سؤال وجواب

قال أمير المؤمنين يصف أئمة العترة في نهج البلاغة ألا بأبي و أمي هم من عدة أسماؤهم في السماء معروفة و في الأرض مجهولة هل يدل ذلك على قول الإمامية من تلك الأسماء

❓ كانَ السّؤال :

قال أمير المؤمنين -عليه السلام- يصفُ أئمة العترة في (نهج البلاغة) : ((أَلَا بِأَبِي وَ أُمِّي هُمْ مِنْ عِدَّةٍ أَسْمَاؤُهُمْ فِي السَّمَاءِ مَعْرُوفَةٌ وَ فِي الْأَرْضِ مَجْهُولَةٌ))؛ هل يدلّ ذلك على قول الإماميّة من تلك الأسماء؟!
🟩 والجَواب:
أنّ هذا النصّ على أمير المؤمنين -عليه السلام- على الضدّ من عقيدة الإماميّة؛ بل هُو ينقضُ قولَهم؛ ونبيّن ذلك من خلال عدّة استدلالات:
🟦 – الاستدلال الأوّل: أنّ الإماميّة تحتجّ على الزيديّة بأنْ كيفَ يُوصي الله العباد بعد الإمام الحسين -عليهم السلام- إلى مجهولين من عُموم العترة، غير مُعيّنين منصوصٍ عليهِم؛ فكيف ستتمسّكُ الأمّة بالإمام، وكيف سيعرفُ النّاس ذلك الإمام واستحقاقه إن لم يكُن نصُّ عليه من الله تعالى وإعلامٌ باسمِه؛ فالأئمّة عندنا -أي الإماميّة- منصوصٌ عليهم قبل خلق الخليقَة منصوصٌ عليهم نصوصًا متواترًة نرويها من طريق خمسة وعشرينَ صحابيًّا على الأقل جمعها الخزّاز القمّي في (كفاية الأثر) ، وهذه سلاسل رواياتنا فيها العامّي والخاصّي والواقفي والزيدي وربما الخوارج يروون النصوص في أعداد وأسماء أئمتنا، ومن حجّتنا كإماميّة أنّ أخبار المحدّثين في الاثني عشر خليفَة قد جاءت بالأسماء إلى جانب الأعداد إلاّ أنّ الأمويّة ومَنْ عاندَ تعمّدوا إلى إخفائها، ومن حجّتنا كإماميّة أنّ أصل تقيّة أئمّة قبل الغيبة وغيبَة الثّاني عشر أنّ سلاطين الجور يعلمون تلك النصوص ويترصّدون الأئّمة، لا سيّما الثّاني عشر يعلمونه وأحواله ويتتبّعونه لذلك هُو خائفٌ غائبٌ ولو لم نقُل هذا -كإماميّة- فأًصبح لا معنى لتقيتهم، ولا لغيبتِه؛ لدرجَة أنّ الدوّل المتقدّمة اليوم كأمـ ريكا ونحوها تكتب التقارير بحثًا عن الثاني عشر.
🔻 نعم؛ فأينَ أنّ مَنْ هذا حالُه أسماؤهم في الأرض مجهولَة؟! وكيف ستكون أسماء مَنْ نصَّ عليهم الشّرع لأهل الأرض مجهولة والشرع يحييها بهيمنته وقطعيته؟! إنّ هذا لا يُقال إلاّ في حقّ الزيديّة ودعواها أنّ الإمامة بالصّفة فيمَن قام ودعا من ذريّة الحسن والحسين -عليهم السلام- فكانَ بعضهم يقوم ويدعو ويجهلُ إمامته واستحقاقه جماعةٌ وجماعاتٌ في خراسان والعراق لمّا أنّ مناط العلم هُو الأحوال المتغيّرة التي هي الدّعوة التي لا يعلَمُ ذلك الخراساني أو العراقي أو غيرهما هل قد كانت أم لم تُكن من ذريّة الحسن أو الحسين -عليهم السلام- فلا تقومُ عليه الحجّة في إجابة إلاّ متى قرعَت مسامعه تلك الدّعوة، وبعض الدّعاة يقومُ ويدعو في الأمّة ثمّ لا يجدُ ناصرًا أو تُقمَعُ دعوتُه من الظّلمة في مهدها أو رّما يُقتل في قلّةٍ ودعوته بعدُ لم تتجاوز بلدتَه؛ وهو في هذا كلّه لم تُعلَم إمامته ولا استحقاقه ولا جهاده ولم تُدوّن له سيرةٌ في دعوةٍ أو قيامٍ لغمورِ خبره في أصقاع الأرض يجتهدُ إحياء السنّة وإماتة البدعة والقيام بالأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر، وهُو فمُستكملُ الشّرائط؛ وحاله عند الاه وملائكته معلوم مشكور.
🔻 فأمّا من كان حالُ معرفته هو طلبُ النّصوص عليه؛ فإنّ الحال غير مرتهنُ لذلك الخراساني أو العراقي بأن تقرع مسامعه دعوة أو قد لا تكون دعوةٌ في الزّمان؛ فإنّ طلبَه للنّصوص يُغنيه عن أحوال عدم المعرفة فيمن حال ثبوت إمامتهم هي النّظر في الصّفات واكتمال الشّرائط والقيام بالدّعوة، ألا ترى لو أنّ الخراساني أو الشّامي قرعَ مسمعه دعوة فاطميّ لطلبَ -بناءً على أصل النصوص وتعريف الشريعة بالأسماء وإخراجها عن حيّز الجهالة- فإنّه كان يطلبُ نصًّا على ذلك القائم من الشّرع؛ لأنّ القرآن بين يديّ الشّامي والعراقي والخراساني وما كانوا سيجدونَه لا يدلّ إلاّ على أئمّة منصوصٍ عليهم -على قودِ قول الإمامية- فأينَ ذلك كلّه وجهالة أهل الأرض لمن هُو منصوصٌ عليهم؛ وينضمّ إلى ما سبق من دلالة القرآن عند الإمامية تلك الأخبار التي يروونها بكثرةٍ عن مئاتٍ من الرّواة الشيعة وغيرهم في أسماء الأئمة الاثني عشر!
🔻فقولُ أمير المؤمنين -عليه السلام- : ((أَسْمَاؤُهُمْ فِي السَّمَاءِ مَعْرُوفَةٌ وَ فِي الْأَرْضِ مَجْهُولَةٌ))، فهُو في أنّ الله تعالى قد علِمَ استحقاق هؤلاء الأئمّة الدّعاة من بني فاطمة سادات بني الحسن والحسين -عليهم السلام-، وعلِمَ فضلهم، وأعلمَ ملائكتَه، وإن كان أكثر أهل الأرض جهلوا استحقاقهم، واستكمال شرائط الفضل فيهم.
🔻 فالنصّ من نهج البلاغة يضدّ أن يكون جميع طريق الإمامة هو النصّ على عين كلّ إمام؛ وإلاّ لكانوا لأهل الأرض معلومين غي مجهولين؛ لأنّ النصّ الشّرعي قد أخرجهم من حيّز الجهالة بالعين إلى العلم بها. فإن قيل: فالحسنَان من العدّة، وهما منصوصٌ عليهما عندكم؛ فأصبح حالهما عدم الجهالة. فنقول: إنّ الخطاب متوّجه لمَن لم يرَهم أمير المؤمنين -عليه السلام- من ذريّته؛ لمّا كان في ظاهر الكلام يتكلّم في ملاحم مستقبليّة؛ بل لو قلنا إنّهما داخلان في العدّة؛ فإنّ الخطاب لهما دخل في حالَ جهالَة الأسماء العَليَّة الكريمَة من باب توجّه الخطاب للكثرَة، كما وجّه الله الخطاب للملائكة وأمرهم بالسّجود واستثنى منهم إبليس لمّا طغى واستكبر؛ فلم يمنعُه حاله وهو من الجن أن يشمله خطاب الأكثريّة -خطاب الملائكة-.
🟥 – الاستدلال الثّاني: أنّ العدّة إخبارٌ عن عددٍ قلّ العدد أم كثَر، ولا يوجد قيدُ في اللغة يُفيدُ أنّ العِدّة قليلٌ من كثيرٌ؛ وقد قال الله تعالى: (( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ))؛ فسواء كانَت العِدَّةُ يومًا من شهر رمضان يلزمُه قضاؤه فيما بعد، أو كانت العدّة هي كلّ الشّهر يقضيه فيما بعد؛ فاليوم من التّسعة وعشرين يومًا عِدّة، والتسعة والعشرون من التسعة وعشرين يومًا عدّة، وقال تعالى: ((فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ))؛ على أنّه لو كانت العِدّة بهذا المعنى -القليل من الكثير- فأئمّة العترة في مائة أو مئتين أو أقلّ أم أكثر فإنّهم عدّة إلى جانب هذه الأمّة التي تُعدّد بالمليارات بعد المليارات على مدار الأزمنة من زمن سيدنا رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-، وهذا فيحقّق حال الزيديّة؛ وأصل هذا الاستدلال بيان؛ ثم معه توجيه للأقلين عددا الذين ذكرهم أمير المؤمنين -عليه السلام- في موضع آخر من النهج لما قال لكميل: ((اللهم بلَى، لا تخلو الأرضُ من قائمٍ للهِ بحجةٍ إما ظاهرًا مشهورًا، وإما خائفًا مغمورًا؛ لئلا تبطُلَ حججُ اللهِ وبيّناتُه، وكم وأين أولئك؟! أولئك واللهِ هم الأقلُّون عددًا، والأعظمون عند الله قدرًا، بهم يدفع اللهُ عن حججِه؛ حتى يؤدوها إلى نظرائِهم؛ ويزرعوها في قلوب أشباهِهم)) [نهج البلاغة]؛ فالأقلون عددا معنى يدخل تحته المائة والمائتين والأكثر من أئمة العترة في قُبال مليارات الناس على مدار الأزمان؛ ثم تلك القلة لا يدخل تحتها إلا القائمون يصفتها وحقها وهم القائمون لله بالحجة في العباد؛ ولن يقيم الحجة غائب من اثني عشر قرنا؛ فالظاهر من والخائف من العترة من تلك القلّة في الأمة كلهم حاضرون غير غائبين معلومو الأمكنة؛ يعايشهم الناس ويعايشونهم؛ والظهور والخوف معنيان لاشتهار الدعوة والحال ولغمور العاملين من أئمة الدعوة ممن لم تتهيأ لهم ظروف الخروج؛ أو أئمة العلم -العلماء- يكون حالهم مقموعا في نشرهم للدين ومه ذلك هم حاضرون يجهدون أنفسهم نشر الكتاب والسنة وقول سلفهم؛ يؤدون أمانة العلم وحفظ الإجماعات والمنهج وأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى من بعدهم من نظرائهم وهم أولئك الخلف من آل محمد الذين سيرعاهم الله بتوفيقه كما رعى أسلافهم؛ فأما على شرط الإمامية فإن الله هو الذي يودع العلوم وآلة الإمامة بالمعاجز وبخبر السماء إلى أئمتهم لا أن ذلك من فعل الأئمة إلى الأئمة؛ فأئمتهم من ولادته لا يجعلون أصحاب علم لدني؛ وأين ذلك وقول أمير المؤمنين -عليه السلام-.
🟦– الاستدلال الثالث: أنّ أمير المؤمنين -عليه السلام- قد أخبرَ ابتداءً وتأصيلًا بطريق معرفة الإمامة بالصفات، فقال: ((أيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ وَ أَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ فِيهِ فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ وَ لَعَمْرِي لَئِنْ كَانَتِ الْإِمَامَةُ لَا تَنْعَقِدُ حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ فَمَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ وَ لَكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ وَ لَا لِلْغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ)) [نهج البلاغة]؛ وهذا فينطبقُ على طريق الإمامة بالدعوة لمستكمل شرائط الإمامة؛ وذلك بعد أن أخبر -عليه السلام- أنّ معدن الإمامة هم بنو فاطمة كما خبر الثقلين : ((إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيْشٍ غُرِسُوا فِي هَذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ لَا تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ وَ لَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ مِنْ غَيْرِهِمْ)) [نهج البلاغة]؛ فهذا مع ما مرّ معك قطعةٌ واحدةٌ في المعرفة تتناول الإمامة بالدّعوة من مستكمل الصّفات والشّرائط، والتي معها الجهالة بعين الإمام قبل الدّعوة، ثمّ جهالة أهل الأرض بدعوة الدّاعي من طريق الشرع حتّى تقرع مسامعهم تلك الدّعوة فيتحقّق الوجوب عليهم في الإجابة، ثمّ هي قطعةٌ وهديٌّ في المعرفة يضدُّ الإمامة بالنّصوص.
فإن قيل: فأنتم تعتقدون أنّ للإمامة طريقان، النصّ في الثلاثة، والدّعوة من بعد الإمام الحسين -عليهم السلام-؛ فيلزمُ مما ذكرتموه عن أمير النؤمنين -علبه السلام- سقوطُ طريق النص. قلنا: لا يلزم ذلك؛ لأنّ لكلّ طريقٍ خطابُه وبيانُه؛ فعندما يكون الكلام على طريق النّص فإنّ الكلام يأتي في إقامة الحجة بالنصوص، وإذا كان الكلام على طريق الدّعوة فإنّ الكلام يأتي في إقامة الحجّة بالصّفات؛ ومقام أمير المؤمنين -عليه السلام- في البيان المقام الثّاني؛ وعندما يكون المقام المقام الأوّل تجده يحتجّ عليهم بالنصوص على إمامته بخبر الغدير وبما أقامه على أهل الشورى بغد مقتل عمر؛ فتتأمّل ذلك، ألا ترى كيف قال الإمام زين العابدين -عليه السلام- وهو يتكلّم عن المقام الثّاني وهو إمامة الدّعوة من مستكمل الشرائط، فقال بما رواه الحاكم الحسكاني الحنفي، وقد سأله أبو حمزة الثمالي عن السّابق بالخيرات مَنْ هُم؟! فقال -عليه السلام- : ((مَنْ شَهَرَ سَيفَه وَ دَعَا إلى سَبيلِ ربّه)) [شواهد التّنزيل:2/156]، وكذلك أجاب الإمام الباقر -عليه السلام- من داخل تراث الإمامية -من رواية الشيخ الصدوق- عندما سئل -عليه السلام- عن السابق بالخيرات؛ فأشار إلى الدّعوة كطريقٍ : ((مَنْ دَعا والله إلى سبيل ربه ، وأمرَ بالمَعروف ، ونَهى عَن المنكر ، ولَم يَكُن للمُضلّين عَضُدا ، ولا للخائنين خصيما ، ولم يَرضَ بحُكم الفَاسِقين إلاّ مَنْ خَاف على نفسه ودينِه ولَم يَجِد أعوانًا)) . [معاني الأخبَار:105]، وأيضًا هو جواب الإمام زيد بن علي -عليهما السلام- من رواية الحاكمي الحسكاني، في التعريف بالسابق بالخيرات، قال: ((الشاهر سيفه يدعو إلى سبيل ربه)) [شواهد التّنزيل:2/157].
🟥– فائدةٌ: قال الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة -عليه السلام- في بيان قول أمير المؤمنين -عليه السلام- : ((أسماؤهم في السماء معروفة)) : ((وغرضه أن أسماءهم عند الله معروفة لا يلتبسون بغيرهم، ولا لأحد منزلة مثل منزلتهم)) [الديباج الوضيء]، فالمعنى أنّ أسماء أولئك الأئمّة عند الله؛ أي عند أهل السماء من الملائكة الكرام؛ فنسبة الأمر إلى الله وإن كان العامل هم الملائكة معلومٌ من القرآن؛ قال الله تعالى: ((إنّا نحن نزّلنا الذّكر))؛ فنسبَ الإنزال للقرآن إليه وإن كان العامِل بالإنزال هو جبرئيل -عليه السلام-؛ فكذلك قول الإمام -عليه السلام- : ((وغرضه أن أسماءهم عند الله معروفة لا يلتبسون بغيرهم))؛ فتقدير الكلام: وغرض أمير المؤمنين أن تلك الأسماء عند رسل الله من الملائكة معروفة، وأنّهم بالفضل ذلك والاستحقاق، والجهاد في سبيل الله، مُميّزون عن غيرهم بلا التباس في استحقاق الكرامة والفضل؛ على أنّنا لو حملنا الكلام على ظاهره -أيضًا- فهو في معنى: أنّ أسماءهم عند الله معروفة بالفضل لا يلتبسُ فضلُهم بفضل غيرهم؛ وفيه إخبارٌ للأمّة بأنّ أحدًا لا يضاهيهم من أهل الفضل عند الله تعالى؛ فأمّا أن يفهم سطحيّ أنّ الله يعلمُ تلك الأسماء؛ فذلك من تحصيل الحاصل، والإمامُ أعزّ من هكذا إسقاطٍ وفهمٍ.
وفّقكم الله
سؤال وجواب

