تذكرة ومذاكرة

تذكرة ومذاكرة شيقة ذات فائدة 6

🟥 ** (6) تذكرَةٌ ومُذاكرَةٌ … شيّقةٌ … ذاتٌ فائدةٍ -إن شاء الله- !.

🟦 – وقَد وقفتَ على ثقَل العترَة في السّبب الثّاني من أسباب رفع الضّلالة عن الأمّة، وهُو ضرورَة وُجود العُلماءِ في كلّ زمانٍ حاضِرين؛ لأنّ غياب العالِم من العترَة ، أو جواز خلو الزّمان من عُلماء العتَرة؛ لا يرتفعُ معه الضّلال؛ بل يحقّ به الضّلال؛ لمّا كان حالُ النّاس الحاجَة إليهِم، ولمّا كانَت الشّبهة في الأمّة تعمّ، والتّكليفُ عليهم باقٍ؛ فكانَ خبرُ الثّقلين قاضٍ بوجودِ العُلماء منهُم في كلّ زمانٍ ليرجع إليهم النّاس، وقد قرّرنا ذلك وفق منظومَةِ هُدىً مُتكاملَة، لا نُصوص ولا عِصمَة؛ والغيبَة تُنافي تحقّق الهِدايَة، وتُحِقّ الضّلالَة في الأمّة، وتُخالفُ حديث الثّقلين، وحديثُ الثّقلين ينقضُها .

🟥 – إنّنا إذا طالعنَا الأدلّة، وجدَناها قاضيةً بوجوبِ وجودِ عُلماء العترَة، وأقلّ الوجودِ عالمٌ واحِدٌ منهُم في الأمّة؛ لمّا كان ذلكَ لُطفاً من الله تعالى بالعبَاد؛ وأكثرُه لا حصرَ له مِن عُلماء العترَة في الزّمان؛ يقومون بواجِب الهدايَة، وهذا فإجماع سَادات بني الحسن والحُسين -عليهم السّلام- . بل قد قرّر ذلك ابن حجر الهيثمي -من مدلول خبر الثّقلين- ، قال : ((والحَاصِلُ أنَّ الحثَّ وَقَع عَلى التمسّك بالكِتاب وبالسنّة وبالعُلمَاء بِهمَا مِن أهَل البَيت، ويُستفَاد مِن مَجموع ذَلِك بَقاء الأمُور الثّلاثَةِ إلى قِيامِ السَّاعَة)) [الصواعق المحرقة:2/440] ، فبقاء العُلماء الفاطمِيين -ممّن هُم على منظومَة الهُدَى- لازمٌ، قد تعهّدَ الله به إلى يوم القيامَة، حاضرين غير غائبين؛ لتعودَ إليهِم الأمّة، وذلك ما يرويه الشّيخ الصّدوق -من الإماميّة- قولُ الإمام الباقر محمّد بن علي -عليهما السّلام- ؛ يتكلّم عن حاضِرين غير غائِبين: ((إنّ الأرضَ لا تَبقَى إلاّ ومِنّا فِيهَا مَن يَعرِفُ الحَقَّ ، فَإذا زَادَ النّاس قَال : قَد زَادُوا ، وإذَا نَقَّصُوا مِنه قال : قَد نَقّصُوا ، وَلولا أنّ ذَلك كَذلك؛ لَم يُعرَف الحَقُّ مِن البَاطل)) [بحار الأنوار: 23/26] ، وهُو فلن يقولَ للنّاس هذه زيادَةٌ، وهذا نقصٌ؛ إلاّ وهُو حاضرٌ مُخالطٌ لهُم، يقصدُهم ويقصدونَه، ويطّلع على مقاصدِهم، ووجه تحريرِهم، وطرائقِهم، ويروي الكُليني -بطريقٍ صحيحٍ عندَه، وقال المجلسي: حسنٌ موثّق [مرآة العقول:2/295] – عن الإمام جعفر بن محمّد الصّادق -عليهما السّلام- : ((إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو إِلَّا وَفِيهَا إِمَامٌ؛ كَيْمَا إِنْ زَادَ الْمُؤْمِنُونَ شَيْئاً رَدَّهُمْ؛ وَإِنْ نَقَصُوا شَيْئاً أَتَمَّهُ لَهُمْ)) [الكافِي:1/178] ، وهُو فلن يزيدَ أو يُنقّصَ إلاّ وهُو حاضرٌ؛ لأنّه إن كانَ غائباً فلن يصحّ منهُ البيان، وهؤلاء أصحابُه أعظمُ النّاس اختلافَا؛ لا زيادةٌ، ولا نُقصانٌ لهُم، وهذه اللّغة وهؤلاء أهلُها، وليس يُسندُ أصحابَه إليه تصحيحَ مسألَةٍ بشكلٍ قطعيٍّ يعتصمونَ بهَا ، وروى الشيخ الصّدوق، بإسنادِه، عن الإمام الصّادق -عليه السّلام- : (( مَا زَالَتِ الْأَرْضُ إِلَّا وَلِلَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِيهَا حُجَّةٌ يَعْرِفُ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَيَدْعُو إِلَى سَبِيلِ اللَّهِ -جَلَّ وَعَزَّ- ، وَلَا يَنْقَطِعُ الْحُجَّةُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا أَرْبَعِينَ يَوْماً قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا رُفِعَتِ الْحُجَّةُ أُغْلِقَ بَابُ التَّوْبَةِ)) [كمال الدين:1/229] ، فإنّ ذلك لا يكونُ إلاّ وهُو حاضرٌ، يدعُو إلى سبيلِ الله تعالى، وإنّ عدَم انقطاعِه إلاّ أربعينَ يوماً معنى يتنافَى معَ الغيبَة؛ لأنّ الغائبَ مُنقطعُ عن كلّ الأمّة من اثني عشر قرناً؛ ولا يعلمُ أصحابُه قبل غيرِهم منهُ دعوةً إلى سبيلِ الله تعالَى، وإنّ ما قد يعجزُ به البعضُ من قولِ أنّ الإمام يُستفادُ منه كما يُستفادُ من الشّمس خلفَ الغمَام لَيسَ من الدّعوة إلى سبيِل الله تعالى في شيئٍ، وإلاّ فإنّ الله تعالى يُلهمُ العِباد بالتّوفيق والألطافِ؛ ولم يكتفِ -جلّ شأنه- بذلك حتّى أرسلَ الأنبياء الدّعاة، وأقامَ الأئمّة الهُداة، وأنزلَ الكُتب.

🟦 – يستطيعُ الإنسانُ أن يُلبّسَ على نفسِه، إلاّ أنّ نفسه لن ترضَى منهُ بذلكِ؛ لأنّ في داخلِ كلِّ عاقلٍ باعثٌ على المُراجعَة؛ إلاّ أنّ الواِحدَ منّا قد يقتُله بالاستغفَال ويحبسُه فلا يكونُ أثرُه إلاّ كأزيزٍ وحُرقَة تأتي من وقتٍ لآخَر؛ فذلك من نورِ الله تتعالى، يغفلُ عنه المُتغافلُ، ويتنبّه إليه المُؤمنون، ولا أصرحُ من رواية الصفّار -من الإماميّة- ، بإسناِده ، عَن يعقوب السرّاج، قَال: قُلت لأبي عَبدالله -عَليه السلام- : ((تَخلو الأرضُ مِن عَالِمٍ مِنكُم حَيّ ظَاهِرٍ تَفزَعُ إليهِ النّاس فِي حَلالِهم وَحَرَامِهم، فقَال: يا أبَا يُوسُف، لا، إنّ ذَلك لَبَيِّنٌ فِي كِتاب الله تعالى فقالَ : ((يا أيّها الذين آمَنوا اصْبروا وصَابِرُوا عَدُوَّكُم مِمّن يُخالفكم، وَرابطوا إمَامَكُم، واتّقوا الله فيمَا يأمركم وفَرضَ عَليكُم)) [بصائر الدّرجات:507] ، وهذا فيضدّ الغيبَة صريحاً .

🟥 – إنّ الغيبَة هدمٌ لخبر الثّقلين، والإتيانُ عليه من الأسَاس؛ لأنّ الأمّة تُمسي وقد فرضَ الله عليها التمسُّك باهل بيتِ نبيّها، وإذا هي تُصبحُ تطلبُ أهلَ بيتِ نبيّها فلا تِجدُ إلاّ رجالاً هُم الشّيعة؛ وأينَ يجوزُ تحريفُ الخبَر للتمسُّك برجالٍ يقرّون على أنفسِهم أنّهم ليسوا العترَة؛ ليُتمسّكَ بهِم، وما عُذر المكلّف بين يديّ الله تعالى؛ يُقدّمُ الفُقهاء من الإماميّة يتمسّكُ بهِم؛ والله ورسولُه يأمُران -والأمرُ لله- بالتمسّكِ بالعترَة؛ وأين قاطعُِ التمسّك بفقهاء الشّيعَة؛ فإنّهم أنفسَهم ما وجَدوا في ذلك في مصنّفاتِهم -وهي مُظلمةٌ روائيّاً- إلاّ أخبار آحادٍ ضعيفَة الصّدور؛ يُرقّعونَ حالَها وشأنَها لُتصبحَ مَعلومَة الصّدور؛ فعادَ طالبو اليقينِ من الهُدَى أتباع الظّنون من كلّ وجهٍ، في أعظمِ انقيادٍ، وأينَ مَنْ يقولُ أتّبع روايات العترَة يُقيمُها مقامُ العترَة، وهُو يقرأ روايات العترَة تفرضُ عليهِ وجود العُلماء منهُم حاضِرين غير غائِبين!. لا مَناص، من أن يُمسي ليلَه ودهرَه ليلوي أعناقَ تلك الرّوايات، ولو خرجَ عن اللّغة وأهلِها!. ثمّ بعدُ، فإنّه لا يستطيع أن يجزمَ على أمرٍ قالَه أنّه هُدَى العترَة؛ لأنّه لا يعلمُ هل تمسّك بالعترَة -على أصولِه قبل أصولِ غيرِه- أم أنّه يضدّ قولَهم؛ إلاّ بما استراحَ إليه من مشهورِ قولِ أصحابِه، وقولُ أصحابه أنّى يكونُ بالضّرورة قولاً للعترَة -عليهم السّلام- . فظهَر أنّ السّبب الثّاني من أسباب رفع الضّلالة من مدلول خبر الثّقلين مُرتفعٌ بالغيبة، مُتحقّق بوجود العُلماء الأدلاّء على الحقّ من العترَة إلى انقضَاء التّكليف، حاضِرين غير غائبِين، من داخل منظومَة الهُدَى .

وفّقكم الله

اللهمّ صلّ وسلّم على محمّد وعلى آل محمّد ..

تذكرة ومذاكرة

تذكرة ومذاكرة شيقة ذات فائدة 5

🟥 ** (5) تذكرَةٌ ومُذاكرَةٌ … شيّقةٌ … ذاتٌ فائدةٍ -إن شاء الله- !.

🟦 – وقد وقفتَ على أنّ مَنظومَة الهُدَى عاملةٌ في الأمّة (العقل والكتابُ والسنّة وإجماع العترَة والأصول المعرفيّة في التمييز) من منهج أهل البيت -عليهم السّلام- وطريقتِهم؛ وقدوقفتَ على أنّ الغيبَة تتنافَى وهدايَة العترَة، ومُتمَسَّكُ الأمّة، وأنّ واحداً من أسباب رفع الضّلالَة الثّلاثة -من خبر الثّقلين- لا يقومُ بها الغائبُ من اثني عشر قرناً؛ فخرجَ هذا الاعتقاد عن أن يكونَ مُوافقاً للشّرع، بل هُو مُخالفٌ عليه.

🟥 – فإنّ منظومَة الهُدَى أيضاً هذه لا بدَّ أن لا تكونَ شكليّةً صُوريّةً في الدّعوى؛ كمَا قد ثبتَ يقيناً من حال دعوَى أنّ العترَة واحدٌ غائبٌ من اثني عشر قرناً؛ فهذه دعوى صوريّة شكليّةٌ في اتّباع العترَة وهدايَتها؛ لا أثرَ معها، ولا تأثيرَ في الهدايَة -من العترَة- في الأمّة؛ والعامِلونَ في الهدايَة بها هُم غير العترَة من الفُقهاء والمَراجِع؛ وبآراء أنفسِهم من تلك الرّوايات المُظلمَة مِن كلّ وجهٍ!.

🟦 – ففي السّبب الثّاني الرّافع للضّلال؛ والمُرتفِعِ بالعترَة؛ بضرورة وجود الأدلاّء العُلماء على الحقّ؛ لا ينقطعُ منهم زمانٌ إلى إنقضَاء التّكليف، حاضرين غير غائبين. فإنّ الله خاطبَ العُقلاء، وألزَمهم البحثَ والنّظر من داخل الكِتاب والسنّة؛ فلا بُدَّ يصلونَ إلى خبر الثّقلين؛ ثمّ لا بُدّ يصلونَ إلى انحصار دعاوى اتّباع العترَة إلى مذاهب الشّيعَة؛ فمَا يجدُ الباحثُ عترَةً عندَ من يقولُ بالغيبَة؛ ولا يُجد إلاّ ُفقهاء يهدونَ بآراء أنفسِهم؛ لا يعلَمون -قبلَ غيرِهم- هل وافقُوا العترَة بيقينٍ أم قد أبعَدوا ؛ إلاّ ما استراحُوا لهُ في أصل مذهبهِم، ثمّ هُم مُختلفون فيه. فلا يجدُ النّاظرُ بُدّاً من إيجاب خبر الثّقلين اتّباع العترَة أنفسهِم، لا غيرهم، فخبرُ الثّقلين واضحٌ بالتمسّك بالعترَة؛ والانصرافُ منهُ إلى التمسّك برجالِ الشّيعة محظورٌ إذ هُو مُخَالَفَةٌ صَريحَةٌ للأمر الإلهيّ النّبوي!.

