ويحكُم لهم بالميتة الجاهليّة في أزمانٍ خلَت من الأئمّة القائمين بالدّعوة الظّاهرين ، والله قد وسّعَ ذلكَ عليهِم عندما خلَت تلك الأزمَنة فعليّا من أولئك الدّعاة القائمين ، فاستبعدَنا هذا المَدلول (وجود إمام قائمٍ بالدّعوة العادلَة في كلّ زمَان إطلاقاً) من فِقه الحديث المحمديّ .

نعم! وإن كانَ المقصود من قولِ رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- : ((من مات وليس له إمامٌ مات ميتةً جاهليةً)) ، هُو ما قدّمناه حسب الحَال وتوفّر الشّروط في المقدّمة الأولى اتّسقَ ذلكَ واستقَام واطّردَ على كلّ زمَان ولزمَ كلّ مُكلّف ، لأنّ إمَامة القُرآن والسنّة باقيةٌ والعترةُ مُلازمةٌ لها يدلّون عليها لا يفترقونَ عنها إلى ورود الحوض على نبيّنا محمّد -صلوات الله عَليه وعلى آله- ، فمَن لم تُكن له تلكَ المصادر (القرآن والسنّة والعترَة) مصادرُ هدايَة في زمن عدم قيام الأئمّة القائمين من آل محمّد لعدم تحقّق شروط القيام وتفرّق النّاس عنهُم وغمرهِم بالظّلم فأصبحُوا على ذلكَ الحال خائفين غير قادرين على القِيام ،

نعم! فمَن لم تُكن له تلك المصادر في ذلك الزّمن إماماً للهدايَة بها يستنيرُ في اعتقادِه وقولِه وفعلِه ومات على ذلكَ فميتته ميتةٌ جاهليّة ، وإن تحقّق شروط القيام والتفّت الأمّة حول العترَة فقام قائمُهم ، ودعَا إلى الله تعالى رضاً من آل محمّد ، وجبَ على الأمّة إجابَته لأنّه على ذلك الحَال وبشروط الفضل والصّلاح لن يكون على غير هُدى الكتاب والسنّة وإجماعات سلفه من العترَة ، فهو إمام الزّمان القائم وواجبٌ على الأمّة إجابَته ، ومن لَم ُيجبه كانَ له الوَعيد والميتة الجاهليّة ،

نعم! وهُنا وقد فصّلتُ وأصّلت المسألَة في المقدّمتين السّابقَتين ، فآتي للباحث بأقوال أئمّة العترَة تشهدُ لذلك التّأصيل ،

فيقولُ الإمام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين -عليه السلام-، (ت298هـ) ، يشرح حديث جدّه صَلوات الله عليه وعلى آله ، قال : ((إذا كانَ في عَصرِ هذا الإنسان ، إمامٌ قائمٌ زكيٌّ نَقيٌّ ، فَلم يَعرفهُِ ولَم يَنصرهُ ، وتَرَكَهُ وخَذلَهُ وماتَ على ذلك ، ماتَ ميتةً جاهلية ، فإذا لَم يَكُن إمامٌ ظاهِرٌ مَعروفٌ باسمه ، مَفهومٌ بقيامه ، فالإمام الرّسول ، والقرآن ، وأمير المؤمنين -عليه السلام- ، ومِمَّن على سيرته وفي صِفَتِه مِن وَلَدِه ، فَتَجِبُ مَعرِفَةُ مَا ذَكَرنا على جميعِ الأنام ، إذا لَم يُعلَم في ذلكَ العصر إمام ، ويجبُ عليهِم أنْ يَعلمُوا أنَّ هذا الأمر في ولَدِ الرَّسول -صلوات الله عَليه وعلى آله-خاصّاً دُونَ غيرِهم ، وأنّهُ لا يَعدمُ في كُلِّ عَصرٍ حُجّةٌ لله يَظهرُ منهُم ، إمامٌ يأمرُ بالمعروف وينهى عن المُنكر ، فإذا عَلِمَ كُلَّ ما ذَكرنا ، وكانَ الأمرُ عندَهُ كمَا شَرحنا ، ثمّ ماتَ فقد نجا من الميتة الجاهليّة ، وماتَ على الميتةِ المِليّة ، ومَن جَهِلَ ذلكَ ولَم يَقُل به ، ولَم يَعتَقِده ، فَقد خرجَ من الميتة المليّة ، وماتَ على الميتة الجاهلية ، هذا تفسيرُ الحديثِ ومعناه)) [الأحكام في الحلال والحرام] .

ثمَّ علّق الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني الحسني -صلوات الله عَليه وعلى آله- على تفسير الإمام الهادي السابق للحديث المحمديّ ، فقال : (( وهذاَ هُوَ الصّحيح ، دُونَ مَا ظَنُّ بعضُ النّاس ، مِن أنْ يَدُلَّ على أنّهُ لا بُدَّ في كُلِّ زَمانٍ مِن إمامٍ تَلتَزِمُ مَعرِفتُه ، لأنَّ هذا في نهايَة البُعد ، فإن قالَ قائل : أتُجوّزنَ أن تَخلُوَ الأرضُ من الأئمة أَزمنةً كثيرَة ؟ . قيلَ له : إن أردتَ بهذا القول ، أنَّ الأرضَ تَخلو ممّن يَصِحُّ للإمامة ، وسياسَة أمرِ الأمّة مِن أفاضِلِ أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله ، فهذا يَمتنِع منهُ الزيدية ، ولا يُجوّزونَه ، وإن أردتَ بذلِكَ أنّها تخلو ممّن يقومُ بالأمر ويَتولاّه لأسبابٍ عارِضَة ، وأحداثٍ مَانِعَة ، فهذا غيرُ ممُتَنِع)) [الدّعامة] ،

وقالَ الإمام مانكديم المُستظهر بالله أحمد بن الحُسين -صلوات الله عَليه وعلى آله- : ((اعلَم أنَّ مِن مَذهَبِنا أنَّ الزّمان لا يَخلو عَن إمام ، ولَسنا نعني بهِ أنْ لابُدَّ مِن إمامٍ مُتصرِّف ، فالمعلوم أنّهُ ليسْ ، وإنّما المُرادُ به ليسَ يجوزُ خلوّ الزّمانِ ممّن يَصلُح للإمامَة)) [شرح الأصول الخمسَة] .

نعم! وبهذا أتممنا الكَلام على المقدّمة الثّانية من هذا الجواب ونشيرُ وننبّه إلى أمر ، وهُو أنّه على شرط الزيديّة أنّ الزّمان (الفترَات) لا يخلو طويلاً من قيام الإمَام الدّاعي بعدَ الإمَام لمّا كانَت الأمّة بحاجَة إلى ذلك القيام لإحياء معالم الكِتاب والسنّة وقضّ مضاجع الظّلمَة ، ولحاجَة الأمّة إلى أن يُنتصَر لمظلومهِم من ظالمهِم ، ولضيعفهِم من قويّهم ، وحاجتهِم للمُنكر أن يُباَد ، وللمعروف أن يقرّ ويستقرّ ، وللحُدود أن تمضي وتُقام ، فالإمَامة الأولى (الكتاب والسنّة والعترَة المقصتدين العُلماء في الزّمان) تُمهّد للإمامة الثّانية (القيام بأمر الأمّة ونصر داعي الله تعالى) ، فالأوّل عمادُ الثّاني ، ولا يُغني ولا يصرفُ الاتّباع للأوّل دوناً عن الاتّباع للثاني متى وُجِدَ وقامَ ودعا عن الميتة الجاهليّة حسب مُقتضى الحديث المحمدّي وغيره من الأحاديث الدّالة على وجوب مُناصرَة واتّباع إمام الهُدى القائم ، وللمسألة من جانب الجَهل والتأويل لمن لَم يُجب ذلك الإمَام حيثيّات أخرى ليسَ هذا مقامُ تفصيلهَا .

المقدّمة الثّالثة : أنّ إخوتنا من الإماميّة مَن عاصرنَا طرحَهم ، وسبرنَا حُججَهم ، يقولون بأنّه لا مِصداق لهذا الحَديث إلاّ على شرطِهم ، لأنّه يُفيدُ اطّراداً واستغراقاً زمنياً يشملُ كلّ زمان ، وهُم الذين يقولون بالإمَامة في كلّ زمَان ويُعيّنون الإمَام ، ويقولون أنّ إمام زمانهِم هُو المهدي محمد بن الحسَن العسكريّ من اثني عشر قرناً ، يعَني أنّه ابن الحسن العسكريّ هذا ، هُو إمامُ زماننا ، وإمام زمانٍ تاسعٍ جدّ من آبائنا ، بل إمام آبائنَا وسلفنا إلى الإمام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين (ت298هـ)! ، والمعلومُ لكلّ أصوليّ وباحثِ مُنصف أنّ هذا عُذرٌ بارِد ، وقد أنصَفَت الزيديّة العقلَ عندَما لم تأخُذها العاطَفة بالقول بشمول إمَامة القيام كلّ زمَن بلا فترات ، لمّا كانت الضّرورة التأريخية تقضي بخلافِ ذلك ، فأمّا الإمَاميّة فاستَغنت من معرفَة المُكلّفين للإمَام باسمِه فقَط ، دوناً عن الوقوفِ على شخصِه ، والاهتداء بهديِه أمراً بالمَعروف ونهياً عن المُنكر واستنباطاً في الدّين وتوجيهاً للأمّة ، فإن كانَ هذا (المعرفَة بالاسم) مع غيابِه يَكفي لنجاة الأمّة ، فإنّنا نعرفُ أنّ إمامنا هُو رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- مع غيابِه وهذا يجبُ أن يكفي من المعرفَة بالاسم مع غياب عين الشّخص ، أو أنّ إمامنا هُو أمير المُؤمنين عَلي بن أبي طالب -عليه السلام- مع غيابه وهذا يَكفي من المعرفَة بالاسم مع غيابِ الشّخص ، ثمّ إنّ ذلكَ التأصيل الإماميّ بأنّ إمام الزّمان الذي بمعرفته تكون النجّاة من الميتة الجاهليّة وهو ابن الحسن العسكريّ المَهدي ، مبني على ثبوت النّص ، والنّص ساقطٌ كتاباً وسنةّ ، آحادٌ انفردَت به الإماميّة ، ولم تروه الأمّة بما يُفيد العِلم والقَطع ، ثمّ إنّ ذلكَ التّأصيل الإماميّ بأنّ إمام الزّمان الذي بمعرفته تكون النجّاة من الميتة الجاهليّة وهو ابن الحسن العسكريّ المَهدي تُناقِضُه أقوال أئمّة الإماميّة ، فيروي الشّيخ المفيد ، بإسنادِه ، عن محمّد بن علي الحلبي ، قال: قال أبو عبدالله -عليه السلام- : ((مَن ماتَ وليسَ عليه إمامٌ حيّ ظاهرٌ مات ميتة جاهليّة)) [الاختصاص:269] ،

وهذا الخبرُ عن الإمَام الصّادق -عليه السلام- هُو عين ما قرّناه في المقدّمتين الأولى ، وهو معنى شرح الإمَام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين -عليه السلام- ، وهُو يدلّ على أنّ الإماميّة من اثني عشر قرناً بلا إمام ظاهرٍ هُم على الميتَة الجاهليّة التي قد امتحنُوا النّاس بها اليَوم ، وأوضحَ منه على ما قدّمناه ونقلنَا عن أئمّة العترَة الزيديّة ، وهُو يردّ ما ذهبَت إليه الإماميّة من حديث الميتة الجاهليّة ، ما يَرويه الكُليني ، بإسنادِه ، عن محمّد بن مسلم ، قال: سمعتُ أبا جَعفر -عليه السلام- ، يقول: ((كلّ مَنْ دَان الله – عزّ وجلّ – بِعبَادَةٍ يُجهِد فِيها نَفسَه ولا إمَام لَه مِن الله فَسعيُه غَير مَقبول وهُو ضَالّ مُتحيّر ،..، والله يا محمّد ، مَن أصبَح مِن هَذهِ الأمّة لا إمَام لَه مِن الله – عزّ وجلّ – ظَاهرٌ عَادِلٌ أصبحَ ضَالاًّ تَائهَاً . وإنْ مَات عَلى هَذه الحالَة مَات مِيتةَ كُفرٍ ونِفَاق ، واعلَم يَا محمّد، أنّ أئمّة الجور وأتبَاعهم لمعزُولُون عَن دِين الله ، قَد ضَلّوا وأضلّوا)) [أصول الكافي:1/184] ، والمعلوم أنّ الإمامية من اثني عشر قرناً ليسَ لهُم إمامٌ ظاهِر ، وتأمّل صفَة العَدل التي ألحَقها الإمام الصّادق -عليه السلام- بصفَة الظّهور ، يدلّك على أنّ المقصود بالإمامة هُنا هي إمامة القيام والدّعوة إلى الله تعالَى بالأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكَر ، وليسَ هذا في متحققّ من اثني عشر قرناً على شرط الإماميّة في إمامهم الذي عرفوه بالاسم فقَط! ،

نعم! وأقوالُ أخرى لأئمّة الإمامية تثبتُ المعنى الثّاني من معاني الإمامَة وهي إمام القيام بالدّعوة والجَهاد للظّلمَة والانتصار للمظلومين ، وهذا الإثباتُ هو إثباتُ لقول الزيدية في الإمامة في العترة الفاطميّة الحسنيّة والحُسينيّة وأنّها بالدّعوة ، وقد تكلّمنا عن وجود الفترات اليسيرَة ، وهذا يتناقض مع مفهوم الإماميّة للإمامة وقولهم باطرادها وشمولها كلّ زمان ، بل هي تنقضُ إمامَة إمامهم الثّاني عشر الذي غابَ بعد ولادته (إن صحّت) إلى يوم النّاس هذا ، فبقيت الأمُم والقُرون والأجيال والجمَاعات بلا إمامٍ ظاهِر يقومُ فيهم بالحجّة والدّعوة الظّاهرة العادلَة ، وأقوال أئمّة الإماميّة على غير ذلك ، ومنها ، وبهذَا النّقل وما قبلَه عن أئمّة الإماميّة التي تنقضُ على أصلهِم ومدلولهِم من فقه حديث رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- : ((من مات وليس له إمامٌ مات ميتةً جاهليةً)) ، فهم من تلكَ الأخبَار والبُعد عن التأصيل العلميّ الصّحيح يطولُهم وبنالهُم وعيد ذلك الخَبر المحمديّ ، ولسنَا نذكُر ذلكَ إلاّ تنبيهَاً للباحثين ، لا حبّا في إسقاط الوَعيد وتهليكِ الأمّة وزيادَة تفرّقها ، فقد امتحنَت الإماميّة الأمّة بهذا الحَديث يفرحونَ بمعرفتهِم باسمٍ لا قاعدَة تحتَه .

وبهذا المقدّمة الثّالثة تمّ الجواب على سؤال حديث الميتة الجاهليّة ، تبقّى كم المدّة بين الرّسول والرّسول ، فذلكَ في علمِ الله تعالى سنواتٌ تَطول وتقصُر بفتراتٍ لا يُنكرها المُسلمون ، وأقربُها الفترَة بين نبيّنا محمّد صَلوات الله عليه وعلى آله وبين نبيّ الله عيسى صلّى الله عليه فإنّها تقربُ من ستّة قُرون ، وقد لا تكون فترةٌ بين الأنبياء والرّسل كسليمان وداود ، وعيسى وزكريّا ويحيى صَلوات الله عليهم ، وبهذا يتمّ الجواب ، والحمد لله .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

السّؤال الرابع والعشرون  :

– ما الفائدة التي تعود على هذه الأمة عند احتفالكم بعيد الغدير من كل عام؟!.

والجَواب :

أنّ عَدَم ظهُور فائدَة بعض الأفعَال للبَعض لا يَعني عَدم وجودِهَا وظهورِهَا لغيرِهم ، والأمرُ ليسَ فيه ما يُنافي العَقل ولا الدّين بل هُو من المُباحَات ، والحاصِل أنّ إحياء المُسلمين ليوم الغَدير عندَ الزيديّة لا يحملُ مظهراً من مَظاهِر الغُلو أو التنطّع في الدّين ، وإنّما هُو إحياءٌ لوصيّة رسول الله -صَلوات الله عَليه وعلى آله- الدّائمة غير المُنقطعَة المُلزمَة للمُسلمين بمُوالاة أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- في إمامتهِ وديانَتِه ، ففي هذا اليَوم تذكيرٌ للغاَفلين بأمير المُؤمنين الذي قال فيه رسول الله -صَلوات الله عَليه وعلى آله- : ((مَن كُنت مولاه فهذا عليّ مَولاه)) ، و ، ((عليّ منّي بمنزلَة هارون مِن موسَى)) ، وجاءت الأحاديث بأنّ الله ورسولَه يُحبّانه وأنّهم يُحبّهم ، فكان يوم الغدير درساً عِلميّاً وتذكيريّا ووعظيّا للأمّ’ للتجلّى لهم سيرَة ومُعاملات وعقيدَة أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- ليتأسّوا به في فعلِه الذي أحبّه الله تعالى لأجلِه ، فيعودُ ذلك الذّكر والتّعليم والإشهَار على المُسلمين بالقُدوة الصّالحَة التي تنعكسُ على أفعالهِم واعتقاداتهِم فيكونون بمثال أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- مُحتذين ، وكذلك يفعلُ المُؤمنون في المَولد النّبوي من ذِكر رسول الله -صَلوات الله عَليه وعلى آله-  .

فالفائدَة تتعدّى مظاهِر الاحتفَال والفَرح إلى جانب غرس القِيَم والمَبادئ في المُسلمين التي تكادُ تُهجَر وتُنسَى بل قد ابتعَد عنها الكثير للأسَف من المُسلمين .

وفّقكم الله .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد

________________________

السؤال الخامس والعشرون :

قرأت تعليقات الإمامية على تفسير آية الولاية والمباهلة والتطهير وأراها كلها ظنية في حد ذاتها ولا تثبت الإمامة وإنما تحتاج وتفتقر إلى ربطها بأحاديث كحديث الكساء وغيره. والأحاديث لا أجد فيها ما يلزم المخالف يقينا، اللهم إلا حديث الثقلين المتواتر . فما تعليقكم ؟

والجَواب :

أنّ مَن لم يهتدِ بأصل تشريعِ الله تعالى لهُ من حَديث الثّقلين ، فإنّه سيتوهُ بين أقوال المُختلِفين ، وبين أفهَام الرّجال ، وبين فهمِه لنفسِه الذي قد يصيبُ ويُخطئُ ويلتبسُ عَليه ، وإلاّ فنحن نقولُ من لم يهتدِ بتشريع الله ، لا نقولُ بتشريع العترَة لأنهّم القرابَة عنصريّةً وفقَط ، فذلكَ من الله ومن رسولِه -صَلوات الله عليه وعلى آله- الحُكم باقتران الحقّ بالكتاب والعترَة وهذه مُناصحَة ، فمّا ما اشتملَ عليه سُؤال السّائل ممّا قرأه من تعليقَات الإماميّة من تفسير آيَة الوَلايَة والمُباهلَة والتّطهير ، وأنّه ظهرَ له أنّها ظنيّة في ذاتِهَا ولا تُثبتُ الإمامَة وأنّها تحتاجُ إلى ربطِهَا بغيرِها كأحاديث الكسَاء ، فالكلامُ حول آيَة الولايَة فإنّها آيَةٌ مُحكمَةٌ في مؤدّاها ودلالتها على إمامَة أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- بإجمَاع العترَة ، ثمّ مُحكمَةٌ في مؤدّاها ودلالتها على إمامَة أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- بَحديث الولايَة يوم الغَدير المُتواتر القطعيّ فلم تُكن الولاية لغيرِه من الصّحابة بتلك القطعيّة والآية تدلّ على الولايَة ، ثمّ ما كانَ من أدلّة التصدّق بالخاتَم عندَ الرّكوع ، وهذه للمُؤمن الصّادق كافيَة فإنّ حُجج الله تتكامَل ، وحُججه الكِتاب والسنّة وما دلّت عَليه (العترَة) ، هذا قد اختصرتُه للسّائل لمّا رأيتُه نبيهاً فطناً لا يحتاجُ بمزيدِ تطويل في هذه المسألة لجمعِه للأصول وإيمانِه بمدلول حَديث الثّقلين وثقلِه ومكانتِه من التّشريع ،

نعم! وأنّا تمحّل طلب الإحكَام من آيَة الولاية بذكر اسم أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- مثلاً فذلكَ مع تلكَ الدلالات الأخرى (القطعيّة) في نتيجتها من طلب الأعذار ، وإلاّ فإنّ أصل الأمر بالصّلاة في القرآن وتفصيل أسماء الصّلوات وركعاتها من السنّة قطعيّ ، وكذلك الأمرُ بالولايَة من القرآن ظاهِر وتفصيلُه من السنّة قطعيّ ، فأمّا العترَة فلا يشكّون قولاً واحِداً أوّلهم وآخرهُم على أنّ المقصود بآيَة الولاية هُو أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- .

نعم! وآيَة المُباهلَة فضيلَةٌ واختصاصٌ لأهل الكسَاء لا يُقال بظنيّة تلكَ الفضيل وذلكَ الاختصاص لمّا لم تُذكَر الأسمَاء ، ثمّ دلالتها قويّة من تشبيه رسول الله -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- بنفسِه ، ونعتِه للحسنين بالأبنَاء وتخصيصهُم بالخُروج دوناً عن الزّوجَات والأقارب من بني هاشِم ، هذا كلّه دليلٌ على أنّهم خاصّته من أصحابِه وقرابتِه دوناً عن غيرِهم ، فقد خرجَ بأحبّ النّاس إليه يبُاهل ويطلبُ لعنَة الله ، -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- يُريدُ إثبات منقبةً في مثل ذلك الموقِف لغيرِ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- لأخذ أبا بكر مثلاً ، أو عائَشة أمّ المؤمنين ، أو غيرهما ممّن تُنازعُ الأمّة فضل أمير المُؤمنين بفضلِ غيرِه من الصّحابَة ، فالآية قطعيّة في دلالتها على أفضليّة واختصاص أصحاب الكساء الأربعة وقُربهم من رسول الله -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- والأمّة مُجمعَة على أنّه لم يخرُج معه -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- ، إلاّ عليّ وفاطمَة والحسَن والحسين عليهم السّلام .

نعم! وآيَة التّطهير فقَد أفردَنا فيها رسالَة أصلُها مستمدّ من عُلوم سَادات بني الحسَن والحُسين ، نحيلُ السّائل إليها فإنّها قد ناقشَت فِقه هذه الآيَة مُناقشَة مُستفيضَة ، وإجماعُ العترَة قائمٌ على أنّها في أصحاب الكساء الخمسَة ، وكون أنّ السّائل قد أخبرَ أنّه لا يجِد في دلالات الأحاديث ما يُلزم المُخالف إلاّ ما جاء في حديث الثّقلين ، فاعلَم أنّ ذلك الحَديث هُو أصل اللّطف فيما اختلفَ فيه المُختلفُون وهُو الدّال على ما بعدِه مما تجاذبتهُ الأنظَار واختلفَ فيه المُختلفون وطمرَته محابِر أهل الرّواية والحَديث من أحقيّة العترَة وصريح ألفاظ الأحاديث في الدّلالة على الحقّ منها ، فاتّبع ذلك الأصل من لُطف الله تعالى من حديث الثّقلين ولا تقفزُه فيكون معه الزّلل ، فقد أخلصتُ لكَ النّصيحَة ، وإلاّ فإنّ أكثر أهل الجَدل والحُذّاق يعمدون إلى تَصيير القطعيّات إلى الظنيّات بأساليب الجَدل وتطويله وقَدح الشّبهَات ، ويبقَى الأصلُ لامعاً والفطرَة مُرشدةً ودليلَةً على الخَير .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

______________

السؤال السادس والعشرون :

مسائل مهمة حول الإمامة سيدي الكاظم الزيدي:

هناك مسائل وردت للمجموعة : تساؤلات تحتاج الى قراءه فكريه

١ – هل الحسن بن علي عليه السلام إمام ؟

٢ – هل زين العابدين علي بن الحسين سلام الله عليه إمام؟

٣- فإذا كانو أئمه فهل من الضروره الإمام أن يقوم ؟

٤- لماذا لم يقوم الإمام الحسن عليه السلام على يزيد في بداية تولي يزيد مع أن الإمام الحسن عليه السلام إمام بشهادة رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- عندما قال [[الحسن والحسين إمامين قاما ام قعدا ]] .

٥- هل المذهب الزيدي يحصر الأئمه فقط في من قام من أهل البيت؟

٦- هل نحن الزيديه نقول بعدم إمامة من قعد ؟

٧- هل الإمامه محصوره فقط للقائم بالسيف ؟

٨- أم هل الإمامه من بان فضله بشهادة علماء اهل بيت رسول الله بإمامته ؟

٩- هل يوجد إمامين في زمن واحد ؟

١٠ – من إمامنا في هذا الزمان؟

والجَواب :

نأتي عَليه من هذه الأسئلَة كلّ سؤالٍ بجوابٍ مُنفصل ، على أنّ بعض الأسئلَة كان من المُفترض دمجُها ، ففي فصلهَا تكرارٌ لوجه السّؤال ، إلاّ أنّنا نتماشَى مع تلكَ الأسئلَة كمَا أوردَها السّائل ، ثمّ أنبّه البَاحث على أن يربط الإجابَات بعضها ببَعض لتتّضح له الصّورة كاملَة ، وليعلَم أنّني قد أتيتُ بالجَواب مُؤصّلاً من قول العترَة لم ألتفِت فيه إلى غيرهَا ، لأنّنا لا نتّبع إلاّ أصولاً وإجمَاعات فاطميّة هي المَعصومَة من منهَج أهل البيَت -عليه السلام- ، وكذلكَ الكِتاب والسنّة ، وهُو ما قد حاججنَا به الإماميّة والفرقَة السنيّة فصمدَ قولُ العترَة واطّرَد ، وحُقّ له أن يطّرد بتلكَ الأصول والقواِعد المتينَة ، ولا أكتفِي بجوابِي حتّى أُدلّل علَيه بالقَول والقَولين والثّلاثة ولولا حُبّ الاختصَار لكانَ جواباً مفُصّلاً مُنمّقاً مُدعّماً ثمّ لكانَ كِتاباً وليسَ في هذا حسَنةٌ في هذا المَقام ، إذا المقامُ إشارةٌ بما يدلّ ولا يُخلّ إن شَاء الله تعالى ، ولستُ أذكُر هذا إلاّ حاثّاً أخي البَاحث على أن لا يعدوهَ إلى ظُنون بنصّ مُتشابَه لا يصلُح أن يُعارض الواضحَات من أقوال العترَة المحمديّة ، أو فهم لا يصلُح أن يكون مُعارضاً لتصريحَات العترَة الأحمديّة ، وإنّما هُو الدّليل واليَقين ، وإلاّ فالفضلُ قد نالَه أهل الفَضل من سَادات العترَة الأخيَار ، وشيعتهِم الكِرام ،

وهذا أوان الشّروع في الجَواب ، متّكلاً على الله الواِحد المنّان :

كان السّؤال الأوّل : هل الحسن بن علي عليه السلام إمام ؟.

والجَواب :

نعَم ، كانَ الإمَام الحسن بن عَلي -عَليه السلام- إمامٌ بالنّص من رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- ، ((الحسن والحُسين إمَامان قامَا أو قعدَا)) ، فهُو من السّابقين بالخيرَات ، إمَام علمٍ وجِهاد .

كانَ السّؤال الثّاني : هل زين العابدين علي بن الحسين سلام الله عليه إمام؟!.

والجَواب :

أنّ الإمَام السجّاد زين العَابدين عَلي بن الحُسين إمَامُ عِلم ، من المُقتصدين في زمانِه ، لا أنّه إمَامٌ مفترضَة طاعَته إمام دَعوة وجِهَاد ، قالَ الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السلام- : ((إن اللّه افترضَ طَاعَة أربَعَة مِنّا: أميرُ المُؤمنين، والحَسَن، والحُسين عليهم السلام، والإمَام القَائم بالسّيف يَدعُو إلى كِتاب اللّه وسنّة رَسُوله)) [المحيط بالإمامَة] ، والسجّاد -عَليه السلام- خرجَ بذلكَ عن افتراضِ طاعتِه دوناً عن بقيّة علماء آل محمّد المُعاصرين لَه كالإمَام الحسن بن الحسن ، وكزيد بن الحَسن صلوات الله عَليهم ، فأئمّة العِلم ليسَ لهُم طاعَة خاصّةٌ دوناً عن بقيّة علمَاء آل الرّسول لأنّ الجميع في الزّمن الواحِد أئمّة عِلم وإن تفاوتوا في العِلم والفَضل ، وإنَما الإمَام المُفترض الطّاعَة هُو ما أخبرَ عنه الإمَام الأعظَم زيد بن عَلي -عَليه السلام- ، الإمَام الدّاعي المُجاهر بالدّعوة وبنبذ الظّالمين ومُقاتلتهِم ،

نعم! ويوضّحه عن الإمَام زيد بنَ علي -عَليه السلام- قوله في أبيه وأخيه وابن أخيه : ((ثمّ كنا ذريّة رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بعدهما ولد الحسن والحسين، مَافينا إمَام مفترض طاعَته، ووالله ما ادعى عَلي بن الحسين أبي ولا أحد مَنزلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا مَنزلة علي ، ولا كَان من رسول الله فينا ما قال في الحسَن والحسين، غير أنّا ذريّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فهؤلاء [ أي الشيعَة الإمَامية ] يقولون : حَسدتُ أخي وابن أخي !! أأحسد أبي حقاً هو له؟ لبئس الوَلد أنا مِن وَلد ، إني إذاً لكافر إن جَحدته حقاً هُو لَه مِنَ الله، فَوالله مَا ادّعَاها علي بن الحسين ولا ادّعَاها أخي محمد بن علي منذ صحبته حتّى فَارقني .ثمّ قَال: إنّ الإمام منّا أهل البيت ، المَفروض علينا وعليكم وعلى المسلمين ، مَنْ شَهرَ سَيفه ودَعا إلى كتاب ربه وسنّة نبيه ، وجرَى على أحكامه وعرّف بذلك، فَذلك الإمَام الذي لاتسعنا وإياكم جهالته. فأمّا عبدٌ جالسٌ في بيته، مُرخٍ عليه ستره ، مُغلقٌ عليه بابه ، يَجري عليه أحكَام الظالمين ، لايَأمر بمعروف ولاينهى عن مُنكر ، فأنّى يكون ذلك إماماً مفروضة طاعَته؟)) [الحور العين] .

كانَ السّؤال الثّالث :

فإذا كانو أئمة فهل من الضرورة الإمام أن يقوم ؟!.

والجَواب :

أنّ القيام يلزمُ الإمَام ، ونَعني بالإمَام إمَام الدّعوَة والجِهَاد ، فإذا لم يقُم لم يكُن إماماً واجبَةٌ طاعتُه ، لأنّ إمَام العِلم ليسَت طاعتهُ مفترضَةٌ على الأمّة فيمَا أمرُه للإمَام ، وإنّما واجبٌ على الأمّة أن تنتهلَ من علُوم عُلماء أهل البيت غير الدّعاة القائمين وأن يلتفّوا حولَهم فالهدايَة والعِلم الصّحيح عندَهم كما نصّ رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- في حديث الثّقلين والسّفينة وأمثالها ، وسيأتي لهذا مزيد تفصيلٍ وتفريق في الإجابَات القادمَة فيجبُ استصحابُها للّتفريق بين طاعَة الإمَام الحسن قاعداً ، وعَدم طاعَة غيرِه من غير المنصوص عليهم قاعداً.

كانَ السّؤال الرّابع :

لماذا لم يقوم الإمام الحسن عليه السلام على يزيد في بداية تولي يزيد مع أن الامام الحسن عليه السلام إمام بشهادة رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- عندما قال [[الحسن والحسين إمامين قاما ام قعدا ]] .

والجَواب :

أنّ السّؤال غير محرّر ، لمكانَ أنّ الإمَام الحسن -عَليه السلام- قد استُشهِدَ في عهد مُعاوية ، ولعلّ مقصدَ السّائل أحدُ وجهَين: الوجه الأوّل : لماذا قعدَ الإمَام الحسن وصالحَ مُعاوية ، وهُو (الحسن) إمَام ؟!. والوجه الثّاني : لماذا لم يقُم الإمام الحُسين بعد اسشتهاد أخيه الإمام الحسَن -عَليه السلام- على مُعاوية وقعدَ عشر سنوات إلى أن مات مُعاوية وتولّى يزيد ؟!.

والجَواب على الوَجه الأوّل :

أنّ الإمَامين الحسن والحُسين صلوات الله عليهما قد خصّهما الشّارع الحَكيم بالنّص النّبوي في بقَاء حُكم الإمامَة فيهما في حالِ القيام أو القُعود ، فهُما صلوات الله عليهِما مَعروفَان مَعلومَان بالإمَامة من ذلكَ النّص ، فليسَت الدّعوة ابتداءً تدلّ عليهِما ، كمَا هُو الحال فيمَن لم يثبُت فيه نصّ من الذريّة بعد الإمَام الحُسين -عَليه السلام- ، فإنّه لا يُعرَف الإمَام إلاّ بالدّعوة والقيام في الأمّة هذا من جهَة ، ومِنْ جهةٍ أخرَى فإنّ القيامَ من الإمَامين المنصوص عليهِما كانَ فرضاً بتحقّق شَرطين: الأوّل : وجود النّاصر والمُعين . والثّاني : وجود الظّلم وكون أنّ الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر لن يؤدّي إلى مُنكَر أعظَم ممّا الأمّة فيه . فإذا ارتفَع هذان الشّرطَان ، وجبَ القيامُ على المنصوص عَليه ، ولذلكَ قامَ الإمَام علي -عَليه السلام-  عندمَا توفّر له النّاصر والمُعين في وجه القاسطين أهل الشّام ، والنّاكثين أهل الجمَل ، والمَارقين أهل النّهروان . وكذلك بدأ الإمَام الحسن -عَليه السلام- إمامته بتجييش الجُيوش لمُقاتلَة مُعاوية ، وأرسل السّفارات لدعوة القَبائل ، وعيّن الوُلاة ، فلمّا خذله النّاصر فقد شرطَ القيام فالتزمَ القُعود حينها مع بقاء إمامته لمكان النّص المحمّدي ، وهُنا لو تأمّلت لوجدتَ الإمَام الحسن -عَليه السلام- قد قامَ وأعلَن جِهاده في وجه مُعاوية ولم يقعُد إلاّ بعد أن خذله النّاصر والمُعين ، فقعودُه لإلجَاء لا أنّه إيمَان .

والجَواب على الوَجه الثّاني :

أنّ مُعاوية قد شدّد على الإمَام الحُسين -عَليه السلام- بعد سمّ الإمَام الحسن -عَليه السلام- ، فكانَت الشُرَط والعُيون تتبّع بيته وبيوت بني هاشِم ، بل إنّ مُعاوية عندمَا اقتربَت ساعتُه شدّد يُوصي ابنه يزيد في قِتال الإمَام الحُسين إن هُو قامَ عَليه ، فهذا يدلّ على أنّ معاوية كانَ كثير التّشديد على الإمَام الحُسين -عَليه السلام- طيلَة العشر السّنوات ، فلم يستطِع الإمَام الحُسين -عَليه السلام-  أن يقومَ بفرض الدّعوة والقِيام في ظلّ ذلك الحِصَار ، ولكن ما إن ماتَ مُعاوية في سنَة ستّين للهجرَة ووفدَت كُتب أهل الكوفَة وتوفّر النّاصر والمُعين لم يتأخّر الإمَام الحُسين -عَليه السلام- عن فرض القيام طرفَة عَين لإيمانه بحتميّة فرض القيام على الإمَام فقامَ إليهم من فورِه واستشُهد في قلّة من المُؤمنين في كربلاء صلوات الله عليه ، ورضوانُه عليهم ،

نعم! فتأخّر الإمَام الحُسين -عَليه السلام- وقعودُه ليسَ دليلاً على أنّ الإمامة تصحّ للقاعِد مع ارتفاع شرطَي القُعود ، أيضاً فإنّ الإمَام القاعِد من الذريّة لن يُعرَف وهُو قاعِد ، ولن تتحقّق ثمرَة الإمَامة من حفظ بيضَة الإسلام والمُسلمين وهُو قاعد ، وقد قالَ الإمَام الحُسين بن عَلي -عَليه السلام- : ((لَعمرِي مَا الإمَام إلاّ العامل بالكتَاب والآخذ بالقِسط والقَائم بالحَق والحَابس نفسه عَلى ذَات الله)) [مقتل الحُسين لأبي مخنّف] ، ولمسألة القيام والقُعود تفصيلٌ يجده المهتمّ في جواب السّؤال السّادس ،

نعم! قالَ الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزَة -عَليه السلام- : ((الإمَامة لا تصح بالعَقد، وإمامة المنصوص تصح وإن لَم يَقم، فإن دَعا وجبت إجابته، وإن لم يدع حُمِل أمره على أنه عازم على القِيام عند التمكن بخلاف سائر الأئمّة فإنها لا تثبت فيمَن ليس بمنصوص إلا بمُباينة الظالمين، والدّعاء إلى الله سبحانه والتشمير للقيَام بالأمر، فإن لم يفعل ذلك لَم يكن إماماً، ولو فعَل ذلك مَع وجود المنصوص عَليه القاعد لَم تصح إمامته، بل الإمام هو المنصوص ولو لَم يَقُم لعُذر)) [المهذّب] ، ولعمري إنّ هذا كلامٌ مجوّد من الإمَام المنصور بالله عَبدالله بن حمزّة -عَليه السلام- .

كانَ السّؤال الخَامس :

هل المذهب الزيدي يحصر الأئمه فقط في من قام من أهل البيت؟!.

والجَواب :

نعَم ، وذلكَ منطوق الكِتاب وإجماعُ أئمّة العترَة ، وتدلّ عليه آيات الاصطفَاء ، وحديث الثّقلين ، والسّفينَة وأمثالها ، قال الله تعالى : ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)) ، وقال تعالى : ((أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا)) ، وقوله تعالى : ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)) ، وغيرها من الآيات ، وقد فصّل ذلك الإمَام القاسم بن إبراهيم الرّسي في مجموعه ، وكتب الأصول للأئمّة عليهم السّلام وشيعتهم الكِرام ، فليُراجعه المهتمّ فليسَ مثلُ دليل هذا السّؤال من كُتب الزيديّة ما يغبَى أثرُه .

كانَ السّؤال السّادس :

هل نحن الزيديه نقول بعدم إمامة من قعد ؟!.

والجَواب :

أنّ أئمّة العترَة لا يقولون بإمامة القاعدِ نعَم ، قالَ الإمَام باقر علوم الأنبياء محمّد بن علي -عَليه السلام- : ((يَاجَابر لَيس مِنا إمَام مفترضَة طاعته أرخَى عليه سِترَه، والنّاس يُظلمُون خَلف بَابه، إنّما الإمَام المُفترَض طَاعَته مَنْ شَهرَ سَيفه ودَعَا إلى سبيل ربّه)) [المحيط بالإمَامة] ، وقالَ الإمَام موسى بن جَعفر الكَاظم -عَليه السلام- : ((ليسَ مِنا أهل البَيت مُفترَض الطّاعة وهُو جَالس في بيتٍ والنّاس يُختَطَفُون مِن وَراء بَابِه، لا يَدفع عَنهم ظَالِماً ولا يَهديهِم سَبيلاً، إنّما الإمَام مِنّا البَاذلُ نَفسَه، العَالِم بكِتاب اللّه، الدّاعي إلى الحقّ النّاهِي عَن البَاطِل)) [المحيط بالإمامَة] . وقالَ الإمَام الأعظَم زيد بن عَلي -عَليه السلام- : ((إنّ الإمَام منّا أهل البَيت المُفترَض الطّاعَة على المُسلمين ، الذي شهرَ سيفَه ، ودعَا إلى كتابِ ربّه ، وسنّة نبيّه ، وجرَت بذلكَ أحكامُه ، وعُرف بذلك قيامُه ، فذلكَ الذي لا تسَع جهالَتُه ، فأمّا عبدٌ جالسٌ في بيتِه ، مُرخٍ عليه سِترَه ، تَجري عليه أحكامُ الظّلمَة ، لا يأمرُ بمعروف ، ولا يَنهَى عن مُنكَر ، فلن يكونَ ذلكَ إماماً)) [سيرة الإمَام الهادي إلى الحقّ] ، نعم! بقيَ أن ننُبّه على أمر ، وهُو أنّ الإمَام قد يقومُ ويدعُو الأمّة ويُرسل الدّعاة إلى الأمصَار بل ويُجيّشُ الجُيوش كمَا حصلَ معَ الإمَام القاسم بن إبراهيم الرّسي -عَليه السلام- ثمّ لا تتهيّئ لهُ ظروف الجِهاد والقِتال لتخاذُل الأنصَار أو لفسقهِم ، فعندَها قد يتوقّف الإمَام عن مجُاهدَة الظّالمين وتبقَى بيعتُه قائمَة في رقاب المُسلمين بأن يقوموا إلى الإمَام ويُجيبوا دَعوته ، قالَ الإمَام المنصور بالله القاسم بن عَلي العياني -عَليه السلام- يُخاطبُ شيعته في الإمَام الذي يقومُ بالدّعوة ثمّ يقعدُ عنها ، لا أنّ كلامَه يتناولُ القاعِد بدون قيامٍ أوّلي ودعوَة ، فتنبّه : ((أو تقولوا: إنّ الإمَامة لمَن قَعدَ دُون مَن قَام ، فَإذا قلتم ذلك فلا بد من النظر في أمر القاعد لِم قعَد؟ فإن وَجدتموه قد قعدَ بعد الكمَال ، واستقامة الأحوَال ، ومساعدة الثقات من الرجال ، وتسليم ما لله من الأموَال ، فذلك رجل جبان ، والجبَان لا يكون إمَامَاً ، فهذا وجه إذا كان يُطلب له إمَامة القاعد ، وإن كان قعوده لقلة أعوانه ، ولعَجز أهل زمانه ، وهو قائم في كل شأنه ، فهو الإمَام ، وولي المقام ، ((مَن سَمع وَاعيته فلم يُجبه كبّه الله في النار على منخريه)) ، كمَا قال النبي -صلوات الله عَليه وعلى آله-. وإنما مثله عند الله جل اسمه ، ومثل من قام ، مثل رَجُلين لله سبحانه مُطِيعَين ، وفي عِبادته مُجتَهِدَين ، فهُما نهارهما صَائمان ، وليلهما قائمان ، قد اتّسيا في كل شأن ، ثم عَرض لأحدهما مَرض وهَّنه عَن الصّيام ، ومنعه مِن القيام ، فلم يعد يقدر على صَلاته إلا قاعدا ، فأقام في عِلته سنة أو أقل أو أكثر ، وأقام أخوه المُؤمن عَلى رَسمه في الصحّة ، لا يَحزم [يخرم] مِن عَمله شيئا ، أفتقُولون: الصّحيحُ السّليم المُستطيع الذي لم يَزل يصلي قائما ، أفضل من المُمْتحَن الذي لم يحز لنفسه مَا أصابه؟! أم تقولون: هُمَا عند الله سواء؟! فإن قلتم: هُمَا عند الله سَواء نجوتم ، ولزمَكم ألا تفضّلوا قائما عَلى قاعد ، ولا قاعدا عَلى قائم ، وإن قلتم: الصّحيح المستطيع أفضل ، نسبتم الجَور إلى مَنْ مَنعه مِنَ العمَل ، وهُمَا لو كانا على ما وصفنا من الطاعة والعمل ، ثم قبض الله أحدهما وهذا أقطع عَن العَمل جُملة ، ثم أحيا الآخَر بَعدَه سنة أو أقل أو أكثر ، ثمّ قبضه ، لكانا في إجمَاع الأمّة سواء في الثواب عند الله. فهذا الوجه الثالث وهو اعتقادُكم إن شاء الله)) [مجموع كُتب ورسائل الإمام القاسم العَياني] ،

قلتُ: ومثالُ القائم الذي لم يقعُد الإمام زيد بن عَلي -عَليه السلام- ، ومثالُ القَائم الذي قعدَ الإمَام القاسم الرّسي -عَليه السلام- ، فكلاهُما قام بأمر الدّعوة واجتهَد ، إلاّ أنّ أحدَهُما قد اعترضَه أمرٌ عن مُقاتلَة الظّالمين وهُو خذلان النّاصر في بدايَة الدّعوة وهُو الإمام القاسم ، والآخَر قاتَل متمّا قيامَه واستُشهِد ،

نعم! وإمَامة الإمَام مجدالدّين المؤيّدي -عَليه السلام- كانَت نظيرَ دَعوة جدّه الإمَام القاسم الرّسي -عَليه السلام- ، فإنّه في بدايَة أمره بعد الثّورة قامَ ودعا بالإمامَة وبايعَه أهل العِلم ، بل وقد صحّ أنّه -عَليه السلام- أسقطَ طائرَة في قيامِه ، ثمّ قعدَ -عَليه السلام- لمّا ألجأته الظّروف بعدَم توفّر النّاصر .

نعم! بقيَ أمرٌ يجبُ أن يتنبّه له الباحث المُحقّق ولا نفصّله هُنا لخروجه عن وَجه السّؤال نذكُره للفائدَة ، وهُو أنّ قُعود الإمَام بعد قيامه قد فصّل أهل الَعلم حالَهم متى تنتفي عنهم الإمَامة ويجوزُ لغيرِهم القيام بهَا في زمنِ القائم الأوّل من عدمِه وهكذا قد حوتهُ كُتب الأصول فليُراجَع .

نعم! وقالَ الإمَام المنصور بالله عبدالله بن حمزَة -عَليه السلام- مُنكراً على الإماميّة قولَهم بإمامَة القاعد : ((والكَلام عليهم أنَّا نقول لهم: مَا الدليل على مَا ذهبتم إليه من صحّة إمامة القاعد، الّتارك لأفضل الفَرائض وأسنمها وأشرَفها، التي قامت بها الفرائض، وحَييت السنن، وجبي الفيء، وقُهر الظالم، وانتُصِفَ من الأعداء؟ وهِي الجهاد في سبيل الله الذي أوجبه الله على الأئمة خَاصّة وعلى المسلمين عَامّة، فَلن يَجِدوا على قولهم دَليلاً، ولن يَسلُكوا إلى الخلاص سبيلاً، [إلى أن قالَ -عَليه السلام- ] ، فَكيف يَقود الجيوش ويُنفذ الأحكَام ويُقيم الجُمُعة والحُدود مَنْ أغلق الباب وأرخى الستر، ونفذَت عَليه أحكام القوم الظالمين؟ تفكّر إن كُنت مِن المُتفكّرين، مَا أحوَجه إلى إمَام يَرفع عَنه هَذا الأمر ويفكّه مِن هَذا الأسر، ويُطلِقُ يدَه ولسَانه بالنّهي والأمر، ويُزيل عَنه هَذا القَهر، وكيف يَقْرُبُ الناس مِن الطّاعة ويَبعدون عن المعصية مَع عَدم مخافة السّطوة؟ فَلا فرق بينه وبين العَالم المُذَكِّر، بل ربّما يكون العَالم والمُذكِّر الوَاعظ أكثر تمكناً مِن الإمام على الوَجه الذي ذكرَته الإمامية، لأنّ الإمام مُتكتم في بَيته، والتقية بزعمهم تَمنعه عَن إظهار مَا يلزم إظهارَه مِن أمُور دينه، والوَاعظ والمُذكِّر لا مَانع لَه مِنَ الوعظ والتذكير فلا يُعدَم المُتذكِّر والمُنزَجِر فَلو وَجب لذلك إقامَة الإمام لوجبَت إقامَة الواعظ، لأنّ نفعه أكثر وفِعله وزجرَه أظهر، بخِلاف مَا ذكرنا مِنَ القَائم من الذرية الطيبة بالسّيف، فإن الظّالمين يرتعبون منه، ويخافُون صَولته، ويتركون بعضَ المَعاصي مَخافة ظهور يَده وتألفاً لمَن في حَيّهم للتشبّه بمثل حالِه ، [إلى أن قالَ -عَليه السلام- ] ، هَكذا تَكون الإمَامَة عند أهل العِلم بالإمَامَة؟ [إلى أن قالَ -عَليه السلام- ] : فكان الجهاد واجباً، فكيف يُخل به من لا يجب إلاَّ به وهو الإمام؟ ولكنّ الإمامية مَالت إلى الدنيا وعَللت أنفسها بالأمَاني وآثرت الرّفاهية واستغنت باسم التشيع، عَن إلتزام أحكام نصرة القائم من الذرية الزكية، فقامَت للفرقة العباسية مَقام الجنود القويَّة، فنصَروا المفقود قولاً وخذلوا الموجود فعلاً، وقالوا: لو نعلم إماماً لاتبعناكم ولفعلنا وصَنعنا كما قال تعالى حاكياً عن الخاذلين لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم في قولهم ((لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ)) [آل عمران:167]، وفرَّقوا بين الذرية الهادين، كمَا فرقت اليهود بين النبيين، وخَذلوا أتبَاع العترة الطاهرة عن قائمهَا بل كُل قَائم يقوم مِنَ السِّبطين، يَحدب عليه بنو حَسن وحُسين، [إلى أن قال -عَليه السلام- ] ، وَلو شَرحنا كلّ مَا علمنا في هذا الباب لخَرجنا إلى الإسهَاب، وإنما جَعلت الإمامية قولها حُجّة للمتعللين، ووليجة للمُتسللين، وشُبهة للمتأولين، هَدمُوا بها قواعد النّصرة، وقللوا جَمع قائم العترة، فَشركوا قَاتله في دَمه وظلمه وباؤا بإثمهم وإثمِه، كَم بين من يناطح حدَّ السيوف ومَن يباشر بَرد الشّفوف، ومَنْ يَكتنى برهج العنيزة، ومن يَستشعر المسك والعَنبر، ومَن يساور ليوث الصِّدام، ومن يُسامِر حُورَ الخِيام)) [المجموع المَنصوري] ،

نعم! وقالَ الإمَام المنصور بالله عبدالله بن حمزَة -عَليه السلام- في موضعٍ آخَر : ((وإنّما فَعلت الرّافضة ما فَعلت خذلاناً للذرية الطاهرة، وتقويَة للظلمة الفَاجرة، وإن لَم تقصد ذلك فقد كان تَابعاً لاعتقادها مِن تَصحيح إمَامة القَاعد، وبُطلان إمامة القائم المُجَاهد، فعكّسوا القضية، وفرَّقوا بين الذرية، ونَصروا الأمويّة والعباسية)) [المجموع المنصوري] .