وجدنا في مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي ما نصه سئل الإمام زيد بن علي عن المتعة فقال رخصة نزل بها القرآن ألا يدل هذا على تثبيت تحليل المتعة في القرآن

❓كان السؤال :

وجدنا في مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي ما نصه: ((سُئلَ الإمام زيد بن علي (ع) عن المتعة ؟ ، فقال : (( رُخصَةٌ نزل بها القرآن))؛ ألا يدل هذا على تثبيت تحليل المتعة في القرآن؟!
✅ والجواب:
أنه قبل أن يُقال بأن ما جاء في مجموع الإمام الأعظم زيد بن علي -عليهما السلام- يُفيد تثبيت المتعة من داخل القرآن كآية مخصوصة في المتعة ((فما استمتعتم به منهن)) فهذا لم يذكره الإمام زيد بن علي -عليهما السلام- في النص المقتبس من المجموع؛ وإنما قال: إن المتعة رخصة نزل بها القرآن؛ وهذا وجهه أن الأمة مأمورة بطاعة الرسول : ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا))؛ والرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- رخص بها لبعض أصحابه؛ ثم رفع تلك الرخصة تحريما أبديا بما رواه الإمام الأعظم زيد بن علي نفسه عن أبيه، عن جده، عن علي -عليهم السلام- قال: ((نهى رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عن نكاح المتعة عام خيبر)) [مسند الإمام زيد:٣٠٤]؛ فغاية الأمر واضحٌ من منتهى القول في المتعة لأنه مهما فهم المشتبه من النص المقتبس فإن الرواية أوضح وأدل وأرفع للشبهة؛ بل لم تتفرد الزيدية برواية ذلك عن الإمام زيد بن علي -عليهما السلام- بل رواه الشيخ الطوسي بالطريق المعتبر؛ قروى بإسناده: عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم‌السلام قال : ((حرم رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله- يوم خيبر لحوم الحمر الاهلية ونكاح المتعة)) [تهذيب الأحكام: ٧/٢٥١]؛ ثم حمل الطوسي الخبر على التقية! وهذا يخصه هو ولا يلزم الإمام زيد بن علي -عليهما السلام- ولا الإمام أمير المؤمنين -عليه السلام-؛ فالشاهد أن الرسول وإن رخّص فقد حرّمَ؛ كما أن الشرع أوجب على المسلمين الصلاة لبيت المقدس زمانا ثم حرم ذلك وحظره بالصلاة إلى الكعبة المشرفة؛ فلا يؤخذُ بالأول دونًا عن الثاني؛ إلى جانب أنه لا دليل قطعي على أن هذه المتعة بالصفة التي تؤمن بها الإمانية بلا ولي ولا شهود هي ذات المتعة بالصفة التي كان رخّص بها النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- .
نعم؛ فلا حجة من النقل المقتبس عن الإمام الأعظم زيد بن علي في عدم ثبوت تحريم نكاح المتعة عنه أو أن ذلك الترخيص لم يعقبه رفع ومنعٌ وتحريم. وإنما الحجة هي على من لم يتبع رواية أمير المؤمنين -عليه السلام- في ثبوت التحريم؛ والرواية عنه لم تتفرد بها الزيدية كما ترى.
⬅️ بقي أمرٌ وهو أن مصادر المختلفين قد أثبتت تحريم المتعة على لسان ابن أخيه الإمام الصادق جعفر بن محمد -عليهم السلام- كما توضحه الصورة؛ ويبقى أن الإمامية بلا عترة من اثني عشر قرنا يفزعون إليهم في حلالهم وحرامهم كما رووا ذلك في علة الإمامة؛ فكأنما أتباع رجالات الشيعة وما اختلفت به الرواية عنهم في التحليل والتحريم؛ فأصبح ذلك القول بالتحليل هو منتخب قول رجالات الشيعة دونا عن العترة؛ وهذا فيخص رجال الشيعة ويُنسب إليهم حتى يظهر الإمام بالمعجز على رؤوس الخلائق ويقول للأمة إن المتعة حلال وإن روايات التحليل هي الصحيحة؛ فأما بدون ذلك فلم يأمرنا الله باتباع رجالات الشيعة بل أمرنا باتباع العترة؛ فإن قيل: لدينا روايات كثيرة في التحليل؛ والعبرة بالكثرة لا بالقلة! فنقول: أخبار نقص القرآن وتحريفه قد بلغت التواتر على قول بعض أصحابكم؛ بل ساقها البعض من ألف رواية؛ بل صحح بعضهم منها ما لا يقل عن ٢٠٠ رواية! ثم تلك الكثرة لم توجب ولم تدل صدق التحريف والنقص عند بعضكم؛ فأصبح لا معنى لكثرة الرواية أو قلتها في معرفة الهدى لأن تراث روائي مظلم؛ يبقى أن تقول: التحليل مشهور علمائكم. فنقل: فيكون حظكم اتباع رجال الشيعة وما انتخبوه؛ فأما نحن الزبدية فبين يدينا إجماع العترة على تحريمه الذي أتينا بشواهده من داخل رواياتكم. فإن قلت: روت الفرقة السنية أن عمر هو الذي حرم ذلك الزواج، وروت التحليل عن أمير المؤمنين -عليه السلام- ؟! قلنا: إن أردتم ام تكونوا تبعا لعمر فذلك شأنكم، وإن أردتم اعتبار تراث الفرقة السنية حاكما فارضوا به في غير ذلك مما يخالفكم في مسائل أخرى عن أمير المؤمنين -عليه السلام- واطّردوا؛ فأما نحن فما عدونا ما في تراثنا حجة علينا وما في تراثكم حجة عليكم ولم نحتج عليكم بما لا يحجنا ولا يحجكم من تراث الفرقة السنية؛ بقي أن المحدثين من الفرقة السنية قد رووا أيضا التحريم عن أمير المؤمنين -عليه السلام- للمتعة ورووا التحريم أيضا عن الإمام الصادق -عليه السلام- كما في الصورة أدناه؛ فهذا الذي هو اجتماع المصادر الزيدية والإمامية والسنية في الرواية عن الإمام علي والإمام الصادق -صلوات الله عليه وعلى آله- في التحريم هو ألزم لكم إن كنتم ستتبعون أسلوب السرد من داخل التراث السني.
⬅️ بقي أمر؛ وهو إن قيل: فهل في القرآن ما ينسخ الرخصة في السنة التي كما قول الإمام زيد بن علي بأن القرآن نزل برخصة المتعة؛ ثم جعلتم وجه الرخصة من القرآن هو آية الاتباع للنبي صلوات الله -عليه وعلى آله- مطلقا؛ فكان توجيه القرآن اتباع ترخيص النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- بالمتعة؛ فهلا أخبرتمونا هل نسخ أو أزال القرآن تلك الرخصة النبوية بحيث يشهد لرواية التحريم التي رويتموها ورواها الشيخ الطوسي عن الإمام زيد عن آبائه عن أمير المؤمنين عن سيدنا رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- ؟!
⬅️ فجوابنا: أن ذلك مذكور موضّح من خلال الإتيان بكامل كلام الإمام زيد بن علي الذي لم يأت به السائل تامًّا من المجموع؛ وهو هذا:
((سُئلَ الإمام زيد بن علي (ع) عن المتعة ؟ ، فقال : (( رُخصَةٌ نزل بها القرآن وحرّمَها لمّا نزلت العـدّة والمَواريث، وهذا إجماع أهل البيت -عليهم السلام – ؛ فقيل: يا ابن رسول الله، وما الذي نسخها ؟ فقال: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(5)…إلخ الآيات} [المؤمنون]، فلم يبح الله تعالى إلا الزوجة وملك اليمين )) . [ مجموع رسائل الإمام زيد بن علي (ع) ] .
فكلام الإمام زيد بن علي -عليهما السلام- تامٌّ بيّن واضحٌ في أن منتهى ما يلزم أن يفهمه الناظر من قوله وقول سلفه بإجماعٍ هو التحريم؛ فالمناقشة بعد ظهور النتيجة في المسألة لغو لا طائل تحته؛ قإن قيل: يلزم للناسخ من القرآن منسوخٌ (آية) في القرآن؛ فأين الآية المنسوخة من القرآن؟! قلنا: لا يُشترط أن يكون للمنسوخ آيةٌ تثبته بعينه (بآية) في القرآن؛ إلا ترى أن الحكم بوجوب الصلاة لبيت المقدس لا ق آن فيه وهو حكم منسوخ؛ بينما تجد الناسخ في القرآن؛ وكذلك ما يُروى في أن الفرض كان الصيام يوم العاشر من المحرم ثم نُسخ ذلك فكان الفرض في القرآن صيام شهر رمضان؛ وغير ذلك؛ فيتأمل ناظرٌ؛ فيكون المنسوخ هو الترخيص النبوي كفعلٍ؛ ويكون المنسوخ في القرآن هو ذات الأمر باتباع النبي في ذلك الحال الذي جاء فبه ناسخٌ ينسخه إلى حالٍ آخر؛ إلى جانب قراءةٍ ينبغي أن يتأملها الناظر وهي أنه لم يسبق الترخيص في المتعة تحليلٌ شرعي بل كان نكاحًا جاهليًّا رفعه النكاح الشرعي الدائم المعلوم؛ فكان الترخيص بعدُ ثم التحريمُ لم يسبقه تحليلٌ سابقٌ ليُطلبَ دليل شرعي من القرآن على التحليل؛ وهذا مبحث جانبيّ قد زاىد عن حد الجواب على السؤال؛ ذكرناه تكاملا وفائدة للباحث؛ لأن قوله تعالى: ((فما استمتعتم به منهن))؛ فذلك عند العترة في سياق ومعنى النكاح الشرعي الدائم؛ والاستمتاع هنا هو ما يتمتع به الرجل من زوجته في العلاقة المشروعة لا أنه نكاح المتعة المنقطع؛ وقد بين هذا الإمام الهادي إلى الحق -عليه السلام- بأتم بيان في كتابه (الأحكام) يعود إليه المهتم.
فإن قيل: فتوضيح أكثر في أنه لا يلزم من الإمام زيد بن علي -عليهما السلام- الإشارة إلى آية معينة كمنسوحة في المتعة في القرآن ؟!
قلنا: يكفيك أن تعود تتأمل نفس كلام الإمام زيد فإنه لم يذكر للمنسوخ آبة وذكر للناسخ آية؛ وما كان سيمنعه شيء من أن يذكر للمنسوخ آية؛ فعندها توجه قوله: رخصة نزل بها القرآن إلى الأمر العام الذي تضمنه القرآن من طاعة النبي -صلوات الله عليه وعلى آله- في قوله جل شأنه: ((وما اتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا))؛ وهو جوابنا على القرآني الذي يقول لا أتبع تفاصيل أحكام الصلاة الواردة في السنة إلا بعد أن تذكروا دليلا من القرآن على اتباعها؛ فلا نذكر له آية بعينها في صفة الركوع وألفاظه أو السجود وألفاظه لأنه لا يوجد بل نذكر له أن القرآن قد نزل بتلك التفاصيل ونذكر له ما أمر به الله تعالى من طاعة النبي في أوامره ونواهيه وبيانه لجملة أحكام الصلاة بذلك التفصيل في السنة؛ لذلك كلام الإمام الأعظم زيد بن علي -عليه السلام- جد دقيق عندما لم يخصص آية منسوخة في المتعة بل جعل الأمر عامًّا في القرآن؛ وكذلك لو قال أحد هل نزل القرآن بالأمر لنا بالصلاة إلى بيت المقدس انطلاقا من أن القرآن تبيان لكل شيء، وأن أصل كل بيان وحكم ومعرفة فيه؛ فنجيب عليه: نعم؛ ذلك في كتاب الله تعالى عندما أمر باتباع أوامر النبي ونواهيه؛ وكانت أوامر النبي قد ثبتت بالطريق الصحيح عنه في السنة الأمر إلى بيت المقدس؛ فأصبح الصلاة إلى بيت المقدس من جملة ما أمر به القرآن في الاتباع …
فهذه لفتة أخيرة في هذا الموضوع أردت أن يكون كلام الإمام زيد نفسه هو الحاكم أمامك؛ فإنه عتد ذكر المنسوخ لم يذكر آية بل عمم الكلام على القرآن؛ فلما ذكر الناسخ خصص الآية من القرآن؛ وما بعد ذلك فلا يجوز مطالبة الإمام زيد ولا الزيدية بما لم يذكره الإمام؛ وبما يحتمل وجها في عدم ضرورة وجود آية بعينها منسوخة لأنه يجوز أن يتوجه ذلك إلى عموم القرآن الآمر باتباع سنن الرسول -صلوات الله عليه وعلى آله- فيكون عين الرخصة في المتعة في ذات السنة التي نزل القرآن باتباعها وتكون هي المنسوخ؛ ويكون الناسخ من القرآن كما حدد الآية -عليه السلام-؛ وغير ذلك إلزام من النص بما طائل تحته، ومع ورود الاحتمال يسقط الإلزام بالمعين.
وفقكم الله

اللهم صل وسلم على محمد وعلى آل محمد …

سؤال وجواب

توردون علينا كإمامية الرواية عن الإمام الصادق أنه قال عن المتعة

كان السّؤال:

تُوردون علينَا كإماميّة الرّواية عن الإمام الصّادق -عليه السّلام- أنّه قالَ عن المُتعَة وقد سأله عبد الله بن سنان عنها؛ فقال -عليه السّلام- : ((لا تُدنّس نفسَك بها))، وقالَ -عليه السّلام- عنها: ((ما تفعلها عندنا إلاّ الفواجر))، وكلّ هذا مرويّ في كتاب النّوادر لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري [النوادر:87]، وكتب النّوادر هي غير الأصول؛ فالنّوادرُ لا يُعمل عليها عند الإماميّة كما صرّح الشيخ المفيد بذلك في جوابات أهل الموصل، بعكس الأصول فإنّ المعوّل عليها؛ وأيضًا فإنّ كتاب النوادر وجادةٌ والوجادات ضعيفَة لا يُعمل بها، وكيفَ لو أوّلها بعض الشيعة: بأنّ المقصود الكراهة لأجل النساء ذوات الشرف، أو أن من يُمارس المتعة في ذلك الزمان هنّ الفاجرات.