🟥 – فلمّا كانَ ووصلَ النّاظرُ والباحثُ سبيلَ رشَده إلى العالِم المُقتصدِ الفاطميّ من آل الرّسول -صلوات الله عليه وعليهم- ؛ لأنّه واجدٌ الوصولَ إليه؛ لمّا كانَ ذلك العاِلُم من العترَة حاضراً؛ ثمّ تِجدُه يقصدُه يطلبُ القطعَ واليَقِين؛ يُحصّل أسباب نجاتِه من خلالِ دَليلِ العترَة .

🟦 – فيكونُ البَيان لطالبِ رشَدِه ونجاتِه؛ الهاربِ من الضّلال يبتغي التمسّكَ بالعترَة؛ تنفيذاً لأمرِ سيدّنا محمّد الخاَتم الأمين -صلوات الله عليه وعلى آله- ؛ بأنّ الهُدَى -الذي هُو ضدّ الضّلال- ، في أصولِ دينِه : قائمٌ بإجماعِ العترَة، فيبيّنُ لهُ العالِمُ للطّالبِ قولَ العترَة؛ وإجماعَهم، وسبيلَهم؛ وهذا فقطعيٌّ في مُلازَمة الحقّ وصحّة الاعتقاد؛ فُهنا ثقلُ العترَة في المعرفَة قد تحقّق من طريقِ العترَة في منظومَة الهُدَى؛ ومَعه نجاتُه، وذلك الحقّ مُلازمٌ لدليلِ الكِتاب والسنّة مُقارنٌ له في النّتيجَة، إلاّ أنّ العَالِمَ من العترة يَعودُ على الطّالب، فيقولُ: إنّكَ قد عرفَت الحقّ قطعاً من طريق العترَة، وأنتَ مُتّبعٌ للنّبي -صلوات الله عليه وعلى آله- في تمسّكُك بهم ولن تكونَ على ضلالٍ بمُتابعَتك هذه -فقد تحقّق الثّقَل والمقارنَة للقُرْآن- ؛ إلاّ أنّ مِلاكَ المَعرفَة هُنا عَقليٌّ، فمُتابَعتك للعترة تُنجيك -بفضلِ الله- ، إلاّ أنّ معرفَتك للدّليل العَقلي يُخرجُك من ربقَة التّقليدِ؛ لأنّ المعرفَة الإلهيّة قائمةٌ على معرفَة الحجّة العقليّة؛ والتّقليدُ هُو الاعتقاد من دونِ معرفَة الحجّة والدّليل؛ فاعتقادُك أنّ الله تعالى لا يُرى في الدّنيا والآخَرة إجماعُ العترَة، وهُو هَدْيٌ وهُدَىً وصوابٌ ومَعه تحقيق التّنزيه والنّجاة؛ إلاّ أنّ واجبَ المعرفَة لتحقيق الرّسوخِ تُحصّلُه من البُرهان العَقليّ، فتعرفُ أنّ علّة ذلك أنّه لو كان مرئيّاً لكَان محدوداً مَحدوداً مَقدوراً جِسماً محُتاجاً مَخلوقاً …إلخ ذلك من بُرهان النّظر العقليّ؛ فعندَ ذلكَ تكونُ العترَة -من داخل منظومَة الهُدَى- قد حقّقت للمكّلف قولَ النّبي صلوات الله عليه وعلى آله- : ((مَنْ أَخَذَ دِينَهُ عَنِ التَّفَكُّرِ فَي آلاءِ الله تَعَالَى وَعَنِ التَّدَبُّرِ لِكِتَابِهِ وَالتَّفَهُّمَ لِسُنَّتِي زَالَتِ الرَّوَاسِي وَلَمْ يَزُلْ، وَمَنْ أَخَذَ دِينَه عَنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ وَقَلَّدَهُمْ فِيهِ ذَهَبَتْ بِهِ الرِّجَالُ مِنْ يَمِينٍ إِلَى شِمَالٍ، وَكَانَ مِنْ دِينِ الله عَلَى أَعْظَمِ زَوَالٍ)) ؛ فلَم تقصرُه على المُتابَعة اكتفَاءً عندما أوجبَت عليه عدم التّقليد؛ بل ربَطته العترَة بِملاك الحُجة من دليل العَقل لإحراز الرّسوخ ، فلا يزول إيمانه بالشّبهة العارضَة من قول المُلحِدة أو أصحاب المذاهب الباطلَة ؛ لأنّه قد حقّق المعرفَة مِن ملاكِها الذي استودعَهُ الله تعالى؛ والعقلُ مِلاكُ التّوحيدِ، ومِلاكُ معرفَة ما بعد التّوحيد وهي النبوّة والتّصديقُ بها، ثمّ القرآن والسنّة مِلاكُ معرفَة الأحكام الشرعيّة، ثمّ العترَة لُطفٌ وحُجّةٌ تكشفُ الهدايَة من تلك المِلاكات والحُجج الإلهيّة (العَقل والكتاب والسنّة) ؛ فأنتَ ترَى كيفَ أنّ العترَة عاملةٌ في هدايَة الطّالبِ والمُكلّف من داخِل منظومَة مُتكاملَة. فإن عادَ الطّالبُ: وله شُبهة نظريّة عقليّة، أو مُتشابَهٌ قرآنيّ؛ أو محمَلٌ في الآثار النبويّة؛ تُعارضُ التّوحيد والعَدل. فإنّ عالِم العترَة: يهدي ، ويرفعُ الشبَهة، ويحلّها، مع المكلّف؛ فيبيّن له المقدّمة الصّحيحة في النّظر العقليّ، وأينَ كان خطأه، ويبيّن له الوّجه الصّحيح مِنْ مُتشابَه القرآن، وكذلك يبيّن له حالَ الخبر صحّةً أو ضَعْفَاً قَرْناً بأصُول التمييز المعرفيّة التي قامَ بها منهجُ العترَة؛ وَلأجل ذلك صنّف عُلماء وأئمّة العترة المصنّفات، والكُتب بياناً للأمّة، نقضاً وحَلّاً لمُبهمَات ما أحدَثهُ أهل الإحداثِ والتّحريف في الدِّين؛ والطّالب قد يتنقّلُ بين عُلماء العترَة يزادُ بهِم؛ ويعودُ إلى مصنّفاِتهم؛ ويُناقشُ حاضريِهم في وجوه البرَاهين؛ حتّى يتحقّق له رسوخٌ؛ فهذا الذي يفعلُه العُلماء، الأدلاّء على الهُدَى؛ هُو مصداقُ السّبب الثّاني الرّافع للضّلالَة؛ الذي لا بُدَّ يجدُه المكّلف من الرّجوع إلى عُلماء العترَة، الحاضِرين غير الغائبين؛ ومَن أنكرَ هذا في منهج معرفَة الهُدَى من البيان بالمُدارسَة؛ لزمَه أن يكونَ ضالاًّ بدون المَعصوم من اثني عشر قرناً؛ لأنّه لا سبيلَ له إلاّ مثلُ هذا في مُراجعة العُلماء من فِرقتِه ؛ وعلُماء فرقتِه ليسوا هُم العترَة؛ ولن تقفَ على هديٍ للعترَة تقطعُ معه مَع الغيبَة من اثني عشر قرناً؛ إلاّ بالعودِ إلى غير العترَة؛ وإلى تراثٍ روائيّ مُظلمٍ، وإقامَة الرّوايات عنهم مقامَ العترَة؛ وليسَت العترَة في الزّمان إلاّ كاشفة لمعاني الرّوايات ووجه الحقّ منها؛ كما أنّها كاشفة لمدلول القرآن والسنّة، وقد بيّنا حالَ روايات الإماميّة في المُذاكرة الأولى؛ فأوّل الأمر أنّك مُكلّف باتّباع العترة يقيناً من أدلّة الشّرع لا رجالات الشّيعة والفُقهاء، وثانيه أنّ ذلك التّراث الرّوائي المُظلم يحتاجُ إلى العترَة لُتبيّنَ الهُدَى منه؛ ولا عترَة؛ فلا مِصداق لاتّباع العترَة من ذلك السّبيل إلاّ بالظّنون، وتحكّم الأهواء. وذلك قبيحٌ، وتشريعُ القبيحِ قبيحٌ!.