كان السّؤال السّابع :

هل الإمامه محصوره فقط للقائم بالسيف ؟!.

والجَواب :

نعَم ، وذلكَ إجماع العترَة ، والقيامُ أو التّعبير بإشهَار السّيف ، قد يُراد به أحَد وُجوه تدلّ على معنى واحِد ، منهَا : إشهَار الدّعوة ، مُجاهدَة الظّالمين ، الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكَر ، وكلّ هذه التّعبيرات تدلّ على القيام بأمر الإمَام ، حقوقاً وواجبَاتاً ، قالَ الإمَام الأعظَم زيد بن عَلي -عَليه السلام- : ((إن قالوا: فَمَنْ أولى الناس بعد الحسين؟ فقولوا: آل محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم، أولادُهما أفضلهم أعلمهم بالدِّين، الدَّاعي إلى كتاب اللّه، الشَّاهر سيفه في سبيل اللّه ، فإن لم يَدْعُ منهم دَاعٍ. فَهم أئمَّة للمُسلمين في أمرِهِم وحَلالهم وحرَامهم، أبرَارُهم وأتقياؤه)) [مجموع كتب ورسائل الإمَام زيد بن عَلي] .

كان السّؤال الثّامن :

أم هل الإمامه من بان فضله بشهادة علماء أهل بيت رسول الله بإمامته ؟!.

والجَواب :

أنّ في جَوابي السّؤالَين السّابقيَن (السّادس والسّابع) ما يَكفي عن الإطالَة هُنا ، ونُضيفُ أنّ أهل البيت ينقسمون إلى ثلاثَة أصنَاف ، من قولِ الله تعالى : ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)) ، فالظّالم لنفسِه هُو الذي يكتسبُ ما يكتسبُه النّاس من المَعاصي ، والمُقتصدُ هو صاحبُ الفَضل والعِلم والعِبادَة إلاّ أنّه لم يقُم بالدّعوة إلى الإمامَة بشروطها ، أو لم يجمَع صفَات الإمامَة . والسّابق بالخيرات: وهُو صاحبُ الفضل من الذريّة القائم الدّاعي إلى الله الشّاهر سيفه المُجاهد في سبيل ربّه المُباين للظّلمَة ، قالَ الإمام المتوكّل على الله أحمد بن سليمان -عَليه السلام- : ((وقوله: ((فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) فإنّه أراد أنه منهم في النسب، وقد ظلم نفسه وأخرجها من الطاعة لربه إذ لم يحل بينه وبين ما أراد الله منه إلا نفسه، وهو العاصي لربِّه المضيِّع لحقِّه. وقَوله: ((وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ)) يريد أن مِنهم مَن لَم يبلغ درجة الإمامة، وهو من حدِّ العالم الذي لم يدّع الإمامة إلى حدِّ المتعلِّمِ المطيع لربِّه، وكل هؤلاء مقتصدٌ عن درجة السّبق، وليس اقتصادهم بسواءٍ، منهم من لم يمنعه من القيام إلا عدم الأنصار، ومنهم من هو دون ذلك. وقوله: ((وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ)) يُريد الإمام الذي دَعا الناس إلى طاعة ربه، وبَاين الظالمين، وعَادى الفَاسقين، فذلك هو السّابق)) [حقائق المَعرفَة] ، قالَ الإمَام المهدي محمّد بن القاسم -عَليه السلام- : ((وَالسّابق بالخَيرات هُو الإمام الشّاهر سيفه في جهَاد أعداء اللّه تعالى)) [الموعظَة الحسنَة] ،

نعم! فالإمامَة لا تكونُ إلاّ بالدّعوة لا بالفضَل والاقتصَاد ، ولا تصحّ الوصيّة من السّابق إلى اللاحق في عقدِ الإمَامة وإيجاب الطّاعَة في الإمامَة ، وإنّما ذلكَ لو حصَل وذُكر في بعض المصنّفات من الإيصَاء فذلك لا يَعني العقد بالإماَمة أو الإيجاب للطّاعَة ، وإنّما هُو إشارَة من الإمَام السّابق بأنّ ذلكَ الموصّى إليه خيرَة الموجودِين في نظرِه ، فإن دعَا إلى الإمامَة بشروطها وواجباتها فُهو المُستحقّ ، وإلاّ فلا تلزمُ طاعَةٌ أو إمامَة .

كانَ السّؤال التّاسع :

هل يوجد إمامين في زمن واحد ؟!.

والجَواب :

الذي عليه أئمّة العترَة أنّه لا يجوزُ قيامُ إمامَين في قُطرٍ واِحدٍ في زمنٍ واحِد ، وللإمَام مَجدالدّين المؤيّدي -عَليه السلام-  في ذلكَ مبحثٌ وجواب رائقٌ يُكتب بماء الذّهب في كِتابه (التّحف شرح الزّلف) ، أيضاً لشَيخنا العلامّة نجمّ آل محمّد عبدالرّحمن شايم -عَليه السلام- في ذلك جوابٌ تضمّنته جواباته على مسَائل الإمامَة ، وغالباً أنّ كُتب الأصول لأئمّة العترَة تناولَت هذه المسألَة ، فليُراجعها المهتمّ .

كانَ السّؤال العاشِر :

من إمامنا في هذا الزمان؟!.

والجَواب :

أنّه لا يوجَد في الزّمان إمَامُ ، وأنّه لن يخلَو الزّمان من صالحٍ للإمامَة من العترَة المحمديّة ، لو قامَت الأمّة بواجب النّصرة والالتفاف حول أهل بيت نبيّها ، وإنّما اليوم هُم أئمّة عِلمٍ وهِدايَة ، وذلكَ أنّه على شرط أئمّة العترَة يجوزُ أن يخلوَ الزّمان القَصير من الإمَام القَائم الدّاعي ، ولكنّه لن يخلو الزّمان من الصّالح أو الصّالحين للقيام لو قدَ التفّت الأمّة حول عُلمَاء العترَة .

فإن قيلَ: فمَا واجبُ التّكليف علينَا في ذلك الوقت؟!.

قُلنا : واجبُ التّكليف هُو عَدم مُوالاة الظّلمَة والرّكون إليهِم ، والتمسّك بالكِتاب والسنّة وقول العترَة والالتفَاف حول عُلماء آل محمّد المُقتصدين ، وتوطين النّفس على إجابَة الدّاعي من آل محمّد يقوم فيدعُو فيُجَاب بلا توانٍ أو تأخّر . قالَ الإمَام النّاطق بالحقّ يحيى بن الحُسين الهَاروني : ((فإن قالَ قائل : أتُجوّزنَ أن تَخلُوَ الأرضُ من الأئمة أَزمنةً كثيرَة ؟ . قيلَ له : إن أردتَ بهذا القول ، أنَّ الأرضَ تَخلو ممّن يَصِحُّ للإمامة ، وسياسَة أمرِ الأمّة مِن أفاضِلِ أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله ، فهذا يَمتنِع منهُ الزيدية ، ولا يُجوّزونَه ، وإن أردتَ بذلِكَ أنّها تخلو ممّن يقومُ بالأمر ويَتولاّه لأسبابٍ عارِضَة ، وأحداثٍ مَانِعَة ، فهذا غيرُ ممُتَنِع)) [كتاب الدّعامة] .

نعم! وبهذا تمّ الجَواب على المسَائل العَشر ، والحمدُلله .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد ….

___________________

* مسائل جانبيّة :

كانَ السّؤال :

هناك سؤال طرأ على بالي من خلال قرأتي لأجوبتكم و هو هل ينفع أن يكون هناك إمامين في زمن واحد أليس من المفترض أن يكون إمام تحت إمرة إمام فمثلا كان الإمام الحسين -عَليه السلام- السلام تحت إمرة أخاه الإمام الحسن -عَليه السلام- السلام … هذا و إذا قسناها بالأنبياء أيضاً كان يوجد نبيين أو أكثر في زمن واحد مثلا النبي يوسف -عَليه السلام- السلام و أبوه يعقوب و الأمثلة كثيره .

والجَواب :

أنّ الإمَامة من معَانيها التصرّف في الأمّة ، والسّمع والطّاعَة من المأموم للإمَام ، فأميرُ المُؤمنين عَلي بن أبي طَالب -عَليه السلام- في زمن رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- مأمومٌ برسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- ، والإمَام الحسن بن عَلي -عَليه السلام- مأمومٌ بأبيه أمير المُؤمنين في زمنِ أمير المُؤمنين -عَليه السلام- ، والإمَام الحُسين بن علي -عَليه السلام- مأمومٌ بأخيه الإمَام الحسن بن عَلي في زمَن الإمَام الحسن بن عَلي -عَليه السلام- ، فلا يصحّ أن يُؤخَذ من هذا تأصيلُ عقيدَة جواز أن يكونَ هُناك إمامان في وقتٍ واِحد بالمَعنى الاصطلاحِي للإمامَة ، إذا لا تصرّف لأمير المُؤمنين -عَليه السلام- في الأمّة ورسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- وهُو حاضِر ، وكذلكَ لا تصرّف للإمام الحسَن في الأمّة وأمير المُؤمنين -عَليه السلام- حاضِر ، وكذلك لا تصرّف للإمَام الحُسين -عَليه السلام- في الأمّة والإمَام الحسن بن عَلي -عَليه السلام- حاضِر .

نعم! ثمّ تفرّع سؤالٌ آخَر لمسألَة قيام الإمامَين في وقتٍ واحِد في قُطرٍ واحِد قياساً على وجود أكثر من نبيّ في وقتٍ واحِد في قُطر واحِد ، وامتنعَ الأئمّة -عَليهم السلام-  على تأصيل ذلكَ بناءً على ذلكَ القياس لمكانَ أنّ الإمَامين في القُطر الواِحد مظنّة حصول الاختلاف بينهما ، والأصل في الإمَأمة العزّة والمنعَة والقيام بحفظ مصالح المُسلمين ، فأمّا الأنبياء في الوقت الواِحد والمكان الواحد فالعصمَة تمنعهُم عن الاختلاف ، والأئمّة غَير مَعصومين بعدَ الإمام الحسين بن عَلي -عَليه السلام- ،

نعم! وجوّز البعض قيامَ إمامين في زمنٍ واِحد واشترطُوا لذلك تباعُد الأقطَار بحيث يَفصلُ بين القُطرين قطرٌ دولَة ظُلم ، فأمّا إذا تقاربَت الأقطَار فإنّه يجبُ على أحدهِما الائتمَام بالآخَر ، وقد كُنت باحثُ سيّدي العلاّمة نجم آل محمّد عبدالرّحمن بن حسين شَايم المؤيّدي -عَليه السلام- في ذلكَ كثيراً حتّى حقّق لي القَول بتوسّع هذه خُلاصَته وإلاّ فلَه تَطويلٌ بَحثي بافتراض الافترَاضات لا يؤثّر على النّتيجَة التي حرّرنا قريباً .

وفّقكم الله .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

كانَ السّؤال :

أحسن اللـه إليـكم سيدي الكاظم الزيدي .. لكن أود أن أطرح نقطة حول السؤال السابع ، وأرجو التوضيح ، عندمـا سُئل السيد العلامة محمد بن عبد العظيم الحوثي حفظه الله بـ ( هل اشهار السيف شرط للامامة؟ ) هذا فيما معنى السؤال .. فأجــاب :- إشهار السيف ليس بشرط بشرط في الامامة ، فجاء بها أصحابنا ( الزيدية ) رداً على الرافضـة ؛ لأنهم قالوا بإمامـة أشخاص لم يجاهدوا .

والجَواب :

أنّنا قد بيّنا في جَواب السّؤال السّابع أنّ إشهار السّيف قد تدلّ على عدّة مَعاني ، قُلنا : ((والقيامُ أو التّعبير بإشهَار السّيف ، قد يُراد به أحَد وُجوه تدلّ على معنى واحِد ، منهَا : إشهَار الدّعوة ، مُجاهدَة الظّالمين ، الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكَر ، وكلّ هذه التّعبيرات تدلّ على القيام بأمر الإمَامة ، حقوقاً وواجبَاتاً)) ،

نعَم ، فأوّل أمر الإمامَة دَعوةٌ لا إمساكٌ بالسّيف وخُروج ، وحقيقةُ الدّعوة أن يُعلنَ الفَاطميّ دَعوةً جامعةً يُرسل من خلالها الكُتب ويطلبُ البيعَات ، ويدعُو النّاصر والمُعين ، لأجل القيام في وجه الظّلم بإشهَار السّيف في وجوه الظّالمين ، وهُنا تجبُ الطّاعَة لكلّ مَنْ قرعَت مسامعَه دَعوة الإمَام ، فإذا تحصّل النّاصر والمُعين وجبَ على الإمَام عدم التّواني والخُروج لمُجاهدَة أهل الظّلم ، وإن لم يتحصّل النّاصر والمُعين بعدَ إعلان الدّعوة وإظهَار العَزم على مُباينَة الظّلمَة وإشهَار السّيف ، فإنّه يكونُ في حلّ عن الخُروج بالسّيف وتبقَى إمامتُه ودَعوتُه يُجدّد طلبَ النّاس مَعها واستهمامَهم الخُروج مَعه لا يفتُر عن ذلك ،

نعم! ثمّ للمسألَة بعد ذلك تفصيلٌ لا يهمّ إيراده هُنا أصلُه مسألَة الأنهضيّة بقيامٍ داعٍ آخَر أكثر أنهضيّة من الأوّل وأكثر قَبولاً عندَ الأمّة فتُجابُ دَعوته ، ما يكونُ حال الدّاعي الأوّل بعد عدَم قيام النّاصر والمُعين مَعه ،

نعم! وقد ذكرتُ لكَ في جواب السّؤال السّادس تفصيل إمامَة الإمَام القاسم بن إبراهيم الرّسي -عَليه السلام- فهُو قريبٌ من هذا ،

نعم! وبهذا تمّ الجَوب على السّؤال ، لا أنّ مقصد السيّد العلاّمة محمد عبدالعظيم أنّ الدّعوة كافيَة في الإمَامَة ثمّ لا يحصُل معها دعوةٌ للنّاس إلى جهادَ الظّلمة ومُقاتلتهِم ، بل مقصدُه أنّ بدايَة الأمر لا يكونُ إلاّ بالدّعوة ، وأنّ إشهَار السّيف في مُقابلَة القُعود الذي ادّعته الإماميّة في أئمّتها عن مُباينَة الظّلمَة ، وتحريرُ ذلكَ المقصد بإرجاع فرع كلام السيّد العلاّمة محمد عبدالعظيم إلى أصول العترَة ، وعندِي أنّه لو سُئلَ أجابَ بذلك ، والله أعلَم .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

كانَ السّؤال :

سيدي إن لم يوجد ما يوجب أشهار السيف وصلح الحاكم فكيف يعرف الإمام ؟!.

والجَواب :

أنّ الأصلَ في الإمَامَة أنّها وسيلةٌ لا غايَة ، وسيلةٌ إلى إقامَة حُكم الكِتاب والسنّة وإحلال العَدل وحفظِ الحُقوق وحمايَة الثّغور ، فإذا كانَ الحاكِمُ من غير أهل البيت عادلاً فلا يكونُ الخُروج عَليه لمكانَ سقوط فرض الخُروج لفقدَان شرطِه ، وهُو أنّ الخُروج سيؤدّي إلى مُنكر أعظَم ممّا الإسلامُ والمُسلمون فِيه ، والمُنكَر هُو تولّي الأمر (الحُكم) غير أهلِه ، والأنكَر هُو إراقَة الدّماء ومصالحُ المُسلمين والعدالَة حَاضرَة غير غائبَة ، فلزمَ عندَها الصّبر على الحقّ الخاصّ في الحُكم لأجل المصلحَة العامّة ، تماماً كمَا تصرّف أمير المُؤمنين -عَليه السلام- في عهد أبي بكر وعُمر وأوّل ستّ سنوات من حُكم عُثمان ، لمّا كان حُكم الشّيخين إلى العَدل أقرَب ، فقالَ -عَليه السلام- : ((لأسلِمّن مَا سلمَت أمور المُسلمين)) ،

نعم! ويكونُ ذلك القائمُ بالحُكم من غير أهل البيت حاكماً لا إماماً شرعيّاً ، ويكونُ واجبُ الأمّة هُو الالتفافُ حول أهل بيتِ نبيّهم في هديهِم وعلمهِم وسَمْتهِم ، فالإمَام كِتاب الله تعالى ، وسنّة نبيّه ، واعتقادُ العترَة ، ثمّ التزام جماعَة المُقتصدين من عُلمَاء أهل بَيت نبيّهم ، وأن يعلمُوا أنّ هذا الأمر في أهل بيتِ نبيّهم دونَ غيرِهم ، تماماً كزمَن عدَم قيام الإمَام في زمَن الظّلم ، والله أعلَم .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

كان السّؤال :

سيدي الكريم فهمت مما ذكرتم فيما سبق أنه لم يقم بأمر الدعوة والإمامة من بعد الحسين السبط إلا الإمام الأعظم زيد بن علي مع أنه قد عد غير واحد الإمام الحسن بن الحسن إمام دعوة وهو قبل الإمام زيد فكيف تفسرون ذلك .

والجَواب :

أنّها قد صحّت دَعوة الإمَام الرّضا الحسن بن الحسَن بن عَلي بن أبي طَالب -عَليه السلام- ، وذلكَ لمّا جاءته بيعَات عبدالرحمن بن محمد الأشعث الكِندي ومَن مَعه فتمنّع -عَليه السلام- أوّلاً ، ثمّ قالَ : ((مَالِي رَغْبَةٌ عَن القِيام بِأمْرِ الله، ولا زُهدٌ في إحيَاء دِين الله ، ولَكن لا وَفَاءَ لَكُم، تُبَايُعونَنِي ثُمّ تَخْذُلُونَنِ)) ، فأكّدوا له بالأيمَان والمواثيق على نُصرته وذلكَ في عهد عبدالملك بن مَروان الأمويّ ، فتجهّز الإمام الحسن للخُروج إلى الكُوفَة ، إلاّ أنّ عبدالملك بن مروان عاجَل جيشَ ابن الأشعَث في معركَة دير الجَماجم ، فُهزم ابن الأشعَث ومَنْ معه من الفُقهاء ، والإمَام الحسن لا زالَ في طريقِه إليهِم ، عندَها طُورد الإمَام الحسَن -عَليه السلام- ومات مسموماً ،

نعم! فأمّا ذكرُ بعض أو أكثَر أصحابنا أنّ الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السلام- هُو أوّل مَنْ قام ودعَأ بعد الإمَام الحسين السّبط -عَليه السلام- ، فأصلُ ذلك يعودُ لمّا كانَت ثورَة الإمَام الأعظَم زيد بن عَلي -عَليه السلام- أشهَرُ من دَعوة عمّه الإمَام الحسن بن الحسَن تأريخيّاً ، ثمّ لمّا كانت ثورةً مُسلّحة بمُواجهَة قامَ بها الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السلام- شابهَت ثورَة كَربلاء ، ثمّ لمّا كانَ قد تخلّلها ودعَوة الإمَام الحسن ما يُقارب الأربعين سنَة ، حيث أنّ معركَة دير الجماجم كانَت سنَة (82هـ) ، أو ، (83هـ) ، واستشهَاد الإمام زيد بن عَلي -عَليه السلام- سنَة (122هـ) ، ثمّ أيضاً منَ العوامل التي قد تجَعلنا نقول أنّه أوّل من قام ودَعا الرمزيّة التي ارتضاها أهل البيت -عَليه السلام- بالانتسَاب إلى الإمَام زيد بن عَلي شرفاً واعتزاءً وافتخاراً ،

نعم! وعامَل آخَر وهُو أنّ بعض المُؤرّخين لم يُؤرّخ سيرَة الإمَام الحسن بن الحسن ودَعوته فقد يجوزُ أنّ البعض لم يقِف على دَعوتِه ، ولكن عندَ التّحقيق وهُو ما ظهَر لي فإنّ أوّل دَعوة بعدَ الإمَام الحُسين السّبط كانَت دعوَة الإمَام الحسن بن الحسن ، ثمّ دَعوة الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السلام- ، ثمّ دَعوة الإمام يحيى بن زَيد -عَليه السلام- ، ولا بأسَ لو قالَ أحدهُم أنّ أوّل مَن قامَ بعد الإمَأم الحُسين السّبط هُو حفيدُه الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السلام- باعتبَار الثّورة المسلّحة ، بمعنَى مُقارنَة الدّعوتين الحسينيّة والزيديّة ببعضها بظروف الخُروخ ، لا أنّ المَعنى أنّ الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السلام- ، هُو أوّل مَن دَعا مُطلقاً بعد الإمَام الحُسين -عَليه السلام- ، فتنبّه .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

كانَ السّؤال :

كيف عد حجة عصرنا مولانا مجدالدين الامام زين العابدين إماما من بين الأئمة الذين دعوا باعتبار أن الهادي عليه السلام ذكره باعتباره أول الأخيار والأئمة من بعده والمعروف أن زين العابدين لم يشهر سيفه أو يدعو؟!.

والجَواب :

أنّه لم يظَهر لي أنّ الإمَام مجدالدّين المؤيّدي -عَليه السلام- قد عدّ الإمَام زين العَابدين -عَليه السلام- إمامَ دَعوة كاختيارٍ وتأصيل ، وإنّما هُو حكَى قولاً للإمَام الهادي إلى الحقّ -عَليه السلام- وأخبرَ أنّه يظهَر من هذا القَول أنّ الإمَام زين العَابدين -عَليه السلام- من دُعاة الأئمّة ، وها أنَا أنُقل تَمام قول الإمام المؤيّدي -عَليه السلام- ، قال : ((وفِي كَلام الإمام الهادي إلى الحق ، المَروي في (شرح الأساس) مَا يَدل على أنّ سَيّد العَابدين علي بن الحسين صلوات الله عليهم مِن دُعَاة الأئمّة ، حَيث قال : الأخيَار مِن ذريّة الحَسن والحسين أوّلهم عَلي بن الحُسين ، وآخرُهم المهدي ، ثمّ الأئمّة فيمَا بَينهُما . وذلك أنّ تَثبيت الإمَامَة عندَ أهل الحَقّ فِي هؤلاء الأئمة من الله عز وجل على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فمَن ثَبت الله فيه الإمامة واختاره واصطفاه ، وبين فِيه صفات الإمام ، فَهُو الإمَام عندهم ، مُستوجِبٌ للإمَامة ، لقول النّبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((مَنْ أمرَ بالمَعروف ، ونَهى عَن المُنكَر مِن ذريّتي ، فَهُو خَليفَة الله في أرضِه ، وخَليفَة كِتابه ، وخَليفة رسوله)) ..إلى آخره)) [التحف شرح الزّلف] .

نعم! ونقفُ مع هذا القَول للإمَام مجدالدّين المؤيّدي -عَليه السلام- ، وما نقلَه عن الإمَام الهَادي إلى الحقّ -عَليه السلام- ، عدّة وقفات يترتّب بعضها على بَعض .

الوقفَة الأولَى : أنّ الإمَام مجدالدّين لم يختَر أو يُؤصّل إمامَة زين العَابدين -عَليه السلام- ، وإنّما أخبرَ أنّ ذلكَ مَدلول كلام الإمَام الهادي إلى الحقّ -عَليه السلام- ، وذلكَ من قول الإمَام المؤيّدي -عَليه السلام- : ((وفِي كَلام الإمام الهادي إلى الحق ، المَروي في (شرح الأساس) مَا يَدل على أنّ سَيّد العَابدين علي بن الحسين صلوات الله عليهم مِن دُعَاة الأئمّة)) .

الوقفَة الثّانية : أنّ الكَلامَ هُنا في نصّ الإمَام الهادي إلى الحقّ -عَليه السلام- هَل هُو دلالَةٌ على إمامَة السجّاد -عَليه السلام- كإمامَ دعوة وقيام ، والظّاهر لِي أنّه لا يدلّ عَليه ، أقلّه الدّلالة الواضحَة ، وإن كانَ مُحتملاً ، وذلكَ لتظافُر وتواتُر الأخباَر في عَدم ادّعاء الإمَام زين العابدين -عَليه السلام- للإمامَة ، وعدم تصدّيه للدَعوة والقِيام ، أيضاً الإمَام الهادي إلى الحقّ -عَليه السلام- لم يُصرّح بإمامة السجّاد ، فقد يكونُ وهُو الظّاهر عندي أنّ المُراد حصر المُستحقّين للإمامة من الذريّة الحسنيّة والحسينيّة بأنّ أوّلهم عَلي بن الحُسين ، لمّا كانَ السجّاد أكبر ذريّة الحسن والحُسين -عَليهم السلام- ، وقد حقّقت جواب هذا النّص عن الإمَام الهادي في مبحث (الشّبه الورديّة حولَ الزيديّة) ، كردّ على الإماميّة في هذه الشّبهَة فليُراجعه المهتمّ ،

نعم! فذلك من جَهة وهُو أنّ المُراد من قول الإمَام الهادي هُو لحصر الاستحقاق لو قامُوا بالأمر والدّعوة فإنّهم مُستحقّون ، لا أنّه تثبيتٌ بدون استحقَاق ،

نعم! ويدلّ عَليه من كلام الإمَام الهادي -عَليه السلام- ، قولُه في موضعٍ آخَر : ((ثمّ قال سبحانه: ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)) ، فَورثة الكِتاب: محمّد، وعَلي، والحَسن، والحُسين، ومَنْ أولدُوه مِنَ الأخيَار. ثمّ قَال في وَلدهم: ((فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) ، فَفيهم إذ كَانوا بَشراً مَا في النّاس)) [مجموع كتب ورسائل الإمَام الهادي إلى الحقّ] ، فالكلامُ كانَ لغرض ذكر الذريّة بعُموم ، لا أنّه تثبيتُ للإمَامة والدّعوة لمجرّد الذّكر ، يؤّيده قولُه -عَليه السلام- : ((فمَن كَان كذَلك مِن ذُريّة الحَسن والحُسين فَهُو الإمام المُفترَضَة طَاعته، الوَاجبة على الأمّة نُصرته، مثل مَن قامَ مِن ذريّتهما من الأئمة الطّاهرين، الصّابرين لله المحتسبين، مثل زيد بن علي بن الحسين بن عَلي بن أبي طَالب رضي الله عَنه إمام المُتقين، والقَائم بحجّة ربّ العَالمين، ومثل ابنه يَحيى المحتذي بفعلِه، ومثل محمّد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب)) [مجموع كتب ورسائل الإمَام الهادي إلى الحقّ] ، وهُنا كمَا ترى لم يذكُر الإمَام الهادي الإمامَ السجّاد -عَليه السلام-  من الأئمّة الدّعاة ، فهُو -عَليه السلام- من أئمّة العِلْم وذلك شرفٌ عَظيم ، ويَكفيه صلوات الله َعليه وعلى آله أنّه سيّد العابدين وسيّدهم يقومُ يومَ المحشر يُدعى بهذا اللّقب كمَا جاءت الأخبَار ، نفعنَا الله ببركتِه وجعلَنا من أصحابِه وأتباعِه ، فليس المقام مقام مُفاضلَة ، وإنّما تَحقيق وتَبيين للأئمّة الدّعاة من أئمّة العِلم من العترَة الأخيَار ، فظهرَ لكَ إن شَاء الله أخي السّائل من هذه النّصوص مقصدَ الإمَام الهادي -عَليه السلام- من إطلاقِه أو من مُتشابَه كلامِه الأوّل .

الوقفَة الثّالثة : أنّ العلاّمة أحمد بن محمّد الشّرفي -عَليه السلام- ، قد حكى عن الدّيلمي في (قواعد أهل البَيت) ، أنّ الإمام زين العَابدين -عَليه السلام- لَم يدعُ إلى نفسِه بالإمامَة ، وأنّ هذا قولُ فرقِة الزيديّة ، وأنّه لم يصحّ عنه الدّعوَة [شرح الأساس الكَبير:1/144] .

نعم! وفي الخبر الذي رواه الحافظ علي بن الحُسين الزّيدي ، بإسنادِه ، حَدّثنا أبو خالد عمرو بن خَالد ، قال: دَخلَ نَفرٌ مِن الرَّافِضَة عَلى زَيد بن علي عليه السلام فَعدُّوا لَه الأئمَّة حَتى بَلغُوا إلى عَليّ بن الحُسين عَليه السلام، فقالَ لَهُم: كَذبتُم عَلى أبي ، والله مَا قَال أبي فِي نَفسِه قَطّ)) [المحيط بالإمامَة] ، وإن كانَ الكلامُ هُنا يحتملُ الإمامَة النصيّة وهُو الظّاهر .

الوقفَة الرّابعة : أنّ مَنْ أرّخ من أئمّة العترَة وشيعتهِم لم يذكُر الإمَام السجّاد -عَليه السلام- من الأئمّة الدّعاة لعَدم قيامِه بالدّعوة ، وذلك ظاهرٌ لو راجَعت كتاب الإفاَدة ، وكِتاب المَصابيح ، ومقدّمة كتاب سيرة الإمَام الهادي إلى الحقّ ، وكِتاب الشّافي ، والحدائق الورديّة ، فلَم نقف على شاهد إمامَة الدّعوة فيما وقفنَا عَليه .

نعم! وخُلاصَته أنّ الإمَام السجّاد -عَليه السلام- من أئمّة العِلم ، لعَدم قيامِه ودَعوته ، وتلكَ هي عقيدَة الإمَام السجّاد في أنّ الإمَام المستحقّ هُو القائمُ بالدعّوة الخارجُ بالسّيف المُنابذ للظّلمَة ، فيروي الحاكم الحسكاني الحنفي ، بإسنادِه ، عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين ، قَال : إنّي لَجَالِس عِندَهُ ، إذ جَاءَه رَجُلان مِن أهل العِراق ، فقالا : يا ابن رسول الله جئناكَ كَي تُخبِرَنَا عَن آياتٍ مِنَ القرآن . فَقَال : وَ مَا هِيَ ؟ قَالا : قول الله تعالى : ((ثمّ أورَثنا الكتاب الذين اصطَفينا)) فَقال -عَليه السلام- : يَا [و] أهلَ العِراق أيش يقولون ؟ قَالا : يقولون : إنّها نَزَلَت في أمّة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فَقال : علي بن الحسين : أمّة محمّد كلّهم إذا في الجنة ! ! قّال : فَقلتُ مِنْ بَين القَوم : يَا ابن رسول الله فِيمَن نَزَلَت ؟ فَقَال : نَزَلت و الله فِينَا أهل البَيت ثَلاث مَرّات . قُلتُ : أخبِرنَا مَنْ فِيكُم الظّالِمُ لِنَفسِه ؟ قَال : الذي استوَت حَسَنَاتُه و سَيئاتُه و هو في الجنّة ، فَقلتُ : و المُقتصد ؟ قال : العابِد لله في بيته حتى يأتيه اليَقين ، فَقلت : السّابق بالخيرَات ؟ قَال : مَنْ شَهَرَ سَيفَه وَ دَعَا إلى سَبيلِ ربّه)) [شواهد التّنزيل:2/156] .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

كانَ السّؤال :

ماذا تقول في الإمام المغمور ياسيدي الكاظم الزيدي ؟.

والجَواب :

أنّ الخائف المَغمور يحملُ أحَد وجَهين :

الوجهُ الأوّل : هُو الإمَام الذي قامَ ودَعا ، فكانَت دعوتُه للنّاس معلومَة ، ثمّ خذلَه الأصحَاب ، فلجأ إلى القُعود بعدَ الدّعوة ، مُحمّلاً بهمّة القِيام من وقتٍ لآخَر يدعُو النّاس لمُناصَرتِه ، فإنّه على ذلكَ الحَال إمامٌ مَغمورٌ غطّاه الظّلم ، كالإمَام القاسم بن إبراهيم الرّسي -عَليه السلام- قامَ ودعَأ وبايعَه أهل الحلّ والعقد وجيّش الجيوش حتّى ظهرَ له تخاذُل الأصحَاب عن القيام بفرضِ الجِهَاد ، فقعدَ -عَليه السلام- محمّلاً بعزيمَة القيام لَو قد توفّر له النّاصر والمُعين ، ثمّ لهذا تفصيلٌ ذكرنَاه في معرض جوابِنا الأوّل من جهَة المكوث الطّويل أو قيامُ مَنْ هُو أنهضُ من الأمّة بدعوة أخرَى يُقبلُ عليه النّاس ويُحسن سياسَتهم وتوجيهَهُم ، وهذا المقصودُ به واِحد ، وهُو الدّاعي .

الوَجه الثّاني : كمَا قرّرته أئمّة العترَة الإمَام القاسم بن محمّد وغيره من الأئمّة أنّ الزّمان لا يُمكن أن يخلو من مُجتهدٍ من أهل العِلم من سَادات العترَة حجّةٌ على النّاس يُبيّن لهُم منهاجَ الكِتاب والسنّة ، فإنّ الأرض لا تخلو ممّن يقومُ بالحجّة ، فالزّمان قد يكونُ فيه حُججٌ كثيرَة من أهل العِلم المُجتهدين كزمننَا هذا ، وقد لا يكونُ فيه في بعض الأعصَار إلاّ مُجتهدٌ واحِد ، ثمّ لن يخلو الزّمان من صالحٍ لقيادَة أمر الأمّة من أهل العِلم المُجتهدين ، وإن لم يقوموا ويَدعوا لسبب الظّلم الي غطّاهم ومنعهم من الدّعوة ، فهُم حُجج مغمورَة ، وهُنا ليسَ الحجّة واحِد إلاّ إذا ثبتَ أنّه لا يوجَد في الزّمان إلاّ مُجتهدٌ واحِد ، فإذا كانوا عُلماء كُثر مُجتهدون فهُم جميعاً حُججٌ مغمورَة يلتفّ عليهم النّاس ، يأمرون بالمَعروف وينهون عن المُنكَر جهَدهم وطاقتهم باللّسان والقَلب دوناً عن الجِهاد بالسّيف والقيام ، ثمّ الأصل على مذهب العترَة أنّه لن يخلو الزّمان الطّويل كمَا أخبر الإمَام النّاطق بالحقّ أن أن يقوم واحدٌ من هذه الحُجج المغمورَة بالإمامَة العُظمَى يدعو النّاس إلى جِهاد الظّلمَة والطّغاة وإحلال العَدل وإحياء الكِتاب والسنّة ، يتّسق له الأمر ، أو يُستشهدُ دونَه ، فزين العابدين ، والباقر ، وزيد بن الحسَن ، وعبدالله بن الحسَن ، أئمّة عِلم حُجج مغمورَة على أهل زمانِهم ليس تجبُ لأحدهِم على الآخَر طاعَةٌ خاصّة ، وإنّما حجّيتهم في نشر الدّين وتبيين أحكَام الكِتاب والسنّة والأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر قدر المُستطَاع وإن لم يقوموا ويُشهروا السّيف . ثمّ لمّا خرجَ الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السلام- كانَ هُو الحجّة الظّاهر المشهور بدعوتِه أعلنَها واجتمعَ عليها النّاس فأصبحَ هُنا وجوب الطّاعَة له لمكان الدّعوة بالإمَامة وأنّ من تأخّر عن دعَوة الداعية الواعية من أهل البيت أكبّه الله على منخريه في نار جهنّم ، فأصبحَ واجباً طاعتُه من أهل العِلم وغيرهِم ممّن بلغته دعوتُه .

نُصوص الأئمّة -عَليهم السلام- :

1- قالَ الإمَام الحسين بن القَاسم العياني -عَليه السلام- :

((فَإن قيل: وما الظاهر الجلي، ومَا المَغمور الخَفي؟ قِيل – ولا قوة إلا بالله -: أمّا الظّاهر فالسّابق المُنذر لجَميع الخلائق، وأمّا الخَفي فالمُقتصد المُحتج لله عَلى جَميع العِباد، الآمرُ بالمَعروف والنّاهي عَن الفسَاد، بِغَير قِيام ولا جِهَاد)) [مجموع السيّد حميدان] .

تعليق : وهُنا تأمّل كلامَ الإمَام -عَليه السلام- ، تجدهُ يقول : (( أمّا الظّاهر فالسّابق المُنذر لجَميع الخلائق)) ، فهذا كالإمَام زيد بن عَلي -عَليه السلام- ، وكالإمَام القاسم بن إبراهيم -عَليه السلام- في أوّل قيامه ودَعوته واشتهارها قبل قعُوده لفقدَان النّاصر ، ثمّ تجدهُ -عَليه السلام- يَقول : ((وأمّا الخَفي فالمُقتصد المُحتج لله عَلى جَميع العِباد، الآمرُ بالمَعروف والنّاهي عَن الفسَاد، بِغَير قِيام ولا جِهَاد)) ، فقَد يظهَر للنّاظر أنّ الإمَام الحُسين بن القاسم -عَليه السلام- يخصّ مُقتصداً واحِداً في الزّمان ، وهذا وَهمْ ، وهُو إنّما ذكرَ ذلكَ من باب الأقلّ ، إذا الأقلّ أنّ الزّمان لن يخلو ولَو من مُجتهدٍ واحِدٍ من أهل العِلْم يقومون بالحجّة في تبصير النّاس أمر دينهِم وإن لم يدعُو بالإمامَة العُظمَى ويُشهروا سيوفَهم بالجهَاد ، وإلاّ فإنّ الزّمان يجوزُ أن يكون فيه أكثَر من مُقتصد مُجتهِد من أهل العِلم ، يدلّ عَليه أنّه جعلَ الحجّة المغمورَة هي ((المُقتصد)) ، والمُقتصد بإجمَاع أئمّة العترَة دونَ الإمَام الأعظَم القائم بالدّعوة السّابق بالخيرات ، وذلكَ من قولِه تعالى : ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ)) ،

نعم! ثمّ قَدْ حدّ الإمَأم المتوكّل على الله أحمَد بن سُليمان -عَليه السلام- المُقتصدَ في الآيَة فقَال : ((وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ)) يريد أن منهم من لم يبلغ درجة الإمامة، وهو من حدِّ العالم الذي لم يدّع الإمامة إلى حدِّ المتعلِّمِ المطيع لربِّه، وكل هؤلاء مقتصدٌ عن درجة السّبق، وليس اقتصادهم بسواءٍ، منهم من لم يمنعه من القيام إلا عدم الأنصار، ومنهم من هو دون ذلك)) [حقائق المَعرفَة] ،

نعم! فظهرَ لكَ أنّ كلامَ الإمَأم الحُسين بن القَاسم العياني -عَليه السلام- لا يَعني أنّه يوجدَ مُقتصدٌ مُجتهدٌ من أهل العِلم غير القائمين بالدّعوة والإمامَة حجّةٌ على مقتصدٍ مُجتهدٍ آخَر في الزّمان الواحِد .

2- قالَ الإمَام المنصور بالله عَبدالله بن حمزَة -عَليه السلام- : ((وفسر المرتضى الحديث المروي عن النبي ً: ((لا تخل الأرض من حجة إما ظاهراً مشهوراً، وإما باطناً مغموراً))، فذكَر أنّ الظّاهر المَشهور الإمام الشّاهر سيفه، النّاصب لرَايته. والبَاطن المغمور: هُو الصّالح لذلكَ مِنَ العِترَة، وإن مَنَعه مِنَ الانتصَاب خِلافُ الأمّة)) [المجموع المَنصوري] .

تعليق : فتأمّل تعبيرَه من نقلِه في المَغمور ، بأنّه الصّالح من العترَة ، والمَعلوم أنّ الزّمان قد يكون في صالحُون عدّة للقيام والانتصَاب بأمر الإمَامة العُظمَى ، لم يمنعُهم من القيام إلاّ حالُ الأمّة وتشتّتهم عن أهل بيتِ نبيّهم .

3- نقل السيّد العلاّمة نجم آل محمّد عبدالرّحمن شايم المؤيّدي -عَليه السلام- : ((وُسئل [أي الإمَام المؤيّدي بالله أحمَد بن الحسين الهاروني -عَليه السلام- ] عَن مَعنى قول أمير المُؤمنين صلوات الله عليه في حديث كُميل بن زياد: ((اللهمّ بلَى لا تَخلو الأرض من قَائم لله بحجّة إمّا ظَاهراً مَكشوفاً أو خافياً مَغموراً)) ؟

فقال قدّس الله روحه: إنّه ليس المُراد الأئمّة وإنّما المُراد به العُلمَاء المُستقلون بِعلم الشّرع وذلك صَحيح لأنّ الله تعالى مَا أبقى التّكليف الشّرعي فَلا تخلو الأرض ممّن يَستقل بعُلوم الشّرع ، وقوله: ( إما ظاهراً وإما مغموراً ) فالمراد به إما أن يكون ظاهرا لا يخفى حاله على جل الناس يشار إليه بحيث لا يلتبس على الناس أمره وإما أن يكون في عرض الناس ومغمورا بينهم ولا يظهر حاله كل الظهور وان كان يمكن لطالب النجاة ومرتاد الحق أن يجد السبيل إليه وهذا وجه الحديث ويجوز أن يتأول الحديث على وجه وهو أن يكون المراد به من يصلح للإمامة لان مذهبنا أن الأرض لا تخل من حجة ممن يصلح لها من أهل بيت رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- . ومعنى قوله: ( إما ظاهراً وإما مغموراً ) على هذا هو أن يكون إمام قد أظهر نفسه بالدعوة والخروج ومباينة الظالمين ويكون قد وجبت له الإمامة ، أو يكون مغمورا في الناس لم يظهر نفسه ولم يبرز الدعوة ولم يباين الظالمين لعذر بينه وبين الله تعالى فهو ممن يصلح للإمامة وإن لم تك وجبت له بعد. فالحالة الأولى: مثل حالة زيد بن علي -عليه السلام- بعد خروجه بالسيف على الظالمين والحالة الثانية مثل حاله قبل الخروج إذ هو موقوف على العلم والعبادة )) [الفتاوى القسم الثّاني ] .

تعليق : وهذا كلامٌ سَمينٌ لو قد تأمّلتَه من الإمَام المؤيّد بالله أحمد بن الحسين الهارونيّ -عَليه السلام- ، تأمّل قولَه : ((فالحالة الأولى: مثل حالة زيد بن علي -عليه السلام- بعد خروجه بالسيف على الظالمين والحالة الثانية مثل حاله قبل الخروج إذ هو موقوف على العلم والعبادة)) ، فَهل كانَ الإمَام زيد بن عَلي وهُو عالمٌ غير إمَام داعية مستنّمٌ للأمر الحجيّة على غيره من عُلماء آل الرّسول صلوات الله عَليه وعلى آله من أهل عصرِه ؟!. لا يُقال به البتّة ، وإنّما وجبَت طاعَته بعد قيامه بالدّعوة إلى الإمام العُظمَى ومُجاهدَة الظّالمين ومُناجزتهِم ، وهذا الكلامُ من صنفٍ كلامِنَا وجوابنا في الوَجه الثّاني .

نعم! فهذا أقصَى مَا وجدتُه مناسباً فيمَا بحثتُ عنه من أصول العترَة المحمديّة في الظّاهر المشهور والخائف المَغمور ، ثمّ قد يستعلمُ النّاظر والبَاحث عن سبب ما ذهبنا إليه في الوَجه الأوّل ، وهُو الإمَام القائم بالدّعوة ثمّ القاعدُ بعدَ القيام ، وذلكَ إنّما قلنا لمكان بقاء الحجيّة مع القُعود بعدَ الدّعوة وبقاء إمامتِه ، إلاّ أن يظهَر أنّه لا يقومُ بعد ذلك القُعود لسببٍ أو لآخَر فتكونُ الحجّة في الوجه الثّاني أو مع الأنهض من العترَة يقوم فيدعُو ، وهذا تفصيلُه كُتبه الأصول من مسائل الأنهضيّة ومتى تسقطُ إمامة الإمَام ، لا يسعُ تفصيلُها هُنا ،

نعم! ثمّ لمكَان عدَم اشتهَار الدّعوة بعدَ القُعود فإنّ المُكلّفين يكونون في عُذرٍ عن إجابَة تلكَ الدّعوة لعدَم اشتهارهَا ، وإن كانوا قريبين من ذلكَ القَائم بأمر الدّعوة ، إلاّ أنّه يلزم ذلكَ القئام بأمر الدّعوة القائم بعد الاشتهَار أن يقومَ بتحيّن الفُرص فرصةً بعد فُرصَة لاستهاض الأمّة للخُروج بواجب الإمَامة من الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكَر بمقاتلَة الظّالمين .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

السؤال السابع والعشرون :

إذا كانت الإمامة بتكليف إلهي لهما فلماذا تصالح الامام علي -عَليه السَّلام- والإمام الحسن -عَليه السَّلام- ؟ فان عدم وجود الناصر والمعين لا يبرر مخالفة النص ، وكم من نبي لم يجد الناصر والمعين فلم يثنيه ذلك عن الدعوة والشهادة في سبيلها. ولم لم يتصالح الإمام الحسين -عَليه السَّلام-بعدما انصرف الناس عنه بينما تصالح الامام الحسن -عَليه السَّلام-؟.

والجَواب :

أنّ إمامة أمير المُؤمنين وولدَيه الحسَن والحُسين على أصلّ أئمّة الزيديّة بالنّص من رسول الله -صَلوات الله عَليه وعلى آله- ،

وعندَ الزيديّة أنّ القيام والخُروج يكون بتوفّر شَرْطَين ، الأوّل : توفّر النّاصر والمُعين . والثّاني : أن يؤدّي الخُروج للنّهي عن المُنكَر إلى مُنكَر أنكَر منه ، فإذا ظهرَ لكَ ذلك أخي السّائل ، توجّه الكلامُ إلى سَبب مُصالحَة أمير المُؤمنين -عَليه السَّلام- لأبي بَكر ، فاعلَم أنّ سبب المُصالحَة ليسَ هُو عدَم توفّر النّاصر فقَط ، وإنّما لأنّ الخُروج سيؤدّي إلى مُنكر أعظَم ممّا كان سينهَى لأجلِه الإمَام عليّ -عَليه السَّلام- ، إذ أنّ أبا بكر وعُمر قد اجتهَدا الحُكم بالكتاب والسنّة وإن كانَا قد أخطآ في أصل تقدّمهما على أمير المُؤمنين ، إلاّ أنّ سيرَتهم في الرّعية كانَت محمودَة ، ولا يَعني ذلك عصمَتهُمَا من أخطاءٍ وقعُوا فيَها ، ثمّ انتقضَ أمرُ بعض القبائل بالرّدة على الإسلام ، وهُنا آثَر أمير المُؤمنين -عَليه السَّلام- عدَم تفريق الصّف وهُو إلى التّمام أقرَب ، فقال -عَليه السَّلام- مقولَته التي لأجلها صالَح أبا بَكر ، ((لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي وَ وَ اللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ وَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَ فَضْلِهِ وَ زُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَ زِبْرِجِهِ)) [نهج البلاغَة] ، فأمرُ المُسلمين وعدم شقّ الصّف في تلك الظّروف منعَه ذلك ، إضافة إلى أنّ أمر المُسلمين كانَ إلى العَدل أقرَب .

نعم! فذلكَ ما كانَ من أمرِ مُصالحَة أمير المُؤمنين -عَليه السَّلام- ، ثمّ إنّ أمير المُؤمنين -عَليه السَّلام- في فترة حُكم وتولّي أبي بَكر وعُمر وعُثمان كان مرجعاً للصّحابَة يهدي ويُرشد ويدلّ على الكِتاب والسنّة ويُصحّح الأخطَاء ، ولكَ في مقولَة عُمر : ((لا أبقاني الله لمُعضلَةٍ ليسَ لها أبو الحسَن)) ، وقولُه : ((لولا عليّ لهلَك عُمر)) ، دليلٌ على ما بعدَها .

نعَم! ومُصالحَة الإمَام الحسن بن عَلي -عَليه السَّلام- ، فإنّها ما كانَت إلاّ بعدَ أن أبلى جَهده في جمع النّاصر والمُعين ، ثمّ لمّا كانَ مُعاوية يشتري تلكَ القبائل بالذّهب والمَال ، انتقضَت الهِمم ، وقلّ النّاصر وانتهُب فُسطاطُه -عَليه السَّلام- ، فلَم يرَ الإمَام الحسَن -عَليه السَّلام- إلاّ أن يحقنَ دماء المُسلمين بالصّلح ، فشرطُ الخُروج على الظّالم قد ارتفَع بارتفاع شرطِ الخُروج وهُو عدم توفّر النّاصر والمُعين ، والله تعالى فلا يُكلّف نفساً إلاّ وُسعَها ، ثمّ بقيَ الإمَام الحسن -عَليه السَّلام- عشرَ سنوات بعد الصّلح يقوم بواجبَات الهداية من الدّلالة على التّشريع وأحكام الكتاب والسنّة ، ولو أنّ النّاصر والمُعين كان باقياً لما صالحَ أبو محمّد الحسن بن عَلي -عَليه السَّلام- فتفهّم هذا .

ثمّ أشارَ السّائل إلى خُروج الإمَام الحُسين بن عَلي -عَليه السَّلام- ، وذلكَ منه -عَليه السَّلام- عندمَا تحصّل له النّاصر والمُعين وقامَت عليه الحجّة بالخُروج وإجابَة البيعَة ، فخرجَ -عَليه السَّلام-إلى الكُوفَة ، فلمّا حُوصِر ، كانَت شيعتُه قد خذلتُه بمكر عُبيدالله بن زياد وشِمر بن ذي الجَوشن ويزيد بن مُعاوية أقماهُم الله تعالى ، فلم يبقَ إلاّ الإمام الحُسين -عَليه السَّلام- في أرض كربلاء بمَن مَعه ، وقد ألجأهُم الحال والمقام من إرادَة عُبيدالله بن زياد إذلال الإمام الحُسين بمُبايعَة يزيد بن مُعاوية ، فأبَى ذلكَ الإمام الحُسين وأهل بيتِه وشيعتهِم المُخلصين ، وقالَ في ذلكَ الإمَام الحُسين -عَليه السَّلام- : ((ألا إنّ الدّعيّ ابن الدّعي قَد رَكَز بين اثنَتين بَين القِتلة والذلّة ، وهَيهَات منَّا أخذ الدنيَّة ؛ أبَى الله ذَلك ورَسُوله والمُؤمنون، وَجدود طَابَت، وحُجور طَهرت، وأنوف حمَّية، ونُفوس أبيَّة، لا تُوثر مَصارع اللّئام على مَصارع الكِرام)) [شرح الرّسالة النّاصحة] ، فذلك ما حتّمته ظروف المَعركَة وأخلاقُ العترَة في وقتٍ وظرفٍ لا يُقاسُ به ما كانَ معَ الإمام الحسَن -عَليه السَّلام–عَليه السَّلام- ، فتدبّره تجدهُ كمَا قُلنا ، ولا يفُتك تكالُب عُمر بن سَعد وشمر بن ذي الجَوشن في خطبَة ودّ ابن زياد ويزيد بن مُعاوية وحرصاً على إمارَة الرّي .