🟩والجواب:

نأتي به من خلال عدّة مقدمّات يترتّب بعضها على بعضٍ في البيان:

🔵– المقدّمة الأولى:

أنّ بعض كتب النّوادر قد يُطلق عليها (نوادر) إلا أنّها تُعدّ في الأصول، كما قال الشيخ الطّوسي عند ذكرِ أحمد بن الحسين بن سعيد بن عثمان القرشي، قال: ((له كتاب النوادر، ومن أصحابنا من عَدّه من جُملة الأصول)) [الفهرست:71]، وكذلك قالَ الطوسي عند ذكر حريز بن عبد الله السجستاني، قال: ((له كُتبٌ، منها كتاب الصّلاة، كتاب الزكاة، كتاب الصّوم، كتاب النّوادر، تُعدُّ كلّها في الأصول)) [الفهرست:63]؛ فأنتَ تقفُ من هذه المقدّمة على أنّ دعوى أنّ كتب النّوادر ليس في حُكم الأصول التي عليها المُعوّل دعوى مضربَة غير مستقرّة؛ ثمّ لا عترة من اثني عشر قرنًا تضبطُ لكم ذلك الخلاف فيما كان من نُسخ متقدمّيكم؛ فجميعها بين أيديكم غير مُميّزَة إلا بانتخابات أصحابكم ومباني الشّهرة المذهبية عندهم؛ والاتّباع للعترة لا لرجالات الشيعة؛ فأينَ وأنّ أخبارًا تعدّونها غير معمولٍ بها موجودة في كتب النّوادر أصلُها أنّها من الأصول المُعتبرة الثّابتة؟! فإن قيل: عمل الأصحاب كاشفٌ. قلنا: فلكم عمل أصحابكم وانتخاباتهم، ولنا أنّ الرّواية في مصنّفاتكم على أصل ما أبرزناه لا يمكنكم نسبتها إلى أنّها من صنف النّوادر التي لا يُعمل بها، إلاّ وتجوزّون بناءً على ما سبق أنّها وإن كانت باسم (النوادر) فإنّها قد تكون معدودةً في الأصول، فالذي أبرزناه رواياتٍ عن الإمام الصّادق -عليه السّلام- تضدّ قولكم تشهدُ لما بين يديّ الأمّة من الرّواية عنه في تحريم المتعة.

🔴 – المقدّمة الثّانية: وقد ثبتَ أنّ كتب (النّوادر) ليس على الإطلاق خارجةً عن الأصول، بل قد تُعدّ من الأصول الثابتَة المعمول بها؛ فهل كان كتاب (النّوادر) لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري من تلك الأصول المشتهرة المعمول والمعوّل عليها؛ يُجيبُ عن ذلك الشيخ الصّدوق -شيخ الشيخ المفيد- وقد صنّف كتابه مُعتمدًا على الأصول المشتهرَة كما أخبر، وجعلها فيما بينه وبينَ الله تعالى؛ فيقول عادًّا كتاب (النوادر) لأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري منها: ((بَلْ قَصَدْتُ إِلَى إِيرَادِ مَا أُفْتِي بِهِ وَ أَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ‌[1] وَ أَعْتَقِدُ فِيهِ أَنَّهُ حُجَّةٌ فِيمَا بَيْنِي وَ بَيْنَ رَبِّي تَقَدَّسَ ذِكْرُهُ وَ تَعَالَتْ قُدْرَتُهُ وَ جَمِيعُ مَا فِيهِ مُسْتَخْرَجٌ مِنْ كُتُبٍ مَشْهُورَةٍ عَلَيْهَا الْمُعَوَّلُ وَ إِلَيْهَا الْمَرْجِعُ مِثْلُ كِتَابِ حَرِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السِّجِسْتَانِيِ‌، وَ كِتَابِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلَبِيِ‌، وَ كُتُبِ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ الْأَهْوَازِيِ‌، وَكُتُبِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، وَنَوَادِرِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى-، وَ كِتَابِ نَوَادِرِ الْحِكْمَةِ تَصْنِيفِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى بْنِ عِمْرَانَ الْأَشْعَرِيِ‌)) [من لا يحضره الفقيه:1/3]، فتتأمّل كيف جعل نوادر أحمد بن محمد الأشعري من الكُتب المشهورَة بل والمعوّل عليها بل والتي إليها المرجع! فكان كتابُ (النوادر) للأشعريّ مُعتبرًا لا أنّه من صنف النوادر التي رواياتها استثنائية أو غير معمول بها؛ وإلا لزمكم بذلك النقض على كليّاتٍ من كتاب (من لا يحضره الفقيه) وهو قد اعتمدَ على مثل ما هذا حالُه؛ ثمّ الخلاف بين الشيخ المفيد المسدّد بالمهدي -كما تروون- وشيخه الشيخ الصّدوق المولود ببركة دعوة المهدي -كما تروون- ، ليسَ الأمرُ فيه إليكم في التمييز وإنمّا الأمر إلى العترة يفزعُ إليها المكلّفون؛ لأنّكم كفقهاء قد اختلفتُم فيما الأمرُ فيه ليس هيّنًا فيما يترتّب عليه في المعرفة عند المكلّف؛ ثمّ على كلّ حالٍ ما سيُقال إنمّا يُنسبُ إليكم لا إلى العترة، ثمّ الرّواية على ما أبرزناها تامّةٌ في كونها من أصلٍ معتبرٍ معمولٍ عليه عليه المعوّل وإن كان اسمه (النوادر).

🔵 – المقدمّة الثّالثة: وهي في مُناقشة أنّ كتاب (النوادر) وجادة لا يوجد لكم إلى مصنّفه سندٌ متصّل؛ فذلك يهدم عشرات الكُتب والرّسائل عند الإماميّة ليس لها مرجعٌ في الإثبات إلاّ الوجادات، وقد ذكرَ الشيخ آصف محسني منها (بصائر الدرجات) للصفار، و (الاختصاص) للشيخ المفيد، فهل سيُعاملهما الإماميّ بنفس الضّابط من كونها وجادات لا يُعلم حال نُسخها؛ ونأتي بكلام الشيخ آصف محسني يعودُ إليه المهتمّ لأنّنا لا نعوّل في المعرفَة من حال الإمام الصّادق -عليه السّلام- في إنكار المتعة وتحريمها على ما جاء في كتاب (النوادر) هذا، وإنما لنا مصادرنا من طريق العترة -عليهم السلام-، كما أنّ الشيخ الطوسي أيضًا قد روى تحريم المتعة في (تهذيب الأحكام) عن الإمام الأعظم زيد بن علي عن آبائه عن أمير المؤمنين -عليهم السلام- وإن كان الطوسي حمله على المتعة فذلك يلزمُه هُو ولا يلزمُ الإمام زيد وآباءه -عليهم السلام-، فكان التحريرُ هنا في هذه المقدمة بعد ثبوت (النوادر) كأصلٍ معتبرٍ أو كتابٍ مُعتبر عليه المعوّل؛ بأنّه يلزم أن يُعامل في القبول كما تعتمد الإمامية مع الوجادات الأخرى وناهيك بها، يقول الشيخ آصف محسني: ((فيه آيتان و 118 رواية؛ وجملةٌ منها منقولة مِن (بصائر الدّرجات) للصفار الثقة، ومن (الاختصاص) بإسنادٍ مُعتبرة لكن نُسخَتي الكتابين لم تَصِلا الى المجلسى بسندٍ مُعتبر، بعبارة أدق إن وصولَهما إليه لم يثبت بسند معتبر مُتّصل، بل الظاهر أنه يَنقل عنهما وجادة، و لم يعلم أنهما في الفصل الطويل بين البرقي و مؤلّف الاختصاص و المجلسي رحمهم الله أين كانتا و مَا مَر عليهما؟ و هل سَلِمَتَا الزّيادَة و النّقصَان أم لا؟ و هَذا السؤال أو الاعتراض يجري في صحةِ كُتبٍ أخرى (كغيبة النعماني) و (أمالي المفيد) و (الطوسي) و (تفسير القمي) و كتاب (المحاسن) للبرقي، على أنّ مؤلِّفَ الاختصاص أيضًا غير المعلوم، و إن نسبةَ المؤلَّف إلى المفيد يليكنه لا دَليل مُعتبر عليها)) [ مشرعة بحار الأنوار:1/405]؛ فتتأمّل كيف أنّ معوّل الإماميّة بل أصولٌ من معارفهم قائمةٌ على هذه الوجادات لهذه الكتاب؛ وما يسع المُنصف يتعامل مع (نوراد) أحمد بن عيسى الأشعري إلاّ بما سيتعامَلُ به مع بقيّة الوجادات؛ إذا كان مرتكز الإنكار سيكون أن الكتابَ وجادةٌ؛ ثمّ لا عترة من اثني عشر قرنًا؛ فالأخبار بذلك التستاهل والاعتماد على ما قد لا يكون في أصلِه ككتابٍ يصحّ، ويزيدُ وينقصُ ويُدسّ فيه؛ تكون تبخيتًا واجتهادًا بين يديّ رجالات الشيعة المختلفين غير المعصومين -على أهمية شرط العصمة في المعرفة عندهم- ليصدّروا لنا فيما بعد قول العترة.

🔴 – المقدّمة الرّابعة: أنّ التأوّلات المذكورة للخبرين ركيكةٌ، القول بأنّها متوجّه للنساء ذوات الشرف، أو المشهورات بالبغاء ممن يتناولنَ المتعة؛ فمن أراد الاعتماد على قول رجالات الشيعة في تلك التأويلات فذلك حظّه؛ فأمّا الخبرَان فهُما ثابتان في موضوع تشنيع المُتعة من حيث هي واستفادة الحرمة منها هي الظّاهرة؛ فما بين الحلال والسّفاح (الفجور) إلا فعلُ المُحرَّم أو فعل المشروع؛ فلا تفعل المتعة إلا الفواجر الزّانيات من رواية الإمامية.

وبهذه المقدمة وما قبلها يتم البيان، والحمد لله.

وفقكم الله

اللهم صلّ وسلّم على محمد وعلى آل محمد …

سؤال وجواب

هل لدى الزيدية مفهوم إمامنا قتل إمامنا كم قد يقال في حق الفرقة السنية

– كان السّؤال:

هَل لدَى الزيدية مفهومُ: إمامُنا -عليه السّلام- قتَلَ إمامنا -عليه السّلام- ؛ كم قد يُقال في حقّ الفرقة السنيّة : الصّحابي -رضي الله عنه- قتلَ الصحّابيَّ -رضي الله عنه- ؟!. هذا من طرحِ الإماميّة في قراءة بعضِهم لما حصَل من مُعارضَة البعضِ على الأئمّة الدّعاة وما حصَل من فِتن واقتتال!.