🟥 – ثمّ إذا كانَت المسألَة من فُروع الشّريعَة؛ يريدُ ذلك الطّالب رشدَهُ وهُداه؛ عادَ إلى عُلماء العترَة في زمانِه؛ فأوقفَوه من داخل منظومَة الهدايَة على أنّ الشّارع الحكيم أوجبَ معرفَةً للأحكَام أقامَ عليها أدلّة قطعيّةً ؛ فواجبُ ذلك على المكّلف اتّباع الأدلّة . وأوجبَ معرفةً للأحكام تعبّدَ العبادَ فيها بَبَذل المَجهودِ والاجتهادِ فيه لغَايَاتٍ وحِكَمٍ، وموضوعُ ذلك: كلّ ما لم يُقِم عليه دليلاً قطعيّاً ؛ والدّليل القطعيّ إمّا آيةٌ محكمةٌ أو سنّة مُتواترَة أو إجماعُ العترَة؛ فمَا أجمعَت عليه العترَة فإنّه يجبُ على المكّلف المصيرُ إليه؛ فلا اجتهادَ على ذلك؛ فأنتَ بِهَذا ترى ثقلاً عاملاً في الأمّة من خلالِ العترَة؛ يلتزمُه المكلّف ويَصيرُ إليهِ؛ ومَا كانَ ممّا لم تُجمِع عليه العترَة؛ فإنّ من لا يُحسنُ التمييز كفاهُ في نجاتِه تقليدُ المُجتهِدِ منهُم؛ وتقليدُ الحيّ أولى؛ ومَن كان مُجتهِداً ففرضهُ تحقيقُ الغايَة من التعبّد الإلهيّ وهُو بذلُ المَجهود؛ إلاّ أنّ ثقل العترَة هُنا -مع الاختلاف في الفُروع والاجتهاد- أنّ الحقّ لن يخرُج عن مجموع أقوالِ العترَة؛ وأنّه لا يجوزُ أن يخرُج الحقّ من أيديِهم جميعاً؛ فالاجتهادُ وفقَ أصولِهم المعرفيّة في التمييز لئلاً يكونُ الشّذوذُ عن نظامِهم؛ ومَن أجاَز تقليدَ غير العترَة؛ فإنّ تحقيقَ قولِهم فيمَا وافقَ فيه الغيرُ قولاً لأحدٍ من مجتهدي العتَرة؛ ثمّ إجماعُ العترَة على أنّ ما كان وجهه الاجتهادِ من اختلافِ العترَة؛ فليسَ بمَوردٍ للضّلال، ولا مُورِدٍ للهَلاك؛ وهذا كما ترى من داخل منظومَة الهُدَى يُميّزُ معه المكلّف موارد الضّلال من الهُدَى؛ فينجَو بنفسِه بالعترَة؛ والعترَة فلا تَعدُو هدي الكِتاب والسنّة. فأًبح المُجتِهدُ من داخل منظومَة الهُدَى وإن قيل في حقّه بعدَم التّقليدِ لغيرِه؛ إلاّ أنّه مُنضبطٌ بأصول العترَة الفقهيّة وفي قبول الأخبار والتمييز، فالعترَة بأصولها المعرفيّة والتمييزيّة عاملةٌ فيه بمنظومَة هُدة متكاملَة تجدُ معها المُجتهدَ يدورُ في فلك تلك الأصول التي ارتضوهَا منهجاً. ثمّ إذا قد حارَ الطّالبُ والمُكّلف في وجهٍ حُكم شرعيّ، أو دليلٍ قرآنيّ، أو سنّة مرويّة؛ فإنّه يرجعُ إلى عُلماء العترَة في زمانِه؛ فإنّه يبيّنون لك وجوه ذلك، بأدلّته، ثمّ كذلك العامّة من النّاس يستفتون فإنّ عُلماء العترة في أزمانِهم يستمعونَ ويتفّهمون أحوال المُستفتين فتكونُ الفتوَى ، وهذا مصداقُ السّبب الثّاني الرّافع للضّلال من وجود عُلماء العترَة يهدون ويُبيّنون ويرفعون التّحريف عن الأمّة، تقصدُهم حاضرون غير غائبين. ثمّ ذلك كلّه مفقودٌ من الهدايَة عندَ من قالَ بالغيبة من العترَة؛ فإنّهم رتّبوا الهُدَى على قول المعصومِ، وهُو غائبٌ لا يستطيعونَه؛ ثمّ رتّبوه على روايات الأئمّة المَعصومِين، وقد حقّقنا لك في المُذاكرَة الأولى أنّه تراثٌ روائيٌ مُظلمٌ مُتناقضٌ مُضطربٌ لا يستطيعون مَعَه تَحقيق اليَقين أيّ تلك المُختِلفَات هي قولُ المَعصوم؛ ليحقّقوا الهدايَة منها؛ لذلك عادُوا يجتهدونَ اجتهاداً زادَ على خلافَاتِ غيرِهم؛ كما أقرّ الشّيخ الطّوسي من أكابرِهم؛ فليسَت العترَةُ عاملةٌ فيهِم، وإنّما هُم العَامِلون فِي العترَة؛ كلّ مُجتهدٍ يُصدّرُ فِقهاً على أنّه فقهُ العترَة وخيارُهم مَن يُقرّ بأنّ اجتهادَه إنّما هُو حُكمٌ ظاهريٌّ لا يعلَمونَ مَعه قطعاً هل هُو قولُ الإمام الغائب وهديُه أم أنّهم مُخالفون عليه؛ وليسَ ذلك يُقال في حقّ الزيديّة؛ لأنّهم قد انطلقوا من تقرير الاجتهادِ في التعبّد الشّرعي، ثمّ انطلقُوا من تحقّق الاختلاف بين عُلماء العترَة، ونسبَوا كلّ قولٍ إلى قائلِه مِنَ العترَة؛ عِلما أنّ أئمّة الإماميّة -أعلامَ بني الحُسين- مُختلفَون اختلافاً حقيقيّاً، وقد كان القُميّون والشّيخ ابن الجُنيد وغيرُهم كثرةٌ -من سلفِ الإماميّة- يُجيزون عليهم الاجتهاد والاختلافَ فِيه، وقد مرّ معك في سلسلةٍ سابقةٍ رواية الصفّار، بل ويَروي الكُليني -بطريقٍ صحيحٍ عنده- أنّ أعلامَ بني الحسين -عليهم السّلام- قد يظهرُ لهم الاجتهاد في المسألَة؛ ثمّ يكون لهُم قولٌ آخَر فيما بعدُ -القول الأوّل والقول الثّاني- ، بإسناده ، عَن أبي عبد الله -عليه السلام- قال: ((أرَأيتك لَو حَدّثتك بِحَديثٍ العَام ، ثمّ جِئتني مِن قَابِل ، فَحَدَّثتك بخِلافِه بَأيّهما كُنتَ تَأخُذ؟ قَال: قُلت: كُنتُ آخُذ بالأخِير، فَقال لي: رَحمك الله)) [الكافي:1/76] ، فأضرّ مُتأخّرة الإماميّة بأنفسِهم عندمَا حملوا هذا على التقيّة؛ فما عرفُوا الأوّل من الثّاني، إلى جانب المكذوب والمدسوس والمُختلف في تراثِهم؛ والعترَة غائبةٌ، قال البحراني -من الإماميّة- : ((فلم يُعلم من أحكَام الدين على اليقين إلا القليل، لامتزاج أخبارِه بأخبار التقية، كمَا اعترف بذلك ثقة الإسلام وعَلم الأعلام محمد بن يعقوب الكليني نور الله مرقده في جامعه الكافي، حتّى أنّه قُدّس سره تخطّى العمل بالترجيحات المروية عند تعارض الأخبار، والتجأ إلى مُجرّد الرّد والتسليم للائمة الأبرار .فصَاروا صلوات الله عليهم – مُحافِظَة على أنفسهم وشيعتهم – يخالفون بين الأحكَام وإن لَم يَحضُرهم أحدٌ مِن أولئك الأنام، فترَاهم يُجيبون في المسألة الواحدة بأجوبَة مُتعدّدة وان لم يكن بهَا قائل مِنَ المخالفين، كمَا هو ظاهر لمن تتبع قَصَصهم وأخبارَهم وتقصى سِيرهم وآثارهم)) [الحدائق الناضرة:1/5] ، فأصبحَ عن الإمام الصّادق -عليه السّلام- تُروى بضعَةُ أقوالٍ في المسألة الواحِدَة؛ فرّع منها الفُقهاء عشرون اختلافاً بين منطوقٍ ومَفهومٍ، حتّى قال الفيض الكاشاني يتكلّم عن خلافَات أصحابِهم الآتية مِن اختلاف روايات المَعصومين : ((فصارَ ذلك كلّه سبباً لكثرَة الاختلاف بينَهم [أي بينَ أصحابهم فقهاء وعلماء الإمامية] ،وتزايُده ليلاً ونهاراً ، وتوسّع دائرته مدداً وأعصاراً ، حتّى انتهى إلى أن تراهُم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولاً أو ثلاثين أو أزيَد ، بل لو شئتُ أقول : لم تبقَ مسألةٌ فرعيّةٌ لم يختلفُوا فيها أو بعض مُتعلّقاتها)) [الوافي:1/16] ؛ فالعترةُ غير عاملةٍ في الأمّة ؛ لمكان الغيبَة من اثني عشر قرناً؛ لرفع الضّلال، بل قد أفسدَت الغيبة الأمّة وأضلّتهم، أفسدَت الإماميّة قبل غيرِهم وأضرّت بهم، فإنّك ما تجدُ مذهباً إلاّ وهُو ينسبُ -على أصولِه ومبانيه- القولَ إلى صاحبِه، فيُقال هذا قولُ أبي حنيفة، وهذا قولُ مالك، وهذا قولُ الثّوري، وهذا قولُ الصّدوق، وذاك قولُ المُفيد، وهذا اختيار الطّوسي، وهذا قولُ الإمام الهادي، وهذا قولُ الإمام زيد، وذاك قولُ الإمام النّاصر، فإن اشتُبِه في النّسبة فقليلٌ ، إلاّ الإماميّة فإنّهم ما يستيطعون نسبَة قولٍ لأئمّتهم لكثرة الاختلافات عن الإمام الواحدِ ؛ ثمّ لحاظٍ ثانٍ وهُو أنّ أصلهم أنّ قولَ اثني عشر إماماً هُو قولٌ واحدٌ لا يختلفُ، لأنّ أئمّتهم لا يُخالفون الحقّ ولا يختلفونَ فيه؛ فهُم بَعْدُ لم يُحرزوا حقيقة القول الواحدِ عن الإمام الصّادق -عليه السّلام- من مُختلف الرّوايات عنه؛ فكيفَ بمُختلفِ رواياتٍ عن كلّ إمامٍ من الاثني عشر؛ ثمّ كيف سيجمعُ الخمسَة عشر قولاً -أو الأكثر أو أقلّ- لتكون قولاً واحداً ؛ ويُنسبُ إلى الاثني عشَر؛ إنّ هذا استخفَافٌ بالعِلم، وركونٌ إلى التّقليدِ، ثمذ بعدُ فإنّهم ما يستطيعون نسبَة ذلك وتمييزِه لمكان ظُنون الثّبوت الرّوائي، ولمَكان إظلام المَوروثِ الرّوائي وكثرة الوضع والدسّ فيه. وإلاّ فأينَ لقائلٍ أنّه يُقيمُ روايات العترَة في الاتّباع مَقامَ العترة في الغيبَة ؛ أن يميّز بيقينٍ روايات العترَة من وسَط هذا التّراث الذي يصفُ بنفسِه حجمَ الوَضعِ فيه، قال الإمام الصّادق -عليه السّلام- : ((لَعَنَ اللَّهُ الْمُغِيرَةَ بْنَ سَعِيدٍ إِنَّهُ كَانَ يَكْذِبُ عَلَى أَبِي فَأَذَاقَهُ اللَّهُ حَرَّ الْحَدِيدِ)) [رجال الكشي:1/223] ، وقال -عليه السّلام- : ((فَإِنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ سَعِيدٍ لَعَنَهُ اللَّهُ دَسَّ فِي كُتُبِ أَصْحَابِ أَبِي أَحَادِيثَ لَمْ يُحَدِّثْ بِهَا أَبِي)) [رجال الكشي:1/224] ، وقال الإمام علي بن موسى -عليهما السّلام- : (( إِنَّ أَبَا الْخَطَّابِ كَذَبَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -عليهالسّلام- ، لَعَنَ اللَّهُ أَبَا الْخَطَّابِ! وَ كَذَلِكَ أَصْحَابُ أَبِي الْخَطَّابِ يَدُسُّونَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا فِي كُتُبِ أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ)) [رجال الكشي:1/224] ، وقال الإمام الصّادق -عليه السّلام- : ((كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَعِيدٍ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ عَلَى أَبِي، وَ يَأْخُذُ كُتُبَ أَصْحَابِهِ وَ كَانَ أَصْحَابُهُ الْمُسْتَتِرُونَ بِأَصْحَابِ أَبِي يَأْخُذُونَ الْكُتُبَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي فَيَدْفَعُونَهَا إِلَى الْمُغِيرَةِ فَكَانَ يَدُسُّ فِيهَا الْكُفْرَ وَ الزَّنْدَقَةَ وَ يُسْنِدُهَا إِلَى أَبِي ثُمَّ يَدْفَعُهَا إِلَى أَصْحَابِهِ فَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يُثْبِتُوهَا، فِي الشِّيعَةِ، فَكُلَّمَا كَانَ فِي كُتُبِ أَصْحَابِ أَبِي مِنَ الْغُلُوِّ فَذَاكَ مَا دَسَّهُ‌ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَعِيدٍ فِي كُتُبِهِمْ)) [رجال الكشي:1/225]، ثمّ تجدُ المامقاني يقولُ: ((انّ أكثر ما يعدّ اليوم مِن ضَروريات المَذهب في أوصَاف الأئمّة عليهم السلام كانَ القَول به مَعدوداً في العهد السابق مِن الغلو)) [تنقيح المقال في أحوال الرجال:2/305] ، ثمّ يقولُ الشيخ الطّوسي عن كُتب أولئك المُنحرِفين من غُلاةٍ وغيرِهم : ((إنّ كَثيراً مِن مُصنِّفي أصحَابِنا وأصحَابِ الأصُول ، يَنتحلون المذَاهب الفَاسِدَة ، وإنْ كَانت كُتبهم مُعتمَدَة)) [الفهرست:32] ، حتّى أُثرَ أنّ المغيرة بن سعيد، قالَ : ((قَد دَسستُ فِي أخبَاركُم أخبَاراً كَثيرةً تَقرُب مِنْ مَائة ألفِ حَديث)) [تنقيح المقال في علم الرجال:1/64] ، وهذا فيُفسّرُ لنا تلك الكثرة الرّوائية المهولة في كُتب الإماميّة في الرّوايَة عن أعلام بني الحُسين -عليهم السّلام- ، وأنواع التّناقضَات والاضطرابات، حتّى أًبح المُتضعّفُ منهُم يصمُ الآخَرين بقلّة الرّويات عن أعلام بني الحُسني -عليهم السّلام- ، يُريدُ أنّهم غير مُتابعِين بالقلّة الرّوائية، وأنّ هؤلاء هُم المُتابعون من تلك الكثرَة، وهذا فأضعَفُ النّظر إذا كانَ أصلُ هذه الكثرَة سببٌ الحيرَة والتّضليل؛ فمن أينَ لمن يقولُ تقومُ الرّوايات مقام العترَة في التمسّك من خبر الثّقلين عندَ الغيبَة؛ بتمييز تلك الرّوايات إلاّ بإعمَال جهالاتٍ عدّة؛ منها أنّ أصلَ المذهب قد قامَ على الرّوايات الباطلَة؛ ثمّ أصبحَ أصلُ المذهبِ هُو الحاكمُ في التّصحيح على الرّواياتِ قُرباً أم بُعداً من مُعتقد الأصحاب أو عملِهم؛ وأمّا المنهج الرّجاليّ عند الإماميّة؛ فيكفي أن يُطلّ ناظرٌ على قولِ الأخباريّة أصحابِهم فيه؛ فأينَ بالهُدَى وتحقيقِه بما يرفعُ الضّلالَ بيقينِ من اتّباعِ العترَة؛ بل أين تحقيق نسبَة الأقوال إلى أعلام بني الحُسين -عليهم السّلام- في تراث الإماميّة؛ إنذ ذلك التّراث الرّوائي المُظلمَ هُو الذي أفرزَ النصّ على الاثني عشر؛ وهذا النصّ هُو الذي أعمَل الشّبهة في العُقول ؛ تظنّ أنّها تنظرُ متجّردَةً في الأدلّة لتُوجِبَ النصّ فالعِصمَة؛ ثمّ الواقعُ لا شيءَ؛ بل عبثيٌّ في اتّباع العترَة؛ ومعه تكليفُ ما لا يُطاق!.

🟦 – إنّ الفَارق بين الحُلِم واليقظَة؛ أن يصحَو العَاقلُ من غفلِته؛ فإنّ الله تعالى أعدَلُ من أن يُكلّفَنا فوق الوُسع والطّاقَة، ذلكَ قبيحٌ، وتكليفُ القبيحِ قَبيحٌ، فإمّا كانَ العاقلُ مسؤولاً وهُو ينظرُ إلى الشّرع بتكاليفِه؛ وإمّا أغرقَ في أحلامِه وبقي نائماً فلا يستيقظُ يستصحبُ أحلامَ وأوهام الغيبَة يُريدُ مُصادرَة الأمّة لأجلِهَا؛ فلا مَعصومَ حاضرٌ، ولا هديَ له مقطوعٌ حاضرٌ، ولا اجتهادَ اطّردوا في نفيِه؛ حتّى وقعُوا فيه فاجتهَدوا، ولا اختلافَ استمرّوا في تشنيعِه؛ حتّى اختَلفوا؛ فمَا كانُوا بعدُ؛ إلاّ أكثر الأمّة اختلافاً ؛ حتّى بلغ اختلافُهم ذات القُرآن أناقصُ أم تامٌّ ، ولَم يصحّ لي إلاّ من انتهَج استبدال المعصوم والعتَرة بروايات الإماميّة؛ فإنّه ما يسعُه إلاّ أن يخرُج مُنفصِمَ الشخصيّة المَعرفيّة؛ فما يكادُ يبني أصلاً من طائفِة روايات إلاّ وتهدمُه طائفةُ أخَرى، ثمّ أصولُه المعرفيّة الإعمَاليّة في الأخبَار لا تفترُ إلاّ وقَد تضاربَت وتساقَطت، حتّى كان من الشيخ ابن طاوس (ت664هـ) على عِظم شأنِه عند أصحابه، أن أغلقَ الباب دونَ المُستفتين لمّا كانت الأخبار بذلك الاضطراب، لا يُميّزُ معها هُدَى ولا بيان قال : ((لأنّي كُنت قَد رَأيتُ مَصلَحَتي وَمَعاذي في دُنياي وآخرَتي مِنَ التفرّغ عن الفَتوى في الأحكام الشّرعيّة، لأجل مَا وَجدتُ مِن الاختلاف في الرّواية بين فُقَهاء أصحَابِنا في التّكاليف الفِعليّة)) [سعد السعود للنفوس:113] .

🟥 – نأتي على مُذاكرات قَادمَةٍ -بإذن الله تعالى- ، تحملُ تَفاصيلَ معرفيّةٍ لما أجملنَاهُ في المُذاكرات والمُسلسلات السّابقة ؛ يتكامَلها الباحثُ والنّاظرُ، اليقينُ أنّ العِلَم دَينٌ بالأمانَة، ودِينٌ بالاستقامَة!.