إنّ الإمام الحُسين بن عَلي -عَليه السَّلام- قد خطّ خطّا عريضاً لأسمى معاني الكرامَة ورفض الذّل وسلاطين الجَور ، ولا ينتقضُ ذلك مع فِعل أخيه الإمَام الحسَن كمَا قدّمنا فبينَ المَرحلَتين فرقٌ حسّيٌ كَبير ، ثمّ لا يفُتك شُروط الصّلح من الإمام الحسَن -عَليه السَّلام- ، فإنّ العزّة والكرامَة وعَدم الرّضا بمُعاوية ظاهرةٌ فيهَا ، فتأمّل هذا .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

السؤال الثامن والعشرون:

هَل حَديث الاثنَي عشَر كما تُؤمنُ به الإماميّة ، علّي ، والحسَن ، والحُسين ، والسجّاد إلى إمامهِم المَهدي محمّد بن الحسن العسكريّ صحيحَة ، لأنّهم يروون روايات كثيرَة في إثبات هذَا الخَبرْ ؟!.

والجواب:

أنّ هذا الخبَر الذي تعتقدُه الإماميّة في الاثني عشَر بالاسم والعَدَد غَير صَحيح ، وقد انفرَدوُا به (بالاسم والعَدد) ، وعندِي أنّ هذا الاختلاق لهذا الخبَر هُو في عهد الغيبَة الكُبرَى لمّا انعَدم التّسلسل بانعدَام الثّاني عشَرْ المَهدِي ، والروّايات الكثيرَة هي بغير درايَة ، وقد انفردُوا بها دون الأمّة يشهدونَ لأنفسهِم بهَا ،

ولعلّي أذكُر هُنا قولَ الإمَام الزّيدي النّاطق بالحقّ يحيى بن الحُسين الهَاروني-عَليه السَّلام- ، (ت424هـ) ، وهُو المُعاصرُ لهُم ولمُحدّثيهم والمُخالطُ لهُم في ذلك الزّمان ، وبما شهِدَ عليهِم به ، لتعلَم أنّ كثرَة الرّواية بلا درايَة وإفادَة علْم إنّما هي دَعوى ، فقالَ -عَليه السَّلام- :

((فأمّا الخبر الذي رووه عن جَعفر فإنّه من جُملَة أخبارهِم التي لا يعرفُها غيرُهم ، وأيّ عاقلٍ تطيبُ نفسه بقَبول ما ينفردُونَ بروايتِه مع اشتهار نَقَلتهِم برواية التّشبيه المَحض، والقَول بالجسم والصّورة ، وصريح الإجبَار والتّناسُخُ والغلوّ ، أنّ أكثرهم مجاهيل لا يُعرفُون حتّى كان بعض عُلماء أهل البيت عليهم السّلام يقول أنّ كثيراً من أسانيدهِم مبنيّة على أسامي لا مُسمّى لها من الرّجال. وقد عرفتُ من رُواتهِم المُكثِرين مَنْ كذب يستحلّ ، ووضعَ الأسانيد للأخبَار المُنقطعَة إذا وقعَت إليه وحُكي عن بعضهِم أنّه كان يجمعُ حكايات بُزرجمهَر [حكيم فَارسي] وينسبُها إلى الأئمّة بأسانيد يُضيفُها ، فقيل لهُ في ذلك؟!. فقال : ألحِقْ الحكمَة بأهلهَا))[الدعامة] .

ثمّ بعدَ ذلك القول من الإمَام النّاطق بالحقّ -عَليه السَّلام- ، يقول الحرّ العامليّ الإماميّ (ت1104هـ) عن أخبارهِم :

((وأصحَاب الاصطلاح الجَديد قد اشترطوا – في الراوي – العدالة فيلزَم مِن ذلك ضَعْف جَمِيع أحادِيثنا لِعَدم العِلم بعَدالة أحَد مِنهُم إلاّ نَادراً)) [وسائل الشيعة:30/260] .

ثمّ يقولُ العالِم الإماميّ المُعاصر والمُحقّق في علم الرّجال محمّد بَاقر البَهبُودِي عن خبَر النّصوص على الأئمّة الاثني عشر :

((عَلى أنّك عَرفتَ فِي بَحث الشّذُوذ عَن نِظَام الإمَامَة أنّ الأحَادِيث المَرويّة فِي النّصوص عَلى الأئمّة جُملَة مِن خَبَر اللّوح وَغَيره كَلّها مَصنوعَة فِي عَهد الغَيبة والحِيرة وَقبلها بقَليل فَلو كَانت هَذه النّصوص المُتوافرة مَوجودَة عِند الشّيعة الإماميّة لمَا اختَلَفُوا في مَعرفَة الأئمّة هَذا الاختلاف الفَاضِح وَلمَا وَقعت الحِيرَة لأسَاطين المَذهب وأركَان الحَديث سَنوات عَديدة وَكَانُوا في غِنى أن يَتسرّعوا فِي تَأليف الكُتب في إثبَات الغَيبة وكَشْف الحِيرة عَن قُلوب الأمّة بهَذِه الكَثرَة)) [معرفَة الحديث:172] .

اللهمّ صلّ وسلّم على محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

السؤال التاسع والعشرون :

لماذا صنف أهل البيت الإمامة من أصول الدين ، وبماذا يتبين لنا أن أئمة أهل البيت قرناء للقرآن في الطريقة العلمية والعملية؟!.

والجواب:

إنّ هذا السّؤال قد انقسمَ إلى سُؤالَين ضِمنييّن يتعلّق بعضهُما ببعض ، ونأتي عليهَا بإذن الله تعالى حسب ترتيب السّائل ، فنقول :

السّؤال الضّمني الأوّل : ﻟﻤﺎﺫا ﺻﻨﻒ ﺍﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻻﻣﺎﻣﻪ ﺍﻧﻬﺎ ﺍﺻﻞ ﻣﻦ ﺍﺻﻮﻝ ﺍﻟﺪﻳﻦ؟.

والجَواب : أنّه قد أجابَ على هذا السّؤال شيخنَا نجم آل محمّد سيّدي العلاّمة عبدالرّحمن بن حسين شَايم المؤّيدي -عَليه السَّلام- ، فقَال -عَليه السَّلام- : ((أقُول: أنّ هُناك مَسائل كَثيرة قطعيّة ولم يعدّوها مِن أصول الدّين فَليست العِلّة في وَضعِهَا في أصول الدين كونها قطعيّة فَقَط إذ لَو كَانت هِي العِلّة وَحْدَها لَعَدّوا كلّ مَسألة دليلها قَطعي منه وأدْخَلُوها فِيه ولكن العِلّة الوَاضِحَة هِي أنّ الإمَامة لما كَانت خَالِفَة النبوّة أرادَ الأصوليون من أصحَابنا رَفع شأنها وإعلاء مَنارها وإنزالها مِن القُلوب مَنزلة رَفيعَة وكما أنّ النبوّة مِن فنّ الكَلام لأنها فِعل مِن أفعال الله تعالى ذُكِرَت في بَاب العَدل, والإمَامَة لما كانَت خَالفة النبوة كما قلنا سابقا ذُكرت في فن الأصُول وذُكِرَت في آخِر الفَنّ ، وَيمكن أن يُقال أنّ أصحَابنا الزيدية لمّا جَعَلُوا معرفة الإمَام من الفروض اللازمة للأعيَان وأنّه لا يُعذر عَن مَعرفتها إنسان وَضَعُوها في ذلك الفنّ تَعظيماً لشأنها وتنويهاً لأمْرِهَا ولها نظير وهِي مَسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المَخوف فقَد جَعلوها مِن مَسائل الفنّ ومَا سَبب ذلك إلا التّنويه بأمرِهَا والتّعظيم لقَدرها ، ومَسألة الإمامة لها خصوصيّة زائدة على مسائل الأمر بالمعروف لأنها خَالفة النبوة ، ولعلّ عُذر مَنْ قَال أنّ الأولى بها فَن الفِقه هو أنها تَدور بين عِلمِيّ وعَمَلي وليسَ يَنبغي أن يُعد مِن علم الكلام إلا مَا كان عِلماً بالله تعالى وبِصِفاته وأفعَاله وأحكَام أفعاله ، ويُمكن أن يُعتذر لمن عَدّها مِن فَنّ الفِقه أنّ أحكَام قِتال البُغاة مَبحُوث لها في فَنّ الفِقه ويحتاج إليهَا الفقيه ولما كَانت كذلك لحقتَ بِه ، فَهذا يُمكن أن يكون هُو العذر لمن قَال أنّ الأولى بها فَنّ الفُروع مع أنّه يعدّها قَطعيّة لا ظنية)) [الفتاوى القسم الثّاني] ،

نعم! فظهرَ لكَ أخي السّائل لماذا صنّف أئمّة العترَة الإمامَة ضمن مسائل أصول الدّين ، ولذلك لعظِم مكانِها وخطرِها ومكانِها من القيام بشأنِ الدّين كلّه ، قال الفقيه العلاّمة محمد بن يحي مداعس رحمَه الله يُبيّن منزلَة الإمامَة : ((الإمَامة أصلٌ مِن أصُول الدّين: واعلَم أنّ الإمَامة مرتبة شَريفة ودرجة عَالية مَنيفة، وهي أصلٌ مِن أصول الدّين العظيمة، وعَليها مَدار الشّريعَة المطهّرة المستقيمَة لأنها خِلافة النبوة المختومَة ومقَام الرّسالة بالشرائع المحتومة، وهِي حِراسة التوحيد عَن زيغ الإلحاد، وعَاصِمة العدل والوعد والوعيد عَن رَيب أهل الفساد، بها يُعرف الله ويُوحد وتحفظ شرائعه على ممر الأبد حتى يأتي وَعد الله ويبعث الخلق لقيامِهم)) [الكاشف الأمين] ،

نعم! وجعلهَا الإمَام نجم آل الرّسول القاَسم بن إبراهيم من أصول الدّين ، وعلى ذلكَ أئمّة العترَة صلوات الله عليهِم ، وقد سبقَ في كلامِ السيّد العلاّمة عبدالرّحمن شَايم تفصيلُ حَال مَنْ قد يقولُ بأنّها من مسائل الفُروع مع كونِها قطعيّة لا ظنيّة عندَه ،

نعم! وبهذا تمّ الجَواب على المسألَة الأولى الضمنيّة هُنا .

السّؤال الضّمني الثّاني : ﺑﻤﺎﺫﺍ ﻳﺘﺒﻴﻦ ﻟﻨﺎ أﻥ أﺋﻤﻪ أﻫﻞ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻗﺮﻧﺎ ﻟﻠﻘﺮﺍﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ؟.

والجَواب :

أنّ الذي يتبيّن لنَا به أنّ أئمّة أهل البيت -عليهم السّلام- هُم قرنَاء القُرآن ، الأدلّة الشرعيّة ، والدّليل صدقُه من صدقِ قائلِه ، والتّكذيبُ به تكذيبٌ لقَائلِه ، وكلّنا علَم خَبر الثّقلين المُتواتر بين الأمّة في كون أهل البيت قُرناء الكِتاب ، وأنّهم بالأخبَار الصّحيحَة سُفن النّجا ، وأنّهم نُجوم الأرض وهُداة العِباد ، وأنّهم بقيّة ذريّة إبراهيم الخَليل -عَليه السَّلام- في آيات الاصطفَاء الكثيرَة ، وهذا لا يخَفى على مَنء له مسكَة منْ علِمٍ وإنصَاف ، ولعلّ السّائل يقصدُ ما هُو الحجّة في المسائل العلميّة والعمليّة من طريقَة أهل البيت عليهِم السّلام ؟!.

وذلكَ قد قرّروه صلوات الله عليهِم ، بالآيَة المُحكمَة ، السنّة المُتواترَة ، وإجماعهِم القَائم ، فما كانَ ذلكَ حالُه فإنّه لن يكونَ إلاّ مقارناً للقرآن موافقاً له غير مُخالفٍ عَليه ، ودونَ ذلك مسائل ظنيّة واجتهاديّة في المسائل العمليّة فذلكَ يجوزُ الاجتهَاد والتّقليد فيه ،

نعم! فأمّا العلميّات فقطعيّاتٌ ولا شكّ ، نعم! ولعلّني أحيل البَاحث إلى مبحثِنا (مَدلول حديث الثّقلين الإجمَاع وهُداة العترَة) ، فقَد تناول مسألة هَل مدول حديث الثقلين يقضي بوجود إجماع للعترة فقط ، أم أنّه يَقضي بوجُود هُداة علماء وأئمة مِن العترة على مر الزّمان للاستنقاذ من الضلال ، أيضا مَنْ مِنْ علماء بني فاطمة يستحق الاتباع على اختلاف طوائفهم ، أيضاً مَنْ مِنْ علماء بني فاطمة الواجب الاتباع بعينه؟!. أيضاً هل دور الهداية للأمة محصور على علماء أهل البيت أمْ أنّ ذَلك للعلماء من غيرهم ، أيضاً هل اتباع العترة يهوّن من مكان العقل والكتاب والسنّة ، أيضاً هل تدل المصادر الأربعة بعضها على بعض بما مؤاده التكامل في النتيجة ، نعم! فذلك بإذن الله يُفيد البَاحث ويُعينُه ، واللهُ خير المُعينين .

لتصفّح البحث بصيغَة (الفِلاش) :

https://www.calameo.com/read/006124157ced1c7291fe2

لتحميل البَحث (ميديا فير) :

https://www.mediafire.com/file/iyoiw7xr6sjodw7/mdlol_hadeeth_althglen.pdf/file

نعم! وبهذا وما قبلَه تمّ الجَواب على السّؤال ، بسؤالِيه الضّمنيّين ، والحمدُ لله .

اللهمّ صلّ وسلّم على محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

السؤال الثلاثون:

هل مذهب الزيدية في الإمامة مضطرب ، فهم يقولون أنّ الإمام في علي والحسنين بالنصّ ، ثمّ تصبح بالدعوة في الذرية لا بالنص؟!.

الجواب:

أنّ الأصلَ في مُناقشَة الإماميّة هُو أنّ اللازمَ لهُم تصحيحُ خبر النّصوص بعد الإمَام الحُسين السّبط -عَليه السَّلام- لكَي يصحّ منهم ذلكَ الاحتجَاج في عدم اطّراد الإمامَة النصيّة ، لأنّ منصب الإمامَة وهَلْ هُو بالنّص أم بالاكتسَاب بشروط الفَضل في الذريّة الحسنيّة والحُسينيّة ، لا يمُكن القطعُ فيه إلاّ من طريق الشّرعْ ، فإن قالَ لنَا قائلٌ من اليَهود لا يصحّ انقطَاع النبوّة من الأرض بدعوى المُسلمين أنّها قد خُتِمَتْ ، قُلنا فهلمّ الدّليل عن الله تعالى بمَا يصحّ وتثبُت معه الأقوَال ، فتلكَ المسألَة لا تُعلَم إلاّ عن طريق المُشرّع وهُو الله تعالى لا يقيسُ عليهَا المكلّفون .

نعم! فكانَ الأصلُ ما أثبتَه الدّليل ، ومَا لم يثبتُه الدّليل فإنّما وهمٌ وخطأ ، وهُنا نأتي بجوبٍ مُختصرٍ تفصيلُه في مبحثِ (الشّبه الورديّة حول الزيديّة) ، فعلى المهتمّ مُراجَعته ، فإنّا نُوردُ له هُنا ما يكتفي به إن شَاء الله ،

للتصفح المبحث بصيغة الفلاش:

https://www.calameo.com/read/00612415719b889335b0a

للتحميل pdf :

https://www.mediafire.com/file/kuiyap46npxddb6/alshbh_alwardiah.pdf/file

ونُشدّد عليه بأن لا يرضَى بدون الأدلّة التي تثبتُ بها الأصول دونًا عن تلكَ الآحَاد ، فالمسألَة في الإمامَة جدّ تتطلّب اليَقينْ ،

نعم! فهذه أربعَة وجوه نردّ بها ، فنقول :

الوَجه الأوّل : أنّه أُثِرَ لَنَا نصٌّ يقولُ بإمامة عليّ -عَليه السَّلام-، فقُلنا بإمَامَته ، ولَو لَم يَكُن عليه نصٌّ لقٌلنا بإمامَتِه استحقَاقاً وفَضلاً وجهاداً فاقَ به أقرانَه .

الوَجه الثّاني : أنّه أُثِرَ لنا نصٌّ يقول بإمامَة الحسن بن علي -عَليه السَّلام- ، فَقُلنا بإمامَته ، ولَو لم يكُن نصّ لقُلنا بإمامتِه استحقَاقاً وفضلاً وجهاداً فاقَ به أقرانَه .

الوَجه الثّالث : أنّه أُثِرَ لنا نصٌّ يقول بإمامَة الحسين بن علي -عَليه السَّلام- ، فَقُلنا بإمامَته ، ولَو لم يكُن نصّ لقُلنا بإمامتِه استحقَاقاً وفضلاً وجهاداً فاقَ به أقرانَه .

الوَجه الرّابع : أنّا وَجدنا من الرّسول-صَلوات الله عَليه وعَلى آله- وصيّةً عامّة في جَماعَة يُقال لهم أهل البيت ، جاء فيهِم روايات كثيرة ومشهورة ، فمنها قول الرّسول -صَلوات الله عَليه وعَلى آله-: ((إنّي تاركٌ فيكم ما إن تَمسّكتم به لَن تَضّلوا من بعدي أبداً ، كتاب الله وعترتي إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لَن يَفتَرِقَا حتّى يَردا عليّ الحوض)) ، وقوله -صَلوات الله عَليه وعَلى آله-: ((مثل أهل بيتي فيكُم كسفينة نوح مَن رِبها نجا ومَن تخلّف عنها غرقَ وهوى)) .. إلخ .

نعم! فظهرَ لكَ أخي السّائل أنّ الزيديّة بقيتَ على مَدلول الدّليل الشّرعي ، ولو كان الدّليل يقتضي أنبياءً إلى يوم الدّين لقالَت الزيديّة بذلكْ ، ولو كان الدّليل يقتضي أئمّةً منصوص عليهِم بعد الإمَام الحُسين السّبط -عَليه السَّلام- إلى يوم القيامَة لقالَت بهِمْ ، إلاّ أنّه لا دَليل يُورث اليَقين كما أورثَ دليل الثّقلين في العترَة ، والعترَة الولَد ، بتواترُه وإفادَته العلم واليَقينْ ، ولسنا نجدُه خصّص اثني عشَر ، أو سبعَة .

اللهمّ صلّ وسلّم على محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

السؤال الواحد والثلاثون :

ماذا تقول في حديث الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ، لم أجد هذا الحديث في كتب الإمامية ، وعندما أسأل يقال متلقى بالقبول؟!.

الجواب :

الحَديث عند أئمّة أهل البيت الزيديّة صَحيحٌ ومُتلقّىً بالقَبول ، رواهُ الأئمّة مُرسلاً ، منهُم محمّد بن القاسم الرّسي -عَليه السَّلام-، والهَادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين -عَليه السَّلام- ، والمُؤيّد بالله أحمَد بن الحُسين الهَاروني -عَليه السَّلام- وغيرهِم من الأئمّة الأعلام ، يحتجّون به ، وتلقّوه بالقَبول وأجمعُوا على إمامَة الحسن والحُسين بالنّص من رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- ، وُمتلقَّىَ بالقَبول فمَعنى ذلكَ أنّ العترَة قد قبلَت هذا الخَبر واحتجّت به فأفادَ العِلْم ، لا كبقيّة الأخبَار التي لا تُفيدُ العلْم ، ثمّ كانَ الإجمَاع حجّة قاطعَة من مضمون ذلكَ الخَبر في الدّلالَة على إمامَة الحسن والحُسين الإمامَة النصيّة بعد أمير المُؤمنين -عَليه السَّلام- ، لأنّ إجمَاع العترَة حجّةً قطعيّة . قال العلاّمة ابن حابس : ((وَصِحّة هَذا الخبر إمّا لأنّه مُتواتِر عَلى رَأي ، وإمّا مُتلقَىّ بالقَبُول على آخَر، ولأنّ العِترَة أجمَعت على صحته وإجمَاعهم حُجّة وهُو نَصّ صَريح في إمامَتِهِمَا)) [الإيضاح شرح المصبَاح] ،

-وقال الإمَام المهدي لدينِ الله محمّد بن القاسم الحوثيّ -عَليه السَّلام- : ((وهَذا الخبر ممّا أجمعت عليه العترة وَهو نصّ صَريح في إمامَتهمَا عليهما السلام) [الموعظَة الحسنَة] ،

-وقال شيخنا العلاّمة نجم آل محمّد عبدالرّحمن بن حسين شايم المؤيّدي -عَليه السَّلام- : ((وَهو الحَديث المُتلقى بالقبُول المقطوع بصحته، وهو قوله: ((الحَسن والحسين إمامان قاما أو قعدا وأبوهما خير منهما))، وإنَّمَا قُلْنُا بأنَّ النصّ هَذا مقطوع به لأنَّه مُتَوَاتِر على رأي ، أو متلقى بالقبول على رأي، ولأنّ العترة أجمَعُوا على صحته وإجمَاعُهم حُجّة)) [رفع الخصاصَة] ، وقالشيخ الإسلام الإمَام مجدالدّين المؤيّدي -عَليه السَّلام- : ((وأمّا خَبر: ((الحَسن والحسين إمَامان قاما أو قعدا)) فَلم يزل أئمّتنا عليهم السلام وشيعتهم رضي اللّه عنهم يستدلّون به على إمَامَتهِمَا خَلفاً عَنْ سَلف)) [مجمع الفَوائد] ، نعم! ولله درّ السيد الإمام صارم الدين إبراهيم بن محمد بن السيد الهادي بن إبراهيم الوزير عليهم السلام حيث يقول:

وإن التَّلقِّي بالقبولِ على الذي …. به يستدلُ المرءُ خير دليلِ

وما أمة المختار من آل هاشمٍ …. تَلقَّى حديثاً كاذباً بقبولِ

نعم!وبهذا وما مضَى على شرط أئمّة العترَة في قبول الأحايث وتصحيحها والاحتجَاح بها ، نكتفي في الجَواب .

اللهمّ صلّ وسلّم على محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

السؤال الثاني والثلاثون:

هل تجب بيعة الإمام الخائف المغمور؟ فهم أئمة علم فقط للفتوى وتوضيح المسائل ، فكيف ننجو من الميتة الجاهلية ببيعة إمام لكل زمان خائف مغمور؟ وكيف تتم مبايعة الخائف المغمور ، ألا يندرج هذا تحت إطار الغيبة إذ هو ليس حجة على الناس لأنه غير مشهور ، وإنما يكون حجة عند الاشتهار؟!.

الجواب:

أتي عَليه ، وقبلَ ذلكَ نُقدّم بمُقدِّمَة من كلامِ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام-في نَهج البَلاغَة ، وهُو قولُه -عَليه السّلام-: ((اللَّهُمَّ بَلَى لَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً وَ إِمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وَ بَيِّنَاتُهُ)) ، وهُنا فإنّ الغايَة مِن كلامِ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام-هي إقامَة الحجّة في الأرض لئلاّ تبطُل الحُجج والبيّنات ،

والحجّة على شرط الزيديّة لإقامتِها فلهَا طريقَان اثنَان ، وكلّها من ولى العترَة تجاه الأمّة كمَا هُو مدلول حديث الثّقلين :

الطّريق الأوّل لإقامَة الحجّة : عن طريق دَعوة الإمامَة :

وهنا اعلَم أنّ الأصل في الإمَامَة على شرط أئمّة العترَة بعد الإمَام الحُسين -عَليه السّلام- هي الدّعوة بعد اكتمَال شروط العِلم والفَضل ، فيقومُ الإمَام ويدَعُو بالإمامَة العُظمَى فيأمُر بالمَعروف وينهَى عن المُنكَر والظّلم ظاهرٌ في المُجتمعَات ،

وهُنا لا يخَلو حَاله من أمرَين اثنين بعدَ الدّعوة :

الأمرُ الأوّل : أن يجتمعَ له النّاصر والمُعين ، وهُنا لزمَه الخُروج فيكونُ في أمرِه مشهوراً بذلك الخُروج كمَا خرجَ الأئمّة زيدٌ والنّفس الزكيّة والهَادي إلى الحقّ صلوات الله عَليهم وغيرِهم من أئمّة العترَة ، فواجبُ المكلّف هُو الاستجابَة لدعوتهِم .

الأمرُ الثّاني : أن لا يجتمِعَ له النّاصر والمُعين ، ويشتدّ عَليه القَمع ، فهُنا تكون دعَوة الإمَام مغمورَة غير مشهورَة ، وهُنا الواجبُ على مَنْ قرعَت مسامعه دعوة الإمَام أن يلتفّ حَولَه وأن يثقّل طرفَه ويُنصرَه فيستطيع أن يقوم بواجب الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر .

نعم! ثمّ أصل مسألَة السّائل تندرجُ هُنا ،

فإن قيل: فهَل تجب علينَا بيعَة ذلكَ الإمَام وهُو مغمورٌ غير مَشهور ، وسيكونُ حالُه كحَال الإمَام الغائب عندَ الإماميّة ، وسيكونُ ذلكَ الغير مشهور غير حجّة على الأمّة ، وإنّما سيكونُ دورُه نشرُ العلم فقَطْ ؟!.

فنقول : أنّه لا سَواء بينَ الإمَام الحاضر المَغمور غير المَشهور ، وبينَ الإمَام الغَائب ،

وذلكَ لعدّة أمور :

الأمرُ الأوّل : أنّ الإمَام الخائف المَغمور قد قامَ ودَعا في الأمّة فأقامَ الحجّة على مَنْ سمِعَه من الأمّة ، بينَمَا الإمَام الغائب فإنّه لم يقُم بأيّ دَعوة تجَاه الأمّة لتستجيبَ له أو تتمسّكَ به .

الأمرُ الثّاني : أنّ الإمَام الخائف المَغمور قد سمعَه البعض من النّاس فقامَت الحجّة على مَنْ سمِعَه بإجابَة الدّعوة وتثقيلَ طرف الإمَام بالنّصرَة ليخرُج من الغُمور إلى الشّهرَة والتمكّن من ظُروف القَمْع ، بينمَا الإمَام الغَائب فإنّه لم يسمَع دَعوَته أحَد ، لم يُقِم الحجّة على أيّ أحَدْ ، فمثلاً رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- أقامَ الحجّة على البعض في مكّة في بدايَة الدّعوة فقامَت الحجّة على من سمِعَ دعوتَه فلم يُجبْه ، ولكن لو كانَ رسول الله -صلوات الله عَليه وعل آله – غائباً فكيفَ سيقومُ بالحجّة على القَليل أو الكَثير من أهل مكّة ؟!. لن تقوم الحجّة معَ الغياب ،

نعم! فأمّا الإمَام المَغمور فإنّه يُقيمُ الحجّة على البعض وإن لم تصل الحجّة إلى البعض الآخَر من النّاس ، فالأصلُ هُنا أنّ الحجّة قد قامَتْ للَبعْض بحضورٍ ومُعايشَة إقامَة حجّة فعليّة من ذلك الإمَام المَغمور ، وهذا لا يفعلُه الغَائب ،

نعم! وأمّا عن حَال من لم تبلُغه دَعوة الإمَام المَغمور فإنّه معذورٌ عن إجابَة الدّعوة فالله تعالى لا يُكلّف نفساً إلاّ وسعهَا ، إلاّ أنّه واجبٌ عَليه أن تكون نفسُه على منهَج أهل البيت ، وأن تكون نيّته وهمّته مُحمّلَة بإجابَة داعي أهل البيت متَى قامَت دعوَة عادلَة يسمُع بهَا عنهُم ، فيكونُ حالُه على هذا كحَال منْ يعيشُ في زَمن عَدم وجود الإمَامْ ،

نعم! تماماً كحَال ذلك الرّجل في أفريقيا يعيشُ في زمَن النبوّة ثمّ لا تبلغُه حجّة ودَعوة النّبي -صلوات الله عَليه وعلى آله- ، فإنّه معذورٌ في عدَم الإيَمان بالنّبي -صلوات الله عَليه وعلى آله- ، والتّوحيد فلا يُعذَر فيه لأنّه حُجج عقليّة ، وهُو واجدٌ للعَقْل ،

نعم! فأمّا الإمَام الغائب فإنّه لم يقُم بُحجّة على مكّي أو أفريقيّ أو خُرسانيّ أويَمانيّ لا عندَ البعض ولا عندَ الكُلّ ، بعكس الإمَام المَغمور المَقموع بالظّلم فإنّه يُقيم الحجّة عندَ البعض ممّن بايعَه وناصرَه .

نعم! فأمّا عن دور الإمَام المَغمور بالظّلم وأنّه سيكون دورُ العُلمَاء فذلكَ صَحيح إلاّ أنّه فرقٌ بينَه وبينَ بقيّة العُلمَاء أنّه واجبٌ عَليه أن يتحيّن الفُرَص لأن يصدَع بدعوتِه لاستنقَاذ الأمّة والجِهاد في سبيل الله ضدّ الظّلمَة ، فإن ناصرَته الأمّة قامَ بذلكَ الإمَام أيّما قِيامْ ، فتفّهم ذلك وتدبّره ، ففرقٌ بينَ دور الإمَام المَغمور الخَائف المقموع بالظّلم الحاضر القائم بالحجّة على البعض في أطراف الأرض ، وبين دور الإمَام الغائب الذي لا دَور له في دعوة بعضٍ أو كلّ ، أو القيامُ حتّى بدور إمَام الصّلاة فضلاً عن دور العالِم فضلاً عن دور الإمَام الأعظَم في الأمّة فهذا كلّه لا يقومُ به ذلك الإمَام الغائبْ ، فهُو لم يُقم لله بحجّة من اثني عشر قرناً ، بينما ذلكَ الإمَام الخائف المَغمور على شرط الزيديّة سيُقيم الحجّة على مَن عايشَهم وطلب نُصرَتهم ولم يُناصروه ، وسيُعذَر مَنْ لم يسَمع دعوتُه وهُو على مِنهاج أهل البيت نفُسه مُحملّةٌ بإجابَة دَعوة الدّاعي منهُم إذا وصلَته دَعوتُه .

نعم! فهذا هُو الطّريق الأوّل لإقامَة الحجّة على النّاس ، عن طريقِ الإمامَة العُظمَى في الأمّة ، ويقومُ بهَا السّابقون بالخيرات الأئمّة الدّعاة ، إلاّ أنّ إقامَة الحجّة مِن قِبل العترَة ليسَ شرطُها أن تتمّ عن طريق الأئمّة ، وإن كانَت أعظَم الإقامَة لها هي ما تقومُ به الأئمّة ، إلاّ هُناك طريقٌ ثانٍ لإقامَة الحجّة من كلامِ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- ، ويُمكن تصنيفُه على أنّ من قسم الخَائف المغَمور ، لأنّ الغايَة والغَرض من كلام أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- ليس يخصّ الإمامَة فقط ، وإنّما يخصّ كلّ ما تقومُ به الحجّة ، والحجّة تقومُ بالأئمّة ، وبالعُلمَاء ،واختصّ أهل البيت -عَليهم السّلام- بتلك الإقامَة للحجّة من كلامِ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- لمّا أفاد كلامُه -عَليه السّلام- عدم خُلوّ الزّمان ممّن يُقيمُ الحجّة على الأمّة ، وذلك ليسَ إلاّ لأهل البيت -عَليهم السّلام- من مدلول حديث الثّقلين القاضي بعدَم افتراق الكِتاب والعترَة إلى انقضَاء التّكليف وورد الحَوض ، ولكونهم سُفن النّجاة ، وسفن النّجاة يجب أن تكون موجودَة في كلّ زمَان ليركبَها المُكلّفون في تلكَ الأزمنَة ، فظهر لَك أنّ كلامَ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- يخصّ أهل البيت ، ثمّ لا يخصّ موضوع الإمامَة (السّابقون بالخَيرات) فقَط في إقامَة الحجّة ، وإنّما يدخُل معه إقامَة بالحجّة بما يقومُ به المُقتصدون أعنِي العُلمَاء ، وعلى شرط الزيديّة فإنّه يجوز أن يَخلو الزّمان القَصير من الإمَام الدّاعي ، ولا يجوزُ أن يخلو الزّمان ممّن يصلُح للإمَامة من عُلماء آل محمّد ، وسيأتي لذلك مزيدُ تصيل في الطّريق الثّاني القريب .

الطّريق الثّاني لإقامَة الحجّة : عن طريق دَعوة العُلمَاء :

وهؤلاء هُم المُقتصدون ، وهُم يقومون بواجب نشر العلْم ، وهدايَة النّاس إلى الأدلّة العقليّة الصّحيحَة ، وإلى الكِتاب والسنّة ، وإلى إجمَاعات سلفِهم ،لا يخلو منهُم زمانٌ ومكَان ، يحثّون الأمّة على نُصرَة أهل البيت والانضَواء تحت منهاجهِم واعتقادهِم ، ويردّون على المحرّفين والغالين ومُتأوّلين على شريعَة الله تعالى ، ويُمهّدون لدعوَة إمامٍ يقومُ منهُم يدعو الأمّة على مِنهاج آبائه وسلفِه من أهل البيت عليهم السّلام ، وهذا من أولئك العُلماء إقامَة للحجّة الشرعيّة على الأمّة باتّباع الكِتاب والسنّة ، وتبيين منهاج العترَة ، وبذلكَ يكثُر سواد الشّيعَة فيلتفّون حول أهل البيت فيكون ذلك بيئةً لداعيِهم يقوم فيأمرُ بالمَعروف وينهَى عن المُنكَرْ .

نعم! فظهرَ لكَ أنّ الحجّة قائمَة بالطّريقين جميعاً ، الحجّة يقومُ بهَا أئمّة العترَة ، أو الحجّة يقومُ عُلمَاء العترَة ، والعتَرة فمنهُم سابقون بالخَيرات يقومون بالإمامَة ، ومنهُم مُقتصدون عُلماء يُعيدون النّاس إلى نُصرَة أهل البيت إذا تفرّقوا .

نعم! فأمّا على شرط الإماميّة فإنّ الإمَام الغائب لم يقُم بالحجّة من الطريق الأوّل كإمامٍ مشهور ، أو إمَام خائفْ ، لا أمَام المَلأ بدعوة مشهورَة ،ولا أمَام البعض من النّاس بدعوةٍ مغمورَة يحضروَنها فيستمعون إليهَا فتقومُ عليهِم الحجّة ،

نعم! ولم يقُم بالحجّة من الطّريق الثّاني كعالم يُفتي النّاس ويُعيدهُم إلى مِنهاج آبائه ، يُفسّر ، ويُصحّح ويُضّعف ، ويَهدي ، بل إنّ شيعَته مُختلفُون مَراجع يُضلّلون بعضَهم وهُو حاضرٌ (كمَا تدّعي الإماميّة) فلا يقومُ فيهم بحجّة أوبيَان ، فيقومُ يكونُ مَنْ هذا حالُه قائماً لله بحجّة ، لكي لا تبطُل حُجج الله وبيّناته كمَا قالَ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام-.

نعم! فإن قيل: عُلماء الإماميّة يقومون بواجب الحجّة في زَمن غياب الإمَام المَهدي الغَائب ؟!. فنقول : رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- أوصاَنا بالتمسّك بثقلَين عظيمين لن يفترقَا ، الكِتاب والعترَة ، وعُلماء الإماميّة ليسوا هُم العترَة ، فنبقَى على أصلِنا من الحديث المُتواتر بينَ الأمّة نطلبُ التمسّك بعُلماء العترَة ،

فأمّا على شرط الزيديّة فإنّها تقولُ أنّ عُلماءهَا اليَوم هُم من العتَرة الذي يجبُ التمسّك بهِم ، وعلى شرط الإماميّة فتُقرّ الإماميّة بأنّ عُلماءها ليسوا هُم العترَة ، والفرقَة السنيّة تُقرّ أنّ عُلماءهَا ليسوا هُم العترَة ، فحاكمَنا كلّ إلى أصلِه ،ثمّ نردّ عليِهم قولَهم بالغيبَة والتمسّك بعُلماء الإماميّة ، برواياتهِم من مصادرهِم ، روى الشّيخ المفيد ، بإسنادِه ، عن محمّد بن علي الحلبي ، قال: قال أبو عبدالله -عَليه السّلام- : ((مَن ماتَ وليسَ عليه إمامٌ حيّ ظاهرٌ مات ميتة جاهليّة)) [الاختصاص:269] ، فهَل الإمَام الغائب ظَاهر ، بل إنّه في هذه الرّواية لا يَكفي أن يكونَ ظاهراً حتّى يكون عادلاً ، والعَدل يتطلّب المُخالطَة والمُعايشَة وإقامَة الأحكَام في النّاس ،

روى الكُليني ، بإسنادِه ، عن محمّد بن مسلم ، قال: سمعتُ أبا جَعفر -عَليه السّلام- ، يقول: ((مَن أصبَح مِن هَذهِ الأمّة لا إمَام لَه مِن الله – عزّ وجلّ – ظَاهرٌ عَادِلٌ أصبحَ ضَالاًّ تَائهَاً)) [أصول الكافي:1/184 ] ،

نعم! ثمّ في أنّه يجب أن يكون في كلّ إمامٍ زمان يقومُ بواجب الهدايَة للنّاس ، وهَل الغائب يقومُ بذلك ؟!. روى الشّيخ الصّدوق من الإماميّة ، بإسنادِه ، عن بريد بن مُعاوية العجليّ ، قال: قُلتُ لأبي جعفَر -عَليه السّلام- ، ما معنَى : ((إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)) ، فقال : ((المُنذرُ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وعليٌّ الهَادي ، وفي كلّ وقت وزمانٍ إمامٌ منّا يَهديهِم إلى ما جَاء بهِ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم)) [كمال الدين وتمام النعمة:667 ، الإمامة والتبصرة:132] ، وفيه في تأصيل كلامِنا السّابق في الخَائف المغمور ، والظّاهر المَشهور ، وقول الزيديّة بشرط الدّعوة في الإمَام مايرويه الشّيخ الصّدوق من الإمامية ، بإٍسنادِه ، عَن أبي حمزَة الثُّمالي ، قال: ((كُنتُ جَالساً فِي المسجِد الحرَام مَعَ أبي جَعفَر -عَليه السّلام- إذ أتَاهُ رَجُلان مِن أهلِ البَصرة فَقالا لَه: يَا بنَ رَسُول الله إنّا نُريدُ أن نَسألَك عَن مَسألَة. فقَال لَهُمَا : اسألا عمّا جِئتُمَا . قَالا : أخبِرنَا عَن قَول الله عزّ وجلّ : ((ثمّ أورَثنا الكِتاب الذين اصطَفينَا مِن عِبَادِنَا فَمِنهُم ظَالِمٌ لِنَفسِه ومِنهُم مُقتَصِدٌ وَمِنهُم سَابقٌ بِالخَيرَات بِإذنِ الله ذَلِكَ هُو الفَضلُ الكَبير)) ، إلى آخِر الآيَتَين. قَال: نزلَت فِينَا أهلَ البَيت. قال أبو حمزَة ، فَقُلت : بَأبي أنت وأمّي فَمَن الظّالم لِنَفسِه؟!. قَال : مَن استوَت حَسَنَاتُه وَسَيِّئاتُه مِنّا أهلَ البَيت فَهُو ظَالِمٌ لِنَفسِه. فَقُلتُ: مَن المُقتَصِدُ مِنكُم؟!. قَال: العَابِد لله ربّه فِي الحَالَين حَتى يَأتِيَه اليَقين. فَقُلت: فمَن السّابق مِنكُم بِالخَيرَات؟!. قَال: مَنْ دَعَا والله إلى سَبيلِ رَبِّه وأمَرَ بالمعروفِ ، وَنَهى عَن المنكَر، ولَم يَكُن للمُضلِّين عَضُداً ، ولا للخَائِنين خَصيماً، وَلَم يَرضَ بِحُكم الفَاسِقين إلاّ مَن خَاف عَلى نفسِه ودِينِه وَلَم يَجِد أعوَاناً)) [تفسير أبي حمزة الثمالي:276 ، التفسير الصافي:4/239 ، تفسير نور الثقلين للحويزي:4/363 ، غاية المرام للسيد هاشم البحراني:4/38] .

نعم! بذلكَ نكتفي في الجَواب على هذه الشّبهَة ، ولو قد تدبّرها الباحث ظهَر له ما قد يدّله على منهَج بحثيّ رائد في مبَحث الإمامَة بعُموم ، وكيفَ أنّه شهدَ لقول الزيديّة أئمّة أهل البيت عليهم السّلام ، والحمدُ لله .

اللهمّ صلّ وسلّم على محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

السؤال الثالث والثلاثون:

أليسَ الأولَى أن يُبلّغ الرّسُول -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- إمَامَة عَلي بن أبي طَالب -عَليه السّلام- يَوم عَرَفة ، خُصوصاً وأنّ ذَلك المَحفَل والمَكَان ، يَجمع جميع مَنْ حَجّ حَجّة الوَدَاع بخلاف مَا كَان فِي الجُحفَة ، فإنّ عَدد المُسلمين أقلّ ، وأيَضاً سَيكون ذلك التّبليغ بعرفَة أكثَر حُجيّة عَلى أهل اليمَن نَتيجة ذلك الخلاف الذي حصَل مِن بُريدَة وخَالد بن الوليد مَع عَلي بن أبي طالب عَلى الأموال في اليَمَن؟

الجواب:

بأنّ السّؤال انقسَم إلى قِسمَين رئَيسيَن ، القِسمُ الأوّل : فيمَا يَخصّ تَبليغ الرّسول صَلوات الله عَليه وعَلى آله لإمَامة أمير المُؤمنين عَليه السّلام في الجُحفَة فِي غَدير خُمّ ، ولمَاذا لَم يَكُن ذَلك التّبليغ في عَرفَة وجَمْعُ المُسلمين أكثَر .

والقِسم الثّاني : رَبْط السّائل بَين مَا حَدثَ معَ بُريدة ، وخَالد بن الوليد، وأمير المُؤمنين في اليَمن بحَديث الغَدير ، ونُجيب عَلى القِسمين بإذن الله تعالى ، فَنقول:

أوّلا : مَا يَخصّ القِسم الأوّل ، فإنّ الأصل مِن البلاغ المحمّدي لإمَامة أمير المُؤمنين قَائمُ الحُجّة ، فِبَأي وَجهٍ وَطريقٍ شَاء الله ورسوله أن يَكون ذلك البلاغ وَتلك الإقامَة للحُجّة فإننا نَقول : أنّ الله ورَسُولَه أعلَمُ وأحكمَ ، خُصوصا وأنّ شَرط إقامَة الحُجّة قَائم سَواءً كَان ذَلك البلاغ في عرَفَة ، أو فِي غَدير خُمّ ، أو قبلَها ، أو بَعدهَا ، فإنّه وإن كَان التفكُّر يَقضي بأنّ البَلاغ سيكون أكثرَ انتشاراً (ولا نَقول أكثرَ حُجيّة) إذَا كان فِي عَرفة إلاّ أنّ الأمر والوَحي الإلهي والفِعل المحمّدي بإقامَة الحُجّة والإبلاغ والإعلان لإمَامة أمير المؤمنين فِي حُضور آلاف مُؤلّفة مِنَ الصّحَابة في غَدير خُمّ يَقتضي مِنّا التّسليم ، ولا يُمتنَعُ مَعه إقامَة الحُجّة ، وحالُ المُعترض ، كمَن يقُول : أليس الأولى أن يَكون النّبي صَلوات الله عَليه وعَلى آله مِن ذريّة يَعقوب بن إسحاق فإن ذلك سَيكون أكثر تأثيراً فِي اليَهود والنّصَارَى ، وَكمَن يَقول : أليس الأولى أن يَكون بدايَة مَبعث النّبي صَلوات الله عَليه وعَلى آله مِن أرض الأنبيَاء أورشَليم والنّاصرة ، فِلسطين والشّام عُموماً ، فإنّ ثَقل الدّين وتنوّع الحَضَارات مِن تِلك الأرَاضِي ، ولهَا تأثير في العَالَمَيْن الغَربي والشرقي ، وكمَن يَقول: أليس الاولى أن يَكون القُرآن الكَريم قَد نزل بِلُغةٍ أعجميّة ، فَالعَجَم كَثرة مُقابل العَرب ،

نعم! كُلّ هَذه الخَواطِر الفكريّة لا تتعارَض مَع الأصول الواقعيّة مِن كَون مُحمّد -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- مِن ذريّة إسمَاعيل بن إبرَاهيم ، ومِن مَبعثه مِن مَكّة ، ومِن لُغَة القُرآن العَربيّة ، فإنّه وإن لَم يَكن مَا جَال فِي الخَاطِر الفِكريّ فَإنّ الحُجَج تَقوم بتلك الإرادَة والهَيئة والطّريقة التي أرادَهَا الله سُبحَانَه ، ولا يَستطيع مُكلّف أن يَعترض في عَدم قِيام الحُجّة لأجلِ أنّ النّبي لَم يَكُن مِن ذريّة يَعقوب بن إسحَاق ، أو أنّه لَم يَكن مَبعثُه مِن أرض الأنبياء ، أو أنّ القُرآن لَم يَكُن أعجميّا ، بل الحُجّة قَائمة عَليه صَادِحَةٌ صادعَةٌ ، وذلك لا يُخالف عَليه مُسلمٌ بل عاقِلْ ،

نعَم! وَكَذلك خَبر الولاية لأمير المُؤمنين وإعلان إمَامته فَإنّه وإن جَال فِي الخاطر الفكريّ بأنّ التّبليغ سَيكون أكثر انتشاراً لَو كَان يَوم عَرَفة فَإنّ الحُجّة لا زَالت قَائمَة عَلى المُسلمين جَميعاً بذلك البَلاغ فِي غَدير خُمّ ، خُصوصاً وأنّه لا يَزال جمعٌ كَبير مِن الصّحَابَة مِن غير أهل المَدينَة بل مِن مُختلف الأمصَار حَاضرٌ ذلك المَكان ، لأنّ الجُحفَة مَكان اجتمَاع وافتراق الحُجّاج ، فَكان البلاغ في محضر الحُجّاج قَبل تَفرّقهم ، وبه يقُوم نَشر ذَلك الخبَر لأهميّته لمَن لَم يَحضُر ذَلك المقَام ، وقَد قَدّمنَا بأنّ هَذا تَقوم به الحُجّة وَمَتى قامَت الحُجّة فكَفَى ، وَهِي تَمنع ذَلك الخَاطر الفكريّ مِن أن يُمتنَع أو يُعترض عَلى تلك الإرادَة الإلهيّة وذلك الفِعل المُحمّدي يَوم الغدير ، وفِعلاً قَد انتشرَ هَذا الخَبر فِي الأمصَار ، وبَين المُحدّثين والرّواة ، حتّى أصبح نصّاً مَعلوماً مُتواتراً لا يُمكن إنكَاره ، وبذلك تقوم الحُجَج القطعيّة فِي الثّبوت ، عَليه فلا يصح الاعترَاض عَلى إبلاغ الرّسُول صَلوات الله عَليه وعَلى آله بإمامَة أمير المؤمنين عليه السّلام لأنّ الحُجّة قَد قَامَت ، والحُجّة مَتى قامَت فَقد وَجب الاستسلام لله ولِرَسُوله صَلوات الله عَليه وعَلى آله ،

نعم! وَبه تمَ الجَواب عَلى القِسم الأوّل .

ثانياً : فيمَا يخصّ القِسم الثّاني ، فإنّ السّائل قد تَوهّمَ أنّ الرّسُول صَلوات الله عَليه وعَلى آله إنّمَا قَام يَوم الغَدير ليردّ ويُبيّنَ القَدْر الذي يخصّ مَا حَصَل فِي اليَمن وهذا لا دَليل عَليه إلاّ الظن والاستنبَاط بل إنّ السّائل قد بين الرّد على هذا السّبب من ذلكَ التّبليغ عندمَا اعترضَ لماذا لم يُخبر النّبي -صَلوات الله عَليه وعَلى آله- بذلك الخبَر وأهل اليمَن حاضِرون ، فلو كانَ سبب ذلك البَلاغ المحمّدي هُو ما حصلَ في اليَمن لكان ذلك التّبيين وأهل الَيمن حَاضرون ، فأمّا والتّبليغ باتّفاق المُسلمين كانَ في غير خُمّ فإنّ ذلك بلاغٌ ليسَ لتبيينِ قدْرٍ يخصّ أهل اليمَن فقَط ، بل هُو معنى دلّ عَليه النّص والخَبر من إمامَة أمير المُؤمنين عليه السّلام ، بل إنّ ذلكَ البلاغ كانِ عدل الرّسالة المحمديّة كمَا في آيَة التّبليغ قولُ الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)) ،

نعم! فلا دَليل على أنّ سبب ذلك البَلاغ ابتداءً هُو ما حصَل في اليَمن إلاّ الظنّ أو الاستنبَاط ، ثمّ لو كانَ ذلكَ كذلك فإنّ مَدلول حادثَة اليَمن هُو مَدلول نصّ الغَدير ، فإنّه ليسَ لك يا بُريدَة أو غيرُك بأن يعترضَ على حُكم وفعل وطاعَة عليّ بن أبي طَالب كمَا أنّه لا حُكمَ لكُم أو اعتراضٌ على فِعلي لو كُنتُ معَكم ، فأنا مولاكُم الأولَى بالتصرّف في الأمر لا أمرَ ولا نهيَ لكُم مَعي ، وكذلكَ مَنْ كُنت مولاه فعليّ مَولاه ، لا أمرَ لكُم ولا نهي مَعه ، وهذا بيّنٌ إن شَاء الله ،

نعم! ثمّ لنَا أنّ خبرَ إمامَة أمير المُؤمنين عليه السّلام ثابتٌ قولَ يوم الغَدير بآيَة الولايَة ، وحديث المنزلَة وغيرَها من الأخبَار ، وإنّما ذلكَ يومَ الغدير أذانٌ أكبَر في النّاس ليكون تأكيداً وأكثَر انتشاراً في الأمّة ، وبه تقومُ الحجّة القطعيّة ، كما قدّمنا في القسم الأوّل .