والجوابُ:
أنّ هذا تحريرُ ضيّقُ الأفق والمُراهِق؛ بل والمتطفِّل على البحث العلميّ؛ وهذا فيتم توجيههُ توجيهاً علميّاً في الجواب؛ ثم يُترك وشأنُه -فإنّه لن يكفّ غالباً- ويكونُ هو المسؤول عن نفسه؛ وحسابُه فعلى الله تعالى؛ ولتبيان المسألَة -باختصارٍ- نأتي بعدّة مقدّمات حليّة ونقضيّة:
– المقدّمة الأولَى: أنّ الزيديّة لا تُؤمن بعصمَة آحاد العترة -آحادِ الفاطميين-؛ بل تقولُ أنّ منهم: الظّالم لنفسه، والمقتصدُ، والسّابق بالخيرات؛ فمرتكبُ الكبيرة المصرّ عليها بلا توبةٍ؛ مستوجبٌ للعقاب بمحكمات القرآن الكريم. وهاهنا مُفارقَة مع مَنْ يعتبرونَ -تصريحاً أو لازماً- جميع الصّحابة مغفورٌ لهم؛ قد أثنَى الله عليهم بإطلاقٍ بدون اعتبارٍ لأحوالِهم وأفعالِهم؛ فالقياسُ باطلٌ؛ ومعه فارقٌ.
– المقدّمة الثّانية: أنّ الزيديّة لا تقولُ إمامُنا قتلَ إمامَنا؛ هذه مُراهقَةٌ بحثيّةٌ؛ لأنّ الزيدية لا تثبتُ الإمامَة لكليهِما؛ بل الإمامُ منهما واحدٌ؛ والآخَرُ المُعارضُ له إن ثبتَ بغيُه وتعمّدهُ فإنّ الزيديّة تُلحقُه بحالِه الذي ألحقَ نفسَه به؛ فلا تُرضّي عليه؛ وتوجبُ له العِقاب. وإذا اشتبَه علينَا نحنُ المتأخّرين وسائل معرفَة الحُكم بينَ المُتعارِضَين؛ بحيث لم يُفد النّقل عن أحوالِهما علماً يُقطع معه على بغيٍ أو تعمّدٍ؛ بل نُقل صلاحُ حالٍ؛ ووجود شُبهةٍ قائمةٍ؛ فإنّنا كمُتأخّرين فاقدون لآلَة الحُكم بين المُتعارِضَين؛ وعندما فقدنا آلَة الحُكم والفصل والتمييز فإنّنا نعمَلُ باستصحاب السّلامَة من حُسن حالِ كلّ واحد منهما؛ مع اعتقاد أنّ الإمام في علم الله واحدٌ منهما؛ وأنّ الله يفصلُ بينَهم؛ فهذا القولُ منّا لكليهما : عليه السّلام، أو رضوان الله عليهما؛ ليسَ أصلُه تصحيح موقف كلّ واحدٍ منهما من ذلك التّعارض؛ بل تثبتُ خطأ أحدهما.
فإن قيل: فما الفرقُ بين هذا وبين قولِ بعضِ المنتسبين إلى الفرقة السنيّة؟!.
قُلنا: الفرق جليّ بيّنٌ؛ وذلك أنّ الأدلّة القاطعة قد قامَت على فِسق أو معصيَة عدد من الصّحابة ثمّ هُم مع ذلك يقولون فيهم بالترضيَة أو يجعلونهم من أهل المغفرَة والقَبول لمكان ذات الصّحبة، ويعمّمون عليهم آياتٍ من القرآن، وهذا ليسَ قول الزيدية؛ لأنّ الفارق أنّنا في هذا الزّمان قد فقدنا طريقَ القطع على فِسق أو معصيَة أحدِ المُتعارِضَين؛ فكان التّكليفُ هُو الحملُ على السّلامة بما قد بلغنا من أخبارٍ حسنةٍ من حالِهما؛ لأنّ التهوّكَ في التفسيق للمُعيّنٍ بلا دليل قطعيّ منهيّ عنه؛ فأنت الآن تعرفُ الفرق.
– المقدّمة الثّالثة: وهي نقضيّةٌ؛ فإنّ الإماميّة -وهُم أصحابُ هذا الطّرح- يلزمُهم ما أنكروا وبلا فارقٍ؛ وبما هُو أوضح وأدلّ وألزَمُ؛ فإنّهم يروون في كُتبهم لعن وذمَّ الإمام الصّادق وغيرهم من أئمّتهم -عليهم السّلام- لعدد من رؤساء مذهبهِم وكبارِهم؛ من أمثال: زُرارة بن أعين، ومؤمن الطّاق، وهشام بن الحكم، وهشام بن سالم، وأمثالهم؛ ثمّ هُم يُرضّونَ عنهم؛ ويجعلونَهم بينَهم وبين الله تعالى وسيلةً في الاعتقاد والفِقه وتأصيل المذهب؛ فيكون لازمُ ذلك أن يكون حالُهم: رضي الله عن كبار سلفِنا زُرارة الذي لعنَهُ الإمامُ المعصومُ جعفر بن محمّد، ورضي الله عن مؤمن الطّاق كبار سلفنا الذي لعنه أو ذمّه الإمام المعصوم جعفر بن محمّد؛ فهذا من جهَة؛ ثم من جهةٍ أخرى: سلفُنا الحافظُ الشيّخ الصّدوق رحمه الله الذي أزرَى به سلفُنا الحافظُ المُتكلّم الشيخُ المفيد رحمه الله؛ ثمّ كلاهُما من رُواة الحديث أو الُفقهاء الذين أوصَى الإمام الغائب المهدي بالتمسّك بهما؛ وكلّ فقيهٍ يلعنُ ويضدُّ الفقيه الآخَر؛ ومعلومٌ أنّ الشيخ الصّدوق لعنَ جماعةٍ كبيرةً من سلف الإمامية في مسألة السّهو، ونسبَهم إلى التفويض، وإلى الغلو، وكذلك سلفنا الصّالح القميّون وما أزروا به على الشيخ المفيد، وما أزرى به عليهِم؛ وجميعهم قدّس الله أرواحهم، وجميعُهم لأهل زمانِهم وصيّةُ الغائب في التمسّك والأخذ والتلقّي؛ فأصبحَ لا إمام معصوم حاضر؛ ولا رواة حديثٍ أو فُقهاء أو مراجع إلاّ وهُو مختلفون في أصولٍ وفُروعٍ؛ بما قد بيّناه بإسهابٍ في جواباتٍ متفرّقة؛ يطلبها السّائل من مظانّها.
نعم، ثمّ إنّ من طَالعَ تُراث الإماميّة؛ وجدَ أنّهم قد أقدموا على دماء بعضهم البعض؛ إمّا بما حصلَ للميرزا الاسترآبادي من وشايات بل من سفكٍ لدمه وجماعةٍ من الأخباريّة؛ والسّافكُ والمسفوطك دمُه كلاهما -عند أنفسهما- يرون المرجعية والتصدّر لشيعة الغائب؛ ويرى كلّ واحد منهما أنّه هو المصداقُ لأمر المهدي الغائب بالتمسّك به؛ وكلّ مع اختلافِ المنهجيات العلميّة ليسَ فقط اختلافٌ في السيرَة والعدل؛ يرى أنّه هو الذي على منهج أهل البيت -عليهم السّلام-؛ ثمّ كذلك ما يحصُل اليوم بين فُقهاء ومراجع الإمامية من وشايات بينهم لسلاطين الدّول، وإيقاعُ ببعضهم البعض إمّا ظاهراً وإمّا خافياً؛ بل بما قد اتّهموا بعضهم البعضَ به من تُهم القتل للفُضلاء أو المراجع أو إسكاتِهم وقهرهِم وإسقاطهم عن المرجعية؛ وإنكارُ هذا كلّه سفسطَة؛ حتّى إذا وجدت جماعةً من الإمامية تُريدُ منهم أن يُعيّنوا مُحقّاً أو مُبطلاً من هؤلاء كلّهم؛ أو يتبرّأون ويُفسّقون ويُخرجون عن حدود الإيمان؛ تجدُ جماعةً يسكتون ويكتفون بالترضيَة عن الجميع استصحاباً لحال السّلامة؛ أو فقداً لآل القطعِ في الحُكم، ونحو ذلك من الأعذار التي سيُقدّمونها؛ فهل يقولُ هؤلاء لأنفسِهم أنّكم قد وقعتُم فيما عبتُم به غيرَكم؛ أم أنّكم -على هذا الحال- أقرب إلى الفهم واسع الأفق لما عبتُم غيرَكم به؟!. ثمّ المُشكلُ أنّ اختلاف مُختلفيكم اختلافُ منهجيّات فكريّة؛ وليسَ هذا حالُ مُُتعارضِي أصحابنا؛ فإنّهم على قولٍ واحدٍ جامعٍ في منهجيّتهم الفكريّة؛ كيف وأنتُم بعدُ بقضّكم وقضيضكم لم تُجمعوا بعدُ على أنّ القرآن غير محرّف ولا ناقص وأنّه تامّ؛ وهذا فأصلُ الشريعَة؛ وما بعدَه من نتيجَة فيترتّب عليها علومٌ أو جهالاتٌ؛ ثمّ لا عترَة لكم من اثني عشر قرناً!.
وفّقكم الله
اللهمّ صلّ وسلّم على محمّد وعلى آل محمّد …

فهرس الشبهات الإمامية والرد عليها, سؤال وجواب

ماهو ردكم على من يقول أن الإمامية المتأخرين والمتقدمين مجمعون على أصول واحدة  وأن اختلافهم فقط في القليل من مسائل الفروع

كان السّؤال :

أن الإمامية المتأخرون والمتقدمون مجمعون على أصول واحدة ، وأن اختلافهم فقط في القليل من مسائل الفروع في الحلال والحرام وهي قليلة جدا ، فما هو توجيهكم . وأن خلاف المشبهة والمجسمة ممن حكاهم الشريف المرتضى الموسوي ليسو من الإمامية بتشبيههم وتجسيمهم ، وأن الإمامية تعريفُ عقيدتهم جامع مانع .

والجواب :

أنّ هذا قولُ من لم يعلَم الإماميّة ، ولم يعلَم من قولِهم واعتقاداً إلاّ جانباً أو قولاً واحداً  وإلاّ فإنّه لا يستطيع الإماميّ أن يجزم أنّ اعتقادَه مرضيٌّ عند إمامهم الغائب ، أو سلفه من الأئمّة ، لمّا كانت الرّواية عن المعصومين أئمّتهم متناقضَة ، وكان الفقهاء والعلماء يستنبطون من ذلك العقائد والفروع المختلفة ، وأعظَم الخلافات في أصول الشرائع خلافهم في القرآن الكريم مصدرُ الشّريعة الذي به ومعه انهدام الشّريعة أو تمامها ، فإنّ منهم من يقول بتحريفِه بل نقصِه حتّى ألّف في ذلك الشيخ النّوري كتابه (فصل الخطاب في تحريف كِتاب ربّ الأرباب) ، أتى فيه بألف رواية يثبتُ فيها ذلك ، ويقول العلامة المجلسي من تواتر روايات نقص القرآن وتحريفه : ((في معرضِ كلامٍ له عن روايَةٍ مَضمونُها التّحريف: ((وَلا يخفى أنّ هَذا الخبر وَكثيرٌ من الأخبَار الصّحيحَة صَريحة في نَقْصِ القُرآن!! وَتغييره، وَعِندي أنّ الأخبَار في هذا البَاب مُتواتِرَةٌ مَعنىً ، وَطرح جَميعها يُوجب رَفع الاعتماد عَن الأخبَار رَأساً ، بل ظنّي أنّ الأخبَار في هَذا الباب لا يَقصر عَن أخبَار الإمَامة فَكيفَ يُثبتونَها بالخَبر)) [مرآة العقول:12/525] ، ومعلومٌ لا يُنكر ذلك إلاّ جاهلٌ أنّ من أعلام الإمامية من قال بتحريف القرآن ونقصه بناءً على تلك الرّوايات ، فكيف يُقال أنّ الإمامية لم يختلفوا في الأصول ؟!. فإن كان قصد صاحب الشّبهة أنّه وأصحابه هم الإمامية ومن يقول بنقص القرآن ليسَ بإماميّ ، فإنّ للقائل بنقص القرآن أن يردّ عليهم ومن قالَ لك أنّك أولى بالإماميّة منّي ، هل أتاك المعصوم وقطعَ لك في قولِك وعقيدتك وإغفالك للروايات الإمامية الكثيرة عن المعصومين في نقص القرآن وتحريفه ؟!.

وكذلك كان من الإمامية المتقدمين المجسّمة والمشبّهة والمجبرَة ، يقول الشريف المرتضى الموسوي في سياق ذكر رواياتهم : ((وإنّ القُمّيين كُلّهم مِن غَير استثناء لأحَدٍ مِنهُم إلاّ أبَا جَعفَر بن بَابويه – رحمة الله عليه- بالأمْس كَانُوا مُشبِّهَة مُجبرة، وكُتبهم وتَصانيفهم تشهد بذلك وتَنطق به)) [رسائل المرتضى:3/310] ،

فإن قال صاحب الشّبهة أولئك ليسو إماميّة لأنّهم مشبّهة ومجسّمة ؟!.

فنقول : وإمامكم غائبٌ فإنّ لهم أن يقولوا وأنتُم فليسَ لكُم أن تحتكروا الإمامية في قولِكم في التنزيه ، وإنما تلك أنظاركم العقلية وتلك انتقاءاتكم من روايات الأئمّة ، كما أن تلك أنظارنا العقليّة وانتقاءاتنا من روايات الأئمّة في التشبيه والجبر ، فكيف يقولُ صاحب الشّبهة بأنّ عقيدة الإمامية في مفهومها جامعة مانعة ، بل إنّهم أكثر الفرق الشيعية عرضةً لزئبقيّة الاعتقاد وعدم المعرفة هل اقتربوا أم ابتعدوا من عقيدة الغائب أو آبائه ، فالعترة بعيدة عنهم وعن أقوالهم العقائدية وتضادّها .

بل انظر الشيخ الصّدوق في زمانه يؤلّف كتابه في الاعتقادات ، ثمّ يأتي بعد الشيخ المفيد ليُؤّلف كتاباً فيه يُصحّح اعتقادات الشيخ الصّدوق (تصحيح الاعتقادات) ، فكيف يُقال بأنّ اعتقاد الإمامية واحدٌ والاثنان في قرنٍ زماني واحدٍ وهذا يأتي بعقيدةٍ والثاني يُصحّحها بعقيدة يدوّن لأجلها كتاباً ، حتّى قيل ما انتشر التنزيه في الإمامية واقتربوا من العدل إلا بعد الشيخ المفيد وتلمذته على الشيخ الجُعل المعتزلي .

ثمّ انظر كيف يلعن الشيخ الصدوق الإماميّة إلى اليوم في قولهم بالشهادة الثالثة في الأذان ويسميهم المفوضة .

فيقول : ((هذا هُو الاذان الصّحِيحُ لا يُزاد فيه ولا يُنقص منه، والمُفوِّضَة لعنهم الله قَد وَضَعُوا أخبَاراً وَزَادوا في الأذَان ” محمد وآل محمد خير البرية ” مَرَّتين، وفي بَعضِ رِوَاياتهم بعد أشهد أن محمدا رسول الله ” أشْهَدُ أنّ عَليّا ولي الله ” مرتين)) [من لا يحضره الفقيه:1/290] .

ومن ذلك تضليلُ ولعنُ الإمام علي بن موسى الرّضا – عليه السّلام – ، والشّيخ ابن الوليد ، والشّيخ الصّدوق لمنَ قال بالعصمَة من السّهو والنّسيان ، يقول الشيخ الصدوق : ((إن الغلاة والمفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي صلى الله عليه وآله)) اهـ [من لا يحضره الفقيه:1/359] ، ومُفوضّةً عند الشيخ ابن الوليد ، قال الشيخ الصّدوق : ((وكان شيخنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله يقول: أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله، ولو جاز أن ترد الأخبار الواردة في هذا المعنى لجاز أن ترد جميع الأخبار وفي ردها إبطال الدين والشريعة.

وأنا أحتسب الاجر في تصنيف كتاب منفرد في إثبات سهو النبي صلى الله عليه وآله والرد على منكريه إن شاء الله تعالى)) [من لا يحضره الفقيه:1/360] ، والإمامية اليوم يقولون بإنكار السهو والنسيان ، ولو قيل للشيخ الصدوق أو ابن الوليد أنتما لستما بإمامية لمخالفتكما ما نقول به ، لقالا : ومن قال لكم أن الإمامية منحصرة أو تصح أصلاً منكم أو في قولكم بنفي سهو النبي –صلوات الله عليه وعلى آله-. فتعلم أنّ غيبة العترة قد جعلت الإمامية عرضة للاختلاف في أصولهم ، وناهيك بالعصمة عندهم .

وقد قدح الشيخ المفيد في الشيخ الصدوق قدحاً عظيمًا لأجل قوله هذا .

فكيف يقول صاحب الشبهة أن الإمامية غير مختلفين في أصولهم ، لولا عدم الاطلاع والتمييز ، وأن يكون أحدهم قدّم له نظريةً جاهزة أو كتاباً بمسمى عقائد الإمامية وقال هذه عقائدنا ، فلّبسَ على نفسه بعدم الاطلاع والنظر . ومن ذلك قول الشيخية في الأصول وقول أتباع أحمد بن الحسن اليوم فإن هؤلاء على خلافات أصولية وهم يقولون أنهم إمامية ويعتمدون على أخبار العترة المعصومين أئمة الإمامية ، ولا يستطيع صاحب الشبهة أن يقول أنهم ليسو بإمامية إلا من باب انتقائه وأصحابه لروايات المعصومين ، وسيقولون هل لكم من الغائب عهد بصحة قولكم دون قولنا الذي ضللتمونا وكفرتم بعضنا لأجله ؟!. وهذا نتاج غياب العترة .

ولدي أمثلة في الاختلاف غير هذا والمقام يقضي بالاختصار ، ولكن أرشدُ الباحث لينظر بتأمل قول العلامة عبدالله المامقاني (ت1351هـ) : ((انّ أكثر ما يعدّ اليوم مِن ضَروريات المَذهب في أوصَاف الأئمّة عليهم السّلام كانَ القَول به مَعدوداً في العهد السابق مِن الغلو)) [تنقيح المقال في أحوال الرجال:2/305] ، لتقف على التبدل في الأصول والعقائد الإمامية ، ويقول : ((لما نبّهنا عليه في الفائدة الخامسة و العشرين، مِن وضوح أنّ القدماء كانوا يعدّون غلوّا و ارتفاعا جملة ممّا نعدّه اليوم من ضروريات مذهب الشيعة في حقّ أئمّتهم -عليهم السّلام-)) [تنقيح المقال في أحوال الرجال:2/377] .