وفّقكم الله

اللهمّ صلّ وسلّم على محمّد وعلى آل محمّد …

تذكرة ومذاكرة

تذكرة ومذاكرة شيقة ذات فائدة 4

🟦 ** (4) تذكرَةٌ ومُذاكرَةٌ … شيّقةٌ … ذاتٌ فائدةٍ -إن شاء الله- !.

🟩 – إنّنا إذا قَد عَرفَنَا : أنَّ الغيبَة مُنافيةٌ للعدل الإلهيّ، ومُخالفَةٌ لدليلِ العَقل والنّقل؛ ثمّ قد وقفنا على ماهيّة الهدَاية، وأنّها منظومَة مُتكاملةٌ لا قولُ واحدٍ معَصومٍ؛ ثمّ عِلمَنا من داخلِ تلك المَنظومَة -ومن ذات خبر الثّقلين- أنّ ثقَل العترَة في مُلازمَة القُرآن؛ آتٍ من عصمَة إجماعِهم، وخطأ حصرِ ذلك في قولِ المَعصوم الواحِد، فَلا مطلبَ في تخصيص العُموم لتحقيقِ تلك المُلازمَة والمُقارنَة للقرآن، وأنّ ذلك هُو سبيلُ أهل البَيت -عليهم السّلام- ومِنهاجُهم .

🟦 – فإنّ مطلبَاً آخَر؛ يلزمُ بيانُه من داخِل منظوَمة الهُدَى (العقلُ والقرآن والسنّة وإجماع العترَة) ، وهُو أنّ رفعَ الضّلالَة لن يَتأتَّى من خبَرِ الثّقلين، ((ما إن تمسّكتُم به لن تضلّوا من بعدِي)) ؛ إلاّ إذا قد أحرزنَا أسباب الضّلالة في الأمّة؛ ثمّ نظرنَا إلى العترَة؛ فإنّه لا بُدَّ أن تكونَ قائمةً على رفع تلك الأسباب عن الأمّة؛ لأنّها إن لم تكُن رافعةً لتلك الأسبابِ عن الأمّةِ المأمورَة بالتَمَسُّك؛ فإنّ هذا لا بُدّ يُوجبُ خللاً معرفيّاً كبيراً في ماهيّة العترَة؛ لأنّ العترَة ليسَت مُجرّد فرضيّةٍ أو نظريّة أو مُعتقَدٍ شَكليّ نعتقدُ معهُ بأسمَاء لاثني عشَر شَخصاً، أو اسمٍ هُو الغائبُ الثّاني عشَر؛ نُزيّنُ به ألسنتنا، ونعتقدُ له العِصمَة؛ ثمّ نُفرّغُ مُعتقدَنا مَعه من ثقَل خبر الثّقلين ومَدلولِه. إنّ مدلول خبرَ الثّقلين ناظرٌ من خِلال التعبّد -الشّرعيّ- باتّباع العترَة؛إلى إحرازِ أمورٍ خارجيّةٍ في الأمّة؛ لا بُدّ تقومُ بتلك الأمورِ العترَة ، هذه الأمور هي رفعُ الضّلالَة؛ فعادَ الأمرُ إلى تحريرِ أسبابِ الضّلالَة، كما أنّنا قد حرّرنا ماهيَّة قوامِ الهُدَى، وإحرازِه . فإذا لم تقُم العترَة برفع أسباب الضّلالَة تلك عن الأمّة فإنّ الأمرَ يُعيدنا إلى توجيهٍ معرفيّ يُصحّح معه المُكلّف قولَه في ماهيّة العترَة.

🟩 – إنّ أسباب الضّلالَة في الأمّة؛ عائدةٌ إلى ثلاثة أوجُهٍ وأسبابٍ جامعةٍ؛ وكلّها لا بُد وأن ترفعها العترَة عن الأمّة؛ تحقيقاً لمصداقِ حديث الرّسول -صلوات الله عليه وعلى آله- .

🟦 – السّبب الأوّل : وجودُ العِصمَةِ في الهُدَى المُلازمَة للقُرآنِ، والتي تكونُ منهجاً حاكماً على آحادِ العترَة، فذلك أصلٌ من أصول منظومَة الهُدَى في الأمّة؛ وذلك قُولنا في إجماعِ العترَة؛ فإنّ هذا السّبب -في رفع الضّلال- مُتحقّق بِه . ومَن ذهبَ إلى أنَّ مُتعَلّق العصمَة ومُقارنَة القُرآن؛ واحدٌ معصومٌ؛ فإنّه يلزمُه تحصيلُ قولِ ذلك الواحِد، وهُو فغائبٌ من اثني عشرَ قرناً، وأينَ لهُ بتحصيلِه، فإذا حصّلَ فإنّما يُحصّلَ آراء نفسِه؛ كغايَةٍ مَهما أجهدَ نفسَه؛ لأنّه وأصحابَه وُصْلتُهُم بيئةٌ روائيّةٌ مُظلمِةٌ؛ حالُ الباحِث فيها حالُ مَن يبحثُ عن خرزة سَودَاء صَغيرَة بهيمَةٍ في لَيلٍ بَهِيمٍ ؛ بوادٍ كثيرِ الحصَى والأحجَار!. لا دَليلَ لهُ فيه من آل محمّدٍ إلاّ رأي نفسِه وظنّهِ؛ فإنّ إمَامَهُ عنهُ غائبٌ!. ولذلكَ فإنّ مَن يجعلُ العترَة واحداً معصوماً في الزّمان؛ ويجعلُ مِلاكَ الهدايَة عليِه؛ أو حتّى على آثارِه وروايتِه؛ فإنّه ما يستطيُع أن يُشيرَ للمُكلّفين؛ بل لأصحابِه فضلاً عن غيرِهم؛ بأنّ هذا المِنهاجَ هُو المنهاجُ؛ إلاّ ويُنازعُه آخَرون مِن أصحابِه؛ لأنّ المُخلتَفِين أصْلاً هُم أربابُ طَريقِه وهُداتِه، وأعظمُ الّناسِ حيرةً في أينيّةِ هَدْي المَعصوم -كمَا مرّ معك في السّلسلة الأولَى- حّتى اعتزل بعضُهم مقامَ الهداية والدّلالَة لمّا اختلفَت عليه سُبل الوصُول إلى هَدْي المَعصوم الغائبِ؛ فأينَ وقَد ضيّقَ العاقلُ على نفسِه عندَما جعل مِلاكَ الهداية قولُ مَعصومٍ؛ ثمّ هُو من اثني عشر قرناً لا يقطعُ على أيّ الآثارِ هَديُ ذلك المَعصوم؛ ثمّ أصلِ دَعواه أنّ العصمَة والهُدَى لا تكونُ مَع الاختلافِ -الاجتهاد- ؛ وأنّ العترَة كلّها ذات قولٍ واحدٍ في فُروع الشّريعَة، بل وتفاصيلِها قبل أصولِها؛ فأينَ لذلك الطّالِبِ بذلك مِنْ هَدي الَغائبِ؛ إذا كان أعظَمُ الشّريعة وأصلُها -القرآن الكَريم- لم يُحققّوا هدْي العترَة فيه أتامٌ هُو أم ناقصٌ بيقينٍ؛ حتّى يَتوّهمَ -ذلك الطّالبُ- أنّه قد حقّق تفاصِيل الأحكَام؛ فضلاً عن أمّهات فُروع الأحكام التي كلّف الله بها العباد؛ فليسَت هي ممّا لا يجوزُ غيابُه عَن الأمّة؛ ولا مِنْ أفضَال العُلوم؛ لأنَّ الهدايَة منَها واحدَةٌ عند العترَة -على مبَناهُ- ؛ فهذا أصلُ دَعواهُم على الأمّة في إنكارِ الاجتهَاد؛ ثمّ هُم أبعدُ النّاس عن القطعِ فيها، أو إحرازِها؛ والعترَة متمَسَّك الأمّة غائبٌ من اثني عشر قرناً إمامُهم؛ فكانَت ماهيّة العترَة لا بُدَّ ليسَت قولَ واحدٍ معصومٍ، ولا أنّها واحدٌ معصومٌ في كلّ زمانٍ؛ لمّا لم يكُن لهذا أثرٌ في الهداية والدّلالة والحصولِ؛ فكيفَ تتمسّك الأمّة الطّالبَة؛ إذ لا إمامَ حاضرٌ، ولا هديَ مَعلومٌ بقطعٍ ويقينٍ؛ إلاّ آراء الأنفُس والظّنون. وهذا فيُبطِلُ حديثَ الثّقلينُ، ويُبطلِهُ حديثُ الثّقلين. قالَ الإمام الباقرُ محمّد بن علي -عليهما السّلام- : ((إنّا نختلفُ ونتّفق، ولن يجمَعنَا الله عَلى ضَلالَة)) ؛ فآل محمّدٌ لا يُخالفون الحقّ بإجماعِهم ولا يَختلفونَ فيه، كما قالَ أمير المُؤمنين -عليه السّلام- حيثَ قال يوُجّه الكلامَ إلى الجمَاعة لا إلى الفَرد : ((لَا يُخَالِفُونَ الْحَقَّ وَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ، وَهُمْ دَعَائِمُ الْإِسْلَامِ، وَوَلَائِجُ الِاعْتِصَامِ، بِهِمْ عَادَ الْحَقُّ إِلَى نِصَابِهِ، وَ انْزَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ مُقَامِهِ)) [نهج البلاغَة] ، فأمّا اختلافٌ بينَهم فيما لا يترتّب عليه ضَلالةٌ، ولا يكونُ مُخالفةً للحقّ الذي هُو هُدىً، فذلك منهُم واقعٌ، وقريباً قالَ الإمامُ الباقر -عليه السّلام- : ((إنّا نختلفُ ونتّفق)) ، وفي رواية الصفّار -من الإماميّة- تقريراً لوقوع الاختلافِ بين آحاد العترَة ، بإسناده ، عن إسحاق بن عمار ، عن جَعفر ، عن أبيه -عَليه السلام- ، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وآله- ، قَال: ((مَا وَجدتُم فِي كِتاب الله فَالعمَل به لازِمٌ لاعُذر لَكُم فِي تَركه ، ومَا لَم يَكُن فِي كِتاب الله وَكانت فيه سنّة مِنّي فلا عُذر لكم في ترك سُنّتي ، ومَا لَم يَكُن فيه سنّة مِنيّ فمَا قَال أصحَابي فَخُذوه ، فَإنما مَثل أصحابى فيكم كمَثل النّجوم فبأيّها أخَذ اهتدَى ، وبأيّ أقاويل أصحَابي أخذتم اهتديتم ، واختلافُ أصحَابي لَكُم رَحمَة ، قِيل يارسول الله صلى الله عليه وآله: وَمَنْ أصحَابُك؟!. قال: أهل بَيتي)) [بصائر الدرجات:31] ، فكانَ ذلك بعد اختلافِهم؛ في عدم مُخالفتهِم للحقّ ، وعدم اختلافِهم فيه؛ راجعٌ إلى إجماعِهم ؛ فإنّهم لن يُجمعوا على باطلٍ، وإنّهم لن يعودوا يجتمعونَ في زمانٍ مُستقبلٍ -الخلَفُ بعد السّلَف أهل الحكمَة والإيمان والعدالَة- على مُخالفَة ما قد ثبتَ لهُم من إجماعِ أسلافِهم، لأنَّ الحقّ واحدٌ ولا يختلف؛ إلاّ وأحدُ الدّعويين في تحقّق الإجماعِ باطِلةٌ تعمَلُ فيها مَنظومَة الهُدَى لبَيَانِ حالِهما وما يلزُم وفق أصول التمييز المعرفيّة الصّحيحة، ثمّ الواحدٌ محكومٌ بقولِ منظومَة الهُدَى، كما أصّلنَا وقدّمنَا؛ بل إنّ قولَ أمير المُؤمنين -عليه السّلام- في أعلامِ الإجماع في الزّمانِ من المُقتصدين -العُلماء- والسّابقين بالخَيرات – الأئمّة الدّعاة- : (( يُخْبِرُكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ، وَظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ، وَ صَمْتُهُمْ عَنْ حِكَمِ مَنْطِقِهِمْ، لَا يُخَالِفُونَ الْحَقَّ وَلَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ)) [نهج البلاغَة] ، دلالةٌ على أنّه لا نصَّ على أولئك الآحادِ القائمين المُنعقِدِ بهم الإجمَاع من أعلام بني الحسن والحُسين -عليهم السّلام- ، لأنَّ دليلَ الأمّة إلى سلامَة باطنِهم هُو ظاهرُ عدالتِهم، وحُسن حالِهم، وزُهدُهم، وعِبادَتُهم، وسلامَةُ اعتقادِهم ، فكانَ ظاهرُ الحَال -ظاهرُ العدالَة- طريقٌ لمعرفَة سلامَة باطنِهم؛ والاكتفَاء به، ولو كانَ المطلوبُ عصمَةُ الباطِن؛ لما كفَى الظّاهرُ لتحقيقِ الباطِن؛ لأنّه لا يكشفُ يقيناً عن البَاطنِ إلاّ النّصّ الإلهيّ المُوجبُ للعصمَة؛ إلاّ أنّنا قد عرفَنا أنّ الهداية لا يُشترطُ معَها عصَمة الباِطن، وإلاّ ما صحّ في الأمّة هُدَاةٌ، ولتعطّلت فريضَة الهدايَة . فكانَ غيابُ قولِ إمامِ العترَة المعصومِ، أو حتّى هديُه -تنزّلاً- من اثني عشر قرناً؛ غير رافعٍ للضّلالة الحاصَلة في الأمّة من هذا السّبب، لأنّه لا شخصَ حاضرٌ يُتمسّك بقولِه المَعصوم، ولا هَدْيَ بيّنٌ يقينيٌّ في أصولٍ وفُروعٍ يُشارُ إليه على أنّه إرثُ الغائبِ؛ فأضحَت الأمّة بلا مِصداق ولا مُتمسَّكٍ.