اللهمّ صلّ وسلّم على محمّد وعلى آل محمّد..

________________________

السؤال الرابع والثلاثون:

ماذا لو خرج إمامٌ فاطميّ على إمامٍ فاطميّ بحجّة وجود ظُلم وجَور وكلاهُما فيه صلاحٌ (بيّنٌ) ظاهرْ . وإذَا لم يكُن هُنام إمامٌ في البلاد ، فخرجَ فاطميّان أو أكثَر يُريدون المُلْك ، وكلّهم واجِدٌ للصّلاح والعلمْ ، فأيّهم يُفضّل على الآخَرْ ؟!.

الجواب:

أنّ المسألَة قد انقسمَت إلى قِسمَين ، القسم الأوّل : عن خُروج إمامٍ فاطميّ على إمامٍ فاطميّ بحجّة وجود ظُلم وجَور وكلاهُما فيه صلاحٌ (بيّنٌ) ظاهرْ .

والقسم الثّاني : وإذَا لم يكُن هُنام إمامٌ في البلاد ، فخرجَ فاطميّان أو أكثَر يُريدون المُلْك ، وكلّهم واجِدٌ للصّلاح والعلمْ ، فأيّهم يُفضّل على الآخَرْ . نعم! ونُجيبُ بإذن الله على القِسمَين حسب ترتيبِها .

القسمُ الأوّل : عن خُروج إمامٍ فاطميّ على إمامٍ فاطميّ بحجّة وجود ظُلم وجَور وكلاهُما فيه صلاحٌ (بيّنٌ) ظاهرْ .

نُجيبُ عَليه بأنّني قد كُنتُ ذاكرتُ في هذه المَسألَة حيّ شيخِنا العلاّمة نجمُ آل محمّد عبدالرّحمن بن حسين شايم الحَسني رحمَه الله ، فقَال : ((وخلاصَة القَول أنّ الإمَام إذا أجمعَ على إمامتِه أهل الحلّ والعَقد من العُلمَاء فالمُخالف له لا يَخلو ، إمّا أن يكونَ له شُبهَة ، فإن كانَ كذلك فهُو مُتأوِّل وخطأه دونَ خطأ المُعانِد ، وإمّا أن يكونَ مُعانداً ، ولفّق معاذيرَاً وشُبهاً غير مَقبولَة كمعاذيرِ مُعاويَة فلا شكّ في هلاكِه وبغيِه . وأمّا إن كانَ جاهلاً وجبَ عليه البحث والمُراجعَة للإمامَة ومعرفَة كمالِه مِن نقصِه ، ومُراجَعة العُلماء لمعرفَة الإمام ، فإن وجدَه كاملاً وجبَ عليه المُتابعَة والمُعاضدَة والمُناصَرة ، وإن وجدَه غير كامِل فذلكَ لهُ عذرٌ عندَ الله)) [مسائل في الإمَامة] .

نعم! وأبيّنُ ذلكَ من أصل مسألَة السّائل ، أنّ ذلكَ الذي خرجَ على الإمَام في البِلاد ، لأجل أنّ الإمَام القَائم يظلمُ ويجور ، لا يخلو من أن تكونَ دَعواهُ صحيحَة ، أو غير صحيحَة ، فدعوى الصحّة استبعدَناها لمّا قالَ السّائل أنّ حالَهما الصّلاح البيّن الظّاهر ، وهذا يرتفعُ معه الظّلم والجُور ،

نعم! فإذا لم تكُن الدّعوى صحيحَة ، فلا يخلو حالُ ذلك الخَارج من أن يكونَ قد اشتبَه عليه وجهُ جَور وظُلم في سيرَة الإمَام القائم في البِلاد ، وتلكَ النّسبَة عند التّحقيق لا تصحّ فهُو مُخطئٌ وعليه العودَة عن ذلك الخُروج والسّمع والطّاعة للإمَام القائم ، وإمّا أن يكون مُعانداً ويختلقُ وجوهاً للظّلم والجَور في ذلكَ الإمَام القَائم متعسّفَة ومتكلّفة فذلكَ مُعاندُ باغٍ ولا شكّ في هلاكِه ، إلاّ أنّ السّائل قد قيّد مسألَته بالصّلاح والعدالَة في الرَّجُلَين ، وهذا يصرفُ الاحتمَال عن الثّاني (أي المُعانَدة والتبلّي والتجنّي من الخَارج) إلى الشّبهَة ، فهُنا يكونُ الحقّ معَ الإمَام القائمْ لأجل التّهمَة بالشّبهَة وهي ظنّ ، ثمّ لأجل إجمَاع أهل الحلّ والعقد من أهل العلْم والورَع عَليه .

نعم! فأمّا إذا لم يحصُل إجماعٌ من أهل الحلّ والعقج ، بل كانَ فريقٌ منَ العُلمَاء معَ الإمَام القائم ، وفريقٌ مع الإمَام الآخَر ، وكانَ هُناك تُهمَة بجور وُظلْم تُنوزِعَ في وَجهها وهَل ترفعُ الاستحقَاق عن الأوّل القائم في البلادْ من عدمِهْ ، فالقولُ في ذلكَ ما قالَه سيّدي عبدالرّحمن شَايم صلوات الله عَليه من مَسْألتي له : ((وقَد نصّ بعض عُلمائنَا أنّ الواجبَ عليهِم في مثلِ هذه الحالَة هُو تحكيمُ العُلمَاء ، فمَن حكمَ له العُلمَاء بالسَّبق أو بالأعلميّة والأنهضيّة وأنّه هُو الأصلَح وجبَ على المَحكوم عَليه التّسليم للمحكومِ لَه ، وبهذا يكونُ حَسم المسألَة وقطعُ الشّاغِب والخِلاف ، وقد نصّ على هذا الإمام عزالدّين وابن حابِس وآخر مَن تكلّم في هذا القاضي العلاّمة عبدالله بن عَلي الغالبيّ ، والله يمدّنا بأسباب الهِدايَة ، ويوفّقنا لمَا فيه خيرنَا وخيرِ أمّتنَا)) ، انتهى كلامُه -عليه السلام- ، وبه نُنهي الكلام على هذا القسم الأوّل ، وفي كِتابه الفتاوى الجزء الأوّل ما يشفي بإذن الله ،

نعم! ويجدرُ بنا التّنبه إلى أنّ الإمَامة الشرعيّة على شرط الزيديّة والظّلم والجَور لا يجتمَعان في فاطميّ ، ولا يدُخل أحدهُما إلاّ ويُخرجُ الآخَر ، فإذا استحقّ الفَاطميّ الإمَامة بشروطِها فإنّه لن يكونَ ظالماً لأنّ من شروطِها العدالَة والعلْم والورَعْ ، وإذا كانَ الفاطميّ ظالماً فإنّه لا يستحقّ منصبَ الإمامَة لأنّه فقد شرطاً رئيساً من شروطِها .

القسمُ الثّاني : وإذَا لم يكُن هُنام إمامٌ في البلاد ، فخرجَ فاطميّان أو أكثَر يُريدون المُلْك ، وكلّهم واجِدٌ للصّلاح والعلمْ ، فأيّهم يُفضّل على الآخَرْ .

وهُنا أنّه إذا خرجَ إمامَان أو أكثَر في بلادٍ واحدَة ، وكلّهم مالكٌ واجدٌ لشروط الإمامَة ، فإنّ الإمَام المُستحقّ منهُما أو منهُم هُو الأسْبَقُ في الدّعوَة ، فلا يجوزُ الخُروج على إمامٍ مُستحقّ بشروط العلم والصّلاح والعَدل بدعوى إمامَة أخرَى ، وإلاّ عادَ ذلكَ بالنّقض على المقصَد الأسمَى من الإمامَة في حفظِ الأمّة وأصبحَ التّنازُعْ والخِلاف والفتنَة .

وبه تمّ الجَواب على قِسمَي المسألَة ، والحمدُلله .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد

ثم علّق السّائل بقوله :
يعني إن خرج فاطميان فإن علم أحدهما بأن الآخر سبقه بالدعوة وشهد الناس له بالعلم والورع فيعتبر خروجه بنفسه خروجا فاسدا فإن إستمر في دعوته وجب على الآخر مقاتلته؟ الذي أريده (إن أمكنكم طبعا) أن تأتوا بأمثلة حول إمامان دعا كل منهما إلى نفسه فتقاتلا، لأن ما يشتهر على الزيدية بأن بعض آئمتها تقاتلوا وبحسب شرحكم أعلاه أن أحدهما مخطأ، ومع ذلك الزيدية تقول بأن كليهما إمام عظيم وإمام صالح وإمام ورع وعادل؟ أليس ذلك تناقض في المبادئ؟
ثم قلنا في الجواب
فيمَا يخصّ أوّل تعليقِكم ، فإن كانَ الخارجُ صاحبُ مُقاتلَة ، وبَغي ، وفتنَة في الأمّة ، فهذا قد وجبَ على الإمَام الشّرعي ردعُه ، لأنّ خُروجَه بلا مُبرّر على ذلك الحَال ، والله تعالى يقول : ((فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)) ، وذلكَ سابقُ حادثَة من فعل القَاسطين والمَارقين معَ أمير المُؤمنين -عليه السلام- .
 وفيمَا يخصّ آخِر تعليقِكم ، فإنّ حَال الحَمل على السّلامَة للمُتقاتِلَين ، يكونُ عندمَا تستوي عَدالَةُ الإمَامين ، وتضطربُ الأخبَار في أسباب خُروج الثّاني على الأوّل بما لا يُولّدُ يقيناً مَا عندَ المُتأخّرين ، فإنّ الحُكم على أحدهِما بالبَغي أو بعدَم استحقاق الإمامَة صعبٌ على المُتأخّرين ، ثمّ حالُهم لم يُنقَل في المصنّفات بالنّقل الذي يُولّد يقيناً بإثبات استحقَاق أحدهِما وبغي الآخَر ، فكانَ المنهَجُ الأسلَم هُنا هُو حملُ الجميع على السّلامَة ، والإيمَان بأنّ الإمَام واحدٌ في علمِ الله ، لا أنّهما إمامَان جميعاً على أل ذلكَ العصر والمكَان الواِحدْ .
 نعم! فأمّا إذا ظهرَ من حالِ أحدِ الدّاعيين ما تَسقطُ معهُ العدالَة ، وولّد ذلكَ يقيناً للمُتأخّرين ، فإنّه لا يُقال عنهُ إمامٌ ، لأنّ الإمَامة وعَدم العدالَة لا تجتمعَان ، بل يكونُ أحدهُما باغٍ والآخَر العَدل مُستحقّ .
 فظهَر لكَ أستاذِي أنّ هذه هيَ القاعدَة العامّة ، وأنّها مُطّردَة لا تحتملُ التّناقُض ، والنّظريّة تحكُم على الآحَاد ، ولا يحكُم الآحَاد على النظريّة ، لأنّ الآحَاد من الفاطميين وغيرِهم ليسوا بمعصومِين ، فمَا كانَ منهُم من أخطَاء فإنّه تكونُ فرديّة لا يحتملُها منهجُ العترَة وقواعدُ مَذْهَبهِم ، وإنّما يحتملُها ذلكَ المنهج لو كانَ أولئكَ الأفراد والآحاد الفاطميّون مَعصومون ، وهذا لا تقولُ به الزيديّة ،

نعم! كمَن يُحاكم الدّين الإسلاميّ كمنهَج ونظريّة ودُستور إلى أخطَاء الآحاد والأفراد فينسبُ أخطاء الآحَاد في تناقضُهم على النظريّة إلى التّناقُض في النظريّة ، وذلك لا يقولُ به باحثٌ مُنصفْ ، فتأمّله تجدهُ مجوّداً إن شَاء الله ، وتجدرُ الإشارَة إلى أنّ مَنْ لايفَهم هذه القاعدَة ، أو تلكَ الأسس لنظريّة ومنهج ذلك الفكريّ الزّيدي في هذه المسألَة ، فإنّه سيدخُل يُشنّعُ لأجل حُصول اختلافٍ أو تقاتُل (يستغلّ شناعَة الحدَث) فيُوجّهه نقداً على ذاتِ النظريّة ، تشفيّاً لا إنصافاً !. ، وفرقٌ بينَ الباَحث والهَارفْ .
  اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …
ثم علق السائل بقوله :
مازلت أطلب منكم شرح حالة تاريخية حدثت بين إمامين تقاتلا فكان كلاهما مأخوذ منه العلم ويُمدحان ويُمجدان، فإن صح وجود هكذا قضية ولم يقل أحد من الزيدية بتخطيء أحدهما صراحة وما ينبني على ذلك من أحكام في الأخذ من الإمام المخطأ فهذا أمر يحتاج للنظر
ثم كان في الجواب عليه :
لا بَأس بإسقاط الأحداث التّأريخيّة كأنموذَج ، الأصلُ هُو معرفَة القاعدَة والمنهَج ، فإذا عُرِفَت القاعدَة والمنهَح ولم تحتمِل اضطراباً في ذاتِها (وقد بيّنتها لكَ قريباً) ، فإنّه إن حصَل بعدَ ذلك استعراضُ النّماذج التأريخيّة فإنّ ذلك يُعرض على ذلك المنهَج ، ويبقَى التردّد في إسقاطِ العدالَة على أولئكَ الخارجِينَ من عدمِه ، بمعنَى أنّ المسألَة انفصَلت عن تناوُل أصل النظريّة ، إلى تناوُل أشخاص الخارجِين ، والمذهبُ هو النظريّة ، لا أنّ الأشخاص هُم المَذهبَ ، فالأخُذ والرّد في ذاتِ الأشخاصِ استحقاقاً للعدالَة من عدمِه ، لا يَعني الأخذُ والرّد في قوّة المنهَج من عدمِه ، إلاّ إذا لم يُمكن تطبيقُ النظريّة على أرض الواقع نهائياًّ ، فهُنا يعودُ النّقض على النظريّة ، لأنّها نظريّة خياليّة لا يُمكنُ تطبيقُها على أرض الواقع ، وما كانَ هذا حالُه فلا يصلحُ ولا يكونُ في التّأصيلْ ، هُنا (باستلهَام) هذا القَدْر ، أنتَ تكون مؤهّلاً لقراءة تأريخيّة لأولئك الأشخاص المأثور عنُهم تَخالُف مَا ، محمّل بقاعدَة الفَصل بين تحميل النظريّة خطأ الأشخاص .
وبإذن الله أستاذِي أن نأتي على نماذج تأريخيّة بتطبيقِ تلكَ القاعدَة عليهَا ، فذلك عندِي (فرْعٌ) على الأصْل ، والأصْل (أوليّة في الزّمن) هُو الجَواب التأصيلي وتبيين القواعِد ، وهذا قد مرّ و (الفَرْع) الذي أسأل الله أن يتيسّر زمناً هُو شرح أحداثٍ تأريخيّة ، بقيَ أمْر وهُو أنّ اليقين لا يرفعهُ إلاّ يقين ، وأنّ الظنّ لا يُغني من الحق شيئاً ، فإذا تيقّن القارئ والباحث عدالةً مَا لإمام نُقل بالظنّ ما يُنبئ عن خلافِ ذلكْ فإنّ الظنّ لا يرفعُ اليقين ، ثمّ أمرٌ آخَر فإنّ ارتفاع العدالَة في موقفٍ مَا (خطأ في الخُروج) لأجلِ شُبهةٍ مَا ، فإنّ هذا لا يَعني أنّ عُلومَه لا يُؤَخذُ بهَا ، وإنّما سيرتُه هي التي يُوجّه النّقدُ لهَا ، خصوصاً وأنّ الأصل في المنهج الفكريّ عندَ الزيديّة في أصولِها وأمّهات مسائل فُروعها ليسَ قولُ الواحد وإنّما قولُ جماعَة العترَة ، فهُو إن لم يُخالفْ في كُتبه ومصنّفاتِه على جماعَة العترَة بل وافقَهم فإنّهم بذلكَ لا يُقال بأنّ عُلومهم عُلوم ضلالَة أو أنّه قد أخطأ الاعتقَاد في أصولِه وفُروعِه ، وإنّما تتوجّه التّخطئَة إلى عَين الخَطأ الذي وقعَ منه فتدبّر ذلكْ ، وتيقّنْ أنّ اليقين لا يرتفعُ إلاّ بيقين .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

__________________________

السؤال الخامس والثلاثون :

الإمام الظاهر أوالمغمور عند الزيدية واجب الوجود في كل زمان إلا في زمننا وترد الأسئلة من كثير من الناس عن وجود إمام الزمان لا جواب وأكثر ما يكون الجواب (العقد ببيعة الرضى من آل محمد حتى لا يموت الناس ميتة جاهلية فهل يكفي أم لا بد من معرفته ) ؟

الجواب:

أنّ هذا السّؤال من ذلكَ الحديث المحمديّ الصّحيح ، أصبحَ ممّا تُمتحنُ به العُقول ، وتطيشُ لأجلِه الأفهَام ، لمَا فيه من الوَعيد الشّديد بالميتَة الجاهليّة ، ولما يُشكلُ على كثيرٍ من الباحثين الإحاطَة بجوانِبه ، وأصحّ ما استأنستُ به في بحثِي لطُرق هذا الحَديث ، هُو ما رواهُ الإمَام الأعظَم زيد بن عَلي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام قال: ((من مات وليس له إمامٌ مات ميتةً جاهليةً إذا كان الإمام عدلا برا تقيا)) [مسند الإمَام زيد بن عَلي] ،

والجوابُ على فِقه هذا الحَديث نُؤصّلُه من عدّة مقدّماتٍ نقولُ فيهَا :

المقدّمة الأوّلى : في مَعاني الإمامَة التي هي خيرٌ وهدايَةٌ ، إمامَة هُدىً وحقّ ، فهيَ إمامَتان ، الإمامَة الأولَى : هي إمامَة القرآن والسنّة ، والإمَامة الثّانية هي إمَامة الإمَام القائم بخلافَة رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- في الأمّة ، والإمامَتان باقيَتان في الأمّة لحاجتهِم لهَا ، إلاّ أنّ إحدَاهُما باقيةٌ بلا شَرط ، والثّانية باقيةٌ بشرط ، فأمّا الإمامة الباقية بلا شَرط فهي إمامَة الكتاب والسنّة ضمنَ الله تعالى بقائهما إلى يوم الدّين ،

فإن قيل: ذلكَ الكتاب عرفنا وجه بقائه إلى يوم الدّين من قولِ الله تعالى : ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) .

قُلنا : ليسَ مُرادنا هُنا بالبقَاء والحِفظ حفظُ ذات الكِتاب سوراً وآياتاً ، وإنّما المُراد بالبقَاء والحِفظ هُو الهَدي الصّحيح من الكِتاب والهَدي الصّحيح من السّنة ، وهذه كلّها قد تكفّلَ الله ببقائها ما بقيَت العترَة الحسنيّة والحسينيّة إلى انقضَاء التّكليف ، ودليلُ ذلك في حديث الثّقلين المُتواتر المشهور ، قولُ رسول الله -صَلوات الله عَليه وعلى آله- : ((إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسكّتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي إنّ اللّطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتى يردَا عليّ الحوض)) ، وإن كانَ الكتاب محفوظاً مصوناً عن التّحريف ،

نعم! فهذه الإمامة للكتاب والسنّة باقيةٌ بلا شَرط تكفّل الله ببقائها وجعلَ لها تراجمةً هُداةً يدلّونَ عليها وهُم أهل بيت سيّدنا محمّد -صلوات الله عليه وعليهِم- ، ومن لَم يكُن الكتاب والسنّة له أئمّة هُداة وماتَ على ذلك فقد مات ميتة جاهليّة .

وأمّا الإمامة الباقيَة بشَرط ، فهي : إمَامة الإمَام القائم بخلافَة رسول الله صَلوات الله عليه وعلى آله في الأمّة ، وشرطُها شرطُ يرتبطُ بالظّهور وإعلان الدّعوة الحسنيّة أو الحسينيّة ،

ولهذا الظّهور شرطَان ، الشّرط الأوّل: أن يتوفّر النّاصر والمُعين من الأمّة فلا تُغمَر العترَة بالقَهر والقَمع .

والشّرط الثّاني : أن لا يؤدّي ذلك القيام بالخلافَة والإمامَة للأمّة إلى مُنكَر أو أنكَر ممّا النّاس فيه ، فمتى تحقّق هذان الشّرطان كانَت الإمامَة للقائم صاحب الفضَل من بني فاطمَة مُلزمةً بالاتّباع لشخص ذلك القائم من قِبل الأمّة ، ومن لَم يكُن ذلك الإمَام له إمَامٌ يسمعُ له ويُطيع وماتَ على ذلك فقد مات ميتة جاهليّة ،

نعم! فإن قيلَ : فإنّ تكلّمتَ عن ظهور دعوةٍ فاطميّة حسنيّة أو حسينيّة وقيّدتها بشرطَين ، وأخبرتَ في مقدّمة ذلكَ أنّ هذا من صنف الإمامَة الباقيَة بشرَط ، وفي هذا تناقُض فكيفَ تقولُ ببقائها وتقولُ بانعدامهَا إلى لم يتحقّق الشّرط ؟!.

قلتُ : ليسَ من تناقُض فمفهوم العترَة أنّ بقاء الإمامَة فيما هُو أمرٌ الله واصطفاؤُه لهذه الذريّة هُو أن لا يُعدَم منهُم القادرُ على القيام بأمر الأمّة والإمَامة وإشهَار الدّعوة والأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكَر ، لا يخلو الزّمانُ من صالحٍ منهُم لقيادَة الأمّة وإمامتهَا ، فالإمامة الثّانية بقايةٌ ببقاء المؤهّل أو المؤهّلين للقيامِ بهَا متى أوفَت الأمّةُ بشرطِ وتكليفِ الله عليها وهو الاجتماع حول العترَة للقيام بأمرِ الأمّة ، الاجتماع لا الذي يغلبُ على الظنّ أنّه يُزاح به الظّلم أو تستتبّ معه أمور العباد بعضهُم أو كلّهم .

نعم! فهذه المقدّمة الأولى للجواب على سؤالِ السّائل وخُلاصته أنّ الإمامَة إمامتَان يموتُ بدونِها المكلّف ميتة جاهليّة ، وكلّها باقيَة لا يخلو الزّمان منهَا ، إمامَة الهُدى من الكتاب والسنّة فعلماء آل محمّد باقونَ يهدونَ النّاس إليهَا ، وإمامَة القيام بأمرِ الإمامة العُظمَى فعلمَاء آل محمّد باقونَ ينظرون أثر تلكَ الإجابَة لذلك الهدي من الكتاب والسنّة للالتفَاف والقيام بأمرِ الأمّة مع الدّاعي والرّضا منهُم يقومُ به فيحكُم ويعدِل سنّة آبائه الأئمّة الهُدَاة .

المقدّمة الثّانية : أنّ من أصول العترَة ، بل هي أصولٌ لغيرِهم من أهل الإسلام ، إلاّ مَن شذّ أنّ الله تعالى لا يُكلّف الله نفساً إلاّ وُسعَها ، ((لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)) ، وأنّه لا طاعَة لأئمّة الضّلالة وأئمّة الجور والظّلم ، فإذا كانَ الحديث المحمديّ : ((من مات وليس له إمامٌ مات ميتةً جاهليةً)) :

إن كانَ المقصودُ منهُ ضرورَة وجود إمامٍ بالمُصطلح الشّرعي القائم العادلِ الحاكِم للأمّة كأمير المُؤمنين ، والأئمّة من ذريّته زيدٍ والهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين ، والنّاصر الأطروش الحسَن بن عَلي وغيرهِم ، فالمَعلوم بالضّرورة التأريخيّة أنّ الزّمان قد انقطعَ يسيراً (على شرط الزيديّة) وكثيراً (على شرط غير الزيديّة) ، فأمّا على قولِ السلفيّة فظاهرٌ من بعد الخلافَة الرّاشدَة (على حدّ قولهِم) واستثناءً لعُمر بن عبدالعزيز ومن بعدَهم من بني أميّة والعبّاس فحالُ أئمّتهم في الظّلم والجَور يعلمُه كلّ مُنصف ، وأمّا على شرطِ الإماميّة فإنّهم من بعد الإمَام الحُسين بن عَلي لم يكُن في أئمّتهم إمامٌ ظاهرٌ مشهورٌ يقودُ الأمّة ، ولو سلمّناَ لهُم بأنّ الثّمانية ظاهِرين ، فإنّهم (الإماميّة) من منتصف القرن الثّالث سنَة (255هـ) إلى يوم النّاس هذا ، ليسَ لهُم إمامٌ ظاهرٌ يقومُ بأمر الأمّة ، يأمرُ فيهم بالمَعروف وينهَى عن المُنكر ، وينتصرُ للمظلومين من الظّالمين ، وكذلكَ الحالُ مع الإسماعيليّة ، وعلى قول الزيديّة فإنّه قد حصلَ زمان فترَة فيما بين الأئمّة القائمين ، كذلك الزّمان بينَ قيام الإمَام الحُسين بن عَلي السّبط ، وبين قيام ابن أخيه الإمَام الحسن بن الحسن ، وأيضاً بين قيام الإمَام الحسن بن الحسن والإمَام زيد بن عَلي ، وأيضاً بين قيام الإمام مجدالدّين المؤيّدي حيث قد ثبتَ قيامُه ثمّ تخاذلُ النّاس عنه ، والمتوفّى سنَة (1428هـ) وبين قيام إمامٍ في زماننا هذَا ، فهذه على شرط الزيدية فتراتٌ يسيرَة قصيرَة بين قيام الأئمّة قد لا يتخلّلها إمامٌ قائمٌ داعٍ ظاهرٍ يقود الأمّة بأمرُ بالمَعروف وينهى عن المُنكر ويُقيم الحُدود وينتصرُ للمظلومين ، نعم! فإن كانَ المقصدود من حديث الميتة الجاهليّة هُو أنّه حديثٌ يدلّ على وجود أئمّةٍ ظاهرينَ بالدّعوة داعين إلى الإمامة يجبُ على النّاس طاعتهُم عَيناً فهذا قد دلّت الضّرورة التأريخية على عدمِه وخلوّ الزّمان من مصاديقِه ، وكون أنّ يقول الباحث والنّاظر بهذا المَدلول من ذلك الدّليل فإنّه سيُكلّف النّاس ما لا طاقَة لهُم ، ويحكُم لهم بالميتة الجاهليّة في أزمانٍ خلَت من الأئمّة القائمين بالدّعوة الظّاهرين ، والله قد وسّعَ ذلكَ عليهِم عندما خلَت تلك الأزمَنة فعليّا من أولئك الدّعاة القائمين ، فاستبعدَنا هذا المَدلول (وجود إمام قائمٍ بالدّعوة العادلَة في كلّ زمَان إطلاقاً) من فِقه الحديث المحمديّ .

نعم! وإن كانَ المقصود من قولِ رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- : ((من مات وليس له إمامٌ مات ميتةً جاهليةً)) ، هُو ما قدّمناه حسب الحَال وتوفّر الشّروط في المقدّمة الأولى اتّسقَ ذلكَ واستقَام واطّردَ على كلّ زمَان ولزمَ كلّ مُكلّف ، لأنّ إمَامة القُرآن والسنّة باقيةٌ والعترةُ مُلازمةٌ لها يدلّون عليها لا يفترقونَ عنها إلى ورود الحوض على نبيّنا محمّد -صلوات الله عَليه وعلى آله- ، فمَن لم تُكن له تلكَ المصادر (القرآن والسنّة والعترَة) مصادرُ هدايَة في زمن عدم قيام الأئمّة القائمين من آل محمّد لعدم تحقّق شروط القيام وتفرّق النّاس عنهُم وغمرهِم بالظّلم فأصبحُوا على ذلكَ الحال خائفين غير قادرين على القِيام ،

نعم! فمَن لم تُكن له تلك المصادر في ذلك الزّمن إماماً للهدايَة بها يستنيرُ في اعتقادِه وقولِه وفعلِه ومات على ذلكَ فميتته ميتةٌ جاهليّة ، وإن تحقّق شروط القيام والتفّت الأمّة حول العترَة فقام قائمُهم ، ودعَا إلى الله تعالى رضاً من آل محمّد ، وجبَ على الأمّة إجابَته لأنّه على ذلك الحَال وبشروط الفضل والصّلاح لن يكون على غير هُدى الكتاب والسنّة وإجماعات سلفه من العترَة ، فهو إمام الزّمان القائم وواجبٌ على الأمّة إجابَته ، ومن لَم ُيجبه كانَ له الوَعيد والميتة الجاهليّة ،

نعم! وهُنا وقد فصّلتُ وأصّلت المسألَة في المقدّمتين السّابقَتين ، فآتي للباحث بأقوال أئمّة العترَة تشهدُ لذلك التّأصيل ،

فيقولُ الإمام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين -عليه السلام-، (ت298هـ) ، يشرح حديث جدّه صَلوات الله عليه وعلى آله ، قال : ((إذا كانَ في عَصرِ هذا الإنسان ، إمامٌ قائمٌ زكيٌّ نَقيٌّ ، فَلم يَعرفهُِ ولَم يَنصرهُ ، وتَرَكَهُ وخَذلَهُ وماتَ على ذلك ، ماتَ ميتةً جاهلية ، فإذا لَم يَكُن إمامٌ ظاهِرٌ مَعروفٌ باسمه ، مَفهومٌ بقيامه ، فالإمام الرّسول ، والقرآن ، وأمير المؤمنين -عليه السلام- ، ومِمَّن على سيرته وفي صِفَتِه مِن وَلَدِه ، فَتَجِبُ مَعرِفَةُ مَا ذَكَرنا على جميعِ الأنام ، إذا لَم يُعلَم في ذلكَ العصر إمام ، ويجبُ عليهِم أنْ يَعلمُوا أنَّ هذا الأمر في ولَدِ الرَّسول -صلوات الله عَليه وعلى آله-خاصّاً دُونَ غيرِهم ، وأنّهُ لا يَعدمُ في كُلِّ عَصرٍ حُجّةٌ لله يَظهرُ منهُم ، إمامٌ يأمرُ بالمعروف وينهى عن المُنكر ، فإذا عَلِمَ كُلَّ ما ذَكرنا ، وكانَ الأمرُ عندَهُ كمَا شَرحنا ، ثمّ ماتَ فقد نجا من الميتة الجاهليّة ، وماتَ على الميتةِ المِليّة ، ومَن جَهِلَ ذلكَ ولَم يَقُل به ، ولَم يَعتَقِده ، فَقد خرجَ من الميتة المليّة ، وماتَ على الميتة الجاهلية ، هذا تفسيرُ الحديثِ ومعناه)) [الأحكام في الحلال والحرام] .

ثمَّ علّق الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني الحسني -صلوات الله عَليه وعلى آله- على تفسير الإمام الهادي السابق للحديث المحمديّ ، فقال : (( وهذاَ هُوَ الصّحيح ، دُونَ مَا ظَنُّ بعضُ النّاس ، مِن أنْ يَدُلَّ على أنّهُ لا بُدَّ في كُلِّ زَمانٍ مِن إمامٍ تَلتَزِمُ مَعرِفتُه ، لأنَّ هذا في نهايَة البُعد ، فإن قالَ قائل : أتُجوّزنَ أن تَخلُوَ الأرضُ من الأئمة أَزمنةً كثيرَة ؟ . قيلَ له : إن أردتَ بهذا القول ، أنَّ الأرضَ تَخلو ممّن يَصِحُّ للإمامة ، وسياسَة أمرِ الأمّة مِن أفاضِلِ أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله ، فهذا يَمتنِع منهُ الزيدية ، ولا يُجوّزونَه ، وإن أردتَ بذلِكَ أنّها تخلو ممّن يقومُ بالأمر ويَتولاّه لأسبابٍ عارِضَة ، وأحداثٍ مَانِعَة ، فهذا غيرُ ممُتَنِع)) [الدّعامة] ،

وقالَ الإمام مانكديم المُستظهر بالله أحمد بن الحُسين -صلوات الله عَليه وعلى آله- : ((اعلَم أنَّ مِن مَذهَبِنا أنَّ الزّمان لا يَخلو عَن إمام ، ولَسنا نعني بهِ أنْ لابُدَّ مِن إمامٍ مُتصرِّف ، فالمعلوم أنّهُ ليسْ ، وإنّما المُرادُ به ليسَ يجوزُ خلوّ الزّمانِ ممّن يَصلُح للإمامَة)) [شرح الأصول الخمسَة] .

نعم! وبهذا أتممنا الكَلام على المقدّمة الثّانية من هذا الجواب ونشيرُ وننبّه إلى أمر ، وهُو أنّه على شرط الزيديّة أنّ الزّمان (الفترَات) لا يخلو طويلاً من قيام الإمَام الدّاعي بعدَ الإمَام لمّا كانَت الأمّة بحاجَة إلى ذلك القيام لإحياء معالم الكِتاب والسنّة وقضّ مضاجع الظّلمَة ، ولحاجَة الأمّة إلى أن يُنتصَر لمظلومهِم من ظالمهِم ، ولضيعفهِم من قويّهم ، وحاجتهِم للمُنكر أن يُباَد ، وللمعروف أن يقرّ ويستقرّ ، وللحُدود أن تمضي وتُقام ، فالإمَامة الأولى (الكتاب والسنّة والعترَة المقصتدين العُلماء في الزّمان) تُمهّد للإمامة الثّانية (القيام بأمر الأمّة ونصر داعي الله تعالى) ، فالأوّل عمادُ الثّاني ، ولا يُغني ولا يصرفُ الاتّباع للأوّل دوناً عن الاتّباع للثاني متى وُجِدَ وقامَ ودعا عن الميتة الجاهليّة حسب مُقتضى الحديث المحمدّي وغيره من الأحاديث الدّالة على وجوب مُناصرَة واتّباع إمام الهُدى القائم ، وللمسألة من جانب الجَهل والتأويل لمن لَم يُجب ذلك الإمَام حيثيّات أخرى ليسَ هذا مقامُ تفصيلهَا .

المقدّمة الثّالثة : أنّ إخوتنا من الإماميّة مَن عاصرنَا طرحَهم ، وسبرنَا حُججَهم ، يقولون بأنّه لا مِصداق لهذا الحَديث إلاّ على شرطِهم ، لأنّه يُفيدُ اطّراداً واستغراقاً زمنياً يشملُ كلّ زمان ، وهُم الذين يقولون بالإمَامة في كلّ زمَان ويُعيّنون الإمَام ، ويقولون أنّ إمام زمانهِم هُو المهدي محمد بن الحسَن العسكريّ من اثني عشر قرناً ، يعَني أنّه ابن الحسن العسكريّ هذا ، هُو إمامُ زماننا ، وإمام زمانٍ تاسعٍ جدّ من آبائنا ، بل إمام آبائنَا وسلفنا إلى الإمام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين (ت298هـ)! ، والمعلومُ لكلّ أصوليّ وباحثِ مُنصف أنّ هذا عُذرٌ بارِد ، وقد أنصَفَت الزيديّة العقلَ عندَما لم تأخُذها العاطَفة بالقول بشمول إمَامة القيام كلّ زمَن بلا فترات ، لمّا كانت الضّرورة التأريخية تقضي بخلافِ ذلك ، فأمّا الإمَاميّة فاستَغنت من معرفَة المُكلّفين للإمَام باسمِه فقَط ، دوناً عن الوقوفِ على شخصِه ، والاهتداء بهديِه أمراً بالمَعروف ونهياً عن المُنكر واستنباطاً في الدّين وتوجيهاً للأمّة ، فإن كانَ هذا (المعرفَة بالاسم) مع غيابِه يَكفي لنجاة الأمّة ، فإنّنا نعرفُ أنّ إمامنا هُو رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- مع غيابِه وهذا يجبُ أن يكفي من المعرفَة بالاسم مع غياب عين الشّخص ، أو أنّ إمامنا هُو أمير المُؤمنين عَلي بن أبي طالب -عليه السلام- مع غيابه وهذا يَكفي من المعرفَة بالاسم مع غيابِ الشّخص ، ثمّ إنّ ذلكَ التأصيل الإماميّ بأنّ إمام الزّمان الذي بمعرفته تكون النجّاة من الميتة الجاهليّة وهو ابن الحسن العسكريّ المَهدي ، مبني على ثبوت النّص ، والنّص ساقطٌ كتاباً وسنةّ ، آحادٌ انفردَت به الإماميّة ، ولم تروه الأمّة بما يُفيد العِلم والقَطع ، ثمّ إنّ ذلكَ التّأصيل الإماميّ بأنّ إمام الزّمان الذي بمعرفته تكون النجّاة من الميتة الجاهليّة وهو ابن الحسن العسكريّ المَهدي تُناقِضُه أقوال أئمّة الإماميّة ، فيروي الشّيخ المفيد ، بإسنادِه ، عن محمّد بن علي الحلبي ، قال: قال أبو عبدالله -عليه السلام- : ((مَن ماتَ وليسَ عليه إمامٌ حيّ ظاهرٌ مات ميتة جاهليّة)) [الاختصاص:269] ،

وهذا الخبرُ عن الإمَام الصّادق -عليه السلام- هُو عين ما قرّناه في المقدّمتين الأولى ، وهو معنى شرح الإمَام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين -عليه السلام- ، وهُو يدلّ على أنّ الإماميّة من اثني عشر قرناً بلا إمام ظاهرٍ هُم على الميتَة الجاهليّة التي قد امتحنُوا النّاس بها اليَوم ، وأوضحَ منه على ما قدّمناه ونقلنَا عن أئمّة العترَة الزيديّة ، وهُو يردّ ما ذهبَت إليه الإماميّة من حديث الميتة الجاهليّة ، ما يَرويه الكُليني ، بإسنادِه ، عن محمّد بن مسلم ، قال: سمعتُ أبا جَعفر -عليه السلام- ، يقول: ((كلّ مَنْ دَان الله – عزّ وجلّ – بِعبَادَةٍ يُجهِد فِيها نَفسَه ولا إمَام لَه مِن الله فَسعيُه غَير مَقبول وهُو ضَالّ مُتحيّر ،..، والله يا محمّد ، مَن أصبَح مِن هَذهِ الأمّة لا إمَام لَه مِن الله – عزّ وجلّ – ظَاهرٌ عَادِلٌ أصبحَ ضَالاًّ تَائهَاً . وإنْ مَات عَلى هَذه الحالَة مَات مِيتةَ كُفرٍ ونِفَاق ، واعلَم يَا محمّد، أنّ أئمّة الجور وأتبَاعهم لمعزُولُون عَن دِين الله ، قَد ضَلّوا وأضلّوا)) [أصول الكافي:1/184] ، والمعلوم أنّ الإمامية من اثني عشر قرناً ليسَ لهُم إمامٌ ظاهِر ، وتأمّل صفَة العَدل التي ألحَقها الإمام الصّادق -عليه السلام- بصفَة الظّهور ، يدلّك على أنّ المقصود بالإمامة هُنا هي إمامة القيام والدّعوة إلى الله تعالَى بالأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكَر ، وليسَ هذا في متحققّ من اثني عشر قرناً على شرط الإماميّة في إمامهم الذي عرفوه بالاسم فقَط! ،

نعم! وأقوالُ أخرى لأئمّة الإمامية تثبتُ المعنى الثّاني من معاني الإمامَة وهي إمام القيام بالدّعوة والجَهاد للظّلمَة والانتصار للمظلومين ، وهذا الإثباتُ هو إثباتُ لقول الزيدية في الإمامة في العترة الفاطميّة الحسنيّة والحُسينيّة وأنّها بالدّعوة ، وقد تكلّمنا عن وجود الفترات اليسيرَة ، وهذا يتناقض مع مفهوم الإماميّة للإمامة وقولهم باطرادها وشمولها كلّ زمان ، بل هي تنقضُ إمامَة إمامهم الثّاني عشر الذي غابَ بعد ولادته (إن صحّت) إلى يوم النّاس هذا ، فبقيت الأمُم والقُرون والأجيال والجمَاعات بلا إمامٍ ظاهِر يقومُ فيهم بالحجّة والدّعوة الظّاهرة العادلَة ، وأقوال أئمّة الإماميّة على غير ذلك ، ومنها ، وبهذَا النّقل وما قبلَه عن أئمّة الإماميّة التي تنقضُ على أصلهِم ومدلولهِم من فقه حديث رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- : ((من مات وليس له إمامٌ مات ميتةً جاهليةً)) ، فهم من تلكَ الأخبَار والبُعد عن التأصيل العلميّ الصّحيح يطولُهم وبنالهُم وعيد ذلك الخَبر المحمديّ ، ولسنَا نذكُر ذلكَ إلاّ تنبيهَاً للباحثين ، لا حبّا في إسقاط الوَعيد وتهليكِ الأمّة وزيادَة تفرّقها ، فقد امتحنَت الإماميّة الأمّة بهذا الحَديث يفرحونَ بمعرفتهِم باسمٍ لا قاعدَة تحتَه .

وبهذا المقدّمة الثّالثة تمّ الجواب على سؤال حديث الميتة الجاهليّة ، تبقّى كم المدّة بين الرّسول والرّسول ، فذلكَ في علمِ الله تعالى سنواتٌ تَطول وتقصُر بفتراتٍ لا يُنكرها المُسلمون ، وأقربُها الفترَة بين نبيّنا محمّد صَلوات الله عليه وعلى آله وبين نبيّ الله عيسى صلّى الله عليه فإنّها تقربُ من ستّة قُرون ، وقد لا تكون فترةٌ بين الأنبياء والرّسل كسليمان وداود ، وعيسى وزكريّا ويحيى صَلوات الله عليهم ، وبهذا يتمّ الجواب ، والحمد لله .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

السؤال السادس والثلاثون: 

1/ الإمام عبدالله بن حمزه عليه السلام ، عندما قاتل المطرفيه ، هل قاتلهم لعقائدهم ، وان قاتلهم على عقائدهم ، هل يجوز لشخص أن يقاتل شخص على عقائده ويستبيح دماء ..؟؟؟

2/ الإمام يحيى بن حمزه عليه السلام ، عندما قال ان إمامة الإمام علي نص خفي ، واستدل على هذا ، بقول ابو بكر عندما قال ، ولله لو علمت ان الخلافه في غيري لتركتها .؟؟ مارأيكم في هذا …؟

الجواب :

نقولُ فيه فيما يخصّ المسألَة الأولى عن المطرفيّة ، هل كانَ قتال أمير المُؤمنين المنصور بالله عَبدالله بن حمزَة -عليه السلام-، لأجل خلافٍ فكريّ ، أم غير ذلك؟!.

أنّ الخِلاف مع المطرفيّة مرّ بمرحَلتين بارزَتين وهي أقدَم ، مرحَلة المُعارضَة الفكريّة لفكر أئمّة الزيديّة ، ونشطَ ذلك منهُم في عهد الإمام المُتوكّل على الله أحمد بن سُليمان -عليه السلام- المتوفّى في القرن السّادس الهجريّ ، فكانَت ردّة فعل الإمَام وعُلماء الزيديّة هُو مُحاورتهم فكريّاً للعودَة إلى جادّة الطّريق وممّن كانَ له الرّيادة في ذلك الإمام المتوكّل على الله ،والعلاّمة البيهقي ، والقاضي جَعفر بن أحمد ، ولهم رسَائل مأثورَة محفوظَة ، ثمّ لمّا كان عهدُ الإمَام المنصور بالله عَبدالله بن حَمزة -عليه السلام- والمتوفّى في القرن السّادس الهجري ، كانَت المطرفيّة حراكاً فكريّاً مُخالفاً وكانوا أيضاً طرفَ مُعارضَة سياسيّة بتنفير النّاس على الإمَام الشّرعي ، رغمَ دخولهِم في بيعَة الإمَام ونكثهِم للبيعَة ، والذي يظهَر من ردّة فعل الإمام نحوَهم أنّهم كانُوا أصحَاب نظريّة فكريّة شاذّة وأصحاب نظريّة سياسيّة مؤلّبَة ، فمِن هُنا استخدَم الإمَام السّيف معَهم ، وسابقاً قد مرّت معنا سيرَة أمير المُؤمنين علي بن أبي طالب -عليه السلام- في مَن خالفَه فكريّاً وسياسيّاً بالتّأليب والتّنفير ، وكذلك تعامُله مع النّاكثين والقاسطين .

وفي خُصوص مسألة النّص الخفيّ والجَليّ ، فإنّ الإمَام المؤيّد بالله يحيى بن حمزَة -عليه السلام- قد كان يقولُ بمضمون جلاء النصّ وقطعيّته على أمير المُؤمنين من مقصد رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- ، وإنّما الخفَاء كان بعدَ ذلك في تَيه بعض الفرق والمذاهب في معنى الولايَة إذ أنّه تعدّدت معانيها ، وفي الرّابط التّالي تفصيل مسألَة النصّ الخفي والجليّ من مذهب الزيديّة لمَن التبسَ عليه الأمْر ،

https://wp.me/p3zlyI-76

نعم! فأمّا ذلكَ المنقول عن الإمَام يحيى بن حمزَة -عليه السلام- من قول أبي بَكر فلم أقفْ عَليه فيما بحثتُ فيه ، وأنقُلُ ما يُعارضُ الفَهْم منه من كلامِ الإمام يحيى بن حمزَة -عليه السلام- نفسَه في إمامَة أمير المُؤمنين ، فقال -عليه السلام- : ((أنّ دلالة [إمامته] قاطعَة ، والحقّ فيها واحد ، وليسَت من مسائل الاجتهَاد كما ذكرَه بعضُهم ، فمَن خالفها فلا شكّ أنّه مُخطٍ بمخالفته للدّلال القاطعَة)) [مجموع الإمام يحيى بن حمزة:463] ، فهو نصّ جليّ قطعيّ من مقصد رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله ، ومن فَهم كبار عُلماء الصّحابَة له ممّن كانَ مع أمير المُؤمنين -عليه السلام- طيلَة الستّة أشهر التي لم يُصالح فيها أبا بَكر ، فتأمّل ذلك ، وتأمّل تفصيل مسألة النصّ الخفيّ والجليّ على الرّابط أدنَاه ، موفّقاً .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

 السؤال السابع والثلاثون :

إمامة المفضول في وجود الأفضل هل تعتقد بها الزيدية ؟!.

الجواب:

أنّ إمامَة المفضول في جودِ الفَاضل ، قد طرقَها أهل الِملل والنّحل ونسبُوها إلى الزيديّة الصّالحية ، وتلكَ النّسبَة غير صيحَحة على منهج الزيديّة الذي عليه أئمّة العترَة ، يُريدونَ بها أنّ الزيديّة تثبتُ إمامَة أبي بكر وعُمر في وجود الفاضلِ أمير المُؤمنين -عليه السلام- ، والحاصلُ من قول أئمّة العترَة هُو عدَم تصحيح تلكَ المسَألة ، نعني إمامَة المفضول مع وجود الفَاضل ، قالَ الإمَام النّاصر لدين الله إبراهيم بن محمّد المؤيّدي -عليهم السلام- في سياقِ كلامِه حول أبي بكر وأمير المُؤمنين : ((وَأيضاً فإنّه لَو لَم يَكُن هُناك نَصّ عَلى إمامته -عَلَيْهِ السَّلامُ-، فإن إمَامة المَفضول مَع وُجود الأفضَل بَاطِلَة على مَا ذلك مُقرّر بأدلّته، ولا شك في أنّه أفضَل الصّحَابَة)) [الإًصباح على المِصباح] ، وفي ذات السّياق يقول العلاّمة ابن حابس رحمَه الله : ((الدّليل الخَامس: عَلى إمَامَته عليه السلام مَا ثبَت أنّه أفضَل الناس بَعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وَباقي الصّحَابَة مَفضُولون، وإمَامَة المَفضُول لا تصحّ)) [الإيضاح شرح المِصباح] ، وقالَ الإمام عزالدّين بن الحسَن -عليه السلام- : ((فَالذي عَليه الزيديّة وبَعض المُعتزلة، كعبّاد أن إمَامة المَفضول لا تصحّ. ذَكره القَاضي عبد الله بن حسَن الدّواري قال: ومِمّن نَصّ عَلى ذلك الهَادي إلى الحَق، والنّاصر -عليهما السلام-، ويَفسق المَفضُول إذا سبَقَ الأفضَل بالدّعاء إلى الإمَامَة)) [العناية التامّة] ، وهُو قول العلاّمة ابن مداعس ، والإمَام المنصور بالله القاسم بن علي العياني ، وقالَ الإمام القاسم بن إبراهيم الرّسي -عليه السلام- : ((أمّا الإمَامَان فلا يَخلُوَان من أن يَكون أحَدهما أفضَل مِن الآخر، فَيكون المَفضول بفَضل الآخر عَليه قد زَالت إمَامَته، ويَلزمه تقديم الفَاضل في الدّين والعِلم وطَاعَته)) [مجموع كتب ورسائل الإمَام القاسم الرّسي] . وقالَ الإمَام الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن عَلي -عليه السلام- ، يتكّلم عن إمامَة أمير المُؤمنين -عليه السلام- : ((فَلم يَنقادوا له بالطّاعة كمَا أمرهم الله، واستحَال أن يَكون المَفضُول إماماً للفَاضِل، لأنّ الله قَدّمَ الفَاضل بفضله)) [جامع عُلوم آل محمّد] ، وهُو قول الإمَام النّاطق بالحقّ يحيى بن الحسين الهَاروني -عليه السلام- .