وأما في الفروع واسعة فكيف يقول صاحب الشبهة أنها قليلة جداً ، وهذا الشيخ الطوسي يحكي أن اختلافات فقهاء الإمامية في القرن الخامس فقط بلغت أكثر من خلافات أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة !! ، يقول : ((وَقد ذَكرتُ فيما وردَ عَنهُم -عليهم السّلام- في الأحَاديث المختلفة التي تخصّ الفِقْه في كِتَابي المعروف بالاستبصَار ، وفي كتاب تَهذيب الأحكَام ، مَا يَزيد على خمسَة آلاف حَديث، وَذَكرتُ في أكثرِهَا اختلاف الطّائفَة في العَمَل بها ، وذلكَ أشهَر مِنْ أنْ يخفَى حَتّى أنّك لَو تَأمّلت اختلافَهم في هَذه الأحكَام وَجَدته يَزيد على اختلاف أبي حَنيفةَ والشّافعِيّ ومَالك)) [عدة الأصول:1/137] ، ثم بعد ذلك يقول الشيخ الفيض الكاشاني يقولُ : ((فصارَ ذلك كلّه سبباً لكثرَة الاختلاف بينَهم [أي بينَ أصحابهم فقهاء وعلماء الإمامية] ،وتزايُده ليلاً ونهاراً ، وتوسّع دائرته مدداً وأعصاراً ، حتّى انتهى إلى أن تراهُم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولاً أو ثلاثين أو أزيَد ، بل لو شئتُ أقول : لم تبقَ مسألةٌ فرعيّةٌ لم يختلفُوا فيها أو بعض مُتعلّقاتها)) [الوافي:1/16] .

حتى أنه قد التبس على شيخهم الشيخ ابن طاووس (ت664هـ) لك كله من تلك الاختلافات وتناقض الروايات عن المعصومين وغياب المهدي وعدم معرفة هديه وطريقته من حال أولئك المختلفين أو تلك الاختلافات الروائية عند الإمامية فجعله ذلك يرجّح اعتزَال الفُتيا ، قال: ((لأنّي كُنت قَد رَأيتُ مَصلَحَتي وَمَعاذي في دُنياي وآخرَتي مِنَ التفرّغ عن الفَتوى في الأحكام الشّرعيّة، لأجل مَا وَجدتُ مِن الاختلاف في الرّواية بين فُقَهاء أصحَابِنا في التّكاليف الفِعليّة، وَسَمعتُ كَلام الله جلّ جلاله يَقول عن أعزّ مَوجُود عليه مِن الخلائق عليه محمد (صلى الله عليه وآله): ((وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاَْقاوِيلِ لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَد عَنْهُ عَاجِزِينَ))، فَلو صَنّفتُ كِتاباً في الفِقه يُعمَل بَعدي عَليها كان ذلك نقضاً لتورّعي عَن الفتوى ، ودُخولاً تحت حظر الآية المشار إليها، لأنّه جلّ جَلاله إذا كان هَذا تَهديدُه للرّسُول العزيز الأعلم لَو تقوّل عليه، فكيفَ يَكُون حالي إذا تقوّلت عليه جلّ جلاله وَأفتيت أو صنّفت خَطأً وغلطاً يَوم حُضوري بين يديه)) [سعد السعود للنفوس:113 ] ، فتأمل ذلك من قول صاحب الشبهة أن الاختلافات قليلة في الفروع ، وما قال به ومعه فهو سيعود يُصحح قول الزيدية وغيرهم في الاجتهاد .

والزيدية فالعترة فيهم في كل زمان بأئمتهم أو أعلامهم العلماء الهداة وقوله في التوحيد والعدل مشهور لا يختلفون فيه قولاً واحدا إلا من جهة عدم ثبوت الرواية عن الواحد من سلفهم ، فإن العترة اللاحقة في الأمة تبين ذلك ووجهه ، فالمبيّنون هم العترة لا أن ذلك قولٌ بمعزل عن العترة كما هذه الاختلافات عند الإمامية لا يعلمون معها هل العترة عنهم راضية عنهم كلهم أو بعضهم ، ومن هم أولئك البعض في أصولهم .

– تعليق : إن قيل : ولكنّ الشريف المرتضى لا يوجّه خطابه للإماميّة عندما تكلّم عن القميين ، وإنّما هُو يتكلّم عن غير الإماميّة من أهل قم ، عن أصحاب قمّ قبل أن يكونوا إماميّة حيث كانَت فيهم مذاهب المشبّهة والمُجبرَة ، وذلك عندما قال : ((وإنّ القُمّيين كُلّهم مِن غَير استثناء لأحَدٍ مِنهُم إلاّ أبَا جَعفَر بن بَابويه – رحمة الله عليه- بالأمْس كَانُوا مُشبِّهَة مُجبرة، وكُتبهم وتَصانيفهم تشهد بذلك وتَنطق به)) [رسائل المرتضى:3/310]  ؟!.

– قلنا : إنّ خطاب الشّريف المرتضى لم يكُن متوجّها لغير أصحاب الإمامية ورواتِهم ، وذلك أنّ جُملة من رجال الإمامية وسلفهم كانوا على القول بالتشبيه والجبر ، وكانوا ينسبون ذلك إلى أئمّة العترة ، ويتعبّدون الله تعالى به على أنّه منهج العقل والكتاب والسنة والعترَة أئمتهم المعصومين ، وفي ذلك التشبيه والجبر روايات كثيرة في كُتب الإمامية يستندون إليها ، ومن تأمّل سياق وخطابَ الشريف المرتضى علمَ أنّه يتكلّم عن أصحابهم الإماميّة في ذلك الزّمان ، أو الذين ينسبون أنفسَهم إلى الإماميّة ، وسياق كلامِه بعُموم يدخُل فيه كل مَن قال بإمامَة الإمام الصّادق (ع) بالوصيّة ، من الإماميّة أو الواقفة أو الحلوليّة أو المشبّهة والمجسّمة ، وهُم من رواة الإمامية ورجالِهم ، وهذا أوّل كلامِه يتكلّم عن روايات أصحابه الإماميّة ، قال : ((فإنّ مُعظمَ الفِقه و جمهوره بَل جميعه لا يخلو مُستنده ممن يذهَبُ مَذهب الوَاقِفَة)) اهـ ، فهل يظنّ صاحب الشّبهة أنّ ذلك يتوجّه إلى الفرقة السنيّة في ذلك الزّمان في أنّ مُعظم بل جميع فقههم لا يخلو مُستنده –أي طريقُه- ممّن يذهبُ مذهب الواقفَة ؟!. هذا لا يقول به إلاّ أهل التّرقيع ، فالكلام متوجّه لأصحاب ورجال الإماميّة في السياق ، ومنَ السّياق كلامهُ على أهل قُم ووصفهم بأنّهم مشبّهة ومُجسّمَة ، فذلك لا يُريدُ به غير أصحابِهم ورجالِهم ورواة حديثهِم ، وهذا سياق كلام الشريف المرتضى كاملاً : ((فإنّ مُعظم الفقه وَ جمهوره بل جميعه لا يخلو مُستنده ممن يذهب مذهَب الواقفة، إمّا أن يكون أصْلاً في الخبر أو فَرعاً ، رَاوياً عَن غيره و مَروياً عَنه. و إلى غُلاةٍ ، و خَطّابية، و مُخمِّسة، و أصحاب حلول، كَفُلان وفلان ومَن لا يُحصى أيضاً كثرة. وإلى قمّي مُشبّه مُجبر. وأنّ القُمّيين كلّهم من غير استثنَاء لأحَدٍ مِنهُم إلا أبَا جَعفر بن بابويه -رحمة اللّٰه عليه- بالأمسِ كَانُوا مُشبِّهَةً مُجبرِة، وكُتبُهم و تَصانِيفُهم تشهَد بذلك وتنطق به)) [رسائل المرتضى:3/310]  ، فتنظرُ أنّ المُستثنَى –أبو جعفر ابن بابويه الإماميّ- هو من جنسِ المُستثنى منه –أصحابُهم الإماميّة- ، فالخطاب من الشّريف المرتضى متوجّه إلى أصحابهم الإماميّة ، والقولُ بأنّه متوجّه للفرقة السنيّة ترقيعٌ وهُروبٌ لا يخدمه السّياق ، بل إنّ الشيخ أبا الحسن ابن محمد بن طاهر الفتوني العامليّ – من شيوخ الإماميّة- انبرَى يُنزّه أصحابَهم القميين الإمامية من كلام الشريف المرتضى ، وقد عرّضَ بالشريف المرتضى في أوّل رسالته (تنزيه القميين) ، وما ذلك إلاّ لمّا كان كلام الشريف المرتضى يتوجّه إلى الإماميّة وأنّهم كانوا مشبّهةً مُجبرَةً ، ثمّ إنّي قد تفّحصتُ كلامَ الفتوني العاملي فما وجدتَه يعتمدُ إلاّ على رجالٍ ممدوحين في زمان الإمام الصّادق (ع) ، وكلام الشّريف المرتضى يطرقُ زماناً مُتأخّراً ، ثمّ هُو يعتمدُ على أخبارٍ ضعافٍ ، ثمّ هُو يبرزَ جانب التوثيقِ للرّجال القميين ، وهذا لا يُعارضُ عدم القول بالتشبيه والجبر ، لأنّ جُملةً من رجال الإمامية مُوثّقون وهُم على اعتقادٍ فاسدٍ كالجبر والتشبيه ، وسنأتي على هذا قريباً –إن شاء الله تعالى-  ، فعرفتَ أنّ كلام الشّريف المرتضى يتوجّهُ إلى رجالٍ إماميّةٍ من أصحابهم قُميّين ، بل تجدهُ يصفُّ أعلاماً وأساطين إماميّةً من الرّجال في زُمرة أهل التشبيه والحشو ، فيقول الشريف المرتضى : ((زَعمت المُعتزلة بأسرِهَا ، وكَثيرٌ مِنَ الشّيعة  والزيدية ، و الخوَارج ، والمُرجئة بأجمعها : أنّ اللّٰه تبارك و تعالى لا يجوز أن يتحرَّك، و لا يجوز أن يكون في الأمَاكن ، و لا في مَكانٍ دُونَ مَكان، و أنّه في جميع الأمَاكن بالعلم بها و التدبير لها. وقال هِشام بن الحكم، وعلي بن مَنصور، وعَلي بن إسماعيل بن ميثم، ويُونس بن عبد الرّحمن مولى آل يقطين، و ابن سالم الجَواليقي، و الحَشوية و جماعة المشبهة : أنّ اللّٰه جل و عز في مَكانٍ دُون مَكان ، و أنّه يَتحرك ويَنتقل، تعالى اللّٰه عن ذلك عُلواً كبيراً)) [رسائل المرتضى:3/281] ، فتأمّل أعلام الإمامية هؤلاء كيفَ أنّ قولهم هُو التجسيم والتشبيه ، والله المُستعان ، ولذلك عنهم شواهد ليس هذا مقام البسط فيها ، ونخصّ هشام بن الحكم ، إلاّ أنّنا نكتفي بأنّ هؤلاء الرّجال الإماميّة كانوا على قول الحشوية والمشبّهَة وهم أعلام الإماميّة ، فليس بمُستغربٍ توجيه الشريف المرتضى الكلام إلى أهل قمّ على أنّهم أهل تشبيه وجبرٍ وهُم على ذلك الحَال من أسلاف الإماميّة ، ليصرفَ صاحب الشّبهة الكلام إلى غير الإمامية من الفرقَة السنيّة ، فإنّ الشريف يعدّ من أسلاف الإمامية من كانوا على التشبيه والجبر كهؤلاء المذكورين ، وناهيك ببعضهم في جلالة القدر والرّفعة عند الإمامية .

ثمّ أشير إلى أنّ أصل توجيه الكلام ليسَ الغرض منه تبيان أنّ أهل قمّ إمامية مشبّهة ومُجبرَة أو أولئك المذكورون ، وإنّما الإشارَة إلى أنّ هؤلاء كلّهم يعتقدونَ أنّ ما هُم عليه من التشبيه أو الجبر أو التشبيه والجبر معاً هو قول العترة أئمّتهم ، ويرون أنّهم هُم الإمامية والمُتبّعون للأئمة المعصومين دون الشريف المرتضى وسائر الإمامية الذين لا يقولون بالتشبيه ، ونخصّ من كان بعد الغيبَة ، فإنّه يحقّ لهم أن يقولوا ونحن نعتمد روايات الأئمّة المعصومين في التشبيه والجبر فلستُم أولى منّا بمذهب الأئمّة ، ثمّ الغائب الثاني عشر لا يفصلُ بينَهم ولا يقومُ بواجب الهداية فيهم ، وكلّهم يرى أنّه مُخاطبٌ بموضوع اتّباع رواة الحَديث ، وأنّهم المراجع المُتبوعون ، على تضادّهم ، فكيف يُقال باتّباعهم رواة الحديث أصحاب الغائب ، وهذا حالهُم ؟!. وكيف سيجزمُ كلّ فريقٍ بأنّ ما هُو عليه هُو قول الأئمّة ؟!.

الكلامُ هُو بلحاظ دور العترَة لا بلحاظ ذات منهج الوقوف على الحقّ ، الكلامُ على ذات دور العترة الممثلّة في الثاني عشر الغائب الذي خلّف في الأمّة مراجع وفُقهاء هذا وجه تضادّهم العقائديّ تنويهاً وتشبيهاً وجبراً ، ثمّ الكلامُ بعد ذلك ، هُو إيقافُ الباحث على أنّه كيف كان جوابُ الإماميّة هُنا ، فإنّهم سيفقهون بعدَ ذلك قول الزيديّة في تخليف رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله الهُدَى في سادات بني الحسن والحُسين –عليهم السّلام- بدونَ تحديدٍ أعيانِهم بعد الإمام الحُسين السّبط (ع) ، وأنّ القول في إجماعهم ، والإماميّة لا تقول بحجيّة إجماع طائفتهم من جهة الكثرَة أو القلّة لتجويزهم أن يكون قول الإمام مع الواحد أو الاثنين في قُبال الكثرَة القائلة بالقول الآخَر ؛ فتكون الحجة مع الواحد والاثنين من علمائهم في قبال المائة أو الألف في الجانب الآخَر ، فتفقّه ذلك ، لتتفقّه أصل الزيديّة ، وللتفقّه أنّه لا يمكن للإمامي أن يجزمَ بأنّ طريقته في الأصول أو الفروع مرضيّةٌ عندَ أئمّة العترة بلحاظ روايات العترة ، نعم ، هو قد يقول من طريق العَقل ، من طريق تدبّر القرآن ، ولكن من طريق أنّ قوله هُو قولُ العترَة بلحاظ الرّوايات أو اختلاف أصحابهم المتقدّمين والمتأخّرين في أصناف الاعتقادات والفروع النقليّة ، فأنّى يقولُ ذلك ، وهذا واقعهم الروائي ، وواقعهم في الاختلاف في الأصول والفروع ، وقد أشرنا إلى جملة من ذلك في أصل الجواب السّابق ، فيتأمّله المهتمّ .

ثمّ أختمُ بقول الشريف المرتضى عن القميين المشبهة والمجبرة من أصحابهم ، عندما ذكر أنّ كتبهم ومصنّفاتهم تشهدُ بذلك : ((- بالأمسِ كَانُوا مُشبِّهَةً مُجبرِة، وكُتبُهم و تَصانِيفُهم تشهَد بذلك وتنطق به)) ، فينظرُ ذلك الباحث ويربطه بقولِ الشيخ الطوسي يتكلّم عن مصنّفي أصحابِهم –أي الإمامية- ، قال الشيخ الطوسي : ((إنّ كَثيراً مِن مُصنِّفي أصحَابِنا وأصحَابِ الأصُول ، يَنتحلون المذَاهب الفَاسِدَة ، وإنْ كَانت كُتبهم مُعتمَدَة)) [الفهرست:32] .