🟩 – السّبب الثّاني من أسباب الضّلالة في الأمّة؛ والذي لا بُدّ يرتفعُ بالعتَرة؛ تصديقاً لحديث الثّقلين : أنّ الأمّة إذا غابَ عنها الأدلاّء على الحقّ، وهُم العُلماء؛ فإنّ الضّلال لا شكّ حاصلٌ فيهم؛ وعاملُ بهم، فكانَ مفزعُ الأمّة إلى العُلماء حُكماً عقليّاً لازماً، والخبرُ قاضٍ بأنّ العترَة يَرفَعُون الضّلالة عَن الأمّة، فلا بدُّ رفعُه مِن هذا الوجهِ؛ فجعلَ الله تعالى لُطفاً للأمّة من خلالِ منظومَة الهُدَى التي يستدلّ عليها المُكلّفُ : أنّه لا يجوزُ خُلو الزّمان مِن العُلماء منهُم، ظاهرين غير غائبِين، تستطيعُ الأمّة من خلالِ أدلّة الشّرع، الوقوف على مَنظومَة الهُدَى، والوصولَ إليِهم، تقصدُ جهة مَعلومَةً يُشارُ إليهِم فيهَا، ويُخالطُهم النّاس ويحتلطُون بهم، ويُدرّسون ويبيّنون، ويرفعون التّحريف، والوهمَ، وتحكمُهم والمكلّف منظومَة هُدى عاملةٌ فيهِم؛ يستطيعونَ معها تمييز الأقوال المُختلفَة نتيجَة عدم العصمَة؛ فالهُدَى للُمكلّف مُتحصّلٌ . وليسَ ذلك مُتحصّلٌ ولا مُحقّقٌ ولا مُتحقّقٌ من عدَم حضورِ ذلك الغائبِ من اثني عشر قرناً؛ إذ لازمُ رفع الضّلالة من هذا السّبب الحُضورُ من العترَة بين الأمّة؛ وأن يكونَ العالمُ من العترَة معلومَ المكان؛ يُشارُ إليه إذا قد أرادَ الطّالبُ أن يقصدَ هدايَة العترَة؛ فإنّه يصلُ إليه، ويختلطُ به، ويُناقشُه فيُبيّن له أسباب الهداية، أو يقومُ له بالفَتوى فيما يحتاجُه في أمرِ دينِه؛ فكانَ غيابُ العالِم إمامِ العترَة من اثني عشر قرناً؛ غير رافعٍ للضّلالة الحاصلَة في الأمّة من هذا السّبب .

🟦 – السّببُ الثّالث من أسباب الضّلالة في الأمّة؛ والذي لا بُدّ يرتفعُ بالعتَرة؛ تصديقاً لحديث الثّقلين : أنّ الأمّة تذهبُ إلى المُنكرَات، ويحقّ عليهَا الضّلال؛ إذا قد غابَ عنهُم القائمون بالأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر، إذ فريضَة الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر واجبةٌ على المُكلّفين؛ وإذا قَد أِمَن النّاس في مُنكرِهم، وسقطَت الحُدود، وعُطّلَت الأحكامُ، وتنفّذ الظّلمَة؛ فإنّ ذلك من ضلالِ الأمّة؛ والعترَة سببٌ لرفعِه، فإنّه لا بُدّ أن يكونَ أئمّةٌ قائمون دُعاةٌ على مرّ الأزمان بالأمر والمَعروف والنّهي عن المُنكر، فكانَ على ذلك حالُ العترَة الإمامُ بعد الإمامِ إلى انقضَاء التّكليف، فخرجَ الأئمّة زيد بن عليّ، وابنهُ يحيى، والنّفس الزكيّة محمّد بن عبدالله، والنفس الرضيّة إبراهيم بن عبدالله، والحُسين صاحبُ فخّ، ويحيى بن عَبدالله، وإدريسُ بن عَبدالله،وغيرُهم من أئمّة الهُدَى على ذلك المِنهاجِ في الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر، فقامَت مَعهم الأمّة بفرائضِهم، وتحقّقت بهم فريضَة الأمر بالمَعروف والنّهي عن المُنكر، وتشييدُ سنّة العَدل في الأمّة؛ فذلك لا بدّ أن يكونَ مِلاكُه حاضراً في العترَة؛ وإن كانَ الزّمان زمانُ قمعٍ وفترَة؛فإنّه لا يجوز خلوّ الزمان من صالحٍ منهُم؛ تلتفُ الأمّة حول عُلماء أهل بيتِ نبيّهم؛ لينتهضُوا به؛ ويظنّوا بهم نُصرةً، فيقوموا فيهِم؛ فعلى الأمّة واجبٌ كمَأ على العترَة؛ ولن يكونَ ذلك والعترَة غائبَةٌ، وليسَ يُعلَمُ ذلك -الأمرُ والنّهي- من اثني عشر قرناً عندَ مَنْ قال بالإمام الغائب؛ بل إنّ شيعته وأصحابَه تديّنهُم القُعود، وأنّ كلّ رايةٍ قبل راية القائمِ مُحقّةً كانت الرّاية أم مُصيبةً؛ فصاحبُها طاغوتٌ يُعبدُ من دونِ الله تعالى، حتّى كانَت العقودُ الأربعَةُ الأو الخمسَة القريبَة؛ فتصرّف مُتأخّروهم انقلاباً على أصلِ مُتقدّميهم؛ وليسَ يُعلمُ للمتأخّر ولا للمتقدّم هدايةٌ مقطوعَةٌ يصلونَها بالعترَة -الإمام الغائب- إلاّ ظُنون أنفسِهم، وتقليدُ الرّوايات المُظلمَِة حقّاً؛ وهذا الوليّ الفقيه القائمُ فيهِم؛ يتنفذ في الأمّة لا يعلَمُ يقيناً هل هُو على هُدىً ورضَىً من الغائب أم على خلافِ ذلك؛ إلاّ أنظارُ نفسِه ثمّ هُم مختلفون في ذلك؛ فكانَ غيابُ إمامِ العترَة من اثني عشر قرناً؛ غير رافعٍ للضّلالة الحاصلَة في الأمّة من هذا السّبب.

🟩 – إنّ قولَ النّبي -صلوات الله عليه وعلى آله- : ((ما إن تمسّكتُم به لن تضلّوا من بعدِي)) ، ليسَ قولاً زائداً ، ولا عبثيّاً، بل هُو أساسُ التمسّك من العترَة وغايتُه؛ لأنّ ثمرَة القُرآن الهدايَة ورفع الضّلال، وهُو فكتابٌ صامتٌ، وكذلك ثمرَة العترَة أنّهم ينطقونَ في الأمّة بالهُدَى، وكذلك يعمَلونَ في الأمّة؛ وإلاّ كانَ التمسّك أمراً شكليّاً لا غايَة منهُ؛ إذا كانَ تمسّكٌ بغائبٍ من اثني عشر قرناً؛ ثمّ الهُدَى والأمرُ والنّهي، والعلِمُ والعمَل؛ يقومُ به غير العترَة؛ فأينَ للعترَة ثمرةٌ أو تأثيرٌ في الأمّة؛ إلاّ جعلُ العترَة بثقلها مُجرّد أخبارٍ ورواياتٍ! ، ثمّ ذلك تُراثٌ روائيٌّ مُظلمٌ يحتاجُ إلى مَنْ يبيّنُ الهُدَى منهُ بعصمةٍ ويقينٍ لمّا حمل أصنَاف التضادّ والاختلاف حّتى قد حصَل منُهم مِن أثرَ الاختلافِ ما قد أتَينا ببيانِه في السّلسلة الأولَى؛ فليسَ لهُم إلاّ آراء أنفُسهم، دوناً عن العترَة؛ فأينَ ذلك الحالُ، ومدلولُ ذلك الخَبر -الثّقلين- ، وأيّ دورٍ شكليِّ اعتباريٍّ افتراضيٍّ تقومُ به العترَة في الأمّة؛ فكان لازمُ ذلكَ تعطيلُ خبر الثّقلين.

🟦 – فأنتَ في السّلسلة الأولَى: وقفتَ على تَنافي الغيبَة والهدايَة في الدّعوى، وفي الثّانية : وقفتَ على ماهيّة الهُدَى؛ وأنّه مِلاكُ منظومة هُدىً لا قولُ واِحدٍ من خَبر الثّقلين. وفي الثّالثة: على مِلاك وثقَل مُقارنَة العترَة للقرآن؛ وأنّ ذلكَ إجماعُهم. ثمّ هذه الرّابعة: فإنّكَ وقفتَ على ماهيّة العترَة من حيثِ دورِهم وواجبِهم من داخِل خبر الثّقلين، وَهو القيامُ برفع أسباب الضّلالة التي قد تكونُ في الأمّة؛ فالعترَة مُتمسّكٌ للأمّة للنّجاة من الضّلال؛ في جميع أسباب الضّلال العامّة في الأمّة. اليقينُ أنّ منصباً شكليّاً، ودوراً مُجوّفاً فارغاً للعترَة؛ من تلك الغيبَة من اثني عشر قرناً؛ فليسَ معَه ثقلٌ، ولا هدايَةٌ، ولا رفع ضَلالِ؛ وستكونُ الأمّة هُداةُ أنفُسهِم لا مُتمَسّكَ لهَا؛ هذا مِن نسبَة العبث والقَبيحِ إلى الحكيمِ جلّ شأنه؛ لأنّه مهمَا كان وظُنّ نقْضُ قول الزيديّة أو غيرِهم؛ فإنّ هذا القولُ يبقَى أنّه ليسَ فيه تحقيق أدَنى معايير تحقيقِ الهدايَة للأمّة، ولا رفع الضّلال عن فُقهاء الإماميّة فضلاً عن غيرِهم؛ كيفَ وهُم أضلّ النّاس عندَ بعضهِم البعض؛ كيفَ وهُم قد جاوزُوا الأمّة كلّها حيث اختلفُوا في نقصِ القرآن -أصلِ الشّريعَة- مِن تمامِه؛ فأيّ انهدامٍ للهدايَة بعدَ ذلك؛ ويّ قطعيّة تُحقّق بعدَ مُتواترات الرّوايات التي يُريدُ أن يُحيلُ إليها البعض؛ كمِلاكٍ للهدايَة في زمَن الغيبَة؛ لأنّه لا قاطِعَ لهُ في مِنعِه مَنِ اعتقادَ بذلكَ -النّقص- من أصحابِه؛ ويعودُ أصحابُه يحتجّونَ عليه بالحكمَة، وعدم إدراكِ العُقول لغايات الهدايَة؛ فليسَ في نقضِ ما لدَى الآخَر تحقيقٌ للهدايَة من القول بالغيبَة؛ لأنّ الأمّة لو قد توجّهت إلى روايات الأئمّة -مِلاكِ الهِدَاية- عن أئمّتهم؛ لوَسِعَهم أن يكونوا من داخلِ روايَات الإماميّة؛ غُلاةً ومُشبّهةً وزيديّة وسُنيّةً وباطنيّةً؛ ثمّ سيكونُ كلّ واحِدٍ هادٍ لنفسِه؛ لأنّ مَنْ سيخُالفه من المرجعيّاتِ قليلُ عِلْمٍ إلى ما توصّل لهُ في يقينِه؛ ولا عصمَة ولا هَدي مَعلومٌ؛ لغيابِ الغائب؛ ولكونِ مِلاك الهدايَة رواياتٌ وآثارٌ، وهذا فأعظمُ الضّلال -على الأمّة- مِنْ تِلك الرّوايات، ثمّ لا مُتمسَّك -للغيبَة- من العترَة؛ فلا غايَة ولا ثمرَة إلاّ العبَث، والتسّتر عند العجز والضّعف بالحكمَة؛ والاكتفَاء بالتّصديق بالنصّ والغيبَة؛ حتّى لو عُطّلت المعرفَة والهداية كلّها؛ لن يصحَّ اعتبارُ قولُ واحدٍ منَ المراجِعِ، ولا حُجّة إجمَاعٍ؛ وهُم غير منصوصٍ عليهم ولا مَعصومين؛ إلاّ بالعودِ إلى تصحيحِ قول الزيديّة من حيث علِمَ النّاظر أمْ جهِل.

🟩 – ما سبقَ أصولٌ معرفيّةٌ بارزَة؛ الغرضُ منهَا ومَعها ؛ تفكيكُ مِلاكَات المعرفَة -الكُبرويّة- والهداية من مدلول حديث الثّقلين، وكذلك تحقيق أسبابِ الضّلال، والوصول بالخبرِ إلى غايتِه؛ التي لن يكونَ القولُ بالنصّ قولاً حصريّاً لتحقيقهَا؛ ثمّ تأتي -بإذن الله- مُسلسلاتٌ قادمَةٌ تُناقِشُ جُزئيّاتٍ ذات أهميّة لما أجمَلنَاه فِي التّأصِيل؛ حتّى نأتي على أدقّ والتّفاصيل وما قد يشتبُه على الطّالب؛ بقراءةٍ تأصيليّة مُتّزنَةٍ بعيدةٍ عن ضَوضَاء أصحاب العاطفَة؛ ولا تعصّب المُوالِفَة؛ فإنّ هذا العلم دَينٌ ودِينٌ، ومَنْ كان مُتضعّفاً يهرُب بالدّين والهدايَة إلى مجهولِ الغَيبَة؛ فذلك حظّه، وذلك جُهده، وحظّه ظلَم، وجُهدُه ضلَّ!.

وفّقكم الله

اللهمّ صلّ وسلّم على محمّد وعلى آل محمّد …

تذكرة ومذاكرة

تذكرة ومذاكرة شيقة ذات فائدة 3

🟥 ** (3) تذكرَةٌ ومُذاكرَةٌ … شيّقةٌ … ذاتٌ فائدةٍ -إن شاء الله- !.