نعم! فهذا كمَا ترى قول أئمّة العترَة في الفاضل والمَفضول ، وقد كُنت سألتُ حيّ شيخنا نجم آل محمّد سيّدي العلاّمة الحجّة عبدالرّحمن بن حسين شايم المؤيّدي -عليه السلام- ، فسألتُه : ((عَن تأصيلِ إمامَة المَفضول بوجودِ الفاضِل عندَ أهل البيت ، وهَل يُشترَط في الإمام أن يكونَ أعلمَ أهل زمانِه ؟! .)) ، فقالَ -عليه السلام- : ((أنّ الواجبَ على المفضولِ أن يُسلِّم الإمامَة للأفضَل ، وهذا هُو رأي أكثر أئمّة أهل البيت -عليه السلام- ، والذي أراهُ أنّ الفَضل ومراتبَه إن كان المُراد بها الثّواب وكَثرتُه فلا يعلَمُه إلاّ الله ، وإن أرادَ بالفَضل كثَرة الأعمال والطّاعات المُقرِّبَة إلى الله فلا يَظهرُ لي أنّها هي التي يَستوجبُ بهَا الإمامَة والتقدّم ، بل أرىَ أنّ الإمامَ إذا جمعَ الشّروط المُعتبرَة وأعظمُها هُو العِلم الذي هُو الاجتهَاد والورعُ والسّياسَة التي ينتظمُ بهَا أمرُ الجمهور ، وسبقَ بدعوتِه ، ونهضَ إلى الجهَاد ، فإنّه بهذا يكون أفضل أهل زمانِه لأنّ الله جلّ جلالُه فضّل المُجاهدين في آياتٍ كثيرَة ، فبهذا يَسبقُ ويفوق كثير العبادَة الذي لَم يكُن منه جهَاد ، هذا ما أراهُ والله الموفّق للصّواب ،

وأمّا قولُكم : هل يُشترط في الإمام أن يكونَ أعلمَ أهل زمانِه ، فمراتبُ العِلم ليسَ لهَا حدٌّ مَحدود ، بَل الذي هُو شرطٌ مُعتبر هُو الاجتهَاد ، ومهمَا تمكَّن من الاجتهَاد المُطلَق فهُو كافٍ)) اهـ .

نعم! وسألتُه -عليه السلام- أيضاً : ((هَل يُعتبر الوالي العادل من غير الفاطميّين إماماً شرعيّاً كعمر بن عبد العَزيز ، يُتوجّه إليه حديث : ((مَن مات ولم يعرف إمامَه مات ميتة جاهليّة)) ؟!)) .

فقَال : ((أنّ مَن كانَ مثل عمر بن عبدالعَزيز في عدلِه وزُهدِه وقيامِه بإحياء الشّريعَة المطهّرَة ، وإجراءها على رُسومِها الشّرعيّة وحُدودهَا المرضيّة يُعتبرُ من سلاطين العَدل لا من الأئمّة الدّعاة ، لأنّ أحد شروط الإمامَة المَنصب عند الزيديّة ، وهُو أن يكون من أحد أولاد السّبطين ، ومِثل عمر بن عبدالعزيز يُشكر ويُذكر بالخَير لِما أثِر عنه من إقامَة العَدل والاستقامَة على الشّريعة المطهّرَة وردّ المَظالِم وإنصافِ المَظلومين وقَمع الظّالمين ، ولكنّه ليسَ بإمامٍ مُفترضة طاعتُه كأحَد أئمّة الهُدَى ، إلاّ أنّه لأمرِه بالمعروفِ ونهيهِ عن المُنكرَ تجبُ إعانتُه على ذلك لأنّه كالمُحتسِب ، وإذا وُجِدَ الإمام الجامع للشّروط عند الزيديّة وجبَ عليه التّنحيّ وتسليم الأمرِ للقائم ، هذا ما تقتضيهِ نصوص الأئمّة)) اهـ .

نعم! وبهذا تمّ الجَواب على هذه المسألَة ، إمامَة المفضول في وجود الفاضِل ، وهي من المَسائل التي يُخطئ فيها الكثير من البَاحثين فينسبونَها إلى الزيديّة.

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

____________________

السؤال الثامن والثلاثون:

بسم الله الرحمن الرحيم 

من كتب إخواننا الزيدية قال السيد مجدالدين المؤيدي في “التحف” ص52 : “وقال صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الإمام المنصور بالله عليه السلام: مَن سرَّه أن يحيا حياتي، ويموت ميتتي، ويدخل جنة عدن التي غرسها ربي بيده، فليتولَّ علي بن أبي طالب وأوصياهُ، فهم الأولياء والأئمّة من بعدي، أعطاهم الله علمي وفهمي…” الخ الحديث .

وقال أبو القاسم الحوثي (من علماء الزيدية) في “الموعظة الحسنة” ص50 : “رزقهم الله تعالى علمَ جدِّهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفهمَه…”.

وروى في “الموعظة الحسنة” عدَّة أحاديث في تأييد ذلك. 

وعلى هامش هذه المضامين التي يعتقد أئمة إخواننا الزيدية بصحتها نقول :

1 ـ هل يوجد في علماء الزيدية أو أئمتهم (في الماضي أو الحاضر) من قال إنه أوتي علم رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وفهمه؟ الجواب: لا يوجد، بل يوجد الدليل على عدم ذلك؛ لأنهم يختلفون فيما بينهم، ولو كان العلم الذي عندهم هو علم رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- ، لما اختلفوا. وبناء عليه: يتبين أن الأئمة الذين أوتوا علم رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- ليسوا هم أئمة الزيدية.

أضف إلى ذلك أنه قد روي عند الزيدية أنفسهم أن إمامهم “يحيى بن زيد” قال في الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام: “كلّنا له عِلْمٌ، غير أنَّهم يعلمون كلَّ ما نعلم، ولا نعلم كلَّ ما يعلمون”. من مصادر هذه الرواية: “حقائق المعرفة في علم الكلام” للإمام المتوكل على الله (ت 566 هـ) ، باب حقيقة معرفة الإمام، فصل في الكلام في فرق الشيعة.

أقول: لو كان عند أئمة الزيدية علم رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- وفهمه، فكيف يتفوق الإمامان الباقر والصادق -عَليهما السّلام- عليهم؟ هذا النص دليل على انتفاء علم رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- عن أئمة الزيدية، وبناء عليه: فليسوا هم الأئمة الذين دُعينا إلى التمسك بهم، والذين هم عدل القرآن وقرناؤه.

2 ـ إن من يكون لديه علم رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- وفهمه، فهذا يعني أنه معصوم من الناحية العلمية، أي إنه لا يخطئ في مجال الفتوى، ولا تغيب عنه معلومة، وهذا يعني العصمة في مجال العلم. فهل يقول الزيدية بالعصمة في العلم لأئمتهم؟ الجواب: إنهم لا يقولون ذلك، وبناء عليه: فإن أئمة الزيدية ليسوا هم الأئمة الذين ذكرتهم هذه الأحاديث التي تكلمت عن علم الأئمة وفهمهم.

4 ـ نلاحظ التعبير عن الأئمة من بعد الإمام علي بـ (الأوصياء) ، وهذا يعني أنهم يعرفون بالوصية، والوصية تعني أن هناك تنصيص من الإمام السابق على الإمام اللاحق، بينما من المعروف أن الزيدية يعرفون أئمتهم بانطباق شروط خاصة ليس منها الوصية والنص.

5 ـ وأخيراً نسأل إخواننا الزيدية: من هو الإمام أو الأئمة في هذا الزمان، بشرط أن تثبتوا لنا بالدليل أنه يمتلك علم رسول الله وفهمه، مع الدليل على أنه وصي من الأوصياء؟ إن لم يجدوا إماماً لهم في هذا الزمان بهذه المواصفات، فهذا دليل على خلل فكري في مجال عقيدة الإمامة.

هذا باختصار، والله نسأل أن يهدينا جميعاً إلى معرفة الأطهار من آل النبي المختار، صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.

الجواب :

أنّ السّؤال قد انقسمَ إلى أربعة أسئلَة ضمنيّة كتعليقَات على الحَديث الذي أوردَه الإمام الحجّة مجدالدّين بن محمّد بن منصور المؤيّدي -عَليه السّلام- ، والذي رواه الإمَام المنصور بالله عَبدالله بن حمزَة -عَليه السّلام- ، بالإسناَد ، عَن ابن عباس -رَضِيَ الله عَنْه- قَال: قَال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَن سرَّه أن يحيا حياتي، ويَموت مِيتتي، ويَدخُل جنّة عدن التي غرسها ربي عز وجل بيده، فَليتولّ عَلي بن أبي طالب وأوصيَاءه فَهُم الأوليَاء والأئمّة مِن بَعدي، أعطَاهم الله عِلمي وفَهمي، وَهم عِترتي مِن لَحمِي ودَمِي، إلى الله أشكو مِن ظَالمِهِم مِن أمّتي، والله لتَقتُلَنّهُم أمّتي، لا أنالهم الله عَز وجَل شفَاعتي)) [الشافي] ، فكانَت الأسئلَة هي التّاليَة ، ونوردُ جوابَ كلّ سؤال ضمنيّ تحتَه .

السّؤال الضّمني الأوّل :

هَل يوجَد في عُلماء الزيديّة أو أئمّتهم (في المَاضي أو الحاضِر) ، مَنْ قالَ إنّه أوتي علم رسول الله صلوات الله عَليه على آله ، وفَهمه ؟!. الجَواب : لا يوجَد ، بل يُوجَد الدّليل على عدَم ذلك ، لأنّهم يختلفون فيما بينَهم ، ولو كانَ العلم الذي عندَهم ، هُو علم رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله لمَا اختلَفوا ، وبناءً عليه : يتبيّن أنّ الأئمّة الذين أتوا علم رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله ليسوا هُم أئمّة الزيديّة ، أضفِ إلى ذلك أنّه قد رُوي عندَ الزّيدية أنفسهم ، أنّ إمامهم يحيى بن زَيد قال في الإمَامين الباقر والصّادق عليهما السّلام : ((كُلّنا له علم غير أنّهم يعلمون كلّ ما نعلَم ، ولا نعلَم كلّ ما يعلمُون)) ، من مصادر هذه الرّواية ، حقائق المعرفَة في علم الكَلام ، للإمام المتوكّل على الله . أقول: لو كان عندَ أئمّة الزيديّ’ علمُ رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم وفهمه ، فكيفَ يتفوّق الإمامان الباقر والصّادق عليهما السّلام عليهم ، هذا النّص دليلٌ على انتفَاء علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عن أئمّة الزيديّة ، وبناءً عليه ، فليسوا هُم الأئمّة الذين دُعينا إلى التمسّك بهم ، والذين هُم عِدل القُرآن ، وقُرناؤه . نعم! كان ذلكَ سُؤال ، واعتراضُ السّائل الإماميّ .

والجَواب على السّؤال الضّمني الأوّل : نسوقُه من عدّة وُجوه يترتّب بعضها على بَعض :

الوَجه الأوّل : بتناوُل معنى العِلم والفَهم ، فيما جَاء في الحَديث عن رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- ، قال : ((أعطَاهم الله عِلمي وفَهمي)) ، وهذا الإعطَاء للعلم والفَهم لا يَخلو من أن يكونَ علماً مُطلقاً في جميع العُلوم أصولاً وفُروعاً وغيباً ، أو أن يكونَ ذلك العلم مُقيّداً بما تحتاجُ إليه الأمّة ما فيه نجاتُها وهلكتُها إذا علِمَتُه أو جَهِلته ، فَيكون وجهُ ذلك العِلم والفَهم في أصول الدّين ، وأصول مسائل الفُروع ومنها مسائل الحَلال والحَرام ، فإنّ العترَة تَعْلَمُه علماً كعلمِ رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- لا يُخالف الحَقّ ، فأمّا مَا دونَ ذلكَ من المسَائل الاجتهاديّة التي أقرّت أدلّة الشّرع جوازَها للعترَة وأهل العِلْم ولا يترتّب عليها هلكَة أو فسقٌ للمكلّفين فذلكَ لا يدخُل في حدّ ذلك العِلم المُعطَى ، نعم! فيبقَى الكلامُ على هذَين القوليَن ، والثّاني هُو قولُ الزيديّة وتُدلّل عليه من كُتب الإماميّة ، والأوّل هُو قولُ الإماميّة وننقضُه من كُتبهِم وأصحابهِم في الوجُوه القريبَة الآتيَة .

الوَجه الثّاني : أنّ الإماميّة إن قالوا أنّ لازمَ قول رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- من إعطاء العِلم للعترَة هُو ، أن تكون العترَة على عِلم وفَهم رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- مُطلقاً ، فلا يكونُ عنها في اجتهَاد أو أصلٍ أو فرعٍ إلاّ ما كانَ سيقولُه ويفعلُه رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- ،

ولازمُه أيضاً : أنّ العترَة لا تختلفُ أصولُها ولا فُروعها ولا اجتهادُها بعضهُم عن بعض السّابق واللاحق ، وقولُهم جميعُهم هُو قولُ رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- ، علمُه وفَهمه .

فإنّا نقولُ جواباً على ذلك ، بأنّ قواعِد العُقول تُؤصّل :

أنّ أيّ تَنظيرٍ لأيّ مسألَةٍ لا يُمكن تطبيقُه على أرض الواقِع مُطلقاً فإنّه لا يُعمَل به . كَمن يُنظّرُ مَثلاً أنّ النبّوة يجبُ أن لا تنقطعَ زمانٌ بعد زَمانٍ ويستدلّ على ذلك بمتشابَهات النّصوص ، فُهنا نُصادرُ تنظيرَه ذلك بأنّه تنظيرٌ لا يُمكن إسقاطُه على الواقِع مُطلقاً لمّا ثبتَ أنّ الزّمان قد انقطعَت النبّوة عنه ، ومنه زمَاننُا هذا ، فتنظيرُكَ لا يُؤخَذ به وإنّما هُو من التوجّسات والأوهَام والأنموذجيّات التي قد يمنعُ الابتلاءُ منهَا ،

نعم! وكذلكَ قولُ الإماميّة في احتمال العلم والفَهم المُطلق لجميع مسائل الدّين القديمَة والحديثَة الأصول والفُروع وعلم الغَيب وأنّ ذلك يكونُ في العترَة مُطلقاً فإنّه تنظيرٌ ليسَ له وجودٌ على أرض الواقع الإماميّ قبلَ الواقِعِ الذي تُؤمنُ به الفِرق الأخرى في أئمّتهم ،

ونُدلّل عليه بعدّة أدلّة ، منهَا :

الدّليل الأوّل : أنّه قد ثبتَ اختلافُ أئمّة الإماميّة في الفُتيا للمسَألة الواحِدَة ، فيروي الكُليني بإسنادِه، عن زرارة بن أعين، عَن أبي جعفر عليه السلام قَال: سَألته عن مَسألة فَأجابني ، ثمّ جَاءه رَجُل فسَأله عَنها فأجَابه بخِلاف مَا أجابني، ثمّ جَاء رَجُل آخرَ فأجابَه بخلاف مَا أجابني وأجاب صاحبي، فلمّا خَرجَ الرّجُلان قلت: يا ابن رسول الله رَجُلان من أهل العِرَاق مِن شِيعَتكم قَدِمَا يَسألان فَأجبتَ كُلّ وَاحِد مِنهُما بغَير مَا أجبتَ به صَاحِبَه؟ فقال: يا زُرارة ! إنّ هَذا خَير لنَا وأبقى لنَا ، ولكن ولَو اجتمعتُم على أمر وَاحد لصَدّقكم النّاس علينا ، ولكانَ أقلّ لبقَائنا وبقائكم. [أصول الكافي:1/65] ،

نعم! فإن قلتُم سببُ ذلك التقيّة ، حّتى خرجُوا لمسَألةٍ واحدَة بثلاث جوابَات مُختلفَة ، فأيّ هذه الجَوابات المُختلفَة هي علمُ رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- ، فإنّنا لم نعلَم رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- كانَ يختلفُ في الفُتيا بما مرجعُه التقيّة ، ولولا ذلكَ لما وثقَنا في جُل بل كُلّ الرّوايات المَرويّة عنه -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- وهُو المَعصوم ، المؤيّد بالله تعالى ، المُرتفَعة عنه أحوال التقيّة ، حتّى أثرَ في مصنّفاتكم الإماميّة روايات كثيرَة مُتضاربَة يردّ بعضها على بعض ، وينقضُ بعضها بعضاً ، حتّى قال الشّيخ الطّوسي في سبب تأليفِه كِتابه (تهذيب الأحكَام) : ((ذَاكرَني بَعض الأصدقاء أيّده الله مِمّن أوجبَ حَقه علينا بأحَاديث أصحَابنا أيّدهم الله ورحِم السّلف منهم، ومَا وَقع فيها مِن الاختلاف والتباين والمُنافَاة والتَضَادّ، حَتى لا يَكاد يَتّفق خَبر إلا وبإزَائه مَا يُضادّه ولا يَسْلم حَديث إلاّ وَفي مُقابلَته مَا يُنافِيه، حتّى جَعل مُخالِفُونا ذلك من أعظَم الطّعون على مَذهبنا)) [تهذيب الأحكام:1/8] ،

نعم! فكيفَ إخوَة البَحث مع هذَا الاختلاف في التّراث الرّوائي عن أئمّتكم تقولون بأنّهم لم يختلفُوا ، تُريدونَ أنّ عدَم الاختلاف ذلكَ من صَدْر مسألِتكم دليلٌ على أنّ علمَهم هُو علمُ رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- ؟!. فأنتُم لا تستطيعون (بقطع ويقينٍ) أن تثبتُوا أنّ أحَد وجوه تلكَ الرّوايات المُتعارضَة هي قولُ الإمَام الصّادق -عَليه السّلام- ، أو أنّ أحَد وجوه تلكَ الرّوايات المُتعارضَة هي قولُ الإمَام الكاظم -عَليه السّلام- ، ونخصّ ما تعارضَ منها في الأصول ، أو الحلال والحَرام ، وهكذا مع بقيّة الأئمّة ،فكيفَ تقطعونَ بأنّهم لم يختلفُوا ؟!.

فإن قلتُم : لأنّهم مَعصومون ؟!.

قُلنا : فمَا دليلُ العصمَة ؟!.

فإن قالوا: النّص عليِهم من رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- .

قلنا : ذلكَ غيرُ ثابِت وغير صَحيح ، وإنّما انفردُتم به دوناً عن الأمّة ،كما انفردتُم بدعوَى العصمَة لهُم ، فكيفَ إلاّ بدعوَى العلم المُطلق في أصول وفروع المسائل بل ويتعدّى ذلك إلى العُلوم المُستقبليّة وما إليه مما اخْتُصَّ به رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- من العُلوم ، فإنّها دعاوى منكُم لا تستطيعون إثباتها روائيّاً من غير طريقِكم ، ولا تستطيعَون إثباتَها من إثبات ما أوجبَها ودلّ عَليها نَعني العصمَة والنّص ، وما في أيدي المُحدّثين من الفرقَة السنيّة فآحادٌ لا تثبُت به العقائد ، ثمّ هُو بالعدد لا بالاسم ، ثمّ مُتونه متضاربَة مُحتملَة الوجوه فذلك وأمثالُه لا يَحتجّ به أهل الأصول عَلى غيرِهم ، فليسَ لكُم هُنا دليلٌ على أنّ علمَ أئمّتكم لم يختلِف ، أو لم يختلفُوا فيه وذلك التّضاربُ حاصلٌ عنهُم ، لفقدانِكُم دليل العصمَة والنّص .

الدّليل الثّاني : في ردّ قولُ الإماميّة في احتمال العلم والفَهم المُطلق لجميع مسائل الدّين القديمَة والحديثَة الأصول والفُروع وكلّ عُلوم الرّسول وأنّ ذلك يكونُ في العترَة مُطلقاً من حديث الإمَام المنصور بالله -عَليه السّلام- ، فإنّه لو صحّ ذلكَ لكانَ له ثمرَةٌ تعودُ على الأمّة بعدَم الاختلاف مُطلقاً من تمسّكهم بأولئكَ الأئمّة ، ويجلّ الخطر معَ أصول المسائل ، والحاصل أنّ أتباع الأئمّة قبلَ غيرهِم من علماء ومراجع الإماميّة مُختلفُون بل ويُضلّلون بعضَهم ، فلو كانَت ثمرَة ذلك العلم الذي أعطى الله الأئمّة عائداً على أتباع الأئمّة وشيعتهِم أو على الأمّة لكانَ واضحاً ظاهراً من مصادرِ الإماميّة لا يحتملُ الاختلافَ حوله ، وتلك الثّمرة من العصمَة للأمّة بأن يتّبع الرعيّة الأئمّة على يقين ورُسوخ ، والحاصلُ من مراجع وَفقهاء الإماميّة هُو تباينُهم في الأصول والفُروع والفُتيا ، وكلّهم يعتمدُ على روايَة أئمّتهم التي من المُفترض أن تكون روايةً واحِدةً ، وينتجُ عنها عِلمٌ واِحدُ ، وفُتيا واحِدة ، وأصول واحِدَة ، وفُروع واحدَة لمراجع الإماميّة وفقهائهِم ، إلاّ أنّ ذلكَ لم يكُن حتّى قالَ المُحقّق البحرَاني ، في أنّه لم يُعلَم من أحكام الدّين على شرط أصحابِه على اليَقين إلاّ القَليل ، قال : ((فَلم يُعلَم مِن أحكَام الدِّين على اليَقين إلاّ القَليل، لامتزَاج أخبارِه بأخبَار التقيّة، كمَا اعترَف بذلكَ ثِقَة الإسلام وعَلَم الأعلام محمّد بن يعقوب الكليني نور الله مرقده في جامعه الكافي، حتّى أنه قدّس سرّه تَخطّى العَمل بالترجيحات المَروية عند تعارض الأخبار، والتجأ إلى مُجرّد الرّد والتسليم للأئمّة الأبرَار .فصَاروا صلوات الله عليهم – مُحافِظَة على أنفسهم وشيعتهم – يُخالفون بين الأحكام وإن لَم يَحضُرهم أحَد مِن أولئك الأنَام، فترَاهُم يُجيبونَ فِي المَسألة الوَاحدَة بأجوبة مُتعدّدة وإن لَم يَكُن بها قَائل مِنَ المُخَالفين، كمَا هُو ظَاهِرٌ لِمَن تَتبّع قَصَصَهم وأخبارَهم وتقصّى سِيرهم وآثارهم)) [الحدائق الناضرَة:1/5] ، وفي هذَا الكَلام تأمّل قولَ البَحراني : ((فصَاروا صلوات الله عليهم – مُحافِظَة على أنفسهم وشيعتهم – يُخالفون بين الأحكام وإن لَم يَحضُرهم أحَد مِن أولئك الأنَام)) ، فكيفَ مِن هذا تقطعونَ بأنّ ذلكَ منَ الأئمّة لم يكُن اختلافٌ حقيقيّ ناتجٌ عن الاجتهَاد والنّظر في المسَائل ، كما يختلفُ الأئمّة من غيرهِم ، كأئمّة الزيديّة ، الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السّلام- ، والإمَام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين -عَليه السّلام- ، فكذلكَ يكونُ اختلافُ الإمَام جَعفر بن محمّد الصّادق -عَليه السّلام- ، والإمَام موسَى بن جَعفَر الكَاظم -عَليه السّلام- ، بأنّها اختلافات في فُروع المسَائل ممّا يجوزُ لأهل العلم والأئمّة النّظر والاجتهَاد فيه والاختلاف ،

نعم! كيفَ تقطعونَ من ذلكَ الكَلام بأنّ ذلك الاختلاف لم يكُن اختلافاً حقيقيّاً خصوصاً مع كثرَة الرّوايات المُختلفَة ، بالأسانيد الكثيرَة ، وذهبتُم تقولون بأنّ علمَ الأئمّة هُو علمُ رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- مُطلقاً لا يحتملُ الاختلاف تُريدون أن تردّوا قولَ الزيديّة في انطباق مصاديق ذلكَ الحَديث عن الإمَام المنصور بالله -عَليه السّلام- على أئمّتهم بعُذر ولازمِ اختلاف أئمّة الزيديّة ؟!. وأنتُم لا تستطيعون بِقطع أن تثبتوا أنّ أئمّتكم لم يختلفُوا في فُتياهُم واجتهاداتهم ، ولا تملكون لردّ ذلكَ إلاّ رواياتاً انفردتُم بهَا لم تطّرد مصاديقُها بعدَم اختلاف الرّواية ، وباتّحاد الفتوى في زمن الإمام لرعيّته وشيعتهِ ، ثمّ لعلّة العصمَة والنّص ، وهذه أيضاً لم تثبُت ، فبقي قولُكم ومُصادرَة مصاديق حديث الإمَام المنصور بالله -عَليه السّلام- حيّز الدّعوى التي لم تستطيعوا إثباتَها بعد ذلك التّناقض الرّوائي في مسانيدكُم ، ثمّ بعد عدَم تجويزكم الاختلاف بين الأئمّة ، ثمّ بعد سقوط جُملة عقيدتكم في النّص على الاثني عشَر وبه تنهدّ دعاوى العصمَة وما بعدَها ، وليسَ هذا مقام التّفصيل في دليلِنا لردّ وإضعاف حديث الاثني عشَر بالنّص والاسم .

الدّليل الثّالث : في ردّ قولُ الإماميّة في احتمال العلم والفَهم المُطلق لجميع مسائل الدّين القديمَة والحديثَة الأصول والفُروع وما اختصّ الله به الرّسول صلوات الله عليه وعلى آله وأنّ ذلك يكونُ في العترَة مُطلقاً ، حكايةُ جواز الاختلاف على أهل البيت -عَليهم السّلام- ، فيروي الصفّار ، بإسناده ، عن اسحق بن عمار ، عن جَعفر ، عن أبيه عَليه السلام ، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله ، قَال: ((مَا وَجدتُم فِي كِتاب الله فَالعمَل به لازِمٌ لاعُذر لَكُم فِي تَركه ، ومَا لَم يَكُن فِي كِتاب الله وَكانت فيه سنّة مِنّي فلا عُذر لكم في ترك سُنّتي ، ومَا لَم يَكُن فيه سنّة مِنيّ فمَا قَال أصحَابي فَخُذوه ، فَإنما مَثل أصحابى فيكم كمَثل النّجوم فبأيّها أخَذ اهتدَى ، وبأيّ أقاويل أصحَابي أخذتم اهتديتم ، واختلافُ أصحَابي لَكُم رَحمَة ، قِيل يارسول الله صلى الله عليه وآله: وَمَنْ أصحَابُك؟!. قال: أهل بَيتى. [بصائر الدّرجات:31] ،

نعم! وذلكَ هُو عينُ قولُ الزيديّة واعتقادِها ، فإنّ ما كانَ في كِتاب الله تعالى آيةً مُحكمَة لم يُجز للنّاس أن يَعدوه ، وما كانَ من سنّة رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- مُتواتراً صحيحاً لم يكُن للنّاس أن يَعدُوه ، وما أجمعَ عليه أئمّة العترَة سادات بني الحسَن والحُسين لم يجُز للنّاس أن يعدُوه فهُو من الاعتقَاد والفُروع المُلازم للقُرآن ، ومَا اختلفَ فيه علمَاء أهل البَيت في الاجتهَاد والفتَوى فيجوزُ للمقلّد أن يُقلّد أحَدهُم ، فهُو يكفيه فهُو داخلٌ في سفينَة النّجاة لا خارجٌ عنها مع قولِه بتلكَ الأصول ، قالَ الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السّلام- بمَا مضمونُهُ الرّواية السّابقَة : ((اختلافُنا لَكُم رحَمة، فإذا نَحن أجمعنَا عَلى أمرٍ لم يكُن للنّاس أن يَعْدوه)) [مجموع كتب ورسَائل الإمَام زيد بن عَلي] ، وهُو من مصادر الزيديّة ، ويؤيّدها أيضاً ما رواه الشّريف أبو عَبدالله محمّد بن علي البطَحاني الحسنيّ ، عن الإمَام الباقِر -عَليه السّلام- ، وقد سُئلَ إنّكم تَختلفون ، يعني يا بني فاطمَة ، فقال -عَليه السّلام- : ((إنّا نَخْتَلِفُ وَنَجْتَمِع، ولَنْ يَجْمَعَنَا الله عَلى ضَلالَة)) [جامع عُلوم آل محمّد] ، وهُو أيضاً من مصادر الزيديّة ، فكانَ ذلكَ من مصادر الفريقين أقوى وأدلّ وأهدَى للإنصَاف .

فإن قيل: ذلكَ الحَديث عن الصفّار ، ضعيف.

قلنَا : هل بعلمكم ضّعفتُموه ، أمّ بعلمِ الأئمّة ، فنتيجَةُ قولِكم فيصلٌ يهمّ المُكلّفين في مسألَة البَحث ، فوجبَ علينَا الاستقصَاء ؟!.

فإن قلتُم: بل باجتهاد رجال الحَديث ، والجرح والتّعديل عندَنا ؟!.

قُلنا : وهَل تَحتملون أن يُصيبوا أو يُخطئوا في تصحيحِهم أو تضعيفهِم لذلك الخَبر ؟!.

فإن قلتُم : لا ، كابرتُم إلاّ بادّعائكم لهُم العصمَة ، وإن قلتُم : نَعم ، قد يُصيبوا ويُخطئوا .

قُلنا : فنحنُ مُتعبّدون في منهجِنا كلّه ليس في هذه الجُزئيّة فقَط بمُتابعَة الحقّ في مسائل الأصول وأمّهات مسائل الفُروع التي يكون معها الخُسران أو النّجاة ، تعبّدَنا الله في ذلك كلّه بأن نتمسّك بأهل بيتِ نبيّنا ، وأنّهم في منهجهِم لن يكونوا إلاّ مُقارنين للقُرآن ، وأنتُم هؤلاء فقهاءً ومراجعَ وأهل جرح وتعديل معشر الإماميّة تُضعفّون بالظنّ والاحتمَال والاجتهَاد أخبار سُفن النّجاة ، ولستُم أنتُم هُمْ ، وليسَ إمامُكم الغائب يُساعدُ في ذلك تصحيحاً وتضعيفاً ، فما تدرون وقد أسقطتُم حديثاً صحيحاً ، أو رفعتُم واحتججتمُ بحديثٍ صحيحٍ عنهُم ، ومن ذلك أحاديث الاثني عشر والعصمَة وأنّ علمَهم علم رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- مُطلقاً ، حتّى كانَ منكُم من يروي حديثَ تحريف القرآن يعتقدُ به ، وآخرون يروون حديث عَدم التّحريف يعتقدوَن به ، وناهيكَ بخطر هذه المسألَة وما يترتّب عنهَا ، فما أصبحَ النّاظر والباحثُ بقاطعٍ على (يقين) أيّ القَولين هُو قولُ العترَة ، فكذلكَ هُنا في تضعيفِكم (لو قلتُم به) لخَبر الصّفار عن رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- اختلاف أهل بيتِه ، فمَا يرتقي تضعيفُكم أو تصحيحُكم وأنتُم غير المَعصومين إلى الرّجحان عندنَا (فضلاً عن التّسليم) الذي يحقّ لكُم معه إسقاط مضمونِه وذلكَ كلّه على مبانيكم من التمسّك بالاثني عشَر ، فأمّا على شرط الزيديّة فإنّها أصّلت منهجاً واضحاً وهُو عصَمة إجماع العترَة في كلّ زمان ومكان في أصول الدّين ومّهات مسائل الفُروع ، ممّ يهمّ المُكلّفين وبه نجاتهُم وخُسرانهُم ، وما دون ذلك واختلفَت فيه العترَة في الاجتهَاد في المسائل الفقهيّة فللمُقلّد أن يُقلّدَ مَنْ شاء منهم ، فإذا وردَت الأخبار في مصادر الزيديّة مُتضاربَة عن الأئمّة حاكمَناها إلى أصل الزيديّة وهُو العرض على إجَماع العترَة الذي لن يُخالف قاعدَة العرض على القرآن ، وإلاّ فالأصلُ القُرآن ، فما وافقَ كان ، وما لم يُوافق لم يُكن في تلك المسائل الأصوليّة ، فأمّا على شرطكُم فلا إجمَاع تحتجّون به ، ولا عرضَ عليه ، بل إنّ منكم الإخباريّة وهي غير الأصوليّة يأخذون الأخبَار على عاهنها وإن تضاربَت ، فليسَ لكُم قاعدةٌ تحكونَها عن أئمّتكم في ذلك ، إلاّ بالتّرجيح من الفقهاء الذين يختلفونَ فيما بينَهم جيلاً بعد جيل ، أو الأخذ بالمشهور ، والمشهورُ دعوىً عائمَة مع قول الشّيخ الطّوسي من أنّه لا يكادُ يوجَد خبرٌ إلاّ وبإزائه ما يُضادّه ، ولا يسلَم حديثٌ إلاّ وبإزائه ما يُنافيه ، وقول البَحراني أنّه لم يُعلم من أحكام الدّين على اليَقين إلاّ القليل ،

نعم! فظهَر لكَ الخَلل المنهجيّ في أصل صحّة نسبَة تلكَ الأقوال في مسانيد ومصنّفات الإماميّة إلى أئمّتهم أوّلاً ، ثمّ بعد إثبات الصّحة للرّوايات المُختلفَة ، أيّ القَولين المُختِلفين المُتضادّين هُو قولُ الإمَام ؟!. أكتفِي بذلكَ ، فموضوع هذه الجُزئيّة زائدٌ وإن كان غير خارجٍ عن مسألة السّائل هُنا فيستحضِرَها لينظرَ لها بعين الإنصاف ، فلا يظنّ كلّ رواية في مصنّفاته صحيحةٌ إلى أئمّته ، ولا أنّ كل صحيح يَقينيّ عن أئمّتهم ، ولا كلّ ذلكَ هُو قطعيّ على أنّ علم أمّته هُو علم رسول -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- مُطلقاً حسب مَبانيه وتأويلِه لحديث الثّقلين وتأصيل مذهبِه ، ولا يُقال ذلكَ مع الزيديّة لأنّها تُحَاكَمُ إلى مبانيها وتأويلها لحديث الثّقلين ، وقد مرّ بيانُه .

الدّليل الرّابع : في ردّ قولُ الإماميّة في احتمال العلم والفَهم المُطلق لجميع مسائل الدّين القديمَة والحديثَة الأصول والفُروع وما اختصّ الله به الرّسول -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- وأنّ ذلك يكونُ في العترَة مُطلقاً ، ما رواهُ الكُليني ، بإسنادِه ، عَن أبي البختري، عَن أبي عبدالله عليه السلام ، قَال: ((إنّ العُلمَاء ورَثة الأنبياء وذَلك أنّ الأنبيَاء لَم يُورِّثوا دِرهما ولا دِيناراً، وإنّما أورَثُوا أحَاديثَ مِن أحَاديثهم، فمَن أخذَ بشئ مِنها فقَد أخذ حَظّاً وَافِراً، فَانظروا عِلمَكُم هَذا عَمّن تَأخذونَه؟ ، فَإن فِينا أهل البَيت فِي كُلّ خَلَفٍ عُدولاَ يَنفُون عَنه تَحريفَ الغَالين، وانتحَال المُبطلين، وتَأويل الجَاهلين)) . [أصول الكافي:1/32] ، فمَا وجهُ تلك الوراثَة للعلم هُنا ، أمُطلقَةٌ في جميع علم النّبي -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- وما اختصّه الله به ، أم غير مُطلقَة ؟! ، ثمّ مَنْ هُم الذين يستطيعُون أن يكونوا بتلكَ الصفَة (العُلماء) هل العترَة وغير العترَة من عامّة الأمّة ، أم أنّهم العترَة وغير العترَة شريطَة أن يكونَ غير العترَة قد أخذوا عُلومَهم عن العترَة لا يُخالفوَنهَم ، أم أنّها في العترَة فقَط ، فإن قلتُم: في العترَة وغير العترَة من عامّة الأمّة ، فقد أخرجتُم إطلاقَ الوراثَة ، فإنّما الوراثَة هُنا حالُها كحَال إعطَاء العِلم والفَهم في حديث الإمَام المنصور بالله عَبدالله بن حمزَة -عَليه السّلام- ،

نعم! لمّا ثَبتَ أنّ علوم غير العترة من عامّة الأمّة فيها خلافٌ شديدٌ في أصولها وفروعها لا تصلحُ مَعه أن يكونوا ورثةً للنّبي صلوات الله عليه وعلى آله ،

نعم! وإن قُلتم: أنّ الوراثَة في العترَة وغير العترَة شريطَة أن يكونَ غير العترَة قد أخذوا عُلومَهم عن العترَة لا يُخالفونَهم ، أصبتُم ، وإن كانَ أصل الوراثَة هُم العترَة ، ثمّ أيضاً لو قلتُم بهذا رفعتُم وجه الإطلاق في الوراثَة ، لأنّه سيكون غير العترة من الشّيعَة الإماميّة غير وارثين مُطلقاً لعلم رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله ، وهُنا تأمّل الإمَام أمير المؤمنين -عَليه السّلام- يحثّ ابنه محمد ابن الحنفيّة وليسَ هُو من العترَة على أن يكون من ورثَة الأنبياء ، قالَ -عَليه السّلام- له : ((تفَقّه فِي الدّين فَإنّ الفُقهَاء وَرَثة الأنبياء)) [من لا يحضره الفَقيه:4/387] ،

فكان وجه الشّاهد من قولِكم هُنا أنّ الوراثة للعلم المحمّدي قد صحّت عن الأئمّة وعن شيعتهِم فكلّهم وارثون للعلْم ، فأصبح وجه الحَديث غير مُطلَق في الوراثَة بل مُقيّد بما يهمّ المكلّفين من علوم رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ، لأنّكم لن تقولوا بأنّ علماء الإماميّة قد ورثوا علم النّبي صلوات الله عليه وعلى آله مُطلقاً وما اختصّه الله به ، فكذلك كان ((العلم والفَهم)) في حديث الإمَام المنصور بالله عَبدالله بن حمَزة -عَليه السّلام- مقيّد بما يهمّ المكلّفين فالعترَة تعلمُه من علم رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله ، كما كانَت وراثة علم النّبي صلوات الله عَليه وعلى آله مُقيّدةً بما يهمّ المكلّفين ،

نعم! وإن قلتُم: أنّ الوراثَة في العترَة فقط ردّه عليكُم ما رواه الشّيخ الصّدوق قريباً من حثّ أمير المُؤمنين -عَليه السّلام- لابنه محمّد أن يكون من ورثَة الأنبياء ، وقال العلاّمة محمد بن إسماعيل المازندراني الخَواجوئي : ((أقول: قَد رُوي عَن الصّادق ـ عليه السلام ـ أنّه قَال : إنّ الأنبيَاء إنّما أورَثوا الأحَاديث من أحَاديثهم ، فمَن أخذ بشيء منهَا فَقد أخذ حَظاً وافراً ، وعلى هذا فالمُرَاد بالعُلماء هُم المُحَدِّثون العَامِلون بهَا ، لقوله ـ عليه السلام ـ في حديث آخر : يَعني بالعُلمَاء مَنْ صَدَّق فِعلَه قَولَه ، ومَن لَم يُصدق فِعله قَوله فَليس بعَالم)) [الدرر المُلتقطة في تفسير الآيات القرآنية] ، قلتُ وذلكَ القَول هُو ما رواهُ الكُليني ، بإسناده ، عن الحَارث بن المغيرة النصري، عَن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل: ((إنّما يَخشى الله مِن عِبادِه العُلمَاء)) ، قَال: يَعني بالعُلمَاء مَنْ صَدّق فِعلُه قَولُه، ومَن لَم يُصدق فِعلُه قَولُه فليس بعَالِم)) [أصول الكافي:1/36] ، ويقول الشّهيد محمّد باقر الصّدر في إحدَى مُحاضرَته يتكلّم عن دور العُلماء في عصرِه : ((نحنُ أولَى النّاس وَأحقّ النّاس باجتناب هذِه المَهلكة لأنّنا نَدّعي أننا وَرَثة الأنبياء وَوَرثة الائمّة والأوليَاء ، أنّنا السّائرون على طريق محمد [-صَلوات الله عَليه وَعلى آله-] وعَلي والحسن والحسين عَليهم الصّلاة والسلام)) [مقدمات في التّفسير الموضوعي للقرآن] ، وهُنا تأمّل كيفَ جعلَ نفسَه وأهل العلم من ورثَة الأنبياء ، فخرجَ فَهْمُ إطلاقِ الوراثَة من ذلكَ الحَديث المحمّدي ((الُعلماء ورثَة الأنبياء)) ، وكذلك نقولُ في قولَه ص-صَلوات الله عَليه وَعلى آله- : ((أعطَاهم الله عِلمي وفَهمي)) ، بأنّه غير مُطلق ، بل مقيّد بالعلوم التي تهمّ المكلّفين دونا عمّا اختصّ الله به نبيّه الكَريم صلوات الله عَليه وعلى آله ـ فتفّهمه وتدبّره تجدهُ كما قُلنَا .

نعم! وهُنا فائدَة من آخِر ذلكَ الحديث الذي رواه الكُليني ، عَن أبي عبدالله عليه السلام ، ((فَانظروا عِلمَكُم هَذا عَمّن تَأخذونَه؟ ، فَإن فِينا أهل البَيت فِي كُلّ خَلَفٍ عُدولاَ يَنفُون عَنه تَحريفَ الغَالين، وانتحَال المُبطلين، وتَأويل الجَاهلين)) ، وهُو يفيدُ بقَاء العترَة في كلّ زمان ومكَان ظاهرَة يأخُذ عنهم الشيعة والأمّة عُلومَ دينهِم ، وأنّ أهل البيت ينفونَ عن الدّين تحريفَ الغالين ، وانتحَال المُبطلين ، وتأويل الجَاهلين ، وذلكَ هُو مصداقُ قول الزيديّة ، فهي التي تقول بأنّ لن يخلو الزّمان من عُلماء وأئمّة آل محمّد ، المُقتصدين ، أو السّابقين بالخَيرات الآمرين بالمَعروف والنّاهين عن المُنكَر ، فإن لم يكُن إمامٌ قائمٌ بالسّيف والأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر لظروف القَمع ، فأئمّة علمٌ من أهل البيت -عليهم السّلام- ترجعُ إليهم الأمّة في الفتوى ، يُدافعون عن دين نبيّهم محمّد -صلوات الله عليهم وعلى آله- كمَا في الخَبر ، فأمّا على شرط الإماميّة فمن اثني عشر قرناً لا يوجَد من تفزعُ إليه الإماميّة قبل غيرهِم للدّفاع عن الدّين لغياب ممثّل العترَة الإمَام المَهدي الغائب ، والحَديث يقول أنّه في كلّ خَلَف عُدول ، فتدبّر .

الوَجه الثّالث : وفيه بعدَ أنّ دلّلنا على إسقاط أن يكونَ المُراد بالعِلم الذي أعطاه الله تعالى للأئمّة هُو مطلق علم رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- ، بالأدلّة العقليّة من الواقع الإماميّ والنقليّة من مصنّقاتهم ، نبيّن في هذا الوَجه ما يشهَد لقول الزّيديّة في أنّ ذلكَ العلم المقصود في حديث الإمَام المنصور بالله عبدالله بن حمزة -عَليه السّلام- الذي أعطاه الله العترَة ، إنمّا هُو ذلك العلمُ الذي يهمّ المُكلّفين ويقومُ بالكِتاب والسنّة وتكون به هدايَة الأمّة ، فيُنقذهُم من الرّدى ، ويهديهم سُبل النّجا ، دوناً عن مُطلَق العِلم ، وهُو ما قد سألتُ عنه شيخنَا السيّد العلامة الحجّة عبدالرّحمن بن حسين شايم ، عن معنى العِلْم في الخَبر ، فقالَ -عَليه السّلام- : ((وأمّا ما يخصّ فهم الأوصياء وعلمهُم لعلم رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- ، فنقول صحيحٌ أنّ العُلماء ورثَة الأنبياء ، قد وَرثوا فهَم علم القرآن ، وعلم السنّة ، وهي الشريعة الظاهرة ، وهي المرادة بقوله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- : (( أعطاهُم الله علمي وفهمي )) ، فأمّا علوم الغيب التي أطلعَ الله عليها نبيه -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- ، فهي أمرٌ لا يتعلّق بها تكليفٌ في الدنيا ، فليسَت مُرادة في الحديث ، وقد أعُطي أمير المؤمنين -صلوات الله عليه- من العلوم التي أسرّها إليه النبي -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- كثيراً ، ولسنا مُكلّفين إلاّ بالعلم الظاهر ، الذي تتعلّق به الأعمال والاعتقادات ، ولم يُبعث -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- إلاَّ لتبيلغ الشرع الذي يتعلّق به التكليف ، وسائر العلوم الغيبية هي إما لتقرير معجزاته ، وإخباره بالمغيبات ، أو ما يتعلّق ببعض الأشخاص ، كتعليمه -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- لحذيفة بن اليمان أسرار وعلم المنافقين)) ،

نعم! فنأتي بما يشهدُ لذلك من مصادر الإماميّة والزيديّة ، فأمّا من مصادر الإماميّة ، فيروي الكُليني ، بإسنادِه ، عن إبراهيم بن عبدالحميد، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: دَخل رَسُول الله صلى الله عليه وآله المَسجد فإذا جمَاعة قد أطافوا برَجُل فقال: مَا هذا؟ فقيل: عَلامَة فقال: ومَا العلامَة؟ فقالوا له: أعلَم النّاس بأنسَاب العَرَب ووقائعِها، وأيّام الجَاهليّة، والأشعَار العَربيّة، قال: فَقال النبي صلى الله عليه وآله: ((ذَاك عِلم لا يَضرّ مَنْ جَهِلَه، ولا يَنفع مَنْ عَلِمَه، ثمّ قال النبي صلى الله عليه وآله: إنّما العِلمُ ثَلاثة: آيَة مُحكمَة، أو فَريضَة عَادِلة، أو سُنّة قائمَة، ومَا خَلاهُنّ فَهو فَضْل)) [أصول الكافي:1/32] ، وهُنا تأمّل قولَه -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- مقيّداً العِلْم بقولِه : ((آيَة مُحكمَة، أو فَريضَة عَادِلة، أو سُنّة قائمَة)) ، فذلكَ من جنسِ العِلم الذي أُعطَاه الله تعالى للعترَة والتي يحتاجُ إليه المُكلّفون ، فأمّا المُطلق منه فاختصّ به نبيّه -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- ، ثمّ إنّ الثّمرَة التي تعودُ على الأمّة في أمر دينهِم وتكليفِهم ليسَ إلاّ بذلكَ العِلْم من الكِتاب والسنّة في أصول دينهِم وفُروعِهم فهذا يكفيهُم بالنّجاة لو قد اعتقدُوا وعِملوا به بإجمَاع الأمّة دونًأ عن بقيّة العُلوم التي هِي فضْل ، بل قد علّق على هذا الخَبر الشّيخ حسين عبدالصّمد العاملي ، وهُو والدُ البهائيّ العامليّ ، فقَال : ((فعلَى هَذا يَكون الزّائد عمّا يُحتاج إليه في العُلوم الإسلاميّة مِنَ المَنطق والحِكمَة والعُلوم الرّياضية والأديبة [والأدبيّة] وغَير ذلك كلّه فَضْلاً لا يَضرّ مَنْ جَهِلَه ولا يَنفع مَنْ عَلِمَه بنصّ الرّسول والأئمّة عَليهم السلام، بَل يَكون الاشتغال به فِي مِثل زَمَاننا هذا سَفهَا “حَرَامَا” عَلى مَن لَم يَتفقّه في دينِه لإفضَائه إلى تَرك الوَاجبِ كمَا لا يَخفى على مَن يُؤمن بالله واليَوم الآخِر)) [وصول الأخيار إلى أصول الأخبَار:37] ،

نعم! ولسنا نسوقُ ذلكَ إلاّ لتعلَم أنّ ذلكَ القَدْر من الإعَطاء الإلهيّ للعترَة من العِلم المُحمّدي يقومُ به التّكليف ، ويَكفي عن مُطلق العِلم والفَهْم ، وأنّه الغاية من مَطلب المُكلّفين والعُقلاء في أمرِ دينهِم ، وهُو الذي تعبّدنا به الله تعالى من الكِتاب والسنّة دوناً عن جهْل أوجُه الإعجَازات العلميّة التي تحملُها بعض الآيات ، أو المَعاني الغيبيّة فذلك من الفضْل والخَير ، ثمّ أهل البيت -عَليه السّلام- أولَى النّاس به تدبّرا واستقصاءً وصفَاء فكرَة وإن كانَ خارجاً عن ذلك القَدر الواجب في العلوم الدّينيّة الذي تحتاجُه الأمّة ، ويروي الشّيخ الطّوسي ، بإسنادِه ، عَن سليمان بن داود المِنقري، عن سُفيان بن عيينة، عن أبي عبد الله الصّادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) ، قال: ((وَجَدتُ عِلم النّاس كلّهم فِي أربَعْ ، أوّلها: أنْ تَعرف رَبّك. و الثّانية: أن تَعرف مَا صنعَ بك. والثّالثة: أن تَعرف مَا أرادَ مِنك. والرّابعَة: أن تَعرف مَا يُخرجُكَ مِن دِينك)) . [أمالي الطّوسي:651] ، فلم يزِد أبو عَبدالله الصّادق -عَليه السّلام- عن هذه الأربَع ، وتلكَ الأربَع هي الغايَة من ذلكَ العِلم الذي آمَنت به الزيديّة من إعطاء الله تعالى للعترَة فيكونوا معَه امتداداً للنّجاة المحمديّة ، والرّسالَة الأحمديّة في كلّ زمانٍ ومكَان .

نعم! ويدلّ عليه أيضاً من مصادر الزّيديّة قولُ أمير المُؤمنين-عَليه السّلام- يُبيّن أنّ دورَ الإمَام الاجتهَاد فيما لم يثبُت فيه آيَة مُحكمَة ، أو سنّة مُتواترَة ، أو إجمَاع عترَة ، روى الإمام الأعظَم زيد بن عَلي -عَليه السّلام- ، عَن أبيه، عَن جَدّه، عَن عَليّ عَليهم السلام ، قَال: ((أوّل القضَاء مَا فِي كتاب الله عَز وجَل، ثمّ مَا قاله رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ مَا أجمَع عَليه الصّالحون، فإن لَم يُوجَد ذَلك في كِتاب الله تعالى ، ولا في السّنة ، ولا فيمَا أجمَع عَليه الصّالحون ، اجتهَد الإمَام في ذَلك لا يَألو احتياطاً، واعتبرَ، وقَاس الأمُور بَعضها ببعضٍ، فإذا تَبين له الحَقّ أمضَاه، ولقَاضِي المُسلمين مِن ذلك مَا لإمَامِهم)) [مسند الإمَام زيد بن عَلي] ،

نعم! وهُنا تدبّر باب مدينَة علم رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- في الحَديث الصّحيح ، يُبيّنَ حديث الإمَام المنصور بالله عن مدينَة العلم رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله ، فإنّ الأئمّة من أهل البَيت -عَليهم السّلام- يقومونَ بالدّين في أصوله وفُروعه فيحفظونَ ما كانَ الحقّ فيه واحِداً من قواطع الشّريعَة من التّحريف أو الخطأ ، ومَا نجمَ واستجدّ وكانت أدلّته ظنيّة اجتهدُوا فيه للمُسلمين لا يألونَ في ذلكَ جهداً .