–  إن قيل : ولكنّ لدينا قاعدَة ، وهي : أنّ المذهب الإماميّ حاكمٌ على قول النّاس ، وليسَ النّاس هُم الحاكمون على المذهب ، ولذلك إذا وُجِدَ من يقول بأقوالٍ شاذّةٍ في المذهب الإمامي فهذا لا يعتدّ بقوله ، ويكون شاذّاً ، وإنّما العبرة بخلاف علماء الطّائفة الممدوحين الذين لهم مقامهم ووزنهم . وأمّا العقيدَة فلا يُفسدها إلاّ اختلاف الأئمّة .

– قلنا : هذا تحريرٌ فيه رِكّة ، ولكن والقصدُ الفائدَة ، فإنّ الكلامَ هُو في ذات الفكر الإمامي في أصولِه وفروعهِ ، هل هُو مجموعَة أفكارٍ واعتقاداتٍ وفروعٍ اختارها رجالُ الإماميّة كقولٍ لهم بمعزلٍ عن تلك المجموعة من الأفكار أو الاعتقادات أو الفروع هي قولُ العترَة ، كما الفرقة السنيّة ، أم أنّ الإمامية تنظرُ إلى فكرها على أنّه مجموعة أفكارٍ واعتقاداتٍ وفروعٍ مُرتبطةٍ بالعترَة كمصدرِ أساسيّ ؟!. إن قلتُم بالأوّل سلّمنا لكُم قاعدَتكم التي اخترتُموها لأنفسكم ، وأصبحَ فكركُم يعبّر عنكم بإقراراِكم دوناً عن أئمّة العترة .

وإن قلتُم بالثّاني ، فنقول : فأينَ ثقل العترة من فكركم هذا كلّه في الأصول أو الفروع وأنتُم فيه مُتضادّون –كما أسلفنَا في أصل الجواب القريب- ، فإنّ كلّ فقيهٍ أو طائفةٍ ترى أنّها هي التي تتبّع العترة وتقولُ بقولها ، رغم اختلافهم وتضادّهم ؟!.

والمختلفون هم من كبار علماء الإمامية في أزمانهم ، وإن وهّنَ بعضهم بعضاً فذلك لا يرفعُ اعتبارَ آخرين من أصحابهم لمقامِهم العلميّ البارز ؟!.

فهل قول العترَة هُو القول بتحريف القرآن ونقصِه كما الروايات عن المعصومين المُتواترة معنى كما أخبرَ الشيخ المجلسي ، وقال بذلك من كبار فقهاء وعلماء الإمامية في أزمانهم ، أعني التحريف ، أم أنّ ذلك ليسَ هو قول العترة؟!.

إن قلتُ : قولُ القائلين بعدم التحريف ، فأنتَ لا تعلمُ هل الغائب الثاني عشر راضٍ عن قولِك هذا ؟!. وإن قال القائلون بالتحريف والنقص ، قولنا هو قول العترة ، فهُم لا يعلمون هل الغائب الثاني عشر راضٍ عن قولهم أم لا ؟!. لا أثرَ للعترة في انتقاءات فقهاء الإمامية ورواة حديثهِم ، مع أنّ الغائب فيما رووا أوصى باتباع رواة حديثهم فُقهائهم ، وهذا حالُ فقهائهم ، وليسَ هؤلاء الفقهاء من الفريقين بأصحاب وزنٍ علميّ قليلٍ عند الإماميّة .

ثمّ القائلون بالتشبيه والجبر من الإمامية في زمن الشريف المرتضى أو قُبيلَه هل قولهُم هو قول العترة وهم يعتنمدون الأخبار في التشبيه والجبر ؟!. أم قول المُنزّهَة ؟!. العترة لا تقطعُ خلاف الفُقهاء أو الممدوحين الثقات من رجال الإمامية القائلين بالتشبيه والجبر ؟!. هل اعتقادات الشيخ الصدّوق (كتابُه الاعتقادات) هُو قول العترة ؟!. أم أنّ كتاب (تصحيح الاعتقادات) الذي تعقّب فيه اعتقادات الشيخ الصّدوق هُو قولُ العترة ؟!. ولاحظ أنّنا نتكلّم عن الاعتقادات !. وأصول الشريعة ومنها القرآن ، فهذات علمَان لهما وزنهما ممدوحان الكلّ منهما يرى في نفسه أنّه مصداقٌ لوصيّة الثاني عشر في رجوع النّاس إليهم ، فأيّ قولهما في الاعتقاد هُو قول أئمّة العترة ؟!.أين ثقل العترة وأثرُها من قول الغائب الثاني عشر من انتقاءات فُقهائكم ومراجعكم ليصحّ أن يُقال أنّ فكركم في الأصول والفروع- مرتبطٌ بالعترة ؟!. أنتم بفقهائكم تختلفون وتنتقون ، ولا يصحّ أن يُنسب فكركم إلى العترة لغياب أثرها عليكم ، وإنّما يصحّ أن يُنسبُ إليكُم أنتُم كفقاء ومراجع  أو كمذهب اصطُلح على تسميته بالمذهب الإماميّ ، تماما كما تقولون ونقول بأنّ الفرقة السنيّة ترتبطُ بالرّسول صلوات الله عليه وعلى آله عن طريق أخبارٍ انتقوها لا تصحّ في النسبة إلى رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله- وتدبّرات لا تصحّ من القرآن ، وكذلك استدلالات عقليّة لا تصحّ ، فكذلك حالُكم حالُهم من جهة أنّكم أنتم من ينتقي طريقتكم في الاستدلال العقلي ، والتدبر للقرآن ، والانتقاء من الأخبار المتضادّة الكثيرة عن أئمّتكم ، ثمّ لا أثرَ بعد ذلك للعترة في تصحيح ما أنتُم عليه من جهة الشّهادَة بأنّ استدلالاتكم العقلية صحيحة ، أو أن تدبراتنكم القرآنية صائبَة ، أو انتقاءاتكم للأخبار المروية عنهم صحيحَة ، لا تأثير لذلك من اثني عشر قرناً ، وما رُوي عن أئمة قبل الغيبة فمتضادّ عنهم ، ثمّ فقهاء الإمامية في التأصيل منها مُختلفون –كما أسلفنا- .

ثمّ الإخبارية والأصولية ، يحكمون بنجاسة بعضهم وعدم الصلاة خلف بعضهم ، والخلاف بينهم منهجيّ أصوليٌّ معه تسقطُ أخبارٌ وعقائدُ وأفكارُ أو تُبنَى من أخبار المعصومين ، ثمّ كل فرقة منهم تدّعي أنّها الأولى بفكر العترة ومنهجها ومنهجيّتها ، فأيّ قول الفرقتين في الاعتقاد هُو قول أئمّة العترة ؟!.أين ثقل العترة وأثرُها من قول الغائب الثاني عشر من انتقاءات فُقهائكم ومراجعكم ليصحّ أن يُقال أنّ فكركم في الأصول والفروع- مرتبطٌ بالعترة ؟!. أنتم بفقهائكم تختلفون وتنتقون والعترة لا تؤثّر على ذلك أو تُراجعه من إحداثكم وانتقاءاتكم . وكذلك الكلام مع الشيخيّة وأصحاب أحمد الحسن ، وينبغي أن يتأمّل المهتمّ وصاحب الشّبهة أنّ لكل فرقة من هؤلاء حُججٌ يعتمدونَ عليها عن قول فقهاء ومراجع الإمامية وأخبار الإمامية ويرون أنّهم مراجعُ أيضاً أو مصاديق اتّباع ووصيّة الغائب الثاني عشر في أزمانهم ، والعترة فلا ثقلَ لها في ذلك كلّه في البيان والهُدَى ، فلا يصحّ أن يُقال أنّ المذهب الإماميّ حاكمٌ على النّاس ، وليس النّاس هُم الحاكمون ، لأنّ النّاس هُنا هُم الفقهاء والمراجع ورجال الحَديث ورواتُه .

ثمّ في الفروع هل يعتقدُ صاحب الشّبهة أنّ قولَه بالشّهادَة الثّالثة في الأذان أو قول جمهور الإماميّة اليوم بها هُو قولُ أئمّة العترَة أم أنّ قول الشيخ الصّدوق هُو قول أئمّة العترة ؟!. فلعلّ قول المهدي الغائب مع الواحد لا الجماعَة ؟!. ولعلّ قول الجماعة زمن الصّدوق وما قبلَه هُو عدم ذكر الشّهادة الثّالثة في الأذان ، فالصّدوق يرى أنّكم مفوّضة ، وأنتُم لا ترونَ ذلك من حالكم ، وأنّ ذلك لا يُخالف على الشّرع ، فأيّ أقوالكم هُو قول أئمّة العترة ؟!.أين ثقل العترة وأثرُها من قول الغائب الثاني عشر من انتقاءات فُقهائكم ومراجعكم ليصحّ أن يُقال أنّ فكركم في الأصول والفروع- مرتبطٌ بالعترة ؟!. وكذلك من فقهائكم المتقدّمين كابن الجنيد وغيره من ينسبُ الأئمّة إلى الرّاي والاجتهاد ، وغيرهم لا يقول بذلك من الإمامية ، فأيّ ذلك كله هو قول العترة ، لأن أموراً ستترتّب على ذلك في الاستدلال والمعرفَة  ، أين ثقل العترة وأثرُها من قول الغائب الثاني عشر من انتقاءات فُقهائكم ومراجعكم ليصحّ أن يُقال أنّ فكركم في الأصول والفروع- مرتبطٌ بالعترة ؟!. الحقّ أنّكم من أصحاب القول الأوّل ، أنّكم فرقةٌ انتقت لنفسها بمعزلٍ عن العترة أصولها وأنظارها العقليّة وتدبراتها القرآنية ووجوها من الروايات عن أئمتهم تم انتقاؤها وفق أصولٍ وموارد لديكم ، والعترة عن ذلك كلّه بمعزلٍ لا يُعلَم هل هي راضيةٌ عن ذلك كلّه منكم ، ولا أنتُم تعلمون هل فعلاً هُم عنكم راضون ، وهذا إنّما نذكرُه بلحاظِ ثقل العترة الذي في جاء في السنة المحمديّة عند أهل الإسلام ، وإلاّ فإنّنا نقول بأنّ الأنظار العقلية والتدبرات القرآنية تُوصل إلى المعرفة الصحيحة ، المعرفة العقلية والشرعيّة ، وإنّما الكلامُ هو عن الارتباط بالعترة ، والقول أنّ قول الإمامية هو قول العترة ، أو أنّهم على طريقتهم على طريقة العترة ، وإن قالوا بأنّهم يتبغون الفقهاء ورواة الحديث من وصية الغائب ، فأصل الخلاف هُو اختلاف أولئك المراجع والفقهاء ورواة الحديث وأيّهم قوله هو قول العترة على تضادّهم ، وأيّهم قوله هو الشاذّ عن طريقة العترة ، ومصادر ما نقلناه قريباً في الجُملة ذكرناه في أصل الجواب –قريباً- فليُراجعه المهتمّ . وإن قيل : نتتبّع ونفتّش . قُلنا : وستختلفون مع التتبع والتفتيش ، لأنّ مَن ذكرنا من المُختلفين هُم متتبّعون مع أنفسهم مُفتشّون ، ثمّ هُم مختلفون ، وإن قيل بالكثرة والقلّة ، لم تكُن في ذاتها معياراً مع وجود الخلاف مأثوراً ، لأنّ الغائب قد يكون مع القليل دون الكثير . وأمّا قول صاحب الشبهة : ((وأمّا العقيدَة فلا يُفسدها إلاّ اختلاف الأئمّة)) اهـ ، فإنّ الخلاف من الفقهاء إنّما أتى من جهة قراءة اعتقادات الأئمّة ، هل قولهم التشبيه والجبر ، أم أنّ قولهم الرأي والاجتهاد في حق أنفسهم ، أم أنّ قولهم القول بتحريف القرآن ؟!. أم أن قولهم بإطلاق الاجتهاد للمراجع وذلك المصطلح الجديد في الجرح والتعديل عند الإمامية ؟!. أم أن قولهم السهو على الأنبياء والأئمة ؟!. أم أن قولهم قول الشيخية أو قول الظهور للغائب في عالم البرزخ دون هذا العالم ؟!. أم أنّ قولهم في الاعتقاد قول الشيخ الصدوق أو قول الشيخ المفيد ؟!. وأمثال ذلك من مسائل الأصول والفروع ، فتأمل موفقا ، لأنّ صاحب الشبهة لعلّه يظنّ أنّه قد أحرز عقائد الأئمّة وحصّلها ، وهُو لا يقطعُ على ذلك من تحصيله إن كان من أهل التحقيق ، وإنّما سيكون محلّه الظنّ ، هذا إذا استحضرنا أيضاً جانب الإظلام الروائي وكثرة المختلقات التي تبعث الريب والشّكوك من روايات الإمامية عن أخيار بني الحسين (ع) في النّفوس .

–  إن قيل : ثمّ إنّنا نلحظُ أنّكم تجعلونَ الخلافَ بين عُلمائنا وفُقهائنا ومراجعنا ، بمنزلة الخلاف بين أئمّة العترة عندَكم ، فهل الخلاف بينَ غير مُفترضي الطّاعة كمَن هُم مُفترضو الطّاعة ؟!. وكما هُو الحاصلُ من الخلاف بل القتال بين أئمّة المذهب الزّيديّ ؟!.

– قلنا : أنّ أصلَ المقارنَة قد تكلّمنا عنه في أصل الجَواب السّابق ، بينَ فُقهَاء ومراجع الإماميّة وبين أئمّة العترة عند الزيديّة ، فإنّ لذلك علّةٌ لعلّ صاحب الشّبهة لم يفقهها من تصديرهِ هذا ، ثمّ يتبعُ هذه العلذة عدد من الإلجاءات والاحتجاجات التي معها يكون الإماميّ قادراً على تمييز قول الزيديّة وـصايلِهم من هداية العترَة بلا عصمَة أن نصوصٍ على أعيانِهم ، وكذلك هُو يستطيعُ قراءة طبيعَة الخلافات التي تكون بين الذريّة الفاطميّة وأنّ ذلك لا ترتفعُ معه طُرق معرفَة الهدية المحمديّ العلويّ الفاطميّ من نهج أئمّة العترة (ع) ، ولذلك نحنُ نأتي بالبيان من خلال عدّة مقدّمات يترتّب بعضها على بعض ، نُفصّل بعد الاختصار السّابق ، ومن أراَد استزادَةً أكثرَ وأكبر راجعَ كتابنا (النّقص على كتاب (واستقرّ بي النّوى) ) .