🟩 – فإذَا قد أدركَنا خُطورَة القول بأنّ الهُدَى مِلاكُه قولُ المَعصوم الواحدِ؛ وأنّ هذا القَول يعودُ بالهَدم على ثقَل الكِتاب والسنّة في ترتّب الهدايَة مِنهما، لا سيّما مع الغيبَة لاثني عشر قرناً من ذلك الواحِد المَعصوم. ثمّ أدركَنا أيضاً أنّ الهدى معنىً يتحقّق من خلالِ منظومَةٍ مُتكاملةٍ (الكِتاب والسنّة وإجماع العترة وأصولهم المعرفيّة في التّمييز) ، وأنّ الواِحدَ من العترَة غير مَعصومٍ، ومَحكومٌ بمنظومَة الهُدَى ؛ بالتّفصيل الذي مرّ معكَ.
🟥 – فإنّ مطلباً مُلحّاً في السّؤال عن ذات ثقَلِ العترَة في الدّلالة على الحقّ مِن أين أتَى؟!. نعم، صحيحٌ أنّه قد أتَى من ذات النصّ الشّرعي مِن دليلِ حديث الثّقلين وأمثالِه، وبكونِه دليلاً قطعيّاً في الصّدور والدّلالة؛ إلاّ أنّ السّؤالَ والمَطلبَ أبعدُ من ذلك، كيفَ أنّه أبعدُ؟!. الثّقلُ الإلهيّ الذي لا بُدّ للعترة؛ والذي لأجلِه استحقّوا الاتّباع من جميعِ الأمّة؛ مَا هُو؟!. إذا قد أثبتَ الدّليلُ انتفاء العصمَة والتّعيين والتّخصيص للعترَة بآحادٍ دونَ آحادٍ، وبعدَ أن أثبتَ العقلُ والشّرع أنّه لا تنافي بينَ الهدايَة ومُقارنَة القرآن بدون اشتراطِ العصمَة في آحادِ العترَة!.
🟩 – إنَّ ثقَل العصمَة ليس مِلاكُه الأفرادُ فقَط، بل إنّ مِلاكاً آخَر لهُ وَهُو عصمَة الجماعَة عن القولِ بالضّلال؛ وعدم اعتقادِ غير الهُدَى؛ فذلك الإجماعُ من العترَة هُو المُقارنُ للقرآن؛ لا أنّ الواِحد من العترَة هُو الذي يكونُ مُلازماً للقرآنِ بذاتِه؛ نعم، يكونُ الواحدُِ من العترَة ملازماً للقرآن متَى كان على منظومَة الهُدَى -التي تكلّمنا عنها- ، ولذلك استحقّ أن يكونَ هادياً، ومُتمَسَّكاً للأمّة، ودليلاً لهم على النّجاة، كمَا نقولُ في الأئمّة زيد بن علي، وجعفر بن محمّد، وعبدالله بن الحسَن، والنّفس الزكيّة محمد بن عبدالله، والقاسم بن إبراهيم، وغيرهِم من آل الرّسول -عليه وعليهم السّلام-.
🟥 – إنّ مفهومَ عصمَة الإجمَاع؛ لا يُطلبُ معه عِصمَة الفرد؛ ولا عَن مطلَب التّخصيصِ من العُموم؛ لأنّنا نسألُ طالبَ التّخصيص وعِصمَة الفرد عن غرضِه من ذلك المَطلب؟!. فلا بُدّ يقولُ لتحقيق مُلازمَة العترَة للقرآن؛ وليسَ يكونُ الواحدُ من العترَة مُلازماً للقرآن في أمرِه كلّه إلا بالعصمَة، والعصمَة تتطلّب التّخصيص والنصّ!. فعندَ ذلك أنتَ؛ تقفُ على أنّ ذلك الطّالب قد تاهَ عن مفهومِ عصمَة الإجماع، وخلطَه بعصمَة الفرد، فأصبحَ يطلبُ العصمَة ليُحقّقَ عِصمَة الفرد؛ ومَا عِلمَ أنّ مِلاك رفع الضّلالَة مُتحقّق بالتمسّك بإجماع العِترَة، لا أنّ مِلاكَ رفعها لا يتحقّق إلاّ بعصمَة الآحادِ -حَصراً-، ومطلبُ ذلك الطّالب مِن تحقيق الهدايَة، ورفع الضّلالة الذي ينشدُه من الآحادِ؛ مُتحقّق من طريق إجمَاع العترَة، وقيامِه بالهدايَة، ورفع الضّلال، وكونه مَقروناً بالقرآن، فعلامَ طلبُ المَعصومِ الفردِ بعد تحقّق مطلب الهداية بقطعٍ ويقينٍ من ذلك الإجمَاع، بل إنّ الإجماع أدلّ على الحقّ، وأعلى غايةً وطلباً من حجيّة قول الواحِد -فيمَا نحنُ بصددِه- . فيتوهُ بعيداً عن مطلبِ مِلاك رفع الضّلالة مَن ينشُد ذلك في آحاد العترَة؛ لأنّه سينتقلُ يطلبُ نصّاً وتخصيصاً يتوّهم أنّ إجمالاً حصَل لا بُدَّ له من تنصيصٍ وتبيين لعين أولئك الآحاد؛ هذا وهمٌ مرتفِعٌ؛ ترفُعه حجّة العقل بعَدم جوازِ تكليفِ الأمّة اتّباع هادٍ غائبٍ يرفع عنهُم الضّلالة من اثني عشر قرناً؛ فذلك تكليفُ ما لا يُطاق -وقد مرّ نقضُ ذلك- ، وترفعهُ حجّة النّقل؛ لما لم ينتهِض الكتاب والسنّة بالدّلالة على معصومِين منصوصٍ عَليهِم بدلالة قطعيّة يقينيّةٍ؛ وترفعُه حُجّة الأخبَار الواردَة في التمسّك بالعترَة أنّها أخبارٌ عامّةٌ لا يُمكن تخصيصُها بغير الإجمَاع، ومَن طلبَ الإجمَاع استغنَى عن النّصوص؛ لأنّ مطلب الهداية مُتحقّق بمنظومَة مُتكاملةٍ يدخلُ تحتها المُقتصدُ من العترة والسّابق بالخيرات -كما قدّمنا- بلا ضرورة اشتراطِ عصمَة للآحَاد، فمَن أصرَّ إلاّ وكون مِلاكِ الهداية اتّباع واحدٍ مَعصوم، أمسَى على وهم التّنظير، وأصبَح على غير معصومٍ يتبَعه إلاّ رأيَ نَفسِه!.
🟩 – كيف نتصوّر تحقّق التّوفيق الإلهيّ للعترة على ذلك الإجماع؛ الذي يمنعُهم عن مُخالفة القُرآن؛ فيما هُو من أسباب الضّلالة في الأمّة؟!. لا بُدّ أن نتصوّر ذلك؛ ليتحقّق لَنا رأيَ العَين.
🟥 – الإجمَاعُ بمعنى توفيق الجماعَة على عدَم الاتفاق على الخَطأ -ومنه إجماع العترَة- ، إذا أرادَ الباحثُ أن يقفَ على أبعادِه ويتصوّرَه ؛ فلينُظر كيفَ أجمعَت الأمّة -على كثرتهِم وتباعُد بلادِهم- على القرآن الواحِدِ بلا تحريفٍ ولا نقصٍ ؛ تَرُدّ الأمّة على مُدعي ذلك ؛ فإنّ في هذا فِقهُ إجمَاع العترَة المحمديّة وتصوّره -وهم أقلّ من عُموم الأمّة- ، وذلك التّوفيق الإلهي الذي يحوطُهم ؛ فيكونون للحقّ مُقارنِين . قال الإمام الباقر محمّد بن علي -عليهما السلام- : ((إنّا نختلف ونجتمِع ولن يَجمعنا الله على ضَلالَة)) . فثقلُ العترة آتٍ من طريقِ الرّعاية الإلهيّة لهُم؛ بحيثُ يحوطُهم الله بمادّة التّوفيق والإعانَة ليكونوا بذلك -التّوفيق والعَون- هُداةً للأمّة ومُتمسّكاً لهُم لا يخرجُ الحقّ عن إجماعِهم؛ فجعلَهم الله تعالى مَعدِنَاً لتحقيق الهُدَى إذا تمسّك المكلّف بإجماعِهم، ومن إجماعِهم -وهُو مِنْ مدلول خبر الثّقلين- أنّ الهدايَة مُستمرّةٌ وفق منظومة هُدى متكاملةٍ يقومُ بها عُلماء العترَة من داخل تلك المنظومَة؛ ليقوموا في الأمّة بواجبِ الهدايَة، يقومُ بذلك المُقتصدون -العُلماء- والسّابقون بالخيرات -الأئمّة الدّعاة- ، حاضرونُ غير غائبين عن الأمّة.
🟩 – ثمّ إنّ من منظومَة الهُدَى وإجماعِ العترَة؛ أنّ الله تعالى عندما اصطفَى العترَة -ذريّة الحسن والحسين- ؛ فإنّه عرّضهم للتّكليف كمَا عرّضهم للتشريف؛ فكانَ ذلك الاصطفاءُ عامّاً؛ وأوجبَ لهم استحقاق التّوفيق والرّعاية إذَا ما اختاروا العمَل في الأمّة من داخل منظومَة الهدايَة التي تحكمُهم -تحكمُهم بالقرآن والسنّة وبإجماع سلفِهم وبأصولِهم المعرفيّة في التمييز- ؛ فإذا تميّز الواحد من العترَة وخرج عن منظومَة الهدايَة إمّا في اعتقادِه، وإمّا في عملِه بالمَعاصي؛ فإنّه يكونُ من الظّالمين لأنفسِهم، أليسَ الله تعالى هُو القائلُ : ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِۦ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌۢ بِٱلْخَيْرَٰتِ)) ، فلا يستحقّ أن يكون مِصداقاً للهداية من العترَة من داخلِ منظومَة الهداية، ومصداقاً لحديث الثّقلين في الدّلالة على الهُدَى؛ إلاّ من كان مُقتصداً أو سابقاً بالخيرات؛ لأنّ الإمامَة مقامُ هُدَىً في الأمّة؛ ومَن كانَ ظالماً لنفسِه؛ فإنّه لا يستوجبُ مقام الهدايَة، وقد استثناه الله تعالى فقط من مقامِ الإمامَة ، فقال جلّ شأنه : (( قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِى ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِى ٱلظَّٰلِمِينَ)) ، فبقيَ المُقتصدون والسّابقون بالخيرات لم يُخرِجهم الله تعالى من استحقاق مقامِ الهداية، وإن بقيَ الظّالمون في حُدود العبادِ المُصطفين -كما هُو منطوق الآية- إلاّ أنّهم كانُوا قادرِين على ان يكونوا -بأفعالِهم- من المُقتصدين أو السّابقين بالخيرَات؛ فذلك حكمتُه دعوةٌ من الله تعالى لجميع الذريّة أن تهرعَ إلى العمَل مع الأمّة طريق الهدايَة؛ فيبقى التكّليف بذلك لازماً لكلّ واحدٍ منهُم أكثَر من غيرِه؛ واجباً من الله تعالى. فامّا حديثُ الثّقلين فإنّ مُتمسّكَ الأمّة من العترة إنّما هُم المُقتصدون -العُلماء- ، والساّبقون بالخيرات -الأئمّة- ، دوناً عن الظّالمين، ومنظومَة الهُدَى تُميّز للمُكلّف مَنْ هُو الظّالمُ من المُستحقّ، فليسَت الأمورُ بالأمانيّ والدّعاوى.
🟥 – قال الإمام الأعظَم زيدبن علي -عليهما السّلام- ، وقد سُئل عن حَال أهل البيَت : ((وَكتبتَ تَسألني عَن أهلِ بَيتي وعَن اختلافِهم. فَاعلم يَرحمك اللّه تعالى أنّ أهلَ بَيتي فيهم المُصيب وفيهم المخطئ ، غيرَ أنّه لا تَكونُ هُداة الأمّة إلاّ مِنهم، فَلا يَصرفك عَنهم الجَاهلون، ولا يُزهدك فيهم الذي لا يَعلمون، وإذا رَأيت الرجل مُنصرفاً عن هَدينا، زَاهداً في عِلمنا، رَاغباً عن مودتنا، فقد ضَلّ ولا شكَّ عن الحق، وهُو من المبطلين الضَّالين، وإذا ضَلّ النّاس عن الحق، لم تكُن الهُداة إلاّ مِنّا، فَهذا قولي يَرحمك اللّه تعالى في أهل بيتي)) [مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي] .
🟩 – لقَد كانَ الإمام جَعفر بن محمّد -عليهما السّلام- مُتنبّهاً لخطُورَة مُخالفَة إجماع العترَة، وأنّ مُخالِفَه مُستحقٌّ لعدَم التّصديق في مُخالفَتِه وعدم التّصويب، حتّى قالَ لجميل بن دراج : ((يَا جميل ، لا تُحدِّث أصحَابنا بما لم يُجمِعُوا عَليه فَيُكذّبُوك)) [رجال الكشي:2/520] ، وهذا ففرعٌ على حُجيّة الإجمَاع عندَه -صلوات الله عليه-؛ وقد كانَ الإمام زيد بن علي -عليهما السّلام- يقولُ : ((فإذا نَحن أجمعنَا عَلى أمرٍ لم يكُن للنّاس أن يَعْدوه)) [مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي] ، وقال أخوه الإمام الباقر محمّد بن علي -عليهم السّلام- : ((إنّا نختلف ونجتمع، ولن يجمعنَا الله على ضلالَة)) ، وقالَ الإمام فقيه آل محمّد الحسن بن يحيى بن الحُسين بن زيد بن علي -عليهم السّلام- : ((فمَن زَعَم أنَّ آل رَسُول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أجمَعُوا على بِدعَةٍ فَقد أسَاء القَولَ وَخالفَ مَارُوي عَن النّبي -صلى الله عليه وآله وسلم- واعتدَى في القَول)) [جامع علوم آل محمّد] . وكذلك كانَ الإمام السجّاد علي بن الحسين -عليهما السّلام- يحتجّ على مُخالفيه بالإجمَاع، لا بقولِه كفردٍ معصومٍ؛ فتتنبّه لنفسك السّبيل : ((أَجْمَعْنَا وُلْدَ فَاطِمَةَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ . قَالَ : وَ هُوَ قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ)) [الجعفريات:21] ، وكذلكَ يروي الثّعلبي : ((حدّثنا أبو جَعفر الملطي ، عَن عَلي بن مُوسَى الرِّضَا عَن أبيه ، عن جعفَر بن محمد أنه قَال: ((اجتمَع آل محمّد على الجهر ب “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ”)) [تفسير الثّعلبي:1/106] ، لقد كانَ آل محمّد يُقرّون باختلافِهم، واختلافُهم لن يكون ضلالاً ما دامَ آتٍ من داخل منظومة الهدايَة التي تُميّز بين القول الضّال من عدمِه؛ ويُثبتون الحجّة على مُخالفيهم بإجماعهِم، لا بقولِ الواحدِ منهُم، لأنّ الواحدَ منهُم ليس حجّة بذاتِه، ولا بمعصومٍ. ويروي الصفّار -من الإماميّة- تحقيق منظومَة الهدايَة التي نتكلّم عنها؛ والتي تضدُّ عصمَة الآحاد من العترَة، وتجوّز عليهم الاختلاف، وأنّ الحجّة في الإجماع، وأنّه المعصوم، بإسناده ، عن إسحاق بن عمار ، عن جَعفر ، عن أبيه عَليه السلام ، أنّ رسول الله -صلى الله عليه وآله- ، قَال: ((مَا وَجدتُم فِي كِتاب الله فَالعمَل به لازِمٌ لاعُذر لَكُم فِي تَركه ، ومَا لَم يَكُن فِي كِتاب الله وَكانت فيه سنّة مِنّي فلا عُذر لكم في ترك سُنّتي ، ومَا لَم يَكُن فيه سنّة مِنيّ فمَا قَال أصحَابي فَخُذوه ، فَإنما مَثل أصحابى فيكم كمَثل النّجوم فبأيّها أخَذ اهتدَى ، وبأيّ أقاويل أصحَابي أخذتم اهتديتم ، واختلافُ أصحَابي لَكُم رَحمَة ، قِيل يارسول الله صلى الله عليه وآله: وَمَنْ أصحَابُك؟!. قال: أهل بَيتي)) [بصائر الدرجات:31] ، وهذا هُو عينُ قولُ الإمام الأعظم زيد بن علي -عليهما السّلام- : ((اختلافُنا لَكُم رحَمة، فإذا نَحن أجمعنَا عَلى أمرٍ لم يكُن للنّاس أن يَعْدوه)) [مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي] ، والرّحمَة مادّةٌ آتيةٌ من تأصيل الاجتهادِ والحاجَة المستمرّة إليه على مرّ الأزمان؛ ممّا يتعلّق بالزّمان والمكان، ومن تقليل حيّز التّضليل، وغير ذلك مِنَ العِلَل، لا أنّ ذلك يطرقُ قطعيّات الشّريعة، التي يتحقّق بها الضّلال، ثمّ لا بُدَّ من وقوف المهتمّ على منظومَة الهُدى تامّة عند العترَة في أصولهم المعرفيّة.
🟥 – لقد شذّ مَن قال إنّ حديث الّثقلين يدلّ على اتّباع آحادٍ معصومين هُم العترة، منصوصين، في الدّعوى شذّوا، وفي إقامَة الدّليل والنصّ شذّوا دوناً عن الأمّة؛ ثمّ جَعلوا تأصيلَهم العَقلي والمذهبيّ هُو الأصلُ في مدلول حديث الثّقلين؛ شذّوا بذلك أيضاً، فكان ذلك ظُلَمَاً إلى ظُلَم؛ والأصلُ أنّ الخبرَ يبقَى على أصلِه القطعيّ في الدّلالة على الهُدَى من عُموم العترَة، وفق قولٍ مُنضبطٍ بمَنظومَة الهدايَة التي تقومُ بها العترة، ويقومُ بها الدّليل الشّرعي قَبْلاً، وهذه أصنافٌ من الأمّة قد استفادُوا من مدلول الخبَر والشّرع ما استفادَته الزيديّة من حجيّة إجماع العترة؛ لمّا كان ذلك هُو مدلول الأخبار في التمسّك بالعترَة، حتّى خضعَ لذلك من يُشتهَر عنه النّصب، لا مَناص، قال ابن تيمية : (ت728هـ) : ((وقَد تنازَع العُلمَاء مِن أصحَاب الإمام أحمَد وغَيرِهم فِي إجمَاع الخُلفَاء، وفي إجمَاع العِترَة، هَل هُو حُجّة يَجب اتّباعها، والصّحَيح أنَّ كِلاهُمَا حُجّة)) [مجموع الفتاوى:28/493] ، وقال القاضي أبو يعلى أبو يَعَلى الحَنبلي الحسين بن محمّد ابن الفرّاء (380-458هـ) . قال ابن بهَادر الزّركشي : (( وَعَنْ “الْمُعْتَمَدِ” لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى أَنَّ الْعِتْرَةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى خَطَأٍ كَمَا فِي حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ)) [البحر المحيط في أصول الفقه:6/450] ، وكذلك من المعتزلة قال الحاكم الجشميّ -قبل تزيّده يظهر- : ((فالخبَرُ يدلّ على أنّ إجماع عترتِه حجّة ، وأنّهم لا يجتمعُون على ضَلال)) [جلاء الأبصار:99] .
🟩 – فأصبحَ مِلاكُ الهداية قائمٌ بالكون داخل منظومَة الهدايَة التي أقامَها آل محمّد من مُستنبَط الكِتاب والسنّة وإجماعِهم والأصول المعرفيّة في التمييز التي ينطلقُ منها ومَعها المكلّف في التمييز لنفسِه إذا قد اشتبهَت عليه المسائل؛ فلا يشذّ عن تلك المنظومَة، ثمّ ملاكُ الإمامَة في المعرفَة ليسَ وجوب معرفَة الإمام في كلّ زمانٍ مطُلقاً، وإنّما ذلك متى قامَ ودعَا، وقرعَت المسامعَ الدّعوةُ العادلَة، لأنّه لا وعيدَ مُطلقٌ على معرفَة الإمام؛ فذلك مُقيّدٌ بظهور الدّعوة؛ بحصولِها؛ قال الإمام الباقر -عليه السّلام- : ((والله يا محمّد ، مَن أصبَح مِن هَذهِ الأمّة لا إمَام لَه مِن الله – عزّ وجلّ – ظَاهرٌ عَادِلٌ أصبحَ ضَالاًّ تَائهَاً . وإنْ مَات عَلى هَذه الحالَة مَات مِيتةَ كُفرٍ ونِفَاق)) [الكافي:1/184] ، فالوعيدُ ليسَ على إطلاقِه؛ ليُقال بوجوب المعرفَة مُطلقاً، وهذا فَينفي النصّ على العترة وأنّهم آحادٌ معصومون؛ لأنّهم -بالنصّ- على حالٍ يجبُ أن تكون معرفَتهُم مُطلقَةٌ غير مُقيّدَة، لأنّ النصّ أظهرَهم؛ فلا معنى للتقيد بالظّهور، وبالعدالَة ((ظاهرٌ عادلٌ))، إلاّ على قول سادات بني الحسن والحسين -عليهم السّلام- في الدّعوة ، روى الإمام الأعظم زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن علي -عليهم السلام- قال: ((مَن مَات وليس له إمامٌ مات ميتةً جاهليةً إذا كان الإمام عَدلا برّا تقيا)) [مسند الإمام زيد بن علي] ، ، ويروي الشّيخ المفيد ، بإسنادِه ، عن محمّد بن علي الحلبي ، قال: قال أبو عبدالله -عليه السّلام- : ((مَن ماتَ وليسَ عليه إمامٌ حيّ ظاهرٌ مات ميتة جاهليّة)) [الاختصاص:269] ، فذلكَ تقييدٌ في الوَعِيدِ بعد ظهُور الدّعوة -قرعِ المسامِع- وتحقّق العدالَة -باستكمَال الشّرائط-، وذلك كلّه يُنافي النصّ، الذي لا زمُه الإطلاقُ وعدم اشتراطِ تحقّق العدَالة؛ لأنّ التعّديل في حقّه آتٍ قبل أن يُولَد حتّى، منَ الله تعالى، فليسَ يحتاجُ إلى نظرٍ من النّاس؛ والحمدُلله.
وفّقكم الله