نعم! ومن مصادر الزيديّة ، ما رواه الإمَام المُرشد بالله يحيى بن الحُسين الشّجري -عَليه السّلام- ، بإسنادِه ، حَدّثني سُفيان بن عيينة، قال: سَمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد ، يَقول: ((وَجَدتُ عُلوم الناس كلّها في أربع خِلال: أوّلها أن تَعرف ربّك ، الثّانية أن تَعرفَ مَا صَنع بِك. والثالثة: أن تَعرفَ مَا أرادَ مِنك. والرّابعة: أن تَعرف مَا يُخرجك مِن دِينك)) [الأمالي الخميسيّة] ، فتدبّر ،

نعم! وبهذا الوَجه الثالث نكون قد أتينا في الجَواب على مَا جاء في اعتراض السّائل على أنّ أئمّة الزيديّة لم يكُن علمُهم هُو علمُ رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله ، فعلمُ أئمّة الزيديّة هُو علمُ رسول الله-صَلوات الله عَليه وَعلى آله- في أصول دينِه ، ومسائل حلاله وحرامِه ، وأمّهات مسائل الفُروع ، أجمَعت عليها العترَة المحمديّة ، وما جازَ أن يكونَ من المسائل لاجتهَاد الأئمّة فيما يجدّ من أمر المُسلمين فإنّ للأمّة أن تُقلّد أهل بيت نبيّها في اجتهادِهم فهُم سقينَة نجاةٍ وهِدايَة ، ذلكَ إليهم فيما استجدّ من المسائِل وفيمَا لم يكُن عليه دليلٌ من كِتاب الله تعالى وسنّة نبيّه -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- يخصّه ، يُعيدون الفُروع إلى الأصول ، كما جاء عن أمير المُؤمنين -عَليه السّلام-قريباً .

الوَجه الرّابع : وفيه نأتي على قول الإمَام يحيى بن زَيد -عَليه السّلام- من حقَائق المَعرفَة ، عندمَا قَال : ((كُلّنا له علم غير أنّهم يعلمون كلّ ما نعلَم ، ولا نعلَم كلّ ما يعلمُون)) ، وقد ظهَر للسّائل أو المُعترِض أنّ في هذا الكَلام عن أبي طَالبٍ الإمَام يحيى بن زيد -عَليه السّلام- ما يقومُ بعقيدة الإماميّة في الإمامَين الباقر والصّادق صلوات الله عليهِما ، وأنّ ذلك ينفي أن يكونَ عنَد أئمّة الزيديّة علمَ رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- لمّا كانَ الباقر والصّادق أعلَمُ منهُم ، وهذا وهْم ، وإلزامٌ لا يصحّ ، لأنّ الإمَام يحيى بن زَيد -عَليه السّلام- كانَ يتكلّم عن نفسِه ، وإن فخَّمَ النّسبَة ، كما هي لغَة العَرب في التّفخيم للواِحد ، لا أنّ الإمَام يحيى بن زيد -عَليه السّلام- يقصدُ أنّ ذلك مُطّردٌ في غيرِه من بني الحسَن والحُسين ، وعلى رأسهِم والدُه الإمَام الأعظَم زيد بن عَلي -عَليه السّلام- فإنّه قد كانَ أعلَم أهل بيتِه عندَ خُروجِه -عَليه السّلام- ، نطقَ بذلكَ ، وشهِدَ لهُ الإمامَان الباقرُ والصّادق عليهم السّلام ، وسنأتي على ذلكَ قريباً بأدلّته ،

نعم! وقبل ذلكَ نذكُر وجه قولِ الإمام يحيى بن زيد -عَليه السّلام- ، فإنّ ذلكَ ينصرفُ إلى جُملة عُلوم الجَفر التي كانَت رقعاً أخذَها الصّادق ، عن الباقِر ، ثمّ كذلك لو انصرفَ الكَلام إلى بقيّة العُلوم فإنّ مزيد مُجالسَة الإمام الصّادق -عَليه السّلام- ، لأبيه ، قد أكسبتهُ علماً جمّاً ، وناهيكَ بباقر عُلوم الأنبياء صلوات الله عليهِما ، بعكس منْ حصّلَ عُلوم أهل بيتِه من أئمّة الزيديّة ، (وأئمّة الإماميّة لنَا أئمّة عِلم ومراجعٌ ونُجوم فاطميّة) ،

نعم! فإنّهم حصّلوا تلكَ العُلوم وقاموا بفريضَة الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكَر فكانوا من أعلَم أهل زمانِهم ، وبعضهُم في زمانهِم فأعلَمُهم كالإمام زيد بن عَلي -عَليه السّلام- وغيره من الأئمّة ، فكانوا بتلكَ الدّعوة مُطرّدين مُشرّدين في البلاد والأمصَار ، بعكس الظّروف التي كانَت لأئمّة الإماميّة وساعدَتهم على مزيدِ الدّرس والمُلازمَة لآبائهِم ، ويجمعُ الجَميع قائمينَ وقاعِدين أنّهم قد مَلكوا ووجدوا العُلوم التي تقومُ بأمر الأمّة في أمر دينهِم ودُنياهُم من كِتاب الله تعالى وسنّة نبيّه -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- ، حتّى قالَ الإمام النّفس الزكيّة محمّد بن عبدالله بن الحسَن -عَليه السّلام- ، وهُو المُعاصر للإمَام الصّادق جعفر بن محمّد -عَليه السّلام- ، يُخاطبَ صاحبَه : ((يَا قَاسم بن مسلّم، مَا يَسُرّني أنّ الأمّة اجْتَمَعَتَ عَليّ فَكَانَت كَعلاقَة سَوطِي هَذَا، وأنّي سُئلتُ عَن بَابِ حَلالٍ أو حَرامٍ لَم آتِي بَالمخرج مِنه، يَا قَاسِم بن مسلّم ، إنّ أضلّ النّاس مَن ادّعَى أمرَ هَذهِ الأمّة ثمّ يُسأل عَن بَابِ حَلالٍ أو حَرامٍ لم يأتِ بِالمخرَج مِنه)) [مقاتل الطالبيين] ،

نعم! فالقاعدَة هُنا : أنّنا لا ننفي خاصيّة التفاضل في العلم بين أبناء فاطمة ، فمثلاً كان محمد النفس الزكية أعلمُ من أخيه سليمان، وكذلك كان علي بن موسى الرضا أعلمُ من أخيه زيد ، ومحمد بن القاسم الرسي كان أعلمَ إخوته ، وهلمّ جرّا ، ولكنّا معشر الزيدية نُشدّد في جعل طائفةٍ من بني فاطمة مخصوصينَ بالعلم دون غيرهِم ، فإنّا نرى الجميع ((ذريّةٌ بعضها من بعض))

، ونُدلّل هُنا على ذلكَ وعلى عَدم اطّراد كلامِ الإمَام يحيى بن زَيد -عَليه السّلام- السابق بأعلميّة أبيه الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السّلام- على أهل زمانِه ، بما نطقَ به عن نفسِه ، روى الحافظ أبو العبّاس الحسني -عَليه السّلام- ، أنّ الإمَام زيد بن علي خَرج عَلى أصحابه عَلى بَرذون أشهَب، في قِبا أبيَض ودِرع تَحته، وعِمَامة ، وبَين يَدَي قربوسِه مُصحَف مَنشور، فقال : ((سَلونِي، فَوالله مَا تَسألونِي عَن حَلالٍ وحَرام، ومحكَمٍ ومُتَشابَه، ونَاسِخٍ ومَنسوخٍ، وأمَثالٍ وقَصصٍ ، إلاّ أنبَأتكُم بِه، والله مَا وقَفتُ هَذا الموقفَ إلاّ وأنَا أعلمُ أهل بيتي بما تحتاجُ إليهِ هذهِ الأمّة)) [المصابيح] ، ورَوى الحافظ أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم الحسني -عَليه السّلام- أيضاً ، أنّ الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السّلام- قال : ((والله لَقَد عَلِمتُ عِلمَ أبي عَلي بن الحسين، وعِلمَ عمّي الحسَن، وعلم جدّي الحسين عليهم السلام وعلم علي بن أبي طالب وصي رسول الله وعَيبة عِلمِه، وإنّي لأعلَمُ أهل بيتي، والله مَا كَذَبتُ كذبة منذ عَرفتُ يَميني مِن شمَالي، ولا انتهَكتُ محرَمَاً مُنذُ عَرفتُ أنَّ الله يُؤاخِذُني، هَلمّوا فَسَلونِي)) [المصابيح] ، فكان -عَليه السّلام-أعلمُ أهل بيتِه كمَا قال ،

نعم! ثمّ نُدلّل عَليه بشهادَة أخيه باقر العِلم ، وناهيكَ بهَا من شهاَدة صادقَة ، بما رواه الإمَام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين -عَليه السّلام- ، وقد كانَ أتَى إليه بعض الشّيعَة يُخبرونَه أنّ أخاه زيداً يطلبُ البيعَات منهُم بالإمامَة ، فقالَ لهُم الإمَام الباقر -عَليه السّلام- : ((بايعُوه فإنّه اليوم أفضلُنا)) [مجموع كُتب ورسائل الإمَام زيد بن عَلي] ، وأدلّ منه قولُ الإمَام الباقر -عَليه السّلام- : ((لقدْ أوتِي أخِي زَيد عِلماً لَدُنِيًّا فاسألوه، فإنّه يَعلم مَا لا نَعلم)) [الكاشف الأمين] ، فهذا وسابقهُ يقطع إلزام المُعترض من قول الإمام يحيى بن زَيد -عَليه السّلام- ،

نعم! ونُدلّل عليه أيضاً بشهادَة ابن أخيه الإمَام جَعفر بن محمّد الصّادق -عَليه السّلام- ، قالَ -عَليه السّلام- ، يُخاطب محمّد بن سالِم : ((يا محمد هَل شِهدتَ عَمّي زيداً؟ قلت: نَعم، قال: فهل رَأيت مِثله؟ قُلت: لا، قَال: والله مَا أظنك ترَى مثله حتّى تقوم الساعة، كَان والله أقرَأنا لكتاب الله ، وأفقهَنا في دين الله، كانَ والله سَيّدنا مَا تُرك فِينَا للدّين والدّنيا مِثله)) [هداية الرّاغبين إلى مذهب العترَة الطّاهرين] ،

نعم! فهذه أقوالٌ وشهادات سبق وأعلميّة وأفضليّة الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السّلام- على أهل بيتِه في زمانِه ، والجميعُ صاحبُ فضْل ، ثمّ نُدلّل على ذلكَ للأخ المُعترض من مصادر الإماميّة ، ما رواه الكشّي ، بإسنادِه ، عَن أبي الجَارود ، وكاَن رَأس الزيديّة ، قَال: ((كُنت عِندَ أبي جَعفَر عَليه السلام جَالسا إذ أقبلَ زَيد بن عَلي فلمّا نظرَ إليه أبو جَعفر عليه السلام قال: ((هَذا سيّد أهل بَيتي، والطّالبُ بأوتارهم)) [بحار الأنوار:46/194] .

نعم! وبهذا وما مضَى من هذا الوجه الرّابع تمّ الجَواب على السّؤال الضّمني الأوّل، حيث أثبتنا أنّ الاختلاف حاصلٌ فيما وجهه المسائل الاجتهاديّة عند أئمّة الزيديّة ، وكذلك عند أئمّة الإماميّة وقوع الاختلاف ، وذلك يرفعُ مُطلقيّة العِلْم والفَهم ، ويرفعُ عدم انطباق الحديث عن الإمَام المنصور بالله عبدالله بن حمزَة -عَليه السّلام- على أئمّة الزيديّة ، وبيّنا أنّ الإماميّة بنَت ذلك الإلزام على قاعدَة تنظيريّة آمَنت بها ليسَ لها أي صحّةٍ ولا تنطبقُ على الواقِع ، وإنّما هُم بنَوا عدَم اختلاف أئمّتهم على النّص ، وعلى العصمَة ، والأخيرَان في باب العقائد لم يَثبتُا ، وإذ انهدمَا انهدَم ما بعدَها ، وهي مُنهدِمَة لا تُفيد علماً ولا يقيناً ، وانفردَت بها الإماميّة دوناً عن الأمّة ، وانفرادُها فلا يُورّث علماً ولا يقيناً ، وذلكَ بابٌ مُناقشته وإثباتُه لا يتّسعه هذا الجَواب ، وبإذن الله أن نأتي عليها قريباً في بحثٍ مُوسّع شامِلٍ موثّق يشفي البَاحث إنصافاً ، ثمّ أثبتنا أنّ كلامَ الإمام يحيى بن زيد بن عَلي -عَليه السّلام- من مصادر الزيديّة في أعلميّة الباقر والصّادق -عَليه السّلام- لا يُحتجّ به ، لمُعارَضة وجه الحجّة والإلزام الذي اعترض به المُعترض فقد سقطَت بأعلميّة الإمَام زيد بن عَلي -عَليه السّلام- على مُعاصريه من أهل بيتِه ، بل بشهادَة الإمامَين الباقرِ والصّادق فتدبّر ، ونزيدُها بشهَادة أبي هاشم عبدالله بن محمد بن علي بن أبي طالب رضوات الله عليهِم ، بما رواه الإمَام المرشد بالله يحيى بن الحسين الشّجري ، بإسنادِه ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ إِبْرَاهِيْمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. عَنْ أَبِيْهِ أن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ لِجُلَسَائِهِ: ((وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَهْلَ بَيْتِي وَوَلَدَ أَبِي، فَمَا عَلِمْتُ أَفْضَلَ مِنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَلَقَدِ اسْتُوْسِقَتْ لَهُ الْفَضَائِلُ، وَاجْتَمَعَ لَهُ الْخَيْرُ، وَكَمُلَ فِيْهِ الْحَقُّ، فَمَا يُسَامِيْهِ أَحَدٌ إِلاَّ وَالْحَقُّ يُنْكِسُهُ وَيُزْهِقُهُ)). [الأمالي الاثنينية] . وبشهادَة الإمَام المحض عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طَالب ، فيروي الإمَام المرشد بالله -عَليه السّلام- ، بإسنادِه ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَكَانَ مِنْ أَعْبَدِ مَنْ رَأَيْتُ مِنْ أَهْلِهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُوْسَى، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: كَانَ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ خَيْرَ وَلَدِ فَاطِمَةَ -صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهَا-)). [الأمالي الاثنينة]، وبشهادَة أخرَى للإمَام الباقر -عَليه السّلام- ، فيريو الحافظ علي بن الحسين الزّيدي ، بإسنادِه ، عَن عبيدالله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، قَال: دَخل زَيد بن علي إلى أبي جَعفر أخيه وهُو يَنظر في كتاب مِن كُتب علي عليهم السلام، قَال: فجعَل أبو جَعفر يَسأل زيداً عمّا في الكتاب، قال: فردّ زَيد بن عَلي على أبي جعفر بِجواب عَلي بن أبي طالب عليه السلام. قَال: أبو جعفر لزيد بن علي: ((مَا فِينا ـ أو مَا كَان فِينا ـ أشبَه بِعَلي صَلوات اللّه علي مِنك)) [المحيط بالإمامة] ، ويروي أيضاً ، بإسنادِه ، أخبرَني أبو خالد الواسطي وأبو حَمزة الثمالي ، عَن أبي جَعفر محمد بن علي، أنّه قال: لَهما يا أبا خالد وأنت يا أبا حَمزة، إن أبي دَعا زيداً فاستقرأَه القُرآن فقرأ، فسَأله عَن المُعضلات فأجَاب، ثمّ دَعَا لَه، وقبَّل بين عينيه، ثم قَال أبو جعفر يَا أبا حمزة: إنّ زيداً أعْطِيَ مِن العِلْم عَلينا بَسْطَة)) [المحيط بالإمامَة] ، وشهادَه أخوهُ الحسين بن عليّ السّجاد ، فيريو الحافظ علي بن الحسين الزّيدي ، بإسنادِه ، حَدثنا أبو الجَارود ، قال: قَال: أشهَد عَلى الحُسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أنه قال: ((والله مَا كَان في وَلد عَلي بن الحسين أكمَل ولا أفضَل ولا أخيَر ولا أعلَم مِن زَيد بن عَلي، ولقد كَان إماماً وَاجب النّصرة، مُفترَض الطاعة، بذل نَفسه وَجَاهد في اللّه حَقّ جِهَاده، فمضَى سَعيداً شهيداً صَلوات اللّه عليه)) [المحيط بالإمامة] ، وبهذا أكتفي وإلاّ فالرّوايات في ذلك كثيرَة ، والمقام مقام رفع شُبهَة ومثلُها يرفعُ بما مضَى من مُعارضَة فهم المُعترض لقولِ الإمام يحيى بن زيد بن علي (ع) مُطرّداً ، والحمدلله .

السّؤال الضّمني الثّاني :

إن من يكون لديه علم رسول الله -صَلوات الله عَليه وَعلى آله- وفهمه، فهذا يعني أنه معصوم من الناحية العلمية، أي إنه لا يخطئ في مجال الفتوى، ولا تغيب عنه معلومة، وهذا يعني العصمة في مجال العلم. فهل يقول الزيدية بالعصمة في العلم لأئمتهم؟ الجواب: إنهم لا يقولون ذلك، وبناء عليه: فإن أئمة الزيدية ليسوا هم الأئمة الذين ذكرتهم هذه الأحاديث التي تكلمت عن علم الأئمة وفهمهم..

والجَواب على السّؤال الضّمني الثّاني :

قد تضمّنه الجَواب على السّؤال الأوّل ، حيث أنّه تكرارٌ لمَا قبلَه في الاختلاف ، والعصمَة ، وقد بيّنا أبعاد وأطراف المسألَة ، فلا نُعيدُه هُنا ، فعلى المهتمّ مُراجَعته .

السّؤال الضّمني الثّالث :

نلاحظ التعبير عن الأئمة من بعد الإمام علي بـ (الأوصياء) ، وهذا يعني أنهم يعرفون بالوصية، والوصية تعني أن هناك تنصيص من الإمام السابق على الإمام اللاحق، بينما من المعروف أن الزيدية يعرفون أئمتهم بانطباق شروط خاصة ليس منها الوصية والنص.

والجَواب على السّؤال الضّمني الثّالث : نسوقُه من عدّة وُجوه يترتّب بعضها على بَعض :

الوَجه الأوّل : وفيه نبيّن الوصايَة أو النّص على أئمّة العترَة كما تعتقدُ به الزيديّة ، فإنّ الوصيّة طريقُها الدّليل الشرعي ، وبدون الدّليل من الكِتاب أو السنّة ، لا يُمكن معرفَة طريقِها ، فنظرنَا الأدلّة فوجدَناها قد نصّت على لسان رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله على ثلاثَة بأسمَائم وأعيانهِم ، وهُم عَليٌّ والحسَن والحُسين صلوات الله عليهِم فكانَت هذه وصيّة خاصّة فيهِم ، ثمّ نظرنَا أدلّة الشّرع فمَا وجدنَا إلاّ نصّا عامّاً في ذريّة الحسن والحسين دلّ عليه حديث الثّقلين ، والسّفينَة ، والنّجوم ، وأمثالهَا ، بدون تخصيص ، فكانَت هذه وصيّة عامَة في الذريّة الفاطميّة الحسنيّة والحُسينيّة ، روتها الأمّة ، فأولئك هم أوصياء أمير المُؤمنين ، وأوصياء رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله ، نعني الذريّة الحسنيّة والحُسينيّة ، فلمّا لزمَ أن يكونَ الإمام واحِداً في كلّ زمَان ، كانَت معرفَته عن طريق الدّعوة وصفَات العِلم والفَضل يقومُ فيدعُو فتستجيبُ له الأمّة آمراً بالمَعروف وناهياً عن المُنكر ، لانعَدام النّصوص على أعيان تلكَ الذريّة ، فأمّا ما انفردَت به الإماميّة من النّص على الاثني عشر فتلكَ دعوىً عريضَة لا تصحّ عقلاً من واقعهم التأريخيّ ونقلاً من تراثهِم الرّوائي ، وقد تكلّمنا عن ذلكَ قريباً فلا نُعيده ، والغرض من هذا الوَجه بيان عقيدَة الزّيديّة في الأوصياء ، وأنّهم عليّ والحسن والحسين وذريّة الحسن والحسين مَنْ قام منهُم ودَعا إلى الله تعالى بصفَات العلم والفضل كمَا قامَ الإمَام زيد بن عَلي ، والأئمّة يحيى بن زيد ، ومحمّد بن عبدالله النّفس الزكيّة ، وإبراهيم بن عَبدالله النّفس الرضيّة ، والحسين بن عَلي الفخّي ، ويحيى بن عبدالله صاحب الدّيلم ، وإدريس بن عَبدالله صاحبُ المَغرب ، ومحمّد بن جَعفر الصّادق ، والنّاصر الأطروش ، والهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين صاحب اليَمن وغيرهم من سَادات الذريّة الفاطميّة الحسنيّة والحسينيّة عليهم سلامُ الله.

الوَجه الثّاني : وفيه نبيّن أن الأوصياء في الحَديث الذي رواه الإمَام المنصوربالله عبدالله بن حمزَة -عَليه السّلام- ، هُم الذريّة الحسينّة والحُسينيّة ، وقد كُنت سألتُ حَي سيّدي العلاّمة الحجّة نجم آل محمّد عبدالرّحمن بن حسين شايم المؤيّدي -عَليه السّلام-، عن الأوصياء في الخَبر ، فقال : ((وأمّا أوصياء علي بن أبي طالب (-عَليهم السّلام-) ، فهُم أولادهُ مثل الحسن والحسين ، ولا شكّ أنّهما أوصياءهُ حقيقة ، ومَن خَلفَهما من ذريتهما ، وله في العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مكانة ، فلا شك أنّه داخلٌ في الوصاية)) .

نعم! ونُبيّن أنّ المُراد بالأوصياء في الخَبر هُم الذريّة ، والذريّة تجمعُ أبناء الحسن والحُسين ، لا أنّ المُراد بها ـ أو أنّ من لازمهَا وصيّة سابقٍ إلى لاحقٍ كمَا تعتقدُ الإماميّة ، فيروي الحافظ محمّد بن سليمان الكوفي ، بإسنادِه ، عَن جابر الجعفي: عَن محمد بن علي [الباقِر] ، قَال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((مَن سَرّه أن يَحيا بحيَاتي ويَموت ممَاتي ويَدخل الجنة التي وعدَنيها ربي فليتول عَلي بن أبي طالب بَعدي والأخيَار مِن ذريتي)). [مناقب أمير المُؤمنين] .

نعم! ومن مصادر الإماميّة يروي الطّبري محمد بن أبي القاسم ، بإسنادِه ، عَن زيد بن مطرف ، قَال: قال رسول الله -صَلَوات الله عَليه وَعلى آله-: ((مَن أرَاد أن يحَيا حيَاتي ويَموت مَوتي ، ويَدخل الجنّة التي وعدَني ربي ، فليتولّ عَلي بن أبي طَالب (-عليه السلام-) وذُريّته ، فإنّهم لَم يُخرجُوكم مِن بَاب هُدى ولَم يُدخلوكُم في بَاب ضَلالَة)) [بشارة المصطفى:94] .

الوَجه الثّالث : وفيه بعدَ أن بيّنا بأنّ الأوصياء في الخَبر الذي رواه الإمَام المنصور بالله عَبدالله بن حمزَة -عَليه السّلام- هُم الذريّة ، والذريّة متى أطلقَت كانَت في أبناء الحسن والحُسين ، ما يزيدُ السّائل تبصّراً بأنّ الإمامَة في هذه الذريّة ليسَت بوصيّةٍ من سابقٍ إلى لاحقٍ كما يعتقدهُ الإماميّة ، وإنّما الإمَامة لمَن قامَ ودَعا من ذرية الحسن والحُسين مالكاً واجداً لصفات وشروط الفضَل والعِلم ، نذكرُ ذلكَ من مُختلف المصادر ، الإماميّة ، والزيديّة ، والسنيّة ليكونَ ذلكَ أوقَر وأدلّ ، ثمّ مانعاً لذوي الحِجا بأن لا تُلوى أعناق النّصوص إلى غير وجهها ، فنذكُر أصل وعَين عقيدَة الزيديّة من تلكَ المصادر المُختلفَة ، فتكون خير مُبيّنٍ لمَا التبسَ على السّائل والمُعترض من لفظَة (الأوصياء) في الخَبر المحمّدي ، فمن مصادر الإماميّة ، يروي الشّيخ الصّدوق ، بإسنادِه ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : ((كُنتُ جَالساً فِي المَسجد الحَرام مَع أبي جَعفَر عَليه السلام [الباقر] إذ أتَاه رَجُلان مِنْ أهل البَصرَة فقَالا لَه : يَا ابنَ رَسُول الله إنّا نريد أن نَسألك عَن مَسألة فقالَ لَهُمَا : اسألا عمّا جئتمَا. قَالا : أخبِرنَا عَن قول الله عز وجل : “ثمّ أورَثنا الكِتَاب الذين اصطفينا ((مِنْ عِبادنا فمنهُم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير)) ” إلى آخر الآيتين . قال : نزلَت فِيناَ أهل البَيت . قَال أبو حمزَة فَقُلت : بَأبي أنت وأمّي فمَن الظّالم لنفسَهِ؟!. قَال : مَن استوَت حَسنَاته وسَيئاته مِنّا أهل البيت فَهُو ظالم لنفسه . فَقلتُ : مَن المُقتصد مِنكُم؟!. قَال : العَابدُ لله ربّه فِي الحَالين حتى يأتيه اليقين . فَقلت : فمَن السّابق مِنكُم بالخَيرَات؟!. قَال : مَنْ دَعا والله إلى سبيل ربه ، وأمرَ بالمَعروف ، ونَهى عَن المنكر ، ولَم يَكُن للمُضلّين عَضُدا ، ولا للخائنين خصيما ، ولم يَرضَ بحُكم الفَاسِقين إلاّ مَنْ خَاف على نفسه ودينِه ولَم يَجِد أعوانًا)) . [معاني الأخبَار:105] ، 

نعم! فذلكَ كما ترى عن أبي جَعفر الباقر -عَليه السّلام- قد شمل أهل البيت عُموم الذريّة الحسنيّة والحسينيّة فكانوا ثلاثَة أصنَاف ، فإمّا ظالمٌ لنفسِه من ذريّة الحسن أو الحسين ، وإمّا مُقتصدٌ من ذريّة الحسن أو الحُسين ، وإمّا سابقٌ للخيرَات من ذريّة الحسَن أو الحُسين ، فهي في عُموم بني فاطمَة ، والإمَام منهُم من تحصّل خِصال الفضل والعِلم وقامَ ودعَا إلى سبيل ربّه منهاج الأئمّة زيدٍ ، ومن حذا حذوَه ، ويدلّ عليه من رواية ابن بَابَويه القمّي ، بإسنادِه ، عَن أبي بَصير ، عَن أبي جَعفر -عَليه السّلام- ، في قَول الله عزّ وجلّ : ((وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)) ، قال: ((الأئمّةُ مِن وَلد عَليٍّ وفَاطِمَة عَليهمَا السّلام ، إلى أن تَقومَ السَّاعَة)) [الإمامة والتبصرة:134] . فلم يُخصّ تسعةً من ولد عليّ وفاطمَة ، أو اثنا عشَر ، فتفهم وتدبّر كيفَ أنّ أدلّة العقول من استحضَار واقع تلك الحِقبَة للثلاثَة القُرون الأولى عضّدتها مصادرُ النّقل من مُختلف المذاهِب ،

نعم! فأمّا من طريق الفرقَة السنيّة في أنّ وجه أولئك (الأوصياء) في الخَبر ، هم الذريّة الحسنيّة والحسينيّة ، باستحقاق درجَة السّبق للخيرات بخصال اكتساب الفَضل والعلْم ، ما يرويه الحاكم الحسكاني الحَنفي برواية قريبةٍ من روايَة الشّيخ الصّدوق تصلحُ أن تكونَ مُبيّنةً لهَا ، وهي أدلّ على عقيدَة الزيديّة في الإمامَة ، فيروي الحاكمُ الحسكاني الحَنفي ، بإسنادِه ، عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين ، قَال : إنّي لَجَالِس عِندَهُ ، إذ جَاءَه رَجُلان مِن أهل العِراق ، فقالا : يا ابن رسول الله جئناكَ كَي تُخبِرَنَا عَن آياتٍ مِنَ القرآن . فَقَال : وَ مَا هِيَ ؟ قَالا : قول الله تعالى : ((ثمّ أورَثنا الكتاب الذين اصطَفينا)) فَقال -عَليه السّلام- : يَا [و] أهلَ العِراق أيش يقولون ؟ قَالا : يقولون : إنّها نَزَلَت في أمّة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فَقال : علي بن الحسين : أمّة محمّد كلّهم إذا في الجنة ! ! قّال : فَقلتُ مِنْ بَين القَوم : يَا ابن رسول الله فِيمَن نَزَلَت ؟ فَقَال : نَزَلت و الله فِينَا أهل البَيت ثَلاث مَرّات . قُلتُ : أخبِرنَا مَنْ فِيكُم الظّالِمُ لِنَفسِه ؟ قَال : الذي استوَت حَسَنَاتُه و سَيئاتُه و هو في الجنّة ، فَقلتُ : و المُقتصد ؟ قال : العابِد لله في بيته حتى يأتيه اليَقين ، فَقلت : السّابق بالخيرَات ؟ قَال : مَنْ شَهَرَ سَيفَه وَ دَعَا إلى سَبيلِ ربّه)) [شواهد التّنزيل:2:156] ، نعم! فكان السّابق بالخيرات من اكتسبَ الدّعوة ، والدّعوة لا تكون إلا مع صفات العلم والفَضل من الذريةّ الحسنيّة أو الحسينيّة ، لا أنّ الإمامة تكون بالنّصوص السّابقَة على الأعيان والأسمَاء ،

وأيضاً من من مصادر الفرقَة السنيّة ، يروي الحاكم الحسكاني ، بإسنادِه ، عَن أبي خَالد، عَن زَيد بن عَلي فِي قَوله تعالى: ((ثمّ أورَثنا الكِتاب وسَاقَ الآيَة إلى آخرَها ، وقَال: ((الظّالم لِنفسِه المُختلط منّا بالنّاس. والمُقتصدُ العَابد. والسّابق الشّاهر سَيفه يَدعو إلى سبيل ربّه)) [شواهد التّنزيل:2/157] ، وأيضاً من مصادر الفرقَة السنيّة ما يرويه سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي ، عَن جَابر يرفعه ، [أي عن رَسُول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم ، قال] : ((لا خَير فِي أمّة ليسَ فِيهم أحَدٌ مِن وَلد عَليّ يَأمُر بالمَعروفِ ويَنهَى عَن المُنكَر)) [ينابيع المودّة:2/303] .

نعم! وهذه الرّواية لها شاهدٌ من طريق الإمَام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين -عَليه السّلام- ، قال : ((وفِي ذَلك مَا بلغَنا عَن رَسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: ((مَن أمرَ بالمَعروف ونهَى عَن المُنكر مِن ذريّتي فَهُو خَليفَة الله في أرضِه وخَليفَة كِتابه وخَليفَة رَسُوله)) [الأحكام في الحلال والحرام] ، وقريبٌ منها من طريق الفرقَة السنيّة عن ابن عدي ، ومن مصادر الإماميّة جاء في مجمع البيان للطّبرسي : ((ومما ورد فيه ، ما وراه الحسَن ، عن النّبي صلى الله عليه وآله وسلّم ، قال: ((مَن أمرَ بالمَعروف ونهَى عَن المُنكر فَهو خَليفة الله في أرضِه، وخَليفة رسول الله ، وخَليفة كِتابه)) [تفسير مجمع البيان:2/359] ، وأوردَه الزّمخشريّ المعتزلي في تفسيره الكشّاف ، فتدبّر ذلك وانظُر قول أئمّة أهل البيت -عَليه السّلام- وشروط الإمامة والدّعوة والأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر من اعتقادهم ، وليسَ أحدٌ يعتقدُ ذلك غيرَهم من أهل الإسلام فيما وقفنَا عَليه من أقوالِهم في الإمام المُستحقّ ،

نعم! ومن مصادر الزيديّة ، يروي الحافظُ أبو عبدالله محمد بن علي الحسني البطحاني ،عن الإمَامين محمّد الباَقر ، وزيد بن عَلي -عَليه السّلام- ، قالا : ((نَحن وَلد فَاطمة أئمّتكم فِي حَلالكم وحَرَامكم، الإمَام منّا المُفترَض الطّاعة: الشّاهر سَيفه، الدّاعي إلى سَبيل ربّه بالحكمَة والمَوعظة الحسنَة، وليسَ الإمام المُفترض الطّاعة: الجالسُ فِي بَيته، المُرخي عَليه سترَه، تَجري عليه أحكَام الظلمة، ولا تَجري حَكومَته عَلى مَا وارَى بَابَه)) [جامع علوم آل محمد:ج6].

نعم! فظهَر لكَ أخي المُعترض وجه الإمامَة ، واستحقاق درجة السّبق بالخيرات ، ووجه النصّ العام في الأوصياء لأمير المُؤمنين -عَليه السّلام- ، وأنّهم ذريّة الحسن والحُسين ، لا ما فهمَه السّائل أوالمُعترض من إمامةً نصيّة ، أو وصيّة سابقٍ للاحِقْ ، وقد كان في الخاطر الاستطرَاد في ذكر الأدلّة والقرائن والشّواهد التي تشهَد لعقيدَة الزيديّة ، ويكفي في ذلك الإشارَة للبَاحث ، وعَدم التّطويل في الجَواب ، وإلاّ فمثلُ هذه الأدلّة لا يغيبُ عن أصغَر البَاحثين المتجرّدين المُنصفين الذين لا يغترّون بكثرَةٍ ولا ضَجيج ، بل تقودُهم العُقول ولأناة والتفكّر ، ولو لم يُكن إلاّ حديث الثّقلين لكفَى ، وبه يتمّ الجَواب على السّؤال الضّمني الثّالث ، والحمدُ لله .

السّؤال الضّمني الرّابع :

وأخيراً نسأل إخواننا الزيدية: من هو الإمام أو الأئمة في هذا الزمان، بشرط أن تثبتوا لنا بالدليل أنه يمتلك علم رسول الله وفهمه، مع الدليل على أنه وصي من الأوصياء؟ إن لم يجدوا إماماً لهم في هذا الزمان بهذه المواصفات، فهذا دليل على خلل فكري في مجال عقيدة الإمامة.

والجَواب على السّؤال الضّمني الرّابع :

نسوقُه من جَواب سابقٍ لنَا فصّل عقيدَة إمام الزّمان عند الزيديّة ، تفصيلاً يكفي ويشفي بإذن الله ، فأمّا أن يكونَ بعلمِ رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- ، يقصد السّائل مُطلق علمِ رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- فقد بينّا أبعادَ ذلك في الجَواب على السّؤال الضّمني الأوّل وفصّلنَاه فلا تُعيدهُ هُنا ،

نعم! فنأتي هُنا على جَواب مَنْ هُو إمام الزيديّة ، وذلكَ يتفرّع من حديث رسول الله -صلوات الله َعليه وعلى آله- : ((مَن مات ول يعرف إمام زمانِه مات ميتةً جاهليّة)) ، فنقولُ من جوابٍ سابقٍ نأتي بتمامِه هُنا .

أنّ هذا السّؤال من ذلكَ الحديث المحمديّ الصّحيح ، أصبحَ ممّا تُمتحنُ به العُقول ، وتطيشُ لأجلِه الأفهَام ، لمَا فيه من الوَعيد الشّديد بالميتَة الجاهليّة ، ولما يُشكلُ على كثيرٍ من الباحثين الإحاطَة بجوانِبه ، وأصحّ ما استأنستُ به في بحثِي لطُرق هذا الحَديث ، هُو ما رواهُ الإمَام الأعظَم زيد بن عَلي، عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام قال: ((من مات وليس له إمامٌ مات ميتةً جاهليةً إذا كان الإمام عدلا برا تقيا)) [مسند الإمَام زيد بن عَلي] ،

والجوابُ على فِقه هذا الحَديث نُؤصّلُه من عدّة مقدّماتٍ نقولُ فيهَا :

المقدّمة الأوّلى : في مَعاني الإمامَة التي هي خيرٌ وهدايَةٌ ، إمامَة هُدىً وحقّ ، فهيَ إمامَتان ، الإمامَة الأولَى : هي إمامَة القرآن والسنّة ، والإمَامة الثّانية هي إمَامة الإمَام القائم بخلافَة رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- في الأمّة ، والإمامَتان باقيَتان في الأمّة لحاجتهِم لهَا ، إلاّ أنّ إحدَاهُما باقيةٌ بلا شَرط ، والثّانية باقيةٌ بشرط ، فأمّا الإمامة الباقية بلا شَرط فهي إمامَة الكتاب والسنّة ضمنَ الله تعالى بقائهما إلى يوم الدّين ،

فإن قيل: ذلكَ الكتاب عرفنا وجه بقائه إلى يوم الدّين من قولِ الله تعالى : ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) .

قُلنا : ليسَ مُرادنا هُنا بالبقَاء والحِفظ حفظُ ذات الكِتاب سوراً وآياتاً ، وإنّما المُراد بالبقَاء والحِفظ هُو الهَدي الصّحيح من الكِتاب والهَدي الصّحيح من السّنة ، وهذه كلّها قد تكفّلَ الله ببقائها ما بقيَت العترَة الحسنيّة والحسينيّة إلى انقضَاء التّكليف ، ودليلُ ذلك في حديث الثّقلين المُتواتر المشهور ، قولُ رسول الله -صَلوات الله عَليه وعلى آله- : ((إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسكّتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي إنّ اللّطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتى يردَا عليّ الحوض)) ، وإن كانَ الكتاب محفوظاً مصوناً عن التّحريف ،

نعم! فهذه الإمامة للكتاب والسنّة باقيةٌ بلا شَرط تكفّل الله ببقائها وجعلَ لها تراجمةً هُداةً يدلّونَ عليها وهُم أهل بيت سيّدنا محمّد -صلوات الله عليه وعليهِم- ، ومن لَم يكُن الكتاب والسنّة له أئمّة هُداة وماتَ على ذلك فقد مات ميتة جاهليّة .

وأمّا الإمامة الباقيَة بشَرط ، فهي : إمَامة الإمَام القائم بخلافَة رسول الله صَلوات الله عليه وعلى آله في الأمّة ، وشرطُها شرطُ يرتبطُ بالظّهور وإعلان الدّعوة الحسنيّة أو الحسينيّة ،

ولهذا الظّهور شرطَان ، الشّرط الأوّل: أن يتوفّر النّاصر والمُعين من الأمّة فلا تُغمَر العترَة بالقَهر والقَمع .

والشّرط الثّاني : أن لا يؤدّي ذلك القيام بالخلافَة والإمامَة للأمّة إلى مُنكَر أو أنكَر ممّا النّاس فيه ، فمتى تحقّق هذان الشّرطان كانَت الإمامَة للقائم صاحب الفضَل من بني فاطمَة مُلزمةً بالاتّباع لشخص ذلك القائم من قِبل الأمّة ، ومن لَم يكُن ذلك الإمَام له إمَامٌ يسمعُ له ويُطيع وماتَ على ذلك فقد مات ميتة جاهليّة ،

نعم! فإن قيلَ : فإنّ تكلّمتَ عن ظهور دعوةٍ فاطميّة حسنيّة أو حسينيّة وقيّدتها بشرطَين ، وأخبرتَ في مقدّمة ذلكَ أنّ هذا من صنف الإمامَة الباقيَة بشرَط ، وفي هذا تناقُض فكيفَ تقولُ ببقائها وتقولُ بانعدامهَا إلى لم يتحقّق الشّرط ؟!.

قلتُ : ليسَ من تناقُض فمفهوم العترَة أنّ بقاء الإمامَة فيما هُو أمرٌ الله واصطفاؤُه لهذه الذريّة هُو أن لا يُعدَم منهُم القادرُ على القيام بأمر الأمّة والإمَامة وإشهَار الدّعوة والأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكَر ، لا يخلو الزّمانُ من صالحٍ منهُم لقيادَة الأمّة وإمامتهَا ، فالإمامة الثّانية بقايةٌ ببقاء المؤهّل أو المؤهّلين للقيامِ بهَا متى أوفَت الأمّةُ بشرطِ وتكليفِ الله عليها وهو الاجتماع حول العترَة للقيام بأمرِ الأمّة ، الاجتماع لا الذي يغلبُ على الظنّ أنّه يُزاح به الظّلم أو تستتبّ معه أمور العباد بعضهُم أو كلّهم .

نعم! فهذه المقدّمة الأولى للجواب على سؤالِ السّائل وخُلاصته أنّ الإمامَة إمامتَان يموتُ بدونِها المكلّف ميتة جاهليّة ، وكلّها باقيَة لا يخلو الزّمان منهَا ، إمامَة الهُدى من الكتاب والسنّة فعلماء آل محمّد باقونَ يهدونَ النّاس إليهَا ، وإمامَة القيام بأمرِ الإمامة العُظمَى فعلمَاء آل محمّد باقونَ ينظرون أثر تلكَ الإجابَة لذلك الهدي من الكتاب والسنّة للالتفَاف والقيام بأمرِ الأمّة مع الدّاعي والرّضا منهُم يقومُ به فيحكُم ويعدِل سنّة آبائه الأئمّة الهُدَاة .

المقدّمة الثّانية : أنّ من أصول العترَة ، بل هي أصولٌ لغيرِهم من أهل الإسلام ، إلاّ مَن شذّ أنّ الله تعالى لا يُكلّف الله نفساً إلاّ وُسعَها ، ((لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)) ، وأنّه لا طاعَة لأئمّة الضّلالة وأئمّة الجور والظّلم ، فإذا كانَ الحديث المحمديّ : ((من مات وليس له إمامٌ مات ميتةً جاهليةً)) :

إن كانَ المقصودُ منهُ ضرورَة وجود إمامٍ بالمُصطلح الشّرعي القائم العادلِ الحاكِم للأمّة كأمير المُؤمنين ، والأئمّة من ذريّته زيدٍ والهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين ، والنّاصر الأطروش الحسَن بن عَلي وغيرهِم ، فالمَعلوم بالضّرورة التأريخيّة أنّ الزّمان قد انقطعَ يسيراً (على شرط الزيديّة) وكثيراً (على شرط غير الزيديّة) ، فأمّا على قولِ السلفيّة فظاهرٌ من بعد الخلافَة الرّاشدَة (على حدّ قولهِم) واستثناءً لعُمر بن عبدالعزيز ومن بعدَهم من بني أميّة والعبّاس فحالُ أئمّتهم في الظّلم والجَور يعلمُه كلّ مُنصف ، وأمّا على شرطِ الإماميّة فإنّهم من بعد الإمَام الحُسين بن عَلي لم يكُن في أئمّتهم إمامٌ ظاهرٌ مشهورٌ يقودُ الأمّة ، ولو سلمّناَ لهُم بأنّ الثّمانية ظاهِرين ، فإنّهم (الإماميّة) من منتصف القرن الثّالث سنَة (255هـ) إلى يوم النّاس هذا ، ليسَ لهُم إمامٌ ظاهرٌ يقومُ بأمر الأمّة ، يأمرُ فيهم بالمَعروف وينهَى عن المُنكر ، وينتصرُ للمظلومين من الظّالمين ، وكذلكَ الحالُ مع الإسماعيليّة ، وعلى قول الزيديّة فإنّه قد حصلَ زمان فترَة فيما بين الأئمّة القائمين ، كذلك الزّمان بينَ قيام الإمَام الحُسين بن عَلي السّبط ، وبين قيام ابن أخيه الإمَام الحسن بن الحسن ، وأيضاً بين قيام الإمَام الحسن بن الحسن والإمَام زيد بن عَلي ، وأيضاً بين قيام الإمام مجدالدّين المؤيّدي حيث قد ثبتَ قيامُه ثمّ تخاذلُ النّاس عنه ، والمتوفّى سنَة (1428هـ) وبين قيام إمامٍ في زماننا هذَا ، فهذه على شرط الزيدية فتراتٌ يسيرَة قصيرَة بين قيام الأئمّة قد لا يتخلّلها إمامٌ قائمٌ داعٍ ظاهرٍ يقود الأمّة بأمرُ بالمَعروف وينهى عن المُنكر ويُقيم الحُدود وينتصرُ للمظلومين ، نعم! فإن كانَ المقصدود من حديث الميتة الجاهليّة هُو أنّه حديثٌ يدلّ على وجود أئمّةٍ ظاهرينَ بالدّعوة داعين إلى الإمامة يجبُ على النّاس طاعتهُم عَيناً فهذا قد دلّت الضّرورة التأريخية على عدمِه وخلوّ الزّمان من مصاديقِه ، وكون أنّ يقول الباحث والنّاظر بهذا المَدلول من ذلك الدّليل فإنّه سيُكلّف النّاس ما لا طاقَة لهُم ، ويحكُم لهم بالميتة الجاهليّة في أزمانٍ خلَت من الأئمّة القائمين بالدّعوة الظّاهرين ، والله قد وسّعَ ذلكَ عليهِم عندما خلَت تلك الأزمَنة فعليّا من أولئك الدّعاة القائمين ، فاستبعدَنا هذا المَدلول (وجود إمام قائمٍ بالدّعوة العادلَة في كلّ زمَان إطلاقاً) من فِقه الحديث المحمديّ .

نعم! وإن كانَ المقصود من قولِ رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- : ((من مات وليس له إمامٌ مات ميتةً جاهليةً)) ، هُو ما قدّمناه حسب الحَال وتوفّر الشّروط في المقدّمة الأولى اتّسقَ ذلكَ واستقَام واطّردَ على كلّ زمَان ولزمَ كلّ مُكلّف ، لأنّ إمَامة القُرآن والسنّة باقيةٌ والعترةُ مُلازمةٌ لها يدلّون عليها لا يفترقونَ عنها إلى ورود الحوض على نبيّنا محمّد -صلوات الله عَليه وعلى آله- ، فمَن لم تُكن له تلكَ المصادر (القرآن والسنّة والعترَة) مصادرُ هدايَة في زمن عدم قيام الأئمّة القائمين من آل محمّد لعدم تحقّق شروط القيام وتفرّق النّاس عنهُم وغمرهِم بالظّلم فأصبحُوا على ذلكَ الحال خائفين غير قادرين على القِيام ،

نعم! فمَن لم تُكن له تلك المصادر في ذلك الزّمن إماماً للهدايَة بها يستنيرُ في اعتقادِه وقولِه وفعلِه ومات على ذلكَ فميتته ميتةٌ جاهليّة ، وإن تحقّق شروط القيام والتفّت الأمّة حول العترَة فقام قائمُهم ، ودعَا إلى الله تعالى رضاً من آل محمّد ، وجبَ على الأمّة إجابَته لأنّه على ذلك الحَال وبشروط الفضل والصّلاح لن يكون على غير هُدى الكتاب والسنّة وإجماعات سلفه من العترَة ، فهو إمام الزّمان القائم وواجبٌ على الأمّة إجابَته ، ومن لَم ُيجبه كانَ له الوَعيد والميتة الجاهليّة ،

نعم! وهُنا وقد فصّلتُ وأصّلت المسألَة في المقدّمتين السّابقَتين ، فآتي للباحث بأقوال أئمّة العترَة تشهدُ لذلك التّأصيل ،

فيقولُ الإمام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين -عليه السلام-، (ت298هـ) ، يشرح حديث جدّه صَلوات الله عليه وعلى آله ، قال : ((إذا كانَ في عَصرِ هذا الإنسان ، إمامٌ قائمٌ زكيٌّ نَقيٌّ ، فَلم يَعرفهُِ ولَم يَنصرهُ ، وتَرَكَهُ وخَذلَهُ وماتَ على ذلك ، ماتَ ميتةً جاهلية ، فإذا لَم يَكُن إمامٌ ظاهِرٌ مَعروفٌ باسمه ، مَفهومٌ بقيامه ، فالإمام الرّسول ، والقرآن ، وأمير المؤمنين -عليه السلام- ، ومِمَّن على سيرته وفي صِفَتِه مِن وَلَدِه ، فَتَجِبُ مَعرِفَةُ مَا ذَكَرنا على جميعِ الأنام ، إذا لَم يُعلَم في ذلكَ العصر إمام ، ويجبُ عليهِم أنْ يَعلمُوا أنَّ هذا الأمر في ولَدِ الرَّسول -صلوات الله عَليه وعلى آله-خاصّاً دُونَ غيرِهم ، وأنّهُ لا يَعدمُ في كُلِّ عَصرٍ حُجّةٌ لله يَظهرُ منهُم ، إمامٌ يأمرُ بالمعروف وينهى عن المُنكر ، فإذا عَلِمَ كُلَّ ما ذَكرنا ، وكانَ الأمرُ عندَهُ كمَا شَرحنا ، ثمّ ماتَ فقد نجا من الميتة الجاهليّة ، وماتَ على الميتةِ المِليّة ، ومَن جَهِلَ ذلكَ ولَم يَقُل به ، ولَم يَعتَقِده ، فَقد خرجَ من الميتة المليّة ، وماتَ على الميتة الجاهلية ، هذا تفسيرُ الحديثِ ومعناه)) [الأحكام في الحلال والحرام] .