– المقدّمة الأولى : يقفُ معها صاحب الشّبهة أنّ الفقهاء والمراجع مُفترضو الطّاعة على شرط الإماميّة ، استنبطوا ذلك من الرّواية التي رووها عن الإمام الغائب الثاني عشر ، قال : ((وأمّا الحَوادث الوَاقعَة فَارجعُوا فيها إلى رُواة حديثنا فَإنّهم حُجّتي عليكم ، وأنا حجّة الله عليهم)) [كمال الدين:484] ، فاستنبطَ الإماميّة من قوله : ((فإنّهم حجّتي عليكم)) ، أنّ الفقهاء والمراجع حُججٌ مُفترضو الطّاعة على العباد ، يقومون مقام الإمام المهدي الغائب  ، ومن روايةٍ رواها الكليني ، عن أبي عبدالله –عليه السلام- ، فيها : ((ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً؛ فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانّما استخف بحكم الله، وعلينا ردّ والرّاد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله)) [الكافي:1/67] ، وفي هذا المعنى الذي هو افتراض الطّاعة للمراجع والفقهاء وأنّ الرّاد عليهم رادّ على الإمام الغائب ، وأنّهم نوّابٌ للإمامِ الغائب ، وبولاية عامّة ، يقول الشيخ محمد رضا المظفر : ((وعقيدتنا في المجتهد الجامع للشرائط: إنّه نائب للامام (عليه السلام) في حال غيبته ، وهو الحاكم والرئيس المطلق، وله ما للإمام في الفضل في القضايا والحكومة بين الناس، والراد عليه راد على الامام، والراد على الامام راد على الله تعالى، وهو على حدّ الشرك بالله، كما جاء في الحديث عن صادق آل البيت -عليهم السلام- . فليس المجتهد الجامع للشرائط مرجعاً في الفتيا فقط، بل له الولاية العامة ، فيُرجع إليه في الحكم والفصل والقضاء، وذلك من مختصّاته؛ لايجوز لاَحد أن يتولاّها دونه، إلاّ بإذنه، كما لا تجوز إقامة الحدود والتعزيرات إلاّ بأمره وحكمه. ويرجع إليه أيضاً في الاَموال التي هي من حقوق الامام ومختصّاته وهذه المنزلة أو الرئاسة العامّة أعطاها الاِمام (عليه السلام) للمجتهد الجامع للشرائط؛ ليكون نائباً عنه في حال الغيبة، ولذلك يسمّى «نائب الاِمام»)) [عقائد الإمامية:18] .

فإن خالف صاحب الشّبهة على كلامِ الشيخ المظفّر من الإمامية في هذا الأص والتأصيل ، فيعودُ صاحب الشّبهة إلى الغائب الثّاني عشر ، ويكون هذا من جمُلة الخلافات السابقة التي أخبرنا بها ، وهي من الأصول الجامعة التي يترتّب عليها صلاح المجتمعات أو فسادها ، وقيادتهم ، والحكم فيهم ، ومعها الأمر بما يسفكُ الدّماء ، ونحو ذلك من الأحكام الخاصّة بالحاكم الرئيس ، ولن يجدَ للغائب طريقاً ، فيقفُ النّاظر أنّه فكرٌ قامَ بعزلٍ عن أئمّة العترة لا تأثير لهمُ عليه وفيه ، وإنّما فقهاء ينتقون ويختارون ويستنبطون ويتكلّفون الأخبار عند التّحقيق ، وإلاّ فإنّ الخبرين السّابقين ضعيفين ، ثمّ إنّ من أعلام الإمامية من خالف على الولاية العامّة التي ذكرها الشيخ المظفّر ، وإنّما جعل الولاية من باب الحسبَة لا أنّ ذلك من الله تعالى أو تنصيبٌ من الغائبِ للفقهاء ، وأنّ ذلك مختصّ ومحصورٌ في الفُتيا ، والحكم –القضاء- بين النّاس ، دوناً عن تطبيقِ تلك الأحكَام ، وهذا فيُراجعه المهتمّ في كلام الشيخ الخوئي ، ومن المراجع من عارض سُلطة الولي الفقيه العامّة ، ونادى بشُورى المراجع في هذا الزّمان ، كلّ هذه الخلافات ، والأمرُ الذي يتكلّمون فيه عظيمٌ بما يترتّب عليه في الأمّة ، ثمّ كلّ فقيهٍ ومرجعٍ يرى أنّه نائبُ الإمام لا ولايَة لغيره من الفقهاء عليه ، ولكلّ نظريته السياسيّة والاجتماعيّة وإليه يُسلّمُ مُقلدّوه الأخماس والأموال ، لستُ في صدَد التوسّع في قضيّة ولاية الفقيه ، ولنا على ذلك مُستنداتٌ من قول الإمامية فلسنا نُلقي الكلام على عواهنه ، وإنّما في صددِ إبرازِ أنّ الفقهاء والمراجع مُفترضو الطّاعة من لازم قول الشيخ المظفّر ، لمّا كان الرّد عليهم رادّ على إمام الزّمان الغائب الثاني عشر ، ولمّا كان الرّاد على الإمام كالرّاد على الله تعالى ، وهل بعدَ ذلك من قولٍ في افتراض الطّاعة لمن هذا حالُه ، فإنّ الإماميّة جعلوا منزلة الوليّ الفقيه أو المرجع ، كمنزلة الإمام مِنْ جِهَة السّمع والطّاعة -وإن كانوا يميّزون بين المراجع وبين الأئمّة في الصّفات كالعصمة ونحوها- ، ومن هُنا يقفُ صاحبُ الشّبهة على وجه المقارنَة بينَ مراجع الإماميّة والوليّ الفقيه في فكرهم وبينَ أئمّة العترة (ع) عند الزيدية ، فإنّه بلحاظ علّة افتراض الطّاعَة التي أصلّوها لأنفسهم من تلك الرّواية الآحاديّة ! ثمّ الضّعيفَة ! ثمّ بنوا عليها أصلاً كهذا في افتراض ووجوب الطّاعة ، ثمّ الزيديّة تقول بأنّ العترة قد افترضَ الله تعالى طاعتَهم ، وإن كان عند التحقيق فرقٌ كبيرٌ وظُلمٌ في المقارنة بينَ من فضّلهم الله تعالى بالاصطفاء من عموم الذرية الفاطميّة معدن الهداية ، وبينَ الفقهاء أو المراجع الذين لم يكُن لهم مثلُ ذلك من الله تعالى ، ولم يكُن لهم هَدي الدّلالة على الهُدَى اختصاصاً إلهيّاً كما جعل الله تعالى للعترة الفاطميّة ذريّة الحسن والحُسين (ع) ، جعل الله تعالى فيهم ذلك لا ينقطعُ ، أصلاً ومعدناً .

– المقدّمة الثّانية : يقفُ معها صاحبُ الشّبهة والمهتمّ على أنّ الغائب الثاني عشر ، وقد أوكل الأمّة إلى رواة حديثهم ، وجعلَهم حجّةً عليهم ، فإنّ ذلك لا يخلو من أن يكونَ في المعرفَة الإلهيّة العقليّة –العقائد- ، أو يكونَ في معرفَة الفروع بحيث يستفتيهم النّاس في الحلال والحرام ، أو يكونَ في السّيرة في الأمّة وإقامة الحكومة الإسلاميّة كالقيام على الظّلمَة ، والقيام على شأن المجتمعات ، وإقامة الحُدود ، ونحو ذلك مما يختصّ به الحاكم الرّئيسُ للمجتمع الإسلاميّ ، أو يكونَ في الاهتداء بهديهِم في جُملة طريقتهم ومنهجهم البنائي في أصول الفقه والحديث والانتهال من تصانيفهم وتقديمِ ما قدّموه في الحجّة والبيان في المواضيع المختلفة . وهذا كلّه قبل مُناقشَته في إيكال الغائب الثاني عشر الأمّة إلى رواة الحديث هؤلاء ، ينبغي الوقوف على الغاية منه ، نسألُ عنه الإمامية ؟!. فلا يجدون بُداً من القول أنّ ذلك يكونُ معه الهداية ، وبقاء الهداية في الأمة ببقاء مراجع الشيعة وفقهائها ، ولينتظم أمرُ المسلمين في العلم والعمَل والأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر ، إذ بدون ذلك ومع غياب الإمام الثاني عشر ؛ فإنّ الفوضى والفساد ستنتشرُ ولا يكونُ للنّاس طريقٌ إلى المعرفة الحقّة لهدي الكتب والسنّة والعترة ، فكان الفقهاء والمراجع والوليّ الفقيه على هذا وبه يقومون ، وإليهم تفزعُ الأمّة ، ويجبُ تقليدُهم . فإذت قُلنا لهم : ولكنّ هؤلاء غير معصومين وذلك مظنّة الوقوع في الضلال ممن هُو هادٍ للأمّة ، ثمّ غير منصوصٍ على أعيانهم ، الفقيه الفلاني  ، بعد الفقيه الفُلاني ، بعد الفقيه الفلاني ، بل تركَ الغائبُ الأمّة هملاً بلا منصوصٍ عليهم وهذا فيه فسادٌ ، يتأمّلُ النّاظرُ أنّ هذه عي الحُجج التي يوردها الإماميّة على الزيدية عندما قالوا بأنّ الرسول صلوات الله عليه وعلى آله جعل الهداية في عُموم الذرية الحسنيّة والحسينيّة ، العلماء منهم المتمسّكين بنهج سلفهم الكابرُ بعد الكابر ، فقالوا كيف يُؤمنُ هداية زيدٍ الإمام غير المعصوم ، وكيفَ يُؤمن هداية النّفس لزكية محمد بن عبدالله الإمام غير المعصوم ، وكيف تجوّزون أصلاً أن يتركَ رسول الله -صلوات الله عليه وعلى آله-  الأمّة هملاً بلا منصوصٍ عليه ، بعد منصوصٍ عليه ، وهُم هؤلاء –الإمامية- يقعونَ فيما يعيبون الزيدية عليه ، والغاية واحدةٌ من التكليف الإلهيّ ، وهي الهداية والابتعادُ عن الضّلال ، لدخول الجنّة ، فهُم يجعلون ذلك ممكناً وفرضاً في مراجعهم وإن افتقدوا شرط العصمَة ، وافتقدوا شرطَ التنصيص على المعيّنين على لسان الغائب الثاني عشر  ، ثمّ الإماميّة تقول أنّ الهداية ممكنة ، ومستمرّة ، بلا عصمةٍ ، وبلا تعيينٍ وتنصيصٍ ثم هُم مفترضو الطّاعة في الهداية يقومون مقام الغائب المهدي نوابٌّ عنه ، فهذا عندَهم مقبولٌ ، إلاّ أنّه من قول الزيدية غير مقبولٍ في إمكان الهداية من أعلام العترة ، بغير عصمةٍ ، وبغير تنصيصٍ ، وهم مفترضو الطّاعة –حسب أصول الزيدية في افتراض الطّاعة- .

ثمّ نعودُ لمُناقشَة وجوه إيكال أمر الهداية إلى الفقهاء من قبل الغائب الثاني عشر ، وجعلهم حجّة الله على الأمّة ، فإنّه إن قيل ذلك في المسائل العقليّة ، فإنّ الإماميّة يمنعون التقليد فيها ، وإن قيل ذلك في الحلال والحرام ، فهُم مختلفون في ذلك أشدّ الاختلاف لمكان اضطراب الرواية عن أئمتهم المعصومين حتى قال الشيخ الفيض الكاشاني : ((فصارَ ذلك كلّه سبباً لكثرَة الاختلاف بينَهم [أي بينَ أصحابهم فقهاء وعلماء الإمامية] ،وتزايُده ليلاً ونهاراً ، وتوسّع دائرته مدداً وأعصاراً ، حتّى انتهى إلى أن تراهُم يختلفون في المسألة الواحدة على عشرين قولاً أو ثلاثين أو أزيَد ، بل لو شئتُ أقول : لم تبقَ مسألةٌ فرعيّةٌ لم يختلفُوا فيها أو بعض مُتعلّقاتها)) [الوافي:1/16] ، وكذلك لما كان للتقية من تأثير في أخبار أئمتكم ، فلحق ذلك الاختلاف بين فقهاء الإمامية ومراجعهم ، حتى قال المحقق البحراني : ((فلم يُعلم من أحكَام الدين على اليقين إلا القليل، لامتزاج أخبارِه بأخبار التقية، كمَا اعترف بذلك ثقة الإسلام وعَلم الأعلام محمد بن يعقوب الكليني نور الله مرقده في جامعه الكافي، حتّى أنّه قُدّس سره تخطّى العمل بالترجيحات المروية عند تعارض الأخبار، والتجأ إلى مُجرّد الرّد والتسليم للائمة الأبرار .فصَاروا صلوات الله عليهم – مُحافِظَة على أنفسهم وشيعتهم – يخالفون بين الأحكَام وإن لَم يَحضُرهم أحدٌ مِن أولئك الأنام، فترَاهم يُجيبون في المسألة الواحدة بأجوبَة مُتعدّدة وان لم يكن بهَا قائل مِنَ المخالفين، كمَا هو ظاهر لمن تتبع قَصَصهم وأخبارَهم وتقصى سِيرهم وآثارهم)) [الرياض الناضرة:1/5] .

فإن قيل : ذلك الاختلافُ لا يرفع الهداية ، ولا يوجب الضّلال من أولئك الفقهاء .

قلنا : وكذلك نحنُ نُريدُ أن نفهمكم أن معادلة الهداية والضّلال واحدَة ، وساء كانت من فقيهٍ ومرجعٍ أو كانت من إمامٍ للعترة أو عالمٍ من علماء العترة ، فإنّ الاختلاف الاجتهاديّ الفروعيّ لا يلزمُ منه الضلالة ، ولا ترتفعُ معه الهداية ، فإذا قلنا أئمة الزيدية يختلفون ، الناصر ، والهادي ، وزيد بن علي ، والباقر ، والنفس الزكية ، والصادق ، والقاسم ، وغيرهم ، –صلوات الله عليهم- ، فإنّه لا مسّوغَ لكم في الإنكار على ذلك الاختلاف بعلّة أنّ الأئمّة لا يكونون إلاّ أئمّة هداية ، لأنّ الهداية عندَكُم ممكنٌ مع الاختلاف ، ولا يكون الضّلال مع الاختلاف الاجتهاديّ ، فإنّ الهداية هي الهدايَة ، والضّلال هُو الضّلال ، والتكليفُ هُو التّكليف ، سواءً كانَ يقومُ به الولي المرجع والفقيه أو الإمام والعالم من العترة ، فإمّا حكمتم على أنفسكم بمراجعكم الإمامية من اثني عشر قرناً بأنّكم على ضلالٍ أو أنّكم لا تعلمون الهُدَى وأنّ الغائب الثاني عشر قد ضلّل الأمّة عندما جعلكم وحالكم الاختلاف الفقهيّ الاجتهاديّ حجّةً على الأمّة ، وإمّا أثبتُم شريعَة الهداية من دعوى الزيدية في ذرية الحسن والحسين (ع) ، بشروط الفضل ، ومنها العلم الذي أصلُه أعلامُ العترة أسلافهم ، ورفعتُم اشتراط العصمَة في أعيانهم ، وكذلك التنصيص على الواحد بعد الواحد ، ويبقَى بعد ذلك انحصارُ حجّتكم في ذات مدلول الشّرع هل هُو ثبوت النصّ في معيّنين أم عدمه ، فإن كانَ العدمُ فإنّكم لا تعترضون على إمكان الهداية مع عدم العصمة من حال سادات بني الحسن والحسين (ع) ، وإن اختلفوا في الاجتهاد الفقهي ، وهذا تحريرٌ دقيقٌ يتأمّله المهتمّ ، لأنّه إلجاءٌ وتفهيمٌ بأصول المسائل والاعتراضات ، فإنّ الإمامية ما يسعهم القدح في شريعة ونظريّة الهداية من قول الزيديّة إلاّ وهُم يهدمون ذلك من حال فُقهائهم ومراجعهم الذين هُم حُججٌ على البريّة على لسان الغائب الثاني عشر ، فلا عصمة لأفرادهم ، ولا تعيين ولا تنصيص ، ثمّ إيقافٌ لصاحب الشّبهة لماذا نحنُ نُقارنَ اختلاف فقهاء الإمامية ومراجعهم ونربطُ ذلك بأئمّة وعلماء العترة عند الزيدية .