اللهمّ صلّ وسلّم على محمّد وعلى آل محمّد …

تذكرة ومذاكرة

تذكرة ومذاكرة شيقة ذات فائدة 1

🟥 (1) ** تذكرَةٌ ومُذاكرَةٌ … شيّقةٌ … ذاتٌ فائدةٍ -إن شاء الله- !.

🟥 – إنّه لا يُمكنُ المصيرُ إلى القَول بالغيبَة؛ في حقّ الإمامِ لمدّة تُقاربُ (1200 عام) ؛ مع تثبيتِ حُكم الإمامَة لذلك الغائب؛ إلاّ إذا اعتبرنَا الإمامَة مَنصباً شَكليّاً اعتباريّاً فَرضيّاً ؛ لا واجبَ لهُ تجاهَ الأمّة، ولا واجبَ على الأمّةِ تجاهَه؛ وبهذا تكونُ الإمامةُ قضيّةً مُفرّغَةً جوفَاء ليسَ تحتَها أيّ ثقَلٍ، ولم تعُد مِلاكَ هدايَةٍ في الجانِب العلميّ، أو إصلاحٍ للفردِ والمُجتمَع في الجانِب العَمليّ؛ وبأقلّ الاعتبارَات لا ثمرَة منها؛ وهذا لا يُتصوّرُ في الإمامَة التي مِلاكُها هدايَة الأمّة؛ وأن تكون مُتمَسّكاً للأمّة؛ رافعةً للضّلال.

🟦 – إنّنا إذا نزعنَا الإمامَة؛ وفرّغنَاها عن أهمّ أدوارِها؛ وهُو هدايَة المُجتمَعات، وإقامَة العَدل، وتطبيقِ الشّريعَة؛ فإنّنا بهذا نُفرِّغُ القرآن والسنّة عن مضامينِها؛ ونُهيئ أرضيةً للظّلمَة يتنفّذون الأرضَ؛ فليسَ في قُبالِهم أيّ تشريعٍ دينيّ فَاعِلٍ يقومُ بالأمّة لمنعِهم؛ إذا ما اعتبرنَا الإمامَة مُسْتَحَقَّة مع هذه الغيبَة لاثني عشر قرناً؛ بدون أن يكونَ لها أي تحرّكٍ في الأمّة؛ للقيامِ بغايَات الإمامَة.

🟥 – قالَ الإمامُ أميرُ المُؤمنين -عليه السّلام- : ((عَلى أنّه لا بُدّ للأمّة مِن إمَامٍ يَقومُ بأمْرِهِم ، فَيَأمُرهم وينهاهم ، ويُقيم فيهم الحُدود ويُجاهِد العَدوّ ويَقسم الغنايم ، ويَفرض الفَرائض ، ويُعرّفهم أبواب مَافيه صَلاحهم ، ويُحذرهم مَافيه مَضَارّهم ، إذ كان الأمرُ والنّهي أحَد أسبَاب بَقَاء الخَلق ، وإلاّ سَقَطَت الرَّغبَة والرَّهبَة ، وَلم يُرتَدعْ ، وَلفسد التّدبير وكانَ ذَلك سَببا لِهَلاك العِبَاد فِي أمر البَقَاء وَالحيَاة فِي الطّعَامِ الشّراب والمَساكن والمَلابس والمَناكح مِن النّساء، والحلال والحَرام، والأمرِ والنَّهي، إذَا كَان سُبحَانَه لَم يَخلقهم بحيث يَستغنون عَن جَميع ذَلك)) [بحار الأنوار:93/41] . فهذا جوهرُ الإمامَة وغاية تشريعُ الإمامَة في الأمّة .

🟦 – عادَ البعضُ من الشّيعة؛ لا يُريدون إلاّ إماماً معصوماً يقومُ بذلك كلّه؛ ورتّبوا على أنّ غايات تحقّق الإمامَة؛ هُو الهداية الواقعيّة؛ التي لا يطرُقها الاجتهاد أو الظنّ؛ وكذلك عدم وقوع الخطَأ من ذلك الإمامِ في الأمر أو النّهي، ثمّ طلبُوا عصمَة الباطِن؛ فلَو لم يكُن ذلك الإمامُ معصومَ الباطِن؛ لجازَ أن يكونَ عاصياً في الباطِن، وإن ظهر للنّاس حُسن حالِه؛ فقَتلوا بذلكَ منصبَ الإمامَة حيثُ أصّلوا لذلك الأصلِ؛ ثمّ لم يَظهَر للأمّة إمامٌ على تلك الصّفَة من اثني عشر قرناً؛ فلزمَ ما قُلنا قريباً من تفريغ منصبِ الإمامَة عن غاياتِه، وأن تكونَ الإمامَة -مع تلك الغيبَة- أمراً شكليّاً لا تستفيدُ منهُ الأمّة؛ وعزلنا الإمامَة عن ضرورةٍ مُلحَّةٍ شرعيٍّة يحتاجُها عبادُ الله في الأمرِ والنّهي كمَا قال أمير المُؤمنين -عليه السّلام- .