ثمَّ علّق الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني الحسني -صلوات الله عَليه وعلى آله- على تفسير الإمام الهادي السابق للحديث المحمديّ ، فقال : (( وهذاَ هُوَ الصّحيح ، دُونَ مَا ظَنُّ بعضُ النّاس ، مِن أنْ يَدُلَّ على أنّهُ لا بُدَّ في كُلِّ زَمانٍ مِن إمامٍ تَلتَزِمُ مَعرِفتُه ، لأنَّ هذا في نهايَة البُعد ، فإن قالَ قائل : أتُجوّزنَ أن تَخلُوَ الأرضُ من الأئمة أَزمنةً كثيرَة ؟ . قيلَ له : إن أردتَ بهذا القول ، أنَّ الأرضَ تَخلو ممّن يَصِحُّ للإمامة ، وسياسَة أمرِ الأمّة مِن أفاضِلِ أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله ، فهذا يَمتنِع منهُ الزيدية ، ولا يُجوّزونَه ، وإن أردتَ بذلِكَ أنّها تخلو ممّن يقومُ بالأمر ويَتولاّه لأسبابٍ عارِضَة ، وأحداثٍ مَانِعَة ، فهذا غيرُ ممُتَنِع)) [الدّعامة] ،

وقالَ الإمام مانكديم المُستظهر بالله أحمد بن الحُسين -صلوات الله عَليه وعلى آله- : ((اعلَم أنَّ مِن مَذهَبِنا أنَّ الزّمان لا يَخلو عَن إمام ، ولَسنا نعني بهِ أنْ لابُدَّ مِن إمامٍ مُتصرِّف ، فالمعلوم أنّهُ ليسْ ، وإنّما المُرادُ به ليسَ يجوزُ خلوّ الزّمانِ ممّن يَصلُح للإمامَة)) [شرح الأصول الخمسَة] .

نعم! وبهذا أتممنا الكَلام على المقدّمة الثّانية من هذا الجواب ونشيرُ وننبّه إلى أمر ، وهُو أنّه على شرط الزيديّة أنّ الزّمان (الفترَات) لا يخلو طويلاً من قيام الإمَام الدّاعي بعدَ الإمَام لمّا كانَت الأمّة بحاجَة إلى ذلك القيام لإحياء معالم الكِتاب والسنّة وقضّ مضاجع الظّلمَة ، ولحاجَة الأمّة إلى أن يُنتصَر لمظلومهِم من ظالمهِم ، ولضيعفهِم من قويّهم ، وحاجتهِم للمُنكر أن يُباَد ، وللمعروف أن يقرّ ويستقرّ ، وللحُدود أن تمضي وتُقام ، فالإمَامة الأولى (الكتاب والسنّة والعترَة المقصتدين العُلماء في الزّمان) تُمهّد للإمامة الثّانية (القيام بأمر الأمّة ونصر داعي الله تعالى) ، فالأوّل عمادُ الثّاني ، ولا يُغني ولا يصرفُ الاتّباع للأوّل دوناً عن الاتّباع للثاني متى وُجِدَ وقامَ ودعا عن الميتة الجاهليّة حسب مُقتضى الحديث المحمدّي وغيره من الأحاديث الدّالة على وجوب مُناصرَة واتّباع إمام الهُدى القائم ، وللمسألة من جانب الجَهل والتأويل لمن لَم يُجب ذلك الإمَام حيثيّات أخرى ليسَ هذا مقامُ تفصيلهَا .

المقدّمة الثّالثة : أنّ إخوتنا من الإماميّة مَن عاصرنَا طرحَهم ، وسبرنَا حُججَهم ، يقولون بأنّه لا مِصداق لهذا الحَديث إلاّ على شرطِهم ، لأنّه يُفيدُ اطّراداً واستغراقاً زمنياً يشملُ كلّ زمان ، وهُم الذين يقولون بالإمَامة في كلّ زمَان ويُعيّنون الإمَام ، ويقولون أنّ إمام زمانهِم هُو المهدي محمد بن الحسَن العسكريّ من اثني عشر قرناً ، يعَني أنّه ابن الحسن العسكريّ هذا ، هُو إمامُ زماننا ، وإمام زمانٍ تاسعٍ جدّ من آبائنا ، بل إمام آبائنَا وسلفنا إلى الإمام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين (ت298هـ)! ، والمعلومُ لكلّ أصوليّ وباحثِ مُنصف أنّ هذا عُذرٌ بارِد ، وقد أنصَفَت الزيديّة العقلَ عندَما لم تأخُذها العاطَفة بالقول بشمول إمَامة القيام كلّ زمَن بلا فترات ، لمّا كانت الضّرورة التأريخية تقضي بخلافِ ذلك ، فأمّا الإمَاميّة فاستَغنت من معرفَة المُكلّفين للإمَام باسمِه فقَط ، دوناً عن الوقوفِ على شخصِه ، والاهتداء بهديِه أمراً بالمَعروف ونهياً عن المُنكر واستنباطاً في الدّين وتوجيهاً للأمّة ، فإن كانَ هذا (المعرفَة بالاسم) مع غيابِه يَكفي لنجاة الأمّة ، فإنّنا نعرفُ أنّ إمامنا هُو رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- مع غيابِه وهذا يجبُ أن يكفي من المعرفَة بالاسم مع غياب عين الشّخص ، أو أنّ إمامنا هُو أمير المُؤمنين عَلي بن أبي طالب -عليه السلام- مع غيابه وهذا يَكفي من المعرفَة بالاسم مع غيابِ الشّخص ، ثمّ إنّ ذلكَ التأصيل الإماميّ بأنّ إمام الزّمان الذي بمعرفته تكون النجّاة من الميتة الجاهليّة وهو ابن الحسن العسكريّ المَهدي ، مبني على ثبوت النّص ، والنّص ساقطٌ كتاباً وسنةّ ، آحادٌ انفردَت به الإماميّة ، ولم تروه الأمّة بما يُفيد العِلم والقَطع ، ثمّ إنّ ذلكَ التّأصيل الإماميّ بأنّ إمام الزّمان الذي بمعرفته تكون النجّاة من الميتة الجاهليّة وهو ابن الحسن العسكريّ المَهدي تُناقِضُه أقوال أئمّة الإماميّة ، فيروي الشّيخ المفيد ، بإسنادِه ، عن محمّد بن علي الحلبي ، قال: قال أبو عبدالله -عليه السلام- : ((مَن ماتَ وليسَ عليه إمامٌ حيّ ظاهرٌ مات ميتة جاهليّة)) [الاختصاص:269] ،

وهذا الخبرُ عن الإمَام الصّادق -عليه السلام- هُو عين ما قرّناه في المقدّمتين الأولى ، وهو معنى شرح الإمَام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين -عليه السلام- ، وهُو يدلّ على أنّ الإماميّة من اثني عشر قرناً بلا إمام ظاهرٍ هُم على الميتَة الجاهليّة التي قد امتحنُوا النّاس بها اليَوم ، وأوضحَ منه على ما قدّمناه ونقلنَا عن أئمّة العترَة الزيديّة ، وهُو يردّ ما ذهبَت إليه الإماميّة من حديث الميتة الجاهليّة ، ما يَرويه الكُليني ، بإسنادِه ، عن محمّد بن مسلم ، قال: سمعتُ أبا جَعفر -عليه السلام- ، يقول: ((كلّ مَنْ دَان الله – عزّ وجلّ – بِعبَادَةٍ يُجهِد فِيها نَفسَه ولا إمَام لَه مِن الله فَسعيُه غَير مَقبول وهُو ضَالّ مُتحيّر ،..، والله يا محمّد ، مَن أصبَح مِن هَذهِ الأمّة لا إمَام لَه مِن الله – عزّ وجلّ – ظَاهرٌ عَادِلٌ أصبحَ ضَالاًّ تَائهَاً . وإنْ مَات عَلى هَذه الحالَة مَات مِيتةَ كُفرٍ ونِفَاق ، واعلَم يَا محمّد، أنّ أئمّة الجور وأتبَاعهم لمعزُولُون عَن دِين الله ، قَد ضَلّوا وأضلّوا)) [أصول الكافي:1/184] ، والمعلوم أنّ الإمامية من اثني عشر قرناً ليسَ لهُم إمامٌ ظاهِر ، وتأمّل صفَة العَدل التي ألحَقها الإمام الصّادق -عليه السلام- بصفَة الظّهور ، يدلّك على أنّ المقصود بالإمامة هُنا هي إمامة القيام والدّعوة إلى الله تعالَى بالأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكَر ، وليسَ هذا في متحققّ من اثني عشر قرناً على شرط الإماميّة في إمامهم الذي عرفوه بالاسم فقَط! ،

نعم! وأقوالُ أخرى لأئمّة الإمامية تثبتُ المعنى الثّاني من معاني الإمامَة وهي إمام القيام بالدّعوة والجَهاد للظّلمَة والانتصار للمظلومين ، وهذا الإثباتُ هو إثباتُ لقول الزيدية في الإمامة في العترة الفاطميّة الحسنيّة والحُسينيّة وأنّها بالدّعوة ، وقد تكلّمنا عن وجود الفترات اليسيرَة ، وهذا يتناقض مع مفهوم الإماميّة للإمامة وقولهم باطرادها وشمولها كلّ زمان ، بل هي تنقضُ إمامَة إمامهم الثّاني عشر الذي غابَ بعد ولادته (إن صحّت) إلى يوم النّاس هذا ، فبقيت الأمُم والقُرون والأجيال والجمَاعات بلا إمامٍ ظاهِر يقومُ فيهم بالحجّة والدّعوة الظّاهرة العادلَة ، وأقوال أئمّة الإماميّة على غير ذلك ، ومنها ، وبهذَا النّقل وما قبلَه عن أئمّة الإماميّة التي تنقضُ على أصلهِم ومدلولهِم من فقه حديث رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- : ((من مات وليس له إمامٌ مات ميتةً جاهليةً)) ، فهم من تلكَ الأخبَار والبُعد عن التأصيل العلميّ الصّحيح يطولُهم وبنالهُم وعيد ذلك الخَبر المحمديّ ، ولسنَا نذكُر ذلكَ إلاّ تنبيهَاً للباحثين ، لا حبّا في إسقاط الوَعيد وتهليكِ الأمّة وزيادَة تفرّقها ، فقد امتحنَت الإماميّة الأمّة بهذا الحَديث يفرحونَ بمعرفتهِم باسمٍ لا قاعدَة تحتَه .

نعم! وبهذا وما مضَى تم الجَواب على السّؤال الضّمني الرّابع ، وكامل ما جاء في سؤال أو اعتراض الأخ الإماميّ هدانَا الله وإيّاه وبصّرنا طُرق العترَة الأكرمين .

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

السؤال التاسع والثلاثون : 

تناقشتُ مَع أحَد الإخوَة الباحِثين والمهتمّين وفّقه الله وسدّده ، فكانَ معنى كلامِه أليسَ الأفضَل أن يكون لكلّ زمَانٍ إمامٌ منصوص عَليه ، كمَا كانَ الله يُحدّد الأنبياء ، ويُخصّص الملائكَة بأدوار مهمّة في الوجود ، لماذا الزيدية لا تقولُ بذلك ، وسؤالٌ أخَر أدنَاه .

والجَواب  :

أنّه لا بأس أن نقول أنّ ذلكَ أفضَل ، ولكنّ الابتلاء منعَ ذلك ، ابتلاءٌ للعِترَة للوصُول إلى مَرتبَة الإستحقَاق ، وابتلاءٌ للأمّة للالتفَاف حَول العِترة والإيمَان بالدّاعِي مِنهُم وإجابَتُه على منهَج الزيديّة ، وقبلَ ذلك فالدّليل منعَ من تلك النّصوص ،

نعم! فكانَ من الجَواب :

– أليسَ الأفضلُ أن يَكونَ فِي كلّ زمَانٍ نَبي ؟! مَا الذي مَنعَ مِنْ ذَلك ، أليس الإبتلاءُ وَحِكمَة الله .

– أليس الأفضَلُ أن لا يَكون هُناك إبليس ؟!. مَا الذي مَنعَ مِنْ ذَلك ، أليس الإبتلاءُ وَحِكمَة الله .

_ أليسَ الأفضَلُ أن يَكون هُناك في كلّ زمَان إمَامٌ مَنصُوصٌ عَليه ؟! مَا الذي مَنعَ مِنْ ذَلك ، أليس الإبتلاءُ وَحِكمَة الله .

_ أليسَ الأفضَلُ أن يَكونَ كِتابُ الله مُحكَمَاً بلا مُتشَابهَات ؟!. مَا الذي مَنعَ مِنْ ذَلك ، أليس الإبتلاءُ وَحِكمَة الله .

_ أليسَ الأفضَلُ أن تكونَ سنّة رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- محفوظةً كالقُرآن ؟!. مَا الذي مَنعَ مِنْ ذَلك ، أليس الإبتلاءُ وَحِكمَة الله .

* فأجابَ الأخ في الله ، فكذلك قد يقول الجَعفريّ في الإمَام المهدي ابن الحسَن العسكريّ ، فإنّ الأفضلَ أن يكون موجوداً حاضراً غير غائِب ، ولكنّ الإبتلاء منعَ مِن ذلك ؟!.

فكانَ الجَواب :

_ أنّه لا يُوجَدُ ابتلاءٌ لا يُمكنُ أن يَكون لنَا مَعَهُ طَريقُ نجَاة .

– بمَعنى أنّه لا يُمكنُ أن يَبتليَنَا الله بالابتعَاد عَن إبليس ، ولا يَكُون مَعنا عُقول أو شَريعَة تدلّنا عَلى كَيف نَبتعدُ عَنه .

– بمَعنى أنّه لا يُمكنُ أن يَبتليَنَا الله بالإيمَان بِنبيّ ولا يَكون مَعه مُعجِزَات تدلّ عَليه .

– بمَعنى أنّه لا يُمكنُ أن يَبتليَنَا الله باتّباع العِترَة ثمّ لا يَكون هُناك دَليلٌ يَدلّ عَلى اتّباع العِترَة .

– بمَعنى أنّه لا يُمكنُ أن يَبتليَنَا الله باتّباع الإمَام الغَائب ، ويقول تمسّكُوا به ليردّكم عَن المَهالك ، وهُو غَائبٌ عَنّا مِن اثني عَشر قرنَا (255هـ) إلى يَوم النّاس هَذا .

– بمَعنى أنّه لا يُمكنُ أن يَبتليَنَا الله باتّباع القُرآن ، ويقول تمسّكُوا به والقُرآن غَائب ليسَ بَين أيدينَا إلاّ صفَحَاتٌ بَيضَاء منه .

_ فالابتلاء يَكونُ اختبَارٌ مَعَ وُجودِ مَا يُمكن أن يَكون لنَا طَريق مَعه إلى اجتيازِه.

اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد …

________________________

السؤال الأربعون:

ما هي المصادر الحديثية التي تأخذون معالم دينكم منها ؟!. ومن أين تأخذون مسائلكم الفقهية ؟!. وهل هناك نص على إمامة زيد الشهيد ؟!.

الجواب:

أنّ الزيديّة تأخُذ معالم دينِها من كِتاب الله تعالى ومن سنّة رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله ، ومن المَصادر الحديثيّة عند الزيديّة ، مُسند الإمام أعظم زيد بن عَلي -عليه السلام- ، وأمالي الإمام أحمد بن عيسى بن زيد بن علي -عليه السلام- ، والأمالي الصغرى للإمام المؤيد بالله أحمد بن الحُسين الهاروني -عليه السلام- ، ومناقب أمير المؤمنين للحافظ محمد بن سليمان الكوفي -رحمه الله- ، وأمالي أبي طالب للإمام النّاطق بالحقّ يحيى بن الحسين الهَاروني -عليه السلام- ، والأمالي الاثنينية للإمام المرشد بالله يحيى بن الحسين الشّجري -عليه السلام- ، والأمالي الخميسيّة له أيضاً ، وما تضمّنته مصنّفات الأئمّة من الأخبار والأحاديث وهي كثيرَة ، وغيرهَا .

نعم! وأّمّا من أين تأخذ الزيدية مسائلهَا الفقهيّة ، فمن كِتاب الله تعالى ومن سنّة رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- ، التي تضمّنتها كتب أئمّة العترَة -عليهم السّلام- ، منها مسند الإمام الأعظم زيد بن عَلي -عليه السلام- ، ومنها كتاب الأحكام للإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين -عليه السلام- ، وكتاب شرح التّجريد للإمام المؤيّد بالله أحمد بن الحسين الهَاروني -عليه السلام- ، وكتاب الجامع الكافي في فقه الزيديّة ، وكتاب أصول الأحكام للإمام المتوكّل على الله أحمد بن سليمان -عليه السلام-، وكتاب شرح نكت العبادات للقاضي جعفر بن أحمد بن عبدالسّلام ، وكتاب الانتصار للإمام المؤيّد باله يحيى بن حمزَة -عليه السلام- ، وكتب شرح الأزهار للإمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى -عليه السلام- ، وغيرها من كتب أعلام العترَة .

نعم! وأمّا سُؤال السّائل هل هُناك نصّ على إمامة زيد الشّهيد ؟!. فنقول أنّه لا يلزَم النّص لتثبيت إمامَة الإمام الأعظَم زيد بن علي -عليهِما السّلام- على شرط الزيديّة ، فطلبُه غير صحيح ، إذ الإمامة عند الزيديّة في عليّ والحسن والحُسين بالنّص من رسول الله -صلوات الله عَليه وعلى آله- ، ثمّ الإمامَة بعد الإمام الحُسين -عليه السلام- هي في مَنْ قام ودعَا من ذريّة الحسن أو الحسين مستكملاً صفات الفضل (شروط الإمامَة) ، لأنّه لم يصحّ نصّ على إمامَة أحدٍ بعد الإمام الحُسين السّبط ، بل كانت الوصيّة في حديث الثّقلين عامّة في عترَة النّبي -صلوات الله عليه وعليهِم- ، وعترتُه فهُم ذريّته أبناء الحسن والحُسين ، ولعلّ السّائل بنَى أصلَ سُؤاله في طلب النّص على الإمَام الأعظَم زيد بن عَلي -عليهما السّلام- بناءً على قولِ الإماميّة من الشّيعَة من لزوم النّص في الإمام وهذا لا يصحّ ، لمّا لم يصحّ النّص على أحد من أهل البيت بعد الإمام الحُسين بن عَلي -عليه السلام- ، لا في اثني عشر إماماً ، ولا في سبعَة ، ولافي غيرهِمْ ، بل إنّ الرّواية في كُتب الإماميّة عن الإمَام الباقر ما يقولُ بإمامَ’ الدّاعي من أهل البيت عليهم السّلام : فيروي الشّيخ الصّدوق ، بإسنادِه ، عن أبي حمزة الثمالي ، قال : ((كُنتُ جَالساً فِي المَسجد الحَرام مَع أبي جَعفَر عَليه السلام [الباقر] إذ أتَاه رَجُلان مِنْ أهل البَصرَة فقَالا لَه : يَا ابنَ رَسُول الله إنّا نريد أن نَسألك عَن مَسألة فقالَ لَهُمَا : اسألا عمّا جئتمَا. قَالا : أخبِرنَا عَن قول الله عز وجل : “ثمّ أورَثنا الكِتَاب الذين اصطفينا ((مِنْ عِبادنا فمنهُم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير)) ” إلى آخر الآيتين . قال : نزلَت فِيناَ أهل البَيت . قَال أبو حمزَة فَقُلت : بَأبي أنت وأمّي فمَن الظّالم لنفسَهِ؟!. قَال : مَن استوَت حَسنَاته وسَيئاته مِنّا أهل البيت فَهُو ظالم لنفسه . فَقلتُ : مَن المُقتصد مِنكُم؟!. قَال : العَابدُ لله ربّه فِي الحَالين حتى يأتيه اليقين . فَقلت : فمَن السّابق مِنكُم بالخَيرَات؟!. قَال : مَنْ دَعا والله إلى سبيل ربه ، وأمرَ بالمَعروف ، ونَهى عَن المنكر ، ولَم يَكُن للمُضلّين عَضُدا ، ولا للخائنين خصيما ، ولم يَرضَ بحُكم الفَاسِقين إلاّ مَنْ خَاف على نفسه ودينِه ولَم يَجِد أعوانًا)) . [معاني الأخبَار:105] ، وهذا هو قول الزيديّة ، فهي بالصّفات والشّروط ومنها الدّعوة في بني فاطمَة ذريّة الحسن والحُسينْ ، بلا النّصوص .

أجَاب عنها : الأستاذ الكاظم الزّيدي وفقه الله .

اللهمّ صلّ وسلّم على محمّد وعلى آل محمّد …

200 سؤال وجواب حول فكر الزيدية, سؤال وجواب

مسائل حول القرآن

مسائل حول القرآن

أجَاب عنها : الأستاذ الكاظم الزّيدي وفقه الله .

السؤال الأول : ما هُو الدّليل على سلامَة القرآن من الزّيادة والنّقص؟!.

هل يوجد دليل يقيني على سلامة القرآن الكريم من محاولات التلاعب والإنقاص؟ لأن النظر في تاريخ تدوين القرآن وتأخر خروجه ووجود المعارضين على طريقة جمعه تضع حول هذه القضية عشرين استفهاماً؟ هل يعقل أن تكون كل مرويات الشيعة والسنة في هذه القضية مختلقة، مع تجاوز الروايات حول هذه القضية العدد الذي يمكن التشكيك معه على اختلاق هذا الأمر، والعجيب أن يتسالم الفريقان على رواية هذه الروايات وإخراجها في أغلب المصنفات الحديثية بل وتصريح بعض الحفاظ بآراء تنص على وقوع تصحيفات من النساخ كأحمد بن حنبل، أنا لا أتكلم عن محاولة زيادة شيء ليس في القرآن فهذا محال؛ لأنه يسقط حجية القرآن، ولكن الإنقاص والحذف ووضع بعض الآيات في غير موضعها، نحتاج رداً شافياً من الإخوة السنة والشيعة في هذا الأمر، وهذه شبهة تعترض الكثير دونما إجابة مقنعة.؟

الجَواب :

الجواب من عدّة وجوه يترتّب بعضها على بَعض :

الوجه الأوّل : الآيَة المُحكمَة والقطعيّة في دَلالتها من الكِتاب تنصّ على أنّ كتاب الله تعالى محفوظٌ من التّحريف والتّبديل والتّغيير: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون﴾[الحِجر:9]، والحفظُ مُطلقٌ هُنا، وهُو حِفظَان: حفظٌ في آياتِه، وحفظٌ في فَهمِه، فالأوّل: حفظُ الآيَات من الزّيادة أو النّقصان فسنتكّلم عنه في الوَجه الثّاني . والحفظُ الثّاني: نشيرُ إليه سريعاً، وهُو بعد انقطاع النبوّة فبقي ذلك الفَهمُ باقياً غير قابلٍ لتحريفَات الأفهَام وهُو قولُ رسول الله ص: «إنّي تاركٌ فيكُم ما إن تمسكّتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً: كتاب الله، وعترتي أهل بَيتي، إنّ اللّطيف الخَبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحَوض»، فالعترَة حَفَظَةُ الفَهم متى اختلفَت الأمّة، ومن بابٍ أولى فإنّهم حفظَة الآيَات متى اختلفَت الأمّة .

الوجه الثّاني : في العَقِيدَة المُحكمَة والتي أجمعَ عليها المُسلمون فإنّ ما حكاهُ الله تعالى في كتابِه سيكون، والله قد تعهّد بحفظِ كتابِه من التّحريف والتّبديل، ثمّ نحنُ وجدنَا روايات حديثيّة تشكّك النّاظرين في تاريخ تدوين القُرآن، وهل تمّ تحريفُه وإسقاطُ بعض آياتِه، فحصلَ بهذا مع تصريحَات بعض أعلام الفرقة السنية والإمامية لوثَة وشُبهَة في ذلك الحِفظ الإلهيّ للقُرآن، والحاصلُ أنّ قولَ الله تعالى أعلَى من تلك الأحاديث الصّحيحَة السّند التي قد تُناقضُ كتاب الله تعالى، فما بالُك -أخي الباَحث- بتصريحَات عُلماء الفرقتين السنيّة والإمامية فإنّها مردودَة إذا كان طريقُها إثبات زيادَة أو نُقصان في ألفَاظ القرآن الكَريم، فعندمَا تصلُ إلى هذا اليَقين وتعتبر هذه الأقوال كلّها مسودّات لا اعتمادَ عليها، عندهَا ستسأل نفسَك كيفَ أقطعُ على أنّ هذا القُرآن بهذا الرّسم وهذه الآيات هُو ذلك القُرآن الذي كان يتنزّل على سيّدنا محمّد ص ؟!.

الوَجه الثّالث : وفيه الجَواب عن سُؤالِ الوجه الثّاني، فإنّنا نقطعُ على أنّ هذا القُرآن بهذا الرّسم وهذه الآيَات هُو ذلك القرآن الذي كان يتنزلّ على سيّدنا محمّد ص، من عدّة أدلّة :

الدّليل الأوّل : أنّ هذا أمرٌ قد اختلفَت حولَه الرّوايات وأقوال علمَاء الفِرق، ثمّ هُم مع ذلك الاختلاف لم يُثبتوا من رسمِه وآياتِه إلاّ تلك الآيات المَعروفَة اليَوم ما بين دفتيه، فمن ادّعى زيادةً أو نُقصاناً، فإنّه لم يزِد أو ينقّص من رُسوم وكتابات هذه المصاحِف التي بين أيدينا، وإنّما خلافُه لا يَعدو المُصنّفات والمؤلّفات والتّعليقَات، وهذا دَليلٌ للباحِث على أنّ ما بين الدّفتين ممّا هُو مُشتهر مُتناولٌ بين أيدي المُسلمين هُو كتابُ الله تعالى الذي أُنزلَ على نبيّنا محمّد -صَلوات الله عليه وعلى آله-، وأنّ ذلكَ الحِفظ بهذا الرّسم مع وجود ذلك الاختلاف في التّصنيفات، هُو من لطفِ الله تعالى ووعدِه ببقائه، فما حكتهُ المصنّفات لا يعدو الكَلام غير المؤثّر؛ لأنّه لم يؤثّر على نُسخَة القُرآن الكَريم التي تواترَت بما عليه الآن مئات السنّين، وستبقَى ما شَاء الله أن تبقَى من السّنين إلى انقضَاء التّكليف، فهذا دَليل موجّه يكفي ويَشفي، إذ لو كانَت تلك الخلافات المزبورَة في مُنصّفات الفرقتين صحيحَة النّسبَة للكتاب العَزيز لكَانت من الكتاب العَزيز محفوظةً بحفظِ الكِتاب، فلّما لم تكن كذلك، حكمَنا بأنّها ليسَت منه، وذلك الرّسم تلك الآيات بين الدّفتين التي نتكلّم عنهَا لو كانَت من إجماع فرقةٍ أو طائفةٍ أو جماعةٍ من المُسلمين لسقطَ قولُنا، ولكنّ قول جميع الطّوائف، ولا عبرَة بالآحَاد في خلافِهم، فحفظُ الله للكتاب يطغَي على خلافِهم .

الدّليل الثّاني : شرّع لنا رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله-، وهُو الذي لا ينطقُ عن الهَوى، وما كلامُه إلاّ وحي الله تعالى، دستوراً يمنعُنا من الاختلاف، ويحلّ خلافَتنا متى وقعَت، فقال -صلوات الله عليه وعلى آله- ما مرّ معنا في الوجه الأوّل من حديث الثّقلين الصّحيح والمُتواتر، وكذلك حديث السّفينة : «مثل أهل بيتي فيكُم كمثل سفينة نوح من ركبهَا نجا ومن تخلّف عنها غرقَ وهوَى»، فلزمَ من ذلك أن يكونَ رسمُ الكتاب وآياتُه ثابتة من طريق العترَة وهي أوثق ما تطمئنّ به النّفوس وتُزيل عنها الرّيب والشّك، إلى جانب ما مرّ معَك من تواتُر نقلِه برسمِه وآياتِه، فمَا هُو طريقُ العترة أئمّة الزيدية سادات بني الحَسن والحُسين إلى القُرآن؟!.،

والجواب: أنّ طريقَهم إلى ذلك إلى جانب إجماع الأمّة:

1- إجماعُ العترَة وما تواترَ عنهُم من أنّ القرآن الكَريم الموجود بين الدّفتين، هُو كتاب الله تعالى وكلامُه ووحيهُ وتنزيلُه لم تطله الزّيادَة ولا النّقصان ولا يجوزُ عليه ذلك، وهذا إجماعُ أوّل العترَة أمير المُؤمنين بعد رسول الله ص، وذلك هُو قولُ الحسن والحُسين، وعلي بن الحُسين، والحسن بن الحسَن، وزيد بن الحسَن، والباقر، وزيد بن عَلي، وعبدالله بن الحسن المحَض، وغيرهِم من سادات العترَة إلى يوم النّاس هذا .

2- قال الإمَام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهِيم بن إسماعيل بن إبراهِيم بن الحسَن بن الحسَن بن علي بن أبي طالب (245-298هـ) : «حَدّثني أبي، عَن أبيه (القاسم الرّسي)، أنّه قال: «قَرأتُ مُصحَفَ أمير المُؤمنين عَلي بن أبي طالب -رضوان الله عليه- عِندَ عَجوز مُسنّة مِن وَلد الحسَن بن زيد بن الحسَن بن علي بن أبي طالب، فوَجَدتُه مَكتوباً أجزاء بخطُوط مُختلفة، في أسفل جُزء منها مَكتوب: وكتبَ عَليّ بن أبي طَالب، وفي أسفَل آخَر: وكَتب عمّار بن ياسر، وفي آخَر: وكتب المقدَاد، وفي آخَر: وكتب سَلمَان الفَارسيّ، وفي آخَر: وكتبَ أبو ذرّ الغِفَاريّ، كأنّهم تَعاونوا على كِتابته. قال جَدّي القَاسم بن إبراهيم -صلوات الله عليه-: فقرَأته فإذا هُو هَذا القرآن الذي فِي أيدي النّاس حَرفًا حرفاً، لا يزيد حرفاً ولا ينقص حَرفاً، غير أنّ مكَان ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ﴾ [التوبة:123]، ﴿اقْتُلواْ الذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الكُفَّارِ﴾، وقَرأت فِيه المُعوِّذَتين» ([1]).

3- قال الإمَام القاسم بن إبراهيم الرّسي ؛ : «وقَد قَال قَومٌ مُبطلون، عُمَاة لا يَعقلون: أن قَد ذهب منه بعضُه فافتَرَوا الكَذب فيه وهم لا يَشعرون!، وقَالوا من الافتراء على الله في ذلك بما لا يَدرون. فيا سبحان الله! أمَا يسمعون لقول الله: ﴿إِنَّا نحن نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُوْنَ﴾ [الحجر:09]. وقَوله سبحانه: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيْدٌ فِيْ لَوْحٍ مَحْفُوْظٍ﴾ [البروج:21، 22]، وكتاب الله فهُو الذِّكر الحَكيم، والقُرآن المُكرّم العظيم، فَمِن أين يَدخُل عَليه مَع حِفظ الله له ضَيَاع؟، أو يصحّ في ذلك لمَن رَواه عن أحدٍ من الصّالحين سَمَاع، مَع مَا كَان لرسول الله ص مِنَ الأصحاب، وكانَ عَليه أكثرهم من المَعرفَة بالخطّ والكِتَاب، إنَّ هَذا مِن الافترَاء لَعجَبٌ عَجيب، لا يَقبَله مُهتدٍ مِنَ الخَلق ولا مُصيب . فَنعُوذ بالله مِنَ الجَهل والعمَى، ونسأله أن يَهبَ لنَا بكتابِه عِلمَاً، ويَجعَلَه لنَا في كلّ ظُلمَة مُظلِمَةٍ سِراجاً مُضيئاً، ومِن كل غُلَّةٍ مُعطِشَةٍ شفاءاً وريَّا»([2]).

4- قال الحافِظ محمّد بن منصور المُرادي : أخبرَني حَمزَة بن أحمَد بن عبد الله بن محمّد بن عُمر بن علي بن أبي طالب -صلى الله عليه- قَال: «قَرأتُ مُصحَف عَلي خَطَّه بِيَدِه فَهُو هَذا القُرآن الذي فِي أيدِي النّاس ليسَ فِيه زيادَة ولا نُقصَان» ([3]).

5- قال الإمَام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين ؛ : «وَكيفَ يَذهبُ مِن القرآن قَليل أو كَثير وهُو حُجَج الوَاحد اللّطيف الخَبير، وفيه فَرائضُه عَلى الخَلق سُبحَانَه، فَقد حُفظ ومُنع مِن كل شَان مِن الشّان، فيَا ويل مَن قَال بنقصَان الفُرقان، أمَا سَمِع قَول الوَاحد الرّحمن: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾ [البروج: 21 – 22]، فأخبر أنّ القرآن عنده مَحفوظ له -جل جلاله-، وفيه مايقول: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فصلت: 42]، ويَقول سُبحانه: ﴿إنا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، فأخبرَ أنّه لما نَزل من الذكر حافظ. ولَم يلفظ بغير الحِفظ فيه لافظ إلا عمّ جَاهل، وعَن الرّشد والحق زائل، ولقول الله مُبطلٌ مُعاند، ولِما ذكر الله من حفظه له جَاحِد» ([4]).

6- للإمَام زيد بن عَلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (75-122هـ)، تفسيرُ (غريب القرآن)، وليس فيه حرفٌ خالفَ به على القرآن الذي عرفَته الأمّة، وهذا توثيقٌ آخَر من طريق العترَة الفاطميّة .

نعم! ولم يُؤثر من طريق الزيدية بما أصلُه الصحّة مَا يقدحُ في روايَة القُرآن، وإجماع سادات العترَة وقُرناء الكِتاب هُو أنّ كتاب الله تعالى محفوظةٌ آياتُه وفَهمه، وأنّ مَن اختلطَ عليه الأمر من اختلاف المحُدّثين والمُصنّفين من فِرق المُسلمين، فلاختلافِهم حول أهل بيت نبيّهم، وتقديمهِم أنفسهِم على من فضّل الله تعالى من خلقِه، سنّة مَن قد مضَى في التّفضيل والاصطفَاء حتّى قال بعضهُم بمقولَة سلفهِم ردّاً للتفضيل والاصطفَاء، ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أليْسَ اللَّـهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام:53]، ولَو لم يكُن أمثال حديث الثّقلين والسّفينة والنّجوم وما تواتر في شأن وفضل العترة موجوداً ظاهراً شاهراً لكان لهُم العُذر في التخلّف عن ركبهِم، فلّما تخلّفوا عن رَكبهم اختلفُوا حول القرآن والسنّة، والله نسألُ أن يجمع أمر الأمّة على ما يُحبّ ويرضَى، والحمدلله .

([1]) مجموع كُتب ورسائل الإمَام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين.

([2]) مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم الرّسي.

([3]) جامع علوم آل محمّد، مخطوط.

([4]) مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين، ص 463.

______________

السؤال الثاني : في القراءات للقرآن ومُعتمد العترة؟!.

المعروف أن قراءة نافع هي قراءة أهل البيت آ فكيف، وهذا الإمام زيد ؛ كبير أهل البيت تنسب إليه قراءة وحده؟ بأي قراءة كان يقرأ الناس حينما قال الامام القاسم فيما يرويه عنه الإمام الهادي: قرأت مصحف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عند عجوز مُسنَّة من ولد الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالبآ فوجدته مكتوباً أجزاء بخطوط مختلفة، في أسفل جزء منها: وكتب علي بن أبي طالب، وفي أسفل آخر: وكتب سلمان الفارسي، وفي آخر: وكتب أبو ذر، وفي آخر: وكتب عمَّار بن ياسر، وفي آخر: وكتب المقداد، كأنهم تعاونوا على كتابته . قال جدي القاسم بن إبراهيم: فقرأته فإذا هو هذا القرآن الذي في أيدي الناس حرفاً حرفاً، لا يزيد حرفاً، ولا ينقص حرفاً، غير أن مكان ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ﴾ [التوبة:123] , (اقتلوا الذين يلونكم),وبعده يرد اشكال وهو إنما ذكر من قوله: «اقتلوا الَّذِينَ يَلُونَكُم» ليس من القراءات السبع أو العشر؟ هل يفهم من عدم الإنكار من الإمام القاسم أنه يصح القراءة بالوجه المختلف؟ كما نعلم أن لنافع راويين وهما ورش وقالون، فأيهما يوافق قراءة أهل البيت؟ هل يضر اختلاف الرواة في القراءات السبعة؟ إذا كان كذلك فما الرواية المعتبرة؟ لم لا يقال: قد صارت القراءات أكثر من سبع بسبب اختلاف الرواة؟ أم كيف الحال في ذلك؟.

الجَواب :

أنّ القراءات المُتواترَة سبعُ قِراءات، قراءةُ نافِع، وأبي عَمرو، والكَسائي، وحمزَة، وابن عامِر، وابن كثير، وعاصِم، وثلاثُ قراءات شاذّة فتكون بهذا تمام العَشر، قراءةُ أبي يعقوب الحضرميّ، وأبي معشر الطّبري، وأُبَيّ بن خَلف، والذي عليه مُعتمَد أئمّة العترَة هي قراءةُ أهلهِم أهل المَدينَة، وقراءةُ نافعٍ هي قراءةُ أهل المديَنة، قالَ : «سمعتُه عن سبعين بدريّاً»، وقالَ الإمَام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين ؛ إنَّها مُتواترَة، يَعني قراءة أهل المَدينَة، وكانَ يقرأُ بها وابنَاه في اليمن وذلك مُعتمَد سلفهم سادات بني الحسَن والحُسين، وفي السّؤال : لماذا لم تكُن قراءة الإمام زيد بن عَلي ؛ مُعتمَد العترَة بدلاً عن قراءة نافِع، والجَواب أنّ تلك القراءات المأثورَة عن الإمَام زيد لم تتواتَر كتواتُر قراءة أهل المدينَة، ثمّ نحنُ غير قاطعينَ على صدقِ نسبتهَا إلى الإمَام أبي الحُسين ؛، وقد يصحّ بعضها، ولكن لا قَطع، لأمور لمّا أنّ ذلكَ لم يصلنَا بسندٍ صحيحٍ عَنه وإنّما ذكرَت ذلك مُصنّفات التّفسير، ولكونِ الإمام زيد بن عَلي من أهل المديَنة فقراءتُه قراءتُهم، وهي القراءة التي اشتُهِرَت عن نافِع، فالأصل قراءة أهل المدينَة أهل البيت والصّحابة، ونقلها نافعٌ عنهُم بين القّراء والمُحدّثين فاشتهُرَت بذلك قراءة نَافِع، والمُتواتر مقدّم على آحادِ القراءات .

نعم! وبخُصوص ماهي القَراءة التي كانَ يقرأها الإمَام من ذلك المُصحف الذي وجدَه عندَ السيّدة نفيسَة بنت الحسن بن زَيد -صلوات الله عليهَا-، فهي قراءة أهل المدينَة فتجدهُ يقول : «فإذا هو هذا القرآن الذي في أيدي الناس حرفاً حرفاً، لا يزيد حرفاً، ولا ينقص حرفاً»، وفي خُصوص قولِه : غير أن مكان ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ﴾ [التوبة:123] , (اقتلوا الذين يلونكم)، وكون هذا اللّفظ خارجاً عن القراءات العَشر، فإنّ الإمَام القاسم ؛ قد استثَناه ممّا علمَه من قراءة أهل المديَنة، فكانَ جميعُ ما في الكِتاب هُو ذلك القُرآن الذي عليه أهل المديَنة إلاّ تلكَ الآيَة فإنّه وجدَ فيها اختلافاً عن المُتواتر من قراءة أهل المديَنة، فلم يثبتهَا الإمَام ؛ من ذلكَ الاستثنَاء، وكامِل ذلك النّقل عن الإمَام القاسم أنّه بعد أن قالَ : غير أن مكان ﴿قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ﴾ [التوبة:123] , (اقتلوا الذين يلونكم)، قالَ ؛ : «وقَرأتُ فِيه المُعَوِّذَتَين»، أي دَفْعاً لذلكَ الخطأ الذي قَدْ يَكون مردّهُ النّسْخ والكِتابَة، ولذلكِ لم يُثبت الإمَام القاسم ؛ هذه التّلاوة، فتجدُه يقول يُشنّع على أهل الظّلم والكُفر: «أما يسمعون لقول الله -جل ثناؤه-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّـهَ مَعَ الْمُتَّقِين﴾ [التوبة:123]، فَأمرَهُم سُبحانه بالغِلظة في القِتال والمَقال على الكَافِرين» ([1])، وكذلكَ لم يُثبتها أئمّة العترَة لمّا خالفَت المُتواتر المَعلوم من قراءة أهل المديَنة،

نعم! وإنكَار الإمَام القاسم ؛ لتلكَ الكِتابَة ولا أقولُ القِراءة، هُو بتعوّذِه وعدم القولِ بهَا لمّا خالفَت المُتواتر من قراءة أهلِه وأهل المديَنة، فـ ﴿اقتُلوا الَّذِينَ يَلُونَكُم﴾، ليسَت قراءة وإنّما كتابَة .

 نعم! وأيّ القرائتين عَن نافِع، ورشٌ عنه، أو قالونُ عَنه هُو معتمَد العترَة، فمَن طالعَ تعلّمهُم وإجازاتهِم في القرآن وجدَ أنّ قراءة قالونَ عن نافِع هي المُعتمَد، وورشٌ قد اختلطَ بأهل مِصر وأُثِر أنّه اجتهدَ لنفسِه بالنّحو واختارَ لنفسه اختيارَات، وقد كان مقرّاً بذلكَ ينزعُ اختياراتِه عن قراءةِ شيخِه نافِع، وقيلَ: أقرّه نافعٌ عَليها . 

نعم! وهل يضرّ الاختلاف في القراءات السّبع فقَد وجدتُ السيّد العلاّمة علي محمّد العجريّ ؛ أثبتَ تواتُرها، وكذلكَ الإمَام المنصور بالله القاسم بن محمّد، ومتى ثبتَ ذلكَ فلا يضرّ الاختلاف فيهَا، وفي (شرح الأزهَار): إنّ القراءة بإحدَى القراءات السّبع لا يُفسدُ الصّلاة، واستثنى الشّاذّة فإنّها تُفسدُ الصّلاة،

نعم! فإن كان من اختلافٍ يكون معَه موطنُ نِزاع في الدّلالة على مسألَة أو حُكمٍ مَا فالعبرَة بما اعتمدتهُ العترَة ثقل الله الأصغَر في الأرض وهي قراءة أهل المدينَة . 

نعم! وأمّا عن سَبب عدم القَول بتعدّد القِراءات بسببِ اختلافِ الرّواة، فذلكَ يعودُ لأصل التلقّي من التّلميذ عن الشّيخ، فإنّ الرّاوي لم يكُن بذاتِه مصدراً للسّماع من الصّحابَة الكِرام، وإنّما كان مُتلقّياً راوياً عن شيخِه، فلذلكَ لم تُعتبَر خلافَات الرّاوة قراءات مُنفصَلة لمّا كانَت قراءاتهُم تُسنَد إلى الشّيخ الواحِد الذي صحّ له السّماع عن البَدريين والسّابقين من الصّحابَة الكِرام، وبهذا تمّ الجَواب، والله نسأل لنَا ولكُم العصمَة والتّوفيق .

([1]) مجموع كتب ورسائل الإمَام القاسم الرّسي.

___________

السؤال الثالث:  آية الإثخَان في الأرض وتأويلها؟!.

 قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ﴾[الأنفال:67] هل هو خبر في معنى الأمر, وإذا كان كذلك فهل نفذ النبي ما أمر به وإذا نفذ فكيف كانت الآية عتاباً كما يذكر بعضهم ,وما هو الصحيح عند أهل البيت في تأويل الآية وسبب نزولها؟ هل يوجد لأحد من أهل البيت آ كتاب في ذكر أسباب النزول أو كتاب يذكر كثيراً من أسباب النزول التي صحت عند أهل البيت آ ؟

الجَواب :

أنّ في قولِ الله تعالى : ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّـهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال:67]، أمراً مُستقبليّاً وعِـاباً وَقت نزولُ الآيَة، وذلكَ أنّ سَبب نزول هذه الآيَة كمَا حكَى الإمَام زيد بن عَلي، والإمَام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين -صَلوات الله عليهِما-، أنّ رسولَ الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- وأصحابَه قد تشَاغَلوا عن الإثخَان بالقَتل في أهل بَدرٍ بأخذهِم أُسَارى، وذلكَ أنّ رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- شاورَ أصحابَه بالقَتل للأسَارى أو الفِداء، فأشارَ عليه البَعض بالقَتل والبعض بالفِداء، وظهرَ لهُ ولهُم أنّ في الفِداء خيراً، قالَ الإمَام الهادي إلى الحقّ ؛ : «وَلم يَتعمَّد ص لله فِي ذَلك إسخَاطاً بل لعلّه تَوهّم أنّ الأسر في ذلك الوَقت أنكأ للكَافرين وأذلّ وأشقَى حتّى أعلَمَه الله أنَّ القَتلَ فِي وَقت قِيَام الحَرب كَان أنفَع، وعَلى الإسلام وأهله بالخَير أرجَع»([1])، وبدرٌ كانَت أوّل معاركِ المُسلمين، فرسول الله قِبلَ الفِداء في بَدر فعاتبَهُ الله تعالى في ذلك، «والعِتَابُ لَه ص، وإن أخطَأ نبهّه الله تعالى على الخطأ بالعِتاب اللّطيف مِن الإبهَام وَعدَم الإجبَاه في وَجهه بأن يَذكُرَ ذَلك على وَجه الإبهَام أو ضَمير الغيبَة مَع عِلمِه ص أنّهُ المُرَادُ بهَا» ([2])، ثمّ ائتمَر رسول الله -صَلوات الله عليه وعلى آله- بأمرِ الله تعالى مُستقبلاً .

نعم! وفي خُصوص ذكر أسباب النّزول في كُتب مُفردَة لأهل البَيت آ، فإنّي لَم أقِف لهُم في ذلكَ على كِتابٍ مُفرَد في أسباب النّزول، ولكنّ رواياتهم ومُصنفّاتهم قد حوَت تأويلَ القُرآن وأسباب النّزول بما يَكفي الطّالبَ -إن شَاء الله تعالى-، ولا زالَ كثيرٌ من الكُتب مَخطوطاً سيظهَر بإذن الله تعالى بالطّباعَة فتقفونَ على تراثٍ يبُهر النّاظرين، وفيمَا ظهرَ كفايةٌ والحمدُلله .

([1]) مجموع كُتب ورسائل الإمَام الهادي إلى الحق.

([2]) الكاشف الأمين.

________________

السؤال الرابع : 

ما تفسير نُنسها في قوله تعالى : ((مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا))؟!.

والجَواب :

قولُ الله تعالى : ((مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا)) ، قالَ فيها أئمّة العترَة صلوات الله عليهم ، أنّ هذه الآيَة في إثبات عقيدَة النّسخ في القرآن الكَريم ، وفي تأويلهَا ، في قولِه تعالى : ((مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ)) ، قالَ العالِمُ عبدالله بن الحسين بن القاسم الرّسي (ع) : ((أي مَا نُبدّلُ مِن حُكمٍ قَد مَضَى فِي آيَةٍ ، بالتخفيف فِي الفَرض ، أو بِالتثقِيل بالزيادَة فِي فَرضها)) [كتاب النّاسخ والمنسوخ] ، وقوله تعالى : (( أَوْ نُنسِهَا)) ، أي نترُكها بلا نَسخ ، قالَ (ع) : ((أي: نَتركها بِحَالِهَا ، لا نُغيّر شَيئاً ممّا حَكمنَا بِهِ فِيهَا)) [كتاب الناسخ والمَنسوخ] . وقال الحافظ محمّد بن منصور المُرادي : ((أو نُنْسِهَا بِتَركِهَا عَلى حَالِهَا)) [جامع علوم آل محمّد] . قالَ الإمام المتوكّل على الله أحمد بن سليمان : ((أرادَ: مَا نَنسخ مِن آيةٍ نَأت بِخَير مِنها، أو مِثلها، أو نُنْسِها فَلا نَنْسَخْهَا، ونُقرَّها على حَالِهَا)) [حقائق المَعرفَة] . نعم! ((نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا)) فإنّا نأتّيك بما هو أفضلُ مآلاً وأجراً على العباد من تلكَ الآيات المنسوخة ، ((أَلَمْ تَعْلَمْ)) يا محمّد ، ((أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) أنّ الله على تبديل أحكام تجرّ منافعَ أفضل وأكثر على العباد ، على ذلك كلّه وعلى غيره قادر ، والله أعلَم .

_______________

السؤال الخامس :

معنى قول الله : ((وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)) ، وتأثير طاعة النبي في ظل تغييب السنّة؟!.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته … سيدي الفاضل ….نرجو منكم شرح وتوضيح الاية الكريمة وإن تطيعوه تهتدوا في ظل محاولة تغييب السنة النبوية الشريفة في الفترة الصعبة…و تزامناً مع ذكرى المولد النبوي الشريف عليه أفضل الصلاة والتسليم…

والجَواب :

شرحُ قولُ الله تعالى : ((وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)) ، فهُو خطابٌ من الله تعالى لكلّ عاقلٍ ، فيه العَدْل ، والتّخيير ، والنّصح ، والبَيان لطُرق الهدايَة ، ومهمّة الرّسول صلوات الله عَليه وعلى آله ، فمَنْ كَان عاقلاً لم يُرد إلاّ طريق الهُدَى ، ومَن أرادَ طريقَ الهُدى فإنّما هُو بطاعَة رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله كمَا أخبر الله تعالى ، وطاعَة رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله ، هي التمسّك بالكتاب والسنّة والعترَة المحمديّة والعمَل الصّالح ، وذكرى مولده صلوات الله عَليه وعلى آله هي اختبارٌ للنّفس طوال عامهَا هل هي مُهتديَة مُقتديَة بهدي نبيّها الأعظَم ، أم أنّها لاهيةٌ ساهيَةٌ في غيّها مُتماديَة ؟!. والأصل للعَاقل أنّ أيّامه كلّها ذكرى نبويّة ، لمّا كانَ ذلك شرعُ الله تعالى وأمرهُ بالبقَاء على الإيَمان ، والإيمان لا يجتمعُ مع المَعاصي والكبائر في قلب المُسلم ، فالمَوت قد ينزلُ في أيّ لحظَة بالإنسَان ، والخُلود لمَن مات مُصرّاً على كبيرَة وموبقَة غير تائب من الله تعالَى ، وذلك فلا ينتظرُ حصول ذكرى المَولد لَتجديد الاقتدَاء والاتّباع أو التّوبَة ، بل أيّامنا كلّها استغفارٌ وتوبَة وإنابَة واقتداءٌ بالكتاب والسنّة وتمسّك بالعترَة ، وأصلُ ذكرى المولد أنّها إحياءٌ لذكر رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله ، والتّذكيرُ للغافِلين بالعودَة إلى منهجِه ، الشّكر لله تعالى على نعِمَة الهدايَة بسيّدنا محمّد صلوات الله عَليه وعلى آله ، لا يكونُ فيها ما يُغضبُ الله تعالى من الأقوَال والغلوّ والأفعَال ،

نعم! وفي معَنى طاعَة رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله ، اتّباع سنّته القوليّة والفِعليّة ، فإنّنا نرى من أهل العَصر من يُفرّق في الاتّباع بينَ القَولي والفِعلي وهذا ليسَ باتّباع لرسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله .

________________

السؤال السادس :

( لا تحرص على هداهم جميعا فاالله لا يريد ذلك , إسمع ماذا يريد الله ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ ) .  هل ممكن أن يرتبط الكلام السابق للآيه بالمعنى التفسيري للآيه ؟ أرجو سيدي التوضيح لي ماذا تعني الأيه لأنني لم أستطيع الجمع بين معناها وما يعنيه الكلام السابق لها . وجزاكم الله كل الخير .

والجَواب :

أنّ ذلكَ الكَلام والتّوضيح لا يصلحُ أن يكونَ تفسيراً للآيَة الكريمَة ، ولا هُو قريبٌ منه ، ونصّ الآيَة كاملاً قولُ الله تعالى : ((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)) [المائدة:48] . فالله تعالى يحكي اختلاف الشّرائع ، أنزلَ الإنجيل بعدَ شريعَة التّوراة ، وأنزلَ القُرآن بعدَ شريعَة الإنجيل ناسخةً لأحكامها مُيهمنةً عليها ، ثمّ أمر الله تعالى رسولَه صلوات الله عَليه وعلى آله أن يحكُم بين أهل الكِتاب بما أنزلَ الله في القُرآن وأن لا بتّبع أهواءهم بعدَ ما جاءه من الحقّ في القرآن الكَريم والشريعَة الإسلاميّة ، وأخبرَ الله أنّه قد جعلَ لكلّ قومٍ شِرعةً (أي شريعَة) ، ومِنهاجاً (طريقاً واضحاً لتلك الشّريعة) ، فكانَت اليهوديّة والنّصرانيّة ثم المُسلمين بشرائعها ومناهجِ أنبيائها وسُننهم ، فكان الإسلام ناسخا لما قبلَه ، ثمّ أخبرَ الله تعالى أنّه قادرٌ على أن يجعَل تلكَ الشّرائع (اليهوديّة ، والنّصرانيّة ، والإسلاميّة) شريعَة واحدَة في أمّة واحدَة ، ولكنّ الله تعالى أرادَ أن يبتلي العِباد فيتحصّلوا السّبق إلى الخيرات فيمَا آتاهم من الشّرائع وما دلّت عَليه وبشّرت به من الشّرائع التي تأتي بعدَها ، وهذا مضمون ما فسّره به العلاّمة الآنسيّ رحمَه الله تعالى ، وهُو المناسبُ من سياق الآيَات .

________________

السؤال السابع:

لدي تساؤل عن ” السلم ، والسلام ” ، في القرآن الكريم وردت آيتين حسب معرفتي المحدودة تتحدث عن السٍلم ، وهما : الأولى ( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) ، والثانية ( فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون ) .. هل يوجد هنا نوع من التعارض ، أعرف أن هناك شيء أسمه النسخ ولست ملم به كثيرا!، وهو أن يكون هناك حكم في آية معينة ، ثم تأتي أخرى لتغير هذا الحكم ، فهل يوجد هنا في موضوع السلم ناسخ ومنسوخ ، أم أن لكل آية تفسير مختلف !!؟

والجَواب :

أنّ الآيَات التي ذُكرَ في ((السّلم)) ، آيات كثيرَة ، والمَعنى يختلفُ حسبَ الآيات والسّياق عندَ أهل العِلم، وتلكَ الآيات :

1- قَول الله تعالى : ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)) [البقرة:208] ، والسِّلم هُنا ، قالَ الإمَام زيد بن عَلي (ع) : ((الإسْلام ، وكَافّة: أي جَميعاً)) [تفسير غريب القُرآن] ، وبمثلِه قالَ الإمَام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين (ع) [مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحقّ] . قلتُ: ومَعناه الانقياد التّام والخُروج من الكَبائر والعصيان والرّد على الله تعالى وعلى رسولِه جلّ شأنُه بالأخذ ببعض وتركِ بَعض ، ويقولُ الله تعالى في الآية التي تليهَا : ((فَإِن زَلَلْتُمْ مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [البقرة:209] ، فالسِّلْم ، هُنا بمعَنى الإسلام ، ثمّ قَد وجدتُ الإمَام المؤيد بالله يحيى بن الحُسين (ع) ، يروي بإسناده ، عن أمير المُؤمنين (ع) ، وعَن الإمَام الباقر (ع) : أنّ السّلم ولايَة أهل البَيت [الأمالي الخميسيّة] ، قلت: ولا تعارُض هُنا حيثّ أنّ ولايَة أئمّة أهل البيت هي اتّباع الله ورسولِه ، اتّباع الإسلام والإيمان من اليَنبوع الصّافي ، فلا تعارُض البتّة ، ومنهُ ما رواهُ الإمَام المنصور بالله عَبدالله بن حمزَة (ع) ، قال : ((مَا رَويناه بالإسنَاد المَوثوق به إلى أبينا أمير المؤمنين عَلي بن أبي طالب -عَلَيْه السَّلام- أنه قال: ((أيّها النّاس إعلَمُوا أنَّ العِلْم الذي أنزلَه الله عَلى الأنبياء مِن قَبلكم، في عِترة نَبيئكم، فَأين يُتاه بكم عَن أمرٍ تُنُوسخ مِن أصلاب أصحَاب السّفينة، هؤلاء مَثلها فِيكُم، وهُم كَالكهف لأصحَاب الكَهف، وهُم بَاب السِّلْم فَادخلوا في السِّلم كَافّة، وهُم بَاب حِطَّة مَنْ دَخله غُفر له، خُذوا عَني عَن خَاتم المُرسلين حُجَّة مِن ذي حُجَّة قَالها في حَجَّة الوداع: إنّي تَارك فِيكُم مَا إن تمسّكتم به لن تَضلّوا من بَعدي أبداً، كِتاب الله وَعترتي أهل بَيتي ، إنّ اللّطيف الخَبير نبّأني أنّهما لَن يَفترقا حتّى يَرِدَا عَليّ الحَوض)) [شرح الرّسالة النّاصحة بالأدلّة الواضحة] ، ورواهُ الإمام أبو طَالب في أماليه .

2- قول الله تعالى : ((إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىَ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ أَوْ جَآؤُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَاتِلُونَكُمْ أَوْ يُقَاتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً*سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوَاْ إِلَى الْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُواْ إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوَاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثِقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا )) [النساء:90-91] ، فالسّلَمْ تكرّر في الآيَتين وهُو هُنا الاستسَلام والصّلح .

3- قولُ الله تعالى : ((ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)) [النحل:27-28] ، فالسّلَم هُنا هُو منَ المُسالمَة والاستسلام ، قالَه الإمَام زيد بن عَلي (ع) [تفسير غَريب القُرآن] ، قال الإمَام عزالدّين بن الحسَن (ع) : ((هَذا حكاية لحَال الكَافرين بعدَ أن تَوفّاهم المَلائكة ومَعنى: ((فَألقَوا السَّلَم)) : سَالَمُوا وأخبَتُوا وجَاؤا بخلاف مَا كَانُوا عَليه في الدّنيا مِنَ الشِّقَاق والكِبر وجَحَدُوا مَا وُجِدَ مِنهُم مِن الكُفر والعُدوان فقالوا: مَا كنّا نعمَل مِنْ سُوء)) [المِعراج] ، وإلى مَعنى هذا التّفسير ذهبَ الإمَام محمّد بن القسم الرّسي (ع) [مجموع كتب ورسائل الإمَام محمّد بن القاسم الرّسي] .

4- قولُ الله تعالى : (( وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَاءهُمْ قَالُواْ رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ مِن دُونِكَ فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ * وَأَلْقَوْاْ إِلَى اللّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ)) [النحل:86-87] ، والسّلم هُنا من المُسالَمة وطيش الكفّار بين يدي الله تعالى ، كما تقدّم في آيات سورَة النّحل ، قال العلاّمة الآنسيّ : ((استَسْلَمُوا لله تعالى بأنه الإِله المُستحقّ للعبَادَة)) [تفسير الأعقَم] .

5- قولُ الله تعالى : ((فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ)) [محمد:35] ، والسَّلْم هُنا هُو المُصالحَة والمُسالمَة ، والمَعنى أنّ الله تعالى قد خاطبَ وشدّد على المُؤمنين أن لا يَدعُوا الكفّار ابتداءً إلى السَّلْم والصّلح والمُسالمَة وهُمْ الأعلَون والقوّة مَعهم والله معَهم ، ثمّ هُم غير مُضطرّين إلى السَّلْم ، فلا طَلب ابتداءً للصّلح على ذلكَ الحَال من المُسلمين .

6- قولُ الله تعالى : ((وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ * وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)) [الأنفال:60-61] ، والسّلم هُنا هُو المُسالمَة والصّلح ، وهُو قولُ الإمَان زيد بن عَلي (ع) [تفسير غريب القرآن] ، والقاسم الرّسي [مسائل القَاسم] ، وهذا الجُنوح فليسَ ابتداءً من المُسلمين مع قوّتهم وإنّما هُو بابتداءٍ من الكفّار .

نعم! فهذا ما وقفتُ عليه من آيَات السّلم في القُرآن الكَريم بمَعانيها ، وتفسير أئمّة العترَة لهَا ، ثمّ إنّ لمسائل السّلم والصّلح فِقهٌ وتَفسيرٌ من هذه الآيَات ليسَ المقام ولا وجه السّؤال حولَها يدور ، وإنّما كانَ من السّؤال هَل تعارضَ قولُ الله تعالى : ((فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ)) ، وقولُه تعالى : ((وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا)) ، والحاصلُ أنّه لا تعارُض ، فالأولَى في النّهي عن ابتداء المُسلمين لطلب الصّلح مع القوّة ، والثّانية في قَبول ابتداء طَلب الكافِرين للصّلح ، ثمّ لهذا فقْه متى يكون ذلكَ القَبول وهَل الآيَة الأخيرَة تخصّ صُلح الحديبيّة ، ومن أرادَ الاستزادَة راجَع كُتب الفِقه والتّفسير .

___________________

السؤال الثامن:

ما معنى قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُمْ)) ، وعلاقة ذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،  هل تقتصر على الابلاغ فقط ام ماذا ؟!.

والجَواب :

أنّ مُتابعَة سياقَ الآيَات إذا استشكلَ فهمُ الآيَة مُنفردةً مطلبٌ عَزيز ومهمّ وبالغفلَة عنه يكون سُوء التدبّر ، فنظرنَا إلى سياقِ الآيَة التي ذكرها السّائل ، فوجدنا الله تعالى يقول : ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)) [المائدة:104-105] ، ثمّ وجدَنا الإمَام محمّد بن القاسم (ع) قد سألَ أباه الإمَام القاسم بن إبراهيم (ع) عن هذه الآيَة ، فقال الإمَام القاسم (ع) : ((إنّمَا قَال سُبحانه للذين قالوا: ((حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا)) ، مِن دِينهِم، وأكثَروا الاتّباع لدِين غَيرهم، عَليكُم بأنفُسِكُم خَاصّة، فَليس يَضركم إذا اهتدَيتُم ضلال مَنِ اعتقدَ ضَلالَة، كَان أبَاً أو غَيرَه لأنّ كُل امرئ إنّما يُحَاسَبُ بمَا عَمِلَه ومَالَه، فَإن اهتدى نجَا سَالماً، وإن ضَل هَلَك ظَالِمَا، لأنّه ((لا تزِر وَازرة وِزر أخرَى*وأن لَيسَ للإنسَان إلاّ مَا سَعَى)) [مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم] . قلتُ : ومعنى كلامِه (ع) أنّ الآيَة مُتعلّقة بالآيَة التي قبلَها ،فإنّ الكفّار إذا دُعوا إلى الإيمان بالله وبالرّسول قالوا نَكتفي بما كانَ عليه آباؤُنا ، فأخبرَ الله تعالى المُؤمنين بأنّ عليهِم أنفُسَهم والتمسّك بالحقّ ، فإنّه لا يضرّهم تمسّك الكفّار بضلالِهم ودينِ آبائهم بعدَ إقامَة البَلاغ عليهِم ، نعم! وإنّما قُلنا بإقامَة البَلاغ لأنّ الله تعالى لم يُخاطب المُؤمنين بأنّ عليهم أنفُسهَم إلاّ بعد أن قالَ جلّ شأنُه للكافِرين بما أصلُه بَلاغ : ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ)) ، فعاندَ الكفّار وعتَوا ولجّوا في كِبرهِم ، عندهَا قالَ جلّ شأنُه : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)) ، نعم! فالحاصلُ أنّ الآيَة لا تؤصّل لعدَم الإبلاغ ، ولا لِعدَم التأكيد في الإبلاغ ، وإنّما تؤصّل للتمسّك بالحقّ والهُدى إذا اختار المُصرّون على الكُفر أو الفِسْق التمسّكَ بضلالتهم ، فلا تُسقطُ الآيَة أصل الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر ، ولا تُعارضها البتّة .

نعم! وللإمَام المنصور بالله القاسم بن محمّد (ع) ، كلامٌ نفيسٌ في مَنْ عارضَ هذه الآيَة بردّ الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكَر ، قالَ (ع) : ((احتجّوا بقوله تعالى: ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ))، وأسقَطُوا بذلك التّكليف بالأمر بالمَعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد ورخَّصوا في المداهنة فكان ذَلك عضداً وعوناً عظيماً لحزب الشيطان لعنهم الله جميعاً فضلُّوا وأضلُّوا، ولنَا عليهم ما تقدم، وقَوله تعالى: ((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ…)) الآية. وقوله صلى الله عليه وآله: ((لتأمُرُنَّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شِراركم فيسومونكم سوء العذاب، ثم يدعوا خِياركم فلا يستجاب لهم، حتى إذا بلَغ الكتاب أجله كان الله تعالى المنتصر لنفسه، ثم يقول: مَا منعكم إذ رأيتمُوني أُعصَى ألا تَغضَبُوا لِي))! روَاه الهادي عليه السلام في (الأحكام) وهو في (الشفاء). وقَوله صلى الله عليه وآله: ((لا يَحل لعَين ترى الله يُعصى فَتطرف حتى تُغيِّر أو تَنتقل)) ،وقَوله صلى الله عليه وآله: ((مَا آمَن بالله من رأى الله يُعصى فَيطرف حتى يُغيره)). وقَوله صلى الله عليه وآله: ((لتَأمُرن بالمَعروف، ولتنهنّ عن المنكر، أو لتكونن أشقيَاء زَراعين)) إلى غير ذلك ممّا يَكثر، ويَطول حتى تَواتر مَعنى وأفَاد العلم الذي لا يُدفع بشكّ ولا شُبهَة ، إلى أن قَال (ع) : وَالمعنى أنّ ضَلال من ضلّ لا يضر المؤمنين إذا اهتدوا، وكفّوا أنفسَهُم عَن المحارم، بخلاف ما لَو لَم يَكُن مِنهُم ذَلك فإنه يَضرّهم ضلالهم ، لأنّهم يَكونُون مُشاركين لهم فيه، وأهل قُدوتهم حيث قَرّرهم عليه بالسّكوت عَنهم)) [مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن محمّد] ، قلتُ: وهذا تأويلٌ مُستقيم .ثمّ قال (ع) : ((وخصمنا يدَّعي أن الذي أُمِرنَا بالكَفّ عَنه في هذه الآية هُو بعض الطّاعات بل سنَام الدّين، وهُو الجهاد في سبيل رب العالمين، ولا يَجدون لهم على ذلك شاهداً ولكنهم يتصفون بصفة المنافقين التي ذكرها الله تعالى في قوله: ((الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ)) ، ومِنه الكَفّ عَن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، والجهَاد وتبيين أحكَام الله سبحانه، ويَنهون عن المعروف ومنه الأمر بالمعروف ونَحوه، ويقبضون أيديهم ومِنه قبضهم أيديهم عن الجهاد)) [مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن محمّد] . وقالَ الإمَام محمّد بن القاسم الرّسي (ع) : ((وَقال أبو ذَرّ رحمة الله عليه: يَا أيّها النّاس إنّكُم تَقرأون هذه الآية: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ )) ، وإنّي سَمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ((أيّمَا قَوم عُمل بَينهم بالمعاصي فلَم يَأخذوا على يدي الظّالم إلا عَمّهُم الله على بِعقَاب مِن عنده)) [مجموع كتب ورسائل الإمام محمّد بن القاسم] .

نعم! وقالَ العلاّمة الآنسي في تفسير الآيَة : ((يُريد الله سُبحانه أنّه لا يَضرّكُم ضَلال المُضلّين ، ولا تُحاسبون بفعل المُبطلين ، ورُوي أن اليهود قالوا للمسلمين : كيفَ تَطمعُون في النّجَاة وآباؤكم مُشركون ولستم بناجين مِن فِعلِهم؟! فَنزلَت هذه الآيَة)) [تفسير الأعقم] ، وفي المَنهج المُنير ينقل من طريق المُحدّثين مِن طَريق أبي أمية الشعباني، قال: أتَيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كَيف تصنع في هذه الآية ؟ قَال: أيّة آيَة ؟ قلت: ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ))، قَال: أمَا والله لقَد سَألت عَنها خبيراً ، سَألتُ عَنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فَقال: ((بل ائتمرُوا بالمَعروف وتنَاهَوا عَن المُنكر ، حَتى إذَا رأيت شحاً مُطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة، وإعجَاب كل ذي رأي برأيه فَعليك بخاصة نفسِك ودَع عنك أمرَ العَوام فإن مِن وَرائكم أيّام الصّبر الصّابر فِيهن مثل القابض على الجَمر، للعامل فيه مثل أجر خَمسين رجلاً يعملون مثل عملكم)) ، قال: وزادني غيره قال: يا رسول الله أجر خمسين رجلاً منَّا أو منهم؟ قال: ((بل أجر خمسين منكم)) [المنهج المنير تمام الرّوض النّضير] . قلتُ : وهذا الخَبر لم ينفِ الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكَر ، ثمّ قد ينطبقُ على أزمانٍ ويرتفعُ في أزمَان باختلافِ أحوال النّاس ، وهُو آحاديٌّ إن أرادَ البعضُ أن يستنبطَ منه انعزالاً تامّاً مُطّرداً عن الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكَر بأعلى مراتبِه اليد ، ثمّ اللّسان ، ثمّ القَلب حسب الاقتدَار ، فإنّه لَم يسَع الأئمّة زيدٌ والنّفس الزكيّة والهادي ومن اقتدى بهِم أن يجعلوا من أمثَال هذا الخَبر دستوراً مُطّرداً ، فإنّه إن صدقَت مصاديقُه على زمَنٍ فلا يلزَمُ منها أن تصدق على الزّمن الذي يَليه ، ثمّ إنّ الخَبر بذاتِه يدلّ على بذل الجَهد في الأمر بالمَعروف والنّهي عن المنكر للظّلمَة وغيرهِم من العُصَاة ، وقد استحسنتُ التّعليق الأخير لمّا رأيتُ أنّ الخبَر قد يحملُ إيهاماً مَا باعتزال الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكَر ، وهذا فلا يصحّ إلاّ بعد بذل الجَهد ، ثمّ بعد بذل الجَهد فإنّه يلزم تحيّن الفُرص لإعادَة إحياء الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر ، لأنّ الخَبر قد قيّد أن يكون العالِمُ معنياً بخاصّة نفسِه إذا رأى شحّاً مطاعاً وهوى متّبعاً ودنيا مُؤثرَة ، فإذا ارتفعَت هذه القيود لم يكُن ذلك العالِمُ معنيّاً بنفسِه ، ثمّ ارتفاعُ هذه القيود إن كان قد يُظنّ أنّه ارتفاعٌ مطلَق فذلك لَم ينطبِق على زمَان ، فما زالت الأزمنَة من القرون الأولى إلى اليوم وهي مُنصرفَةٌ عن الهُدى واتّباع المُحقّين من الأنبياء والأئمّة ، ولم يكُن ذلك عاذراً للأئمّة الهُداة عن القيام والشّهادة والأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر ، ولنا في قصّة نوحٍ النّبي عليه السّلام العِبرَة والعَبْرَة ، نعم! فظهر لكَ أنّ تحقيقَ تلكَ القيود بحاجَة إلى بصيرةٍ نافذَة من المكلّف العالِم متى تتحقّق ومتى ترتفِع لكي لا يحصُل التّفريط في مدلولات الأدلّة التي هي أقوى في الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر من آيات وأحاديث أفادَت التّواتر المَعنوي كما أخبرَ الإمَام القاسم بن محمّد (ع) .

نعم! هذا أقصَى ما قد يُقال في تأويل هذه الآيَة من ذلك المعنى الذي تكلّمنَا عنه ، وإلاّ فإنّ للمُفسّرين وبعض العُلماء تفسيراتٌ أخرَى ، قد اخترتُ لُمعةً منهَا .

___________________

السؤال التاسع :

ما هو تفسير الحياة والرزق في قوله تعالى : ((وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ))؟!.

والجَواب :

أنّ أئمّة العترَة على إثبات عذَاب القَبر ، وأنّ هُناك حياة برزخيّة ، فيما بينَ موتِ الإنسَان وبين قيامِ القيامَة ، وفي ذلكَ العالَم البرزخيّ ، فإنّ أرواحَ الشّهدَاء تكون حيّةً ويرزُقها الله تعالى يُكافئهُا على إيمانها وجِهادهَا في سبيلِه جلّ شأنُه ، وكيفيّة الرّزق أمرهُ إلى الله تعالى بما يصلحُ أن يكون مُكافئةً وثواباً للشّهيد ، وفي الضدّ فإنّ أرواح الكُفاّر والُمنافقين والعُصاة في عذابٍ من الله تعالى ، وهُو المقصودُ بعذابِ القَبر .

_________________

السؤال العاشر :

يقال ان الاعراف أناس تساوت حسناتهم مع سيئاتهم ما قولكم في هذا الكلام وماهو تفسير أهل البيت للاعراف؟

والجَواب :

أنّ الأعراف ورجالُ الأعرَاف هي من قولِ الله تعالى : ((وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ)) [الأعراف:46] ، وهاهُنا بيانَان ، الأوّل في ماهيّة الأعرَاف ، والثّاني في رجَالِ الأعراف .

فأمّا الأعرَافُ زهي مُفردُ عُرْف ، فظَهرُ كلّ مُرتفِع من رَمل أو جبَل أو سَحاب ، قالَ الإمَام الهادي إلى الحقّ (ع) : (( الأعرَاف: هُو مَا ارتفَع منَ الأرض وعَلا، وشَمَخ مِنها فِي الهَواء، فَتلك أعرَافُ الأرض)) [مجموع كُتب ورسائل الإمَام الهادي إلى الحقّ ] ، وقال العلاّمة ابن حابس رحمَه الله في المُراد من الأعرَاف في الآيَة : ((وقال بَعضُ أصحَابِنَا إنّ الأعرَاف أعَالي الجنّة. وَقيل هِي أعَالي الحِجَاب الذي بَين الجنّة والنّار وهُو المُراد بقوله ((وبَينَهُمَا حِجَاب)) [الإيضاح شرح المِصباح] . وقال العلاّمة الآنسي رحمَه الله : ((وَهُو السّور المَضروب بين الجنّة والنّار وهِي أعَاليه ، استُعِير مِن عُرْف الفَرَس أو عُرف الدِّيك فَسُمِّي أعرَافاً لارتفاعِه ، وقيل : لأنّ أهلَه يَعرِفُون النّاس)) [تفسير الأعقَم] ، وقالَ الإمَام الأعظَم زيد بن عَلي (ع) : ((هُو سُور بَين الجنّة والنّار. والأعرَاف: كُلّ مَوضِع مُرتفِع مُشرف)) [تفسير فريب القرآن] . قلتُ: فظهرَ أنّ الأعرَاف هُو موضعٌ عالٍ على سُورٍ يَحجبُ ويَفصلُ بينَ الجنّة والنّار ، فذلكَ تفسيرُ قول الله تعالى : (( الأَعْرَافِ)) .

نعَم! وأمّا رجِال الأعرَاف ، ففيهِم قولاَن من مصادر الزيديّة ، القولُ الأوّل : أنّهم عليٌّ وحمزةَ وجعفَر رضوانُ الله عليهِم وسلامُه . والقولُ الثّاني : أنّهم الملائكَة الحفظَة الموكّلون بكلّ نَفس رجّحه الإمَام الهادي إلى الحقّ (ع) ، فأمّا القولُ الأولّ فممّا رواهُ الحافظ محمّد بن سليمان الكوفي ، بإسنادِه ، عن ابن عبّاس فِي قَوله تعالى: ((وعَلى الأعرَاف رِجَال يَعرفونَ كُلاَّ بسيمَاهُم)) : قَال: هُم عَليٌّ عَليه السلام ، وجَعفَر ، وحَمزة رِضوان الله عليهم يَعرفون مُحبّيهم بِبَياض الوُجُوه ومُبغضيهم بسوَاد الوُجُوه)) [مناقب أمير المُؤمنين] ، وروى مثله الثّعلبي عن ابن عبّاس [تفسير القرطبي] ، وورى مثله أيضاً الحاكم الحسكاني الحَنفي عن ابن عبّاس في [شواهد التّنزيل] ، ورواه الحاكم الجَشمي عن ابن عبّاس [تنبيه الغافلين] ، وللمُفسّرين أقوال أخرى عدّدها القُرطبي في عشرَة أقوال ، وقد اقترصتُ على ما وقفتُ عليه من مصادر الزيديّة ، وإلاّ فإنّي وقفتُ للإمَام القاسم بن إبراهيم الرّسي (ع) على كلامٍ لا يغفلُ عنه النّاظر ، قال (ع) : ((وأمّا أصحَاب الأعراف. فَإنّهم: أصحَاب مَا عَلا مِن مَنازل الجنّة وأشرَف وأناف، مِن الغُرف العَاليَة، والمَنازل المُشرفة المَنيعة، التي يَرون منها لشَرفها وعُلوها النّار، وبَعض مَن يُعذّب فِيها مِمّن كَانوا يَعرفون، في الدّنيا بالختر والإسراف والتكبّر، فَيعرفونهم في النّار بسيمَاهُم، التي هي هيآتهم وحُلاهم، لا يَعرفونهم بغير ذلك منهُم، لِما غَيرت النار بأكلها مِن ألوانهم، فَيقولون عِند مَعرفتهم إيّاهم، مَا قصّه الله في كِتابه مِن قَولهم)) [مجموع كُتب ورسائل الإمَام القاسم الرّسي] ، نعم! والحاصلُ أنّ الأقوال معَ اختلافِها في المُؤمنين والشّهداء والصّالحين التي قالَ بها المُفسّرون بأنّهم الرّجال على الأعراف فإنّ أهل البيت سَادات ذلك كلّه عترَة النّبي صَلوات الله عليه وعليهِم وعلى أرسهِم أمير المُؤمنين عليه السّلام .

________________

السؤال الحادي عشر:

متى بدأ تدوين القرآن ، ومن أول من دونه ، وما هي كتب الزيدية التي يمكن الاستفادة منها في هذا الفنّ؟!.

والجواب”

أنّ السّؤال قد انقسمَ إلى ثلاثَة أقسَام ، القسمُ الأوّل : متَى بدأ تدَوين القُرآن الكَريم ؟!. والقسمُ الثّاني: منْ أوّل مَن جمعَ القُرآن الكَريم ؟!. والقسمُ الثّالث: ما هي الكُتب الزيديّة التي يُمكن الاستفاَدة منها في هذا الفنّ ؟!. ، والجَواب نأتي عَليه حسب ترتيب السّائل إن شَاء الله .

القسم الأوّل : متَى بدأ تدَوين القُرآن الكَريم ؟!.

والجَواب : نقول فيه أنّه يجدرُ أن يتنبّه السّائل إلى الفرق بين الجَمْع وبينَ التّدوين وبينَ التّدوين الكاملْ ، فالجمْع في الصّدور لم يمُت رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله إلاّ وهُو في صُدور المُؤمنين تامّاً مرتّباً بسورِه وآياتِه ، ثمّ التّدوين فالبعض من الصّحابَة قد كانَ دوّنه على عهد رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله ، منهُم عبدالله بن مَسعود ، وأبي بن كَعبْ ، وزَيدُ بن ثابتْ ، حكَى ذلكَ الإمَام عزالدّين بن الحسَن (ع) في المِعراج ، إلاّ أنّ ذلك يظهَر ليس تدويناً تامّاً كاملاً ، وإنّما كان تدويناً في رِقاع وأوراق سوراً دون سُوَر ، وآياتٍ دون آياتْ ،

نعم! ثمّ التّدوين الكاملْ التّام كان بعد وفَاة رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله ، وقد أجابَ الإمَام المؤيّد بالله يحيى بن حمزَة (ع) على شُبهةٍ بيّنَها وأجلاها بما هُو مُفيدٌ في هذا القسم الإتيانُ به ، فقال (ع) : ((السّؤال الثّالث: هُو أنّ الصّحَابَة رَضي الله عنهم لما اهتمّوا بجمع القُرآن بَعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وَكانوا يطلبُون الآية، والآيتين، ممّن كَان يحفظها منهم، فإن كَان الرّاوي مَشهورُ العدالة قَبلوها منه، وإنْ كَان غير مشهور العَدَالة لم يقبلوها منه، وطَلبوا على ذلك بيّنة، فَلو كَان الوَجه فى إعجازه هُو الفصاحة كما زعمتم، لكانَ مُتميّزا عَن سائر الكلام وكانَ لا وجه للسّؤال لما يظهَر مِن التّمييز، وفى هذا دلالة على أنّ وَجْه إعجازه هُو الصّرفَة، أو غيرها، دُون الفصَاحَة. وجَوابُه مِن وجهين، أمّا أوّلا: فلأنّا لا نُسلم أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم تَوفّاه الله تعالى ولم يَكُن القُرآن مجموعَاً، بَلْ مَا مَات عَليه السلام إلا بَعْد أنْ جَمعه جبريل، وهَذِه الرّوايَة مَوضُوعة مُختلفة لا نُسلمها، ولهذا قال لما نَزل صَدْر سُورة براءة «أثبتُوها فى آخِر سُورة الأنفال» فما قَالوه مُنكَرٌ ضَعيف. وأمّا ثَانياً: فَلأن الاختلاف إنّما وَقع فى كُتب القُرآن وجَمعه في الدّفَاتر، فَأمّا جَمْعُه فَمِمّا لم يَقع فيه تردّد أنّه كَان في أيّام الرّسُول صلّى الله عليه وسلّم، ولهذا فإنّ المصَاحف قد كَانت كَثرت بعد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، فلما وقَع فيه الخلاف، فعلَ عُثمان فى خِلافَته ما فعل مِن محوها كلّها، وكَتبه مُصحفَه الذى كَتَبه)) [الطّراز المتضمّن لأسرار البَلاغة وعُلوم حقائق الإعجَاز] ،

نعم! فالجمعُ تامّ من بلاغِ رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله توقيفيّ في ترتيبِه ، وترتيبِ آياتِه وسُوره ، قال السيّد العلاّمة المحقّق علي بن محمّد العجري (ع) : ((هَذه الآية تدلّ عَلى أنّ القُرآن نزل مِن عند الله تعالى سُوراً مفصلة، قال الإمام الحسن بن عز الدين: هذا التّرتيب الذي هُو عليه الآن هو الذي كَان عليه مُذ أُنزِل دُفعة واحدة قبلَ تَنزيله حَسب الحاجة والحادِثة ومَا فَرَّق تنزيله حِينئذ إلا لمَا في ذلك من المصلحة، وقدْ مرّ البحث في هذا في الفاتحة وَذَكرنا ثمّة الإجماع على أنّ تَرتيب الآيات في السور تَوقيفي. وَحَكَى الرّازي عن كثير من أهل الحديث أنه نظم على هذا الترتيب في أيام عثمان فلذلك صَحّ التحدّي مرّة بسُورة ومرّة بكل القرآن)) [مفتاح السّعادة] نعم! وتمَام وجه هذه المسألَة في القسم الثّاني القَريب .

والقسم الثّاني : منْ أوّل مَن جمع القُرآن الكَريم ؟!.

والجَواب : أنّه لمّا مات رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله ، فإنّ أمير المُؤمنين عَلي بن أبي طَالب (ع) كان أوّل مَنْ جمعَ القرآن تامّاً في مُصحفٍ واحدْ ، جمَعه ودوّنه من حفظِه وهُو الأذن الواعيَة ، روى الحافظ محمّد بن سليمَان الكُوفي ، بإسنادِه ، عن السدّي قَال: قَال ابن عباس: ((أوّل مَنْ أسْلم عَلي قَبل النّاس بِسبع سنين ، وكَان أوّل مَنْ جَمع القُرآن)) [مناقب أمير المُؤمنين عَلي بن أبي طَالب] ، وروى الحاكم الحسكاني الحَنفيّ ، بإسنادِه ، عَن عَلي عَليه السّلام أنّه رَأى مِن النّاس طَيرة عند وفَاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فَأقْسم أن لا يضع على ظَهره رِدَاء حَتى يجمَع القُرآن، فَجلس في بيته حتى جمعَ القُرآن، فَهو أوّل مُصحف جُمع فِيه القُرآن، جمعه مِنْ قَلْبِه، وَكان عند آل جَعْفَر)) [شواهد التّنزيل] ، وقال العلاّمة الزّحيف محمد بن عَلي رحمَه الله ، يتكلّم عن أمير المُؤمنين (ع) : ((وأمّا قِراءة القرآن والإشتغال به: فَهُو المنظور إليه في هذا الباب، اتّفق الكلّ أنه كانَ يحفظ القرآن على عَهد رسول الله ً ولم يكن غيره يحفظه، ثمّ هُو أوّل مَنْ جَمعه، نَقَلُوا كلّهم أنّه تَأخّر عَن بَيعة أبي بَكر، وأهل الحَديث لا يقولون مَا قالته الشيعة من أنّه تأخر مخالفةً للبيعة، بل يقولون: تشاغل بجَمْع القرآن، فهذا يدلّ عَلى أنه أوّل مَن جمع القرآن، لأنّه لَو كان مجموعاً على حياة رسول الله ً لما احتاج أن يَتشاغَل بجَمْعه بعد وفاته صلى الله عليه وآله ، وإذا رجعتَ إلى كتب القراءات وجدتَ أئمة القراء كلّهم يرجعون إليه كأبي عَمرو بن العلا، وعَاصم بن أبي النجود وغيرهما، لأنهم يرجعون إلى أبي عبد الرحمن السلمي القارئ وأبو عبد الرحمن كَان تلميذه، وعَنه أخذ القرآن، وقَدْ صَار هذا الفن مِن الفُنون التي تَنتهي إليه أيضاً مِثل كَثير ممّا سَبَق)) [مآثر الأبرار] ، وعَن مُصحَف أمير المُؤمنين (ع) ، يقولُ الإمَام نجم آل الرّسول القَاسم بن إبراهيم الرّسي (ع) ، فيما يروه عنه حفيدُه الإمَام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين (ع) : ((قَرأت مُصْحَفَ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضوانَ الله عَليه عِند عَجوزٍ مسنة – السيّدة نفيسة – مِن ولد الحسَن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فَوجَدته مكتوباً أجزاء بخُطوط مختلفة، في أسْفَل جُزء مِنها مَكتوب ، وكتَبَ عَلي بن أبي طالب، وفي أسْفل آخَر وكتب عَمار بن ياسر، وفي آخَر وكَتب المقداد، وفي آخَر وكتب سَلمان الفارسي، وفي آخَر وكَتب أبو ذرّ الغفَاري، كأنّهم تعاونوا على كِتابته. قَال جَدّي القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه: فَقرأتُه فَإذا هُو هَذا القرآن الذي في أيْدي النّاس حَرْفًا حَرْفاً، لا يَزيدُ حَرْفاً ولا يَنْقُص حَرْفاً، غير أنّ مَكان ((قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ)) ، ((اقْتُلواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ)) ، وقَرَأتُ فِيه المعوّذَتين)) [ مجموع كُتب ورسائل الإمَام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين] ،

نعم! فظهرَ لكَ أنّ أمير المُؤمنين (ع) كانَ أوّل من جمعَ القُرآن في المُصَحف بعد موت رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله ، والحمدُلله ،

نعم! ولسنَا نقولُ ما يقولُه بعض الإماميّة من أنّ عثمان بن عفّان قد أحرقَ مصاحف التّنزيل وبقيَت مَصَاحف مُحرّفَة ، فذلك مما لا يجوزُ ولا يَنبغي وفيه إخلافُ الوعد الإلهيّ الذي أخبرَ الله تعالى عن نفسهِ فقال جلّ شأنُه : ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)) [الحجر:09] ، والحمدلله .

القسم الثّالث : ما هي الكُتب الزيديّة التي يُمكن الاستفاَدة منها في هذا الفنّ ؟!.

والجَواب : أنّ ذلكَ الفنّ تكلّم عنه أئمّة العترَة وشيعتهُم في مصنّفات أصول الفِقه ، ضمن أبواب الأدلّة الشرعيّة ، وكذلكَ مجاميع الأئمّة لم تُخل من فَوائد يؤصّل منها أهل البَحث ، أيضاً كِتاب (الطّراز المتضمّن لأسرار البَلاغة وعُلوم حقائق الإعجَاز) ، للإمَام المؤيّد بالله يحيى بن حمزَة (ع) كِتابٌ حافلٌ لا يستغني عنه من يُريدُ أن يعرفُ وجوهَ إعجاز القُرآن ونُزولُه ، كذلك مصنّفات التّفسير ، نعم, وبهذا وما قبلَه تمّ الجَواب على السّؤال بأقسامِه والحمدُلله .

_____________________

السؤال الثاني عشر:

– ما هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه؟

الجواب”

أنّ هذه الكلمَات جاءت فيهَا أقوَال ، منهَا أنّها قولُ آدَم (ع) : سُبحان الله، وَأستغفرُ الله، ولا إلَه إلاّ الله ، والله أكبَر . ومنهَا أنّها قولُ آدَم (ع) : رَبّ إنّي عَمِلت سُوأً وَظَلمْتُ نَفسِي ، فَاغفِر لِي إنّه لا يَغفرُ الذّنوبَ إلا أنْت. ومنها أنّها قولُ آدمَ (ع) في القُرآن : ((رَبّنا ظَلَمْنا أنُفسَنَا وإنْ لَم تَغفر لنَا وتَرحمنَا لَنَكُونَنّ مِنَ الخَاسِرين)) ، قالَ الإمَام النّاصر الأطروش (ع) : وكلّ ذلكَ حسَن[البساط] . وفي روايَة أنّ ذلكَ من قولِ آدَم (ع) : استغَفارٌ بحقّ الخمسَة أصحَاب الكسَاء [تنبيه الغافلين عن فضائل الطّالبيين] .

نعم! قالَ الإمَام الهَادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين (ع) عن هذه الكلمَات ، فقال (ع) : ((والصّحيح عندنا أنّ الكَلمات هو ما كان الله تبارك وتعالى قد أعلمه بخلق من سيخلقه من ذرية آدم ونسله، وأنّه سَيكون مِنهُم مُطيعٌ ومِنهُم عَاص باختيارهم، وأنّه سبحانه يقبل التوبة مِن تَائبهم إذا تَاب وأصلح وأخلَص التوبة وراجع، فلمّا كَان منه ما كان من أكل الشجرة ذكر مَا كان الله قَدْ أعلَمه من القبول للتوبة، فقالا: ((رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وإن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)) ، فَهذه الكَلمَات التي تلقّاهَا آدَم مِن رَبّه صَلوات الله عليه)) [مجموع كُتب ورسائل الإمَام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحُسين] ، فقولُ الإمَام الهَادي أنّ الكلمَات هي التّذكرَة بأنّ التّوبَة تُوجبُ المغفرَة ، فتذكّر آدَم فتكلّم بالتّوبَة ليتوبَ الله عَليه ، وقولُ الإمَام زيد بن عَلي (ع) أنّ الآيَة (ربّنا ظلمنَا ..الآيَة) هي الكلمَات التي علّمها الله تعالى لآدَم (ع) ،

نعم! وهذا من الجَواب فيه قدر كافٍ إن شَاء الله تعالى ، على أنّ السيّد العلاّمة المُحقّق علي بن محمد العجريّ قد عدّد هذه الكلمَات بتفصيل في كتابه مفتاح السّعادَة ، فمن كان مهتمّاً راجعَ كلامَه صلوات الله عَليه .

_______________________

السؤال الثالث عشر:

هل يوجد نسخ في القرآن الكريم؟ الناسخ والمنسوخ في القران هل هو فعلا موجود ، وما هو الدليل على وجوده ، مع ذكر بعض الايات التي نسخت ، وماهي الغايه والحكمه اذا ثبت وجوده من وجوده في القران ، وهل القول بوجوده لا يعد نقص في علم الله ان يشرع حكم ثم يقوم بنسخه فالله عالم بما يكون قبل ان يكون فكيف يأمرنا بشيئ ثم يتراجع عنه ام ان النسخ تخفيف من الله لكن الله سيخفف من البدء لان الله يبدء كل شيئ بالكمال فلا يحتاج ان يشرع لنا حكم ثم يخفف عنا بحكم اخر وجزاكم الله خير .

الجواب”

نأتي عَليه حسبَ ترتيب السّائل ، فقولُه : ((الناسخ والمنسوخ في القران هل هو فعلا موجود)) ، فنقول : نعم ، موجودٌ بيّن ظاهَرٌ لمن قرأ القرآن ، وتدبّر السنّة المحمديّة .

نعم! ثمّ قولُه : ((وما هو الدليل على وجوده)) ، ولعلّ السّؤال ما هُو الدّليل على ثبِوته ، وقد أشرنَا إلى وجودِه ، وسنأتي بآياتٍ في ذلكَ قريباً ، فنقول أنّ من أدلّة ثبوتِه إجمَاع العترَة فإنّهم على إثباتِه ، بل لم يخُل مصنّف من مصنّفاتِهم من ذكرِه غالباً ، بل لم يُنكرهُ منهُم أحَد صلوات الله عَليه وعلى آله ، والعتَرة لن تُجمَع على ضلال كمَا هُو مدلول حَديث الثّقلين ، وإلاّ رُدّ قولُ رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله ، أو كان كلاماً لا ثمرَة منه والعياذُ بالله في الإيصَاء بالتمسّك بالعترَة ، نعم! ثمّ دليلٌ إثباتِه من القُرآن قولُ الله تعالى : ((مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) ، وقوله تعالى : ((يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ)) ، وقولُه تعالى : ((وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)) .

نعم! ثمّ قولُ السّائل : ((مع ذكر بعض الايات التي نسخت)) ، فنذكُر من ذلكَ الصّلاة إلى بيت المَقدس فإنّ ذلك هُو أوّل الوحي الإلهي إلى رسول الله صلوات الله عَليه وعلى آله ، وذلك من فعل رسول الله صلوات الله وعلى آله سنّةٌ شرعيّة لم تُخالف الوحي الإلهيّ منه صلوات الله عليه وعلى آله ، ثمّ جَاء القُرآن فنسخَ ذلك التّشريع ، قالَ الله تعالى : ((قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ)) [البقرة:144] ، فنسخَ الله تعالى الحُكم الأوّل وهُو الصّلاة إلى بيت المقدس ، بالصّلاة إلى المسجد الحَرامْ ، نعم! وكذلكَ قولُ الله تعالى : ((((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) ، منسوخٌ بقولِ الله تعالى : ((أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ)) .

نعم! ثمّ قولُ السّائل : ((وماهي الغايه والحكمه اذا ثبت وجوده من وجوده في القران)) ، فنذكُر من ذلكَ ما أصّله أهل العلم ، أنّ من ذلك ما وجهُه تخفيف ، قالَ الإمَام نجم آل الرّسول القَاسم بن إبراهيم الرّسي (ع) : ((ومن الناسخ والمنسوخ فاعلموه ما كان يزاد به في الفرض تكليفا، أو ينقص به منه رحمة من الله فيه وتخفيفا، وفي ذلك كله، بمنِّ الله وفضله، من البركة والرفق، ومن الرحمة بحسن السياسة والتدبير للخلق، ما لا يستتر ولا يخفى، إلا على من جهل وجفا، كالوصية التي أُمرَ بها من ترك خيرا عند الموت للوالدين والأقربين بالمعروف، ثم زيد فيما أمر به من ذلك ما هو أكثر التوارث بحد مسمى موصوف، من سدس وثلث وربع، في مفترق من المواريث ومجتمع، كرجل ترك ابنه وأبويه، فلكل واحد من الأبوين السدس لا يزاد عليه، فإن تركهما وزوجة، كان لها الربع فريضة، وللأم ثلث ما يبقى وهو الربع من جميع المال، وكذلك ما سمى من مواريث الأقربين في مختلفات الأحوال. وكما أمر به من صلاة ركعتين في الحضر والسفر، ثم زيد في فرضها فجعلت أربعا في الحضر، وكقوله في التخفيف، والوضع لرحمته من التكليف، : { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا } [الأنفال: 66]. فنقص ووضع من ذلك عنهم فرضا كان موظَّفا، وأشياء كثيرة لما تسمع وترى، في أمور جمة لا يحصيها كتابنا أخرى. فهذه وجوه من الزيادة والتخفيف في الفرض، لا يشك مَن يعقل في أن بعضها من بعض، ليس في شيء منها اختلاف ولا تناقض ولا بداء، كما زعم من كان في كتاب الله وأحكامه ملحدا، بل كلها بمنِّ الله مؤتلف متقن، وجميعها فمصدِّق بعضه لبعض محقِّق، ليس فيها – والحمد لله – لأحد مقال، يلحد به فيه إلا مفتر بطَّال)) [مجموع كتب ورسائل الإمَام القاسم الرّسي] .

نعم! ومن ذلكَ الابتلاء من الله تعالى لعبادِه هل يشكّون ويرتابُون ، أم يبقونَ على يقينِهم مُسلّمين لله تعالى ولرسولِه صلوات الله عَليه وعلى آله ، ومن تدبّر هذه الآيات عرفَ ذلك جليّاً ، قالَ الله تعالى : ((سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)) ،

نعم! وفي هذه الآيات وقول الإمَام القاسم (ع) جوابُ على آخر ما جاء في سؤال السّائل : ((وهل القول بوجوده لا يعد نقص في علم الله ان يشرع حكم ثم يقوم بنسخه فالله عالم بما يكون قبل ان يكون فكيف يأمرنا بشيء ثم يتراجع عنه ام ان النسخ تخفيف من الله لكن الله سيخفف من البدء لان الله يبدء كل شيئ بالكمال فلا يحتاج ان يشرع لنا حكم ثم يخفف عنا بحكم اخر وجزاكم الله خير)) ، فإنّ الله تعالى بذلك النّسخ ، إنّما يُخفّف عن عبادِه ، أو يتعبّدهم بابتلاء ، وذلك كلّه لا يُعدّ نقصاً في علمِه جلّ شأنُه ، لأنّ ذلكَ كلّه في علمه السّابق ، والمنسوخ ليسَ تراجُعاً وإنّما فعلٌ لحكمَة ارتبطَت بالزّمان والمكَان والتّكليفْ ،

نعم! وكذلك التّخفيفُ بعد التشديد فإنّ فيه حكمَة لمَن تدبّر أظَهر من أن يبدأ الحُكم خفيفاً ، فذلكَ منّةٌ من الله تعالى عبادِه ، وتعليمٌ ، وزيادَةُ يقين .

نعم! وبهذا وما مضَى أكتفي في الجَواب ، وإلاّ فكُتب أصول الفقه قد بيّنت هذه المسألَة بإسهَاب ، والمقام هُنا مقام إشارَة لا تَفصيل ، وليعلَم السّائل بأنّنا قد أشرنَا إليه في هذا الجَواب ما يجعلُه يُبصر بشدّة وحدّة لأبعَاد تلك المسألَة ، ثمّ إنّ أغلَب من يُؤتَى من مسألَة النّاسخ والمنسوخ ، فإنّه غالباً لا يكونُ فقيهاً فتحضُره مسائلُ وتغيب عنه مسائلُ كثيرَة ، فيكون كمَن يُبصرَ بعين واحدَة ، فنحثّ المُتعلّم والطّالب والباحث أن يتفقّه الأحكَام ليُبصرَ هذه المسألَة بحقائق اليقين ، وعندي أنّ أئمّة العترَة وقد ارتضاهُم الله تعالى ورسولُه أجلّ من أن يُجمعوا ، أو يُنكرَ أحدُهم من الأوّلين واللاحقين هذ المسألَة ، هذا لمَن اشتبَهت عليه الآيات في إثبات النّاسخ والمنسوخ ، والحمدُلله .

_______________

200 سؤال وجواب حول فكر الزيدية

الإمامية أنفسهم القميون يقرون أن التنزيه والعدل إنما أخذه الشيخ المفيد -تتبعا- ومن تبعه من المعتزلة

* الإماميّة أنفسُهم القُميّون -وهُم أصحاب الحديث في طائفتِهم- يُقرّون أنّ التنزيه والعدل إنما أخذَهُ الشيخُ المُفيد -تتبّعًا- ومَن تبعَه من المُعتزلة؛ وأنّهم لم يكونوا على ذلك؛ وهذا ففي القرن الخامس الهجري! زمن الإمامية المُفيدية التي لا يُعلم لها مكيانٌ مُجتمعٌ على قولٍ جامعٍ قبل الشيخ المُفيد إلا ما كان من الجبر والتشبيه في المدرسة القميّة على ما حكاه عنهم الشريف المرتضى، وعلى ما تقفُ عليه في المُقتَبس أدناه من كتاب الشيخ المُفيد.

– النصّ مُقتبسٌ من مبحثنا حول الشيخ المُفيد في الرّابط أدناه:
https://t.me/alkazemalzaidy/416