🟥 – يعودُ الأمرُ في مُنتهاه إلى إلقاء اللّائمَة على الأمّة؛ في تفريغِ الإمامَة عن أصل وغايَة تشريعِها -الهداية والأمرُ بالمَعروف والنّهي عن المُنكر- ، فقالوا : أخافَت الأمّة الإمامَ؛ فغابَ من اثني عشرَ قرناً، وكأنّ الأمّة كلّها أخافَته، وكأنّ شيعتَه -الخُميني- لم يستطِع برجالٍ وجماعةٍ أن يُقيم دولةً؛ فهَل لن يستطيعَ ذلك الإمامُ الغائبُ. إنّه لم يُقدّم في الأمّة -من اثني عشر قرناً- أقلّ مَجهِودٍ لهدايتِها أو القيامِ بغاياتِ الإمامَة من أمرٍ ونهيٍ؛ وكأنّ المطلوبَ أن تأتي جميعُ الأمّة طائعةً على قولٍ واحدٍ وتقولَ: نحنُ طوعِ أمرِكَ، والكلمَة لك!. فهل تحقّق ذلك لسيّدنا رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وقد ماتَ عن مُنافقِينَ في المدينَة. مَا هُو مِعيارُ رفعِ إخافَة الأمّة له؟!. وإنّ جماعَة شيعتِه يُحصَون بالملايين اليَوم، أو أنّ المَطلوبَ أن لا يمسَّه ضرّ ولا أذَى ولا تشريدٌ في الجبِال، ولا جِراحاتٌ، ولا مُحاولة اغتيالاتٍ؛ ليأمنَ فيخرُج؛ فأيّ إمامَةٍ لا يحتملُها ذلك!. أليسَ عندَكم أنّه في نهايَة المَطاف سيخرُج ويُقتَل -لمّا كان اعتقادُكم أنّ كلّ إمامٍ من أئمّـكم لا يموتُ إلاّ مقتولاً- فلماذا يخرجُ إذا كانَ يعلَمُ أنّه سيُقتَل يقيناً؟!. -لأنّ أصلَكم أنّ الإمام يعلمُ متى يموت، وكيف يموت- ؛ فإذا كانَ ذلك؛ فلماذا لا يظهَرُ قبل زمَان موتِه؛ أليسَ لو خرجَ سنَة (500هـ) وأمرَ ونهى وأقام المُعجز للعبادِ؛ وأصلَح للإماميّة اختلافاِتهم كان أصلَحُ وأنفَعُ؛ إذا كان يعلمُ أنّه سيكونُ إلى سنَة (1443هـ) حيّاً !. فلماذا يظهرُ بعد ذلك في زمانٍ -وهُو سيُقتل فيه- ؛ وعلّته في عدم الظّهور -من اثني عشر قرناً- أنّ الأمّة أخافته وأنّه سيُقتل!. فإن أُعيدَ الأمرُ إلى الحكمَة الإلهيّة في عدم ظُهوره؛ فإنّ ذلك يقتضي أنّ الحكمَة الإلهيّة ناقضَت القرآن، وأنّها هي المانعَةُ، فانتقض الدّليل العقليّ كلّه، وَأُفرغَت الإمامَة عن غاياتِها، وعن حاجَة الأمّة لها، وعن دورها تجاه الأمّة، وهذا اعتقادٌ باطلٌ يُنزّه العُقلاءُ الله تعالى عنه؛ بل هُو كُفْرٌ!.

🟦 – إنّه لا بُدّ على مَن قِبل ولايَة الفقيه؛ وهي منصبٌ غير منصوصٍ على القائمِ به، والقائمُ به غير معصومٍ؛ وطهارَة باطنِه غير مُحقّقة ولا يُمكن تحقيقُها، ثمّ قالَ -مَنْ يَقبلُ ذلك- إنّ ذلك هُدىً ، وإنّ مَعه صلاحُ الأمّة؛ مهما حصل تنازعٌ على ذات المَنصب من أهل الولايَة، أو حصلَ طعنٌ على السّيرَة من الفُقهاء الآخَرين، فإنّه يلزمُ -القائل بذلك- أن يعتقد رأساً بالإمامَة عندَ الزيديّة؛ وأن لا يبقَى له مُتمسّكٌ في الإسقاطِ بعلّة النصّ والعصمَة واشتراطِها .

🟥 – إنّ الاعتقادَ بالغيَبة؛ وإثباتِ الإمامَة للغائب من اثني عشر قرناً ، وأنّه وارثُ القرآن وقرينُه؛ ترفعُ وراثَة القرآن والهُدَى عن الأمّة؛ ولا يبقَى لها أيّ أثرٍ في الأمّة، ولا يبقَى أيّ طريقٍ تنتفعُ منهُ الأمّة مِن وارث الهُدَى والقرآن وقرينِه؛ لمّا كانَ غائباً، ومعنى ذلك أنّ قرينَ القُرآن ووارثَه قد افترقَ عن الأمّة من اثني عشر قرناً؛ فأصبحَ لا معنى لدعوة الأمّة إلى التمسّك بالعترَة؛ لأنّه ليسَ أحدٌ من اثني عشر قرناً هُو العترَة في الأمّة غير الغائب، والغائبُ حُكمهُ والعدمُ سَواء؛ حيث لا يُمكن الانتفاعُ بهِ، وأطرفُ ما قد أُنهِيَ إلينَا، وعلمَناهُ من بعضِ مُخالفينا -سابقاً- أنّ العترَة هي رواياتُ العترَة؛ كما أنّ النّبي -هُو روايات النّبي- ، كمَا أنّ الله -هُو القرآن- في مَطلب التمسّك؛ فأيّ فائدةٍ لأشخاص الأئمّة وأن يكون اثني عشر إماماً ، أو خمسَة، أو مائة إمامٍ أو أكثر أو أقلّ إذا كان المُتمَسَّك هي الرّوايات؛ والهدايَة هي الرّوايات؛ فمَا اعتبارُ منصب الإمامَة وغاياتِه إذا كانَ قوامُه رواياتٌ تُكفي عن شخص الإمامِ في الأمّة؛ وأينَ هي روايات الغائبِ ؛ فإنّك مَا تخرُج منها إلاّ بنزرٍ يسيرٍ لو لم تعتبرُه موجوداً ما حصلٌ جهلٌ بذلك ولا ضلالٌ في الأمّة! ، فهِيَ لا تُسمنُ ولا تُغني من جوعٍ عندَ التّحقيق؛ فكيف لو كانَت الرّوايات سبباً في خُروج كثيرٍ من الشّيعة عن التشيّع الإمامي كما حكى الشّيخ الطّوسي (ت460هـ) في مقدّمة التّهذيب !. بل إنّ ابن طاوس (ت664هـ) على عِظم شأنِه عند أصحابِه قد اعتزلَ أمرَ الفتوَى بسبب الرّوايات عن العتَرة في تراث الإماميّة المُظلم يقيناً ، قال ابن طاوس : ((لأنّي كُنت قَد رَأيتُ مَصلَحَتي وَمَعاذي في دُنياي وآخرَتي مِنَ التفرّغ عن الفَتوى في الأحكام الشّرعيّة، لأجل مَا وَجدتُ مِن الاختلاف في الرّواية بين فُقَهاء أصحَابِنا في التّكاليف الفِعليّة)) [سعد السعود للنفوس:113] ، وقال الشّيخ الطّوسي : ((وَقد ذَكرتُ فيما وردَ عَنهُم عليهم السلام في الأحَاديث المختلفة التي تخصّ الفِقْه في كِتَابي المعروف بالاستبصَار ، وفي كتاب تَهذيب الأحكَام ، مَا يَزيد على خمسَة آلاف حَديث، وَذَكرتُ في أكثرِهَا اختلاف الطّائفَة في العَمَل بها ، وذلكَ أشهَر مِنْ أنْ يخفَى حَتّى أنّك لَو تَأمّلت اختلافَهم في هَذه الأحكَام وَجَدته يَزيد على اختلاف أبي حَنيفةَ والشّافعِيّ ومَالك)) [عدة الأصول:1/137] . إنّ ثقَل حديث الثّقلين لم يكُن إلاّ بُمُخاطبة الأمّة بعترةٍ حاضرةٍ بينَهم؛ لا أنّه يُخاطبُهم بعترةٍ مُفرّغَةٍ عن ثقلها بالغيبَة؛ بحيث لا يُمكن الانتفاعُ بهَا . فكونَ أنّكَ لا تتصوّرها إلاّ بمنظار العصمَة والنصّ؛ فذلك أمرٌ يخصّك؛ ولكن كون أن تكونَ الإمامَةُ في ذاتها وغاياتِها مِلاكُها هدايَة الأمّة، والقيام بشأنِ الأمّة في الأمرِ والنّهي؛ فإنّ هذا مطلبٌ قرآنيٌّ ثابتٌ قاطعٌ يقينيٌّ؛ لا يُمكن تجاوزُه!. ولا انتفاع من الغائبِ في شيءٍ من ذلك كلّه -من اثني عشر قرناً- !.

🟦 – لقد كان الشّيخ آصف محسني -من الإماميّة- واضحاً عندما قالَ : (( فَإن المُؤمنين لَم تنفعُوا و لا يَنتفعون من إمَامِهم الغائب- عجل الله تعالى فرجه- في الأصُول و الفروع، ومَا يُقَال بخِلاف ذَلك فَهُو تَخيّلٌ وَ توهُّمٌ وَ لَعبٌ بالعُقُول)) [مشرعة بحار الأنوار:1/407-408] ، وقال -أيضاً – : ((ولا يُمكن القَول بانتفاعنا منهُ (ع) في زمَن الغيبة في الأمُور الدينيّة إلّا ممَّن سَلب الله عَقله)) [مشرعة بحار الأنوار:2/223] ، لأنّ البعض يُوهِمُ نفسَه أنّ الخواطرَ التي تأتي في نفسِه ، هي من إلهامَات ذلك الغائبِ، أو أنّه يُديرُ لهُم الأمرَ في الخَفاء، وهذه دعوَى؛ سببُها وهمُ الانتظار، وفرعٌ على صحّة ذلك الاعتقاد؛ ولو أنّهم نسبُوا ذلك إلى الله تعالى، ثمّ الله تعالى لا يُلهمُ بباطلٍ؛ فليسَ ذلك إلاّ من وسواسِ الشّيطان.

🟥 – روى الكَشّي، بإسناِده ، سُؤالَ سائلٍ للإمام علي بن موسَى الرّضا -عليه السّلام- ، قال: جُعِلْتُ فِدَاكَ؛ قَوْمٌ قَدْ وَقَفُوا عَلَى أَبِيكَ؛ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ!. قَالَ، قَالَ: ((كَذَبُوا؛ وَ هُمْ كُفَّارٌ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَ جَلَّ- عَلَى مُحَمَّدٍ-صلى الله عليه وآله-، وَلَوْ كَانَ اللَّهُ يَمُدُّ فِي أَجَلِ أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ؛ لِحَاجَةِ الْخَلْقِ إِلَيْهِ؛ لَمَدَّ اللَّهُ فِي أَجَلِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله- )) [رجال الكشي:1/458] .

🟦 – نعم، بعد ذلك أنتَ ستقفُ على شُبهاتٍ، هُنا وهُناك؛ إلاّ أنّك بالمُذاكرَة الصّحيحة ستقفُ على اليقين -بإذن الله تعالى- ، لقَد كان الإمام الأعظمُ زيد بن علي؛ إمامَ هُدىً، وعلى الحقّ، وإن لم يكُن منصوصاً ولا معصوماً،وكذلك كان الإمام النّفس الزكيّة محمّد بن عبدالله بن الحسَن إمامَ هُدىً وإن لم يكُن منصوصاً ولا معصوماً، وكذلك أخوه الإمام النّفس الرضيّة إبراهيم بن عبدالله، وكذلك الإمامُ صاحب فخّ الإمام الحُسين بن علي إمام هُدَى وما كان منصوصاً ولا معصوماً؛ ثمّ الويلُ لخاذليِهم، والصّادين عن سبيلِهم، وكذلك بقيّة أعلامِ الهُدَى؛ فإن حصلَت الشّبهة في جانبٍ من جوانب التأريخ، أو بعض التّحرير ووجوه الأقوَال؛ كانَ لذلك ميدانُ المُذاكرَة، والبيَان.

🟥 – قال الإمامُ أمير المُؤمنين عليه السّلام -والإمامُ فمِن باب أولى- لواليه على مكّة قثم بن العبّاس؛ ألا يضعَ بينه وبين النّاس سفيراً : ((أَمَّا بَعْدُ فَأَقِمْ لِلنَّاسِ الْحَجَّ وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ وَ اجْلِسْ لَهُمُ الْعَصْرَيْنِ فَأَفْتِ الْمُسْتَفْتِيَ وَ عَلِّمِ الْجَاهِلَ وَ ذَاكِرِ الْعَالِمَ وَلَا يَكُنْ لَكَ إِلَى النَّاسِ سَفِيرٌ إِلَّا لِسَانُكَ وَ لَا حَاجِبٌ إِلَّا وَجْهُكَ وَ لَا تَحْجُبَنَّ ذَا حَاجَةٍ عَنْ لِقَائِكَ بِهَا فَإِنَّهَا إِنْ ذِيدَتْ عَنْ أَبْوَابِكَ فِي أَوَّلِ وِرْدِهَا لَمْ تُحْمَدْ فِيمَا بَعْدُ عَلَى قَضَائِهَا وَ انْظُرْ إِلَى مَا اجْتَمَعَ عِنْدَكَ مِنْ مَالِ اللَّهِ فَاصْرِفْهُ إِلَى مَنْ قِبَلَكَ مِنْ ذَوِي الْعِيَالِ وَ الْمَجَاعَةِ مُصِيباً بِهِ مَوَاضِعَ الْفَاقَةِ وَ الْخَلَّاتِ وَ مَا فَضَلَ عَنْ ذَلِكَ فَاحْمِلْهُ إِلَيْنَا لِنَقْسِمَهُ فِيمَنْ قِبَلَنَا)) [نهج البلاغة] .

وفّقكم الله

اللهمّ صلّ وسلّم على محمّد وعلى آل محمّد …