نعم! ثمّ إن قيلَ : بل ذلك الإيكال من الغائب المهدي الثاني عشر للحجيّة على الأمّة لأولئك الفقهاء هُو ناظرٌ أيضاً إلى جانب الفتيا ، إلى  إقامة الحكومة الإسلاميّة ، وحفظ نظام المُسلمين ، وإقامة الحُدود ، وسياسَة أمور الرعيّة ، فالفقهاء في هذا لهم فرضُ الطّاعة ، الرّاد عليهم في حكومَتهم كالرّاد على الإمام الغائب ، والرّاد على الإمام كالرّاد على الله تعالى . فنسألُ : عند اختلافِ الولي الفقيه في العراق ، والولي الفقيه في إيران ، وتعارضهما ، بما يكون معه سفكُ الدّماء ، أو ما حصَل بين المرجع الخُميني ، والمرجع الشيرازي وكانَ من الاغتيالات وأمثالها من المظلوميّات ، فهذا تعارضٌ ، ومعه سفكُ دماء ، وكذلك الحاصل اليوم من التناحر بينَ مرجعيّات العراق ، ولبعضهم فيالقُ حربيّةٌ خاصّةٌ بهم أو قوى من المسلّحين ، فهل هذا كلّه التعارض والتشاجر والتقاتُل في مثالنا ، يضرّ بكون الفقهاء والمرجعيات ورواة الحديث الإمامية مصادرُ هدايةٍ للأمّة في أصل النظريّة والتطبيق الصّحيح ، أم أنّهم يفقدون جميعاً صفة الهداية لمكان ذلك التشاجر والتناحُر والدماء التي تُسفك ، وبهذا يكون الإمام الغائب الثاني عشر قد ضلّل الأمّة عندما أوصاهم برواة حديثٍ وفُقهاء يفقدون جميعهم صفة الهداية ؟!. إن قُلتَ : لا يضرّ النظريّة الصّحيحَة إبطال الآحاد وإن ادّعوا المرجعيّة ، فإنّما يمثل المرجع المُبطل أو المُتوهّمُ أو صاحب الشّبهة من المرجع وإن علا قدرُه – نفسه ولا يمثّل الفكر أو النظرية الصحيحة للمرجعية التي هي امتدادُ وصية الغائب الثاني عشر ، فإنّ الهداية مستمرّة ووجود المُبطل أو المُعارضِ صاحب القدرِ والشّأن المُشتبِهِ يقوم في وجه المراجع المُحقّين ، فإنّ هذا لا يرفع الهدايَة ، وتبقى الهداية مُستمرّة ، وتبقى المرجعيّة والفقهاء محلّ هدايةٍ في الأمّة . فنقول : وكذلك تقول الزيديّة فيما يُؤثَرُ من مُعارضَةٍ على المُحقّين من الأئمّة ، فإنّ وجود المُبطل أو المُعارِض لا يرفع الهداية عن المُحقّ ، ولا يُخلّ بأصل النظريّة في القيام بفريضَة الإمامة التي غايتها الهداية ، سواء كان ذلك المُعارضُ مُبطلاً ، أو صاحب منزلةٍ مُشتبهٍ مُعترضٍ على أهليّة الإمام القائم الدّاعي ، فإنّ ذلك محلّه إرجاع الجميع إلى أصل نظريّة العترة في الإمامة ، وإلى ما نظّره الأئمّة من تلك التأصيلات التي تفصلُ بين المُتنازعِين ، ثمّ تبقى نظرية الزيدية في الهداية من الإمامة قائمةً ، ويبقى المحقّ مُحقّاً لا يضرّه مُعارضَةُ القريبِ أو البعيد ، لأنّ صاحب الشّبهة يظنّ أنّ الزيديّة تُصحّح إمامَة كلا الرّجُلَين ، وهذا وهمٌ ولا يصحّ على أص الزيديّة ، وإنّما الإمام في القُطر واحدٌ ، فلا يوجد شيءٌ امه تقاتُل الأئمّة ، وإنّما مُعارضَةُ الأئمّة ، فإنّ قول تقاتل الأئمّة راجعٌ إلى أنّ كلا الرّجُلَين إمامٌ ، وذلك لا يصحّ ، فالإمامُ واحدٌ ، كما أنّ الإمامية لا تقولُ بتصحيح موقفِ المتقاتلين أو المُتعارضين من المراجع لو قد افترضنا ولايةً وحكومةً لهما على الواقع ، فينظرُ صاحب الشّبهة ذلك ويتأمّله ، لئلاّ يُكثر على نفسه ويشوّشَ عليها من استحضَار التقاتُل ، والله المُستعان ، فالنظرة المُتضعّفةُ هنا في التمييز هي تابعةٌ لمكان ابتعاد الإمامية على مدى ثلاثة عشر قرناً تقريباً عن واقع الأمّة في الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر ، وعن تصدّر رفع الملظوميّات في الأمّة ، وما يترتّب على ذلك من واقعٍ يبتلي به المُحقّون من مُعارضَةِ المُبطلين بالعناد والأفاضل بالاشتباه ، وأمثال ذلك ، ولمّا دخلت الإمامية ذلك الواقع على الأربعة العقود الأخيرَة ، وذلك كلّ رصيدها في الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر في الأمّة والجهاد ، فإنّه قد وقعَ لها من المُعارضات من المراجع ما وقع بين المرجع الخوئي والخميني والشيرازي ، وما حصَل بينهم من اتهامات واغتيالات مما حالُه معلومٌ لا يُنكرهُ إلاّ مُكابرٌ ، وكذلك اليوم في العراق تناحرٌ بين المرجعيّات وتباينٌ في المواقف السياسيّة مما أدّى إلى اضطرابٍ كثيرٍ في أوساط مقلدّيهم من الإمامية وسالت على إثره دماءٌ ، فكيف بتأريخ الزيدية خلال أبعة عشر قرناً في الأمر بالمعروف والّنهي عن المُنكر ، يُبتلى أئمّتهم بأصناف النّاس من الكيانات الحاكم كالأمويّة والعباسيّة والصليحيّة والأيوبيّة والعثمانيّة ، والقبائل ، والأقارب والأباعد ، واشتباه أهل الفضل ، فإنّهم –عليهم السلام- يُعالجون ذلك في الأمّة ويُبتلون به ، وتبقى الإمامة في العترة مصدر هدايةٍ لا يضرّها المُبطل أو المُخطئ من الآحاد ، ويأتي بقصر النّظر هُو الإغضاء عن مناقب الأئمة وسيرهم العادلَة في الأمّة . فيتأمّل ذلم الباحثُ والنّاظر ويعلم مقاصدنا في المُقارنَة ، فإنّ ذلك من باب الإلجاء والتفهيم ، وإلا فإنّه حقّاً لا يُقارن سادات العترة وهدايتهِم ، بالمراجع والفقهاء الشيعة الإماميّة ، فبين ذلك فارقٌ كبيرٌ ، وأبرزُ ذلك أنّ أوئلك في هديهِم هُم العترة ، وهُم القائمون على منهجهم وطريقتهم وهُم مفزعُ النّاس  وهُم الذين يتعقّبون ما يفسدُ من الرّوايات إذا رُويت بالطّرق غير الصّحيحَة أو المُخالفة على مناهج أسلافِهم ، وهُم الذين يُبيّنون مناهج أسلافهم ، وهُم الذين أوصى رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله بالتمسّك بهم ، لأنّ الرّسول –صلوات الله عليه وعلى آله- لم يأمر بالتمسّك بشيعة العترة المراجع والفقهاء وإنّما أمر بالتمسك بذات العترة ، فهُم ينفون عن هذا الدّين تحريف المحرّفين ، وإبطال المُبطلين ، ويبيّنون ما اشتبه من كلامِ أسلافهم ، يدلّون على الهداية الحقّ من الكتاب والسنّة ، وهُم لطفٌ للعباد إذا قد تاهوا في المعارف العقليّة ، فهُم يعلّمونهم وهدونَهم طرق النّظر الصّحيح يُعاونوهم على تحصيل اليقين ، وهُم بإجماعهم المعصوم منهجٌ يُعرضُ عليه كلّ خلافٍ ، فما خالف على إجماعهم فإنّه لا يُعمل به ، وهُم الفقهاء والمصنّفون ، الخلفُ بعد السّلف ، يأخذون عُلومهم ويهتدون بهديهِم ، على طريقتهم ومنهجهم الفكريّ ، حتّى أمير المؤمنين (ع) ، حتّى رسول الله –صلوات الله عليه وعلى آله- ، وبهذه المقارنة فإنّه ما يسعُ الإماميّ أن ينقضُ على أصلٍ من أصول الهداية من نظريّة الزيديّة إلاّ وهُو ينقضُ على نفسِه وأصحابِه ، ويكونُ بعد ذلك بلا هداية ولا هُداة ، ويكون حاله الشكّ والرّيب ، وليسَ كذلك حال الإمامية من أثر العترة عليهم ، فإنّ العترة لا تُراجع لهم كتاباً ، ولا تُصحّح لهم تصحيحاً لخبر ، أو تردّ عليهم تضعيفاً ، أو تحلّ النّزاع بين أصحاب الأصول المختلفة ، بل ذلك كلّه موكول إلى الفقهاء والمراجع ، ثمّ قوام إيجاب طاعة الفقهاء والمراجع خبران ظنيّات وضعيفَان ذكرناهما في المقدّمة الأولَى ، ثمّ أولئك الفقهاء ليسو هم العترة ، ولعلّ قائلاً يقول : فما منزلةُ الإمامَةِ إذاً ، وأين هي ، إذا جاز على الأئمة الاختلاف ؟!. فنقول : الغاية من الإمامَة الهداية وتطبيق أحكام الشّرع ، وذلك ممكنٌ بلا عصمَةٍ آحاديّةٍ ، ولا تنصيصٍ على أعيان ، فلا يبقى بعد ذلك إلاّ ما توهّمتموه من صفات ومقامات للأئمّة من علم كلّ منطقٍ ولغةٍ ، والعلم اللدنيّ ، والمعجزات ، وأمثال ذلك ، والحمدلله .

نعم! وبهذا وما قبله تم الجواب على هذا الاعتراض ، والحمدلله .

 إن قيل : والزيديّة تعتقدُ أنّ كلّ من خرجَ مع الإمام زيد بن علي –عليه السلام- زيديٌّ ، وإن كان يرى التجسيم والتشبيه والجبر ، وتتنازلُ عن جميع العقائد إلاّ عقيدة الخُروج ، ويذمّون من رفضَ الخروج وإن كان من أهل التوحيد ، فالعجبُ توثيق الزيدية للمشبهة والمجبرة ومَن يَرى خلافة الأوّل ويترضى على معاوية بن أبي سفيان ، ولنا شاهدٌ على ذلك بعُموم قول الزيدية في أبي حنيفة والشافعي ومالك وسفيان الثوري ، وينظر المهتم كتاب لوامع الأنوار ج1 ص595/596 و ص583/584 للسيد مجدالدين المؤيدي ، ولعلّ هذا من أسباب التقارب ، أو ما نسمعه من الفرقة السنية أنّ الزيدية أقرب الفِرق إليهم .

– قلنا : إنّ هذا الطّرح من صاحب الشّبهة ، يحتاجُ إلى بيانِ عدد من المقدّمات لمّا اشتمَل على أخطاء في التحرير من منهج وطريقة الزيديّة ، فنأتي بها يترتّب بعضها على بعض .

المقدّمة الأولَى : أنّ الزيديّ هُو مَنْ دانَ بأصول الزيديّة ، قال الإمام مجدالدّين المؤيّدي (ع) : ((إنّما سُمِّيت الزيديّة زيديّةً ؛ لمُوافقتهم لإمام الأئمّة زيد بن عليٍّ –عليهم السّلام- في التّوحيد ، والعَدل ، والإمامَة ، والأمرِ بالمَعروفِ ، والنّهي عن المُنكر ، والخُروج على أئمّة الجَور والظّلم)) [الجوابات المهمّة من مسائل الأئمّة] ، ثمّ الزيديّة لا تتبّع إماماً لوحدِه من العترة ، بل هي تتبّع جماعَة سادات بني الحسن والحسين –عليهم السّلام- في تلك الأصول ؛ لأنّهم كانوا على عقيدَة واحدةٍ  ، ومنهم أئمّة الإماميّة ، فهُم من خيار العترة في زمانِهم ، وإن لم يكونوا كلّ العترةَ كَما تقول الإماميّة ، وإنّما قُدِّمَ ذكرُ الإمام زيد بن علي (ع) تشرّفًا ، اختاره أئمّة العترة علماً على فكرهِم ، لمّا أحيا فريضَة الخُروج على الظّلمَة بعد جدّه الإمام الحُسين بن علي –عليهم السّلام- (ت61هـ) ، ثمّ تبعَه الأئمّةُ بعد ذلك في الخُروج ، الإمامُ بعد الإمام .

المقدّمة الثّانية : أنّ من خرجَ مع الإمام زيد بن علي (ع) ، وهُو على تلك الأصول فهُو الزيديّ في اعتقادِه وخُروجه ، ونشيرُ إلى جانبٍ آخَر من إطلاق التسميَة على الخارجِين معَ الأئمّة (ع) ، فإنّه قد يكونُ منهم غير الزيدية في الاعتقاد ، وذلك كالمُحكّمة (الخوارج) فمنهُم من خرجَ مع الإمام زيد بن علي –عليهما السّلام- ، فيُطلقُ عليهم البعضُ زيديّةٍ ، وهذا من باب التغليب في الذّكر ، لمّا كانَت الحركة في جُملتها وكثرتها وإمامها القائمِ زيديّةً ، فجاء ذكرهُم في الزيديّة من باب ذكر الأغلبيّة ، فيكون الحاكمُ هُو التفتيشُ عن حال هؤلاء الخُارجين فيما يصحّ عنهم ويرتضونَه لأنفسهِم من اعتقادات ، فيُنسبون إلى أصولِهم التي ارتضوها لأنفسهم ، هَل خوارجُ أم مُرجئةٌ أم غير ذلك ، وهؤلاء فإذا توجّه إليهم مدحٌ مع ثبوتِ مُخالفتهم في الاعتقاد على أئمّة العترة ، فإنّما هُو مدحٌ على جانبٍ من العمَل ، وهُو نُصرَة أئمّة الهُدَى من أئمّة العترة (ع) ، والخُروج معهم والمُناصرَة لهم ، ولا يطرقُ الثّناء والمدحُ كامل اعتقادهِم ، وقد يُؤثَرُ مدحٌ نبويٌّ لخصالٍ كان عليها رجالُ الجاهليّة من الكرم والنّجدَة وأمثالها ، وهذا لا يُقال معه بالثناء على اعتقادِهم وشركهم ، وكذلكَ الإماميّة تُثني على الحافظ ابن عقدَة الزّيدي ، بل وتأخذُ عنه ، ثمّ هُم لا يرتضون اعتقادَه وزيديّته ، فيتأمّلُ ذلك النّاظر والمُهتمّ . ثمّ قد يُخصُّ هؤلاء المُجاهدين معَ الأئمّة بمزيدِ ثناء ومدحٍ لأجل تلك المُناصرَة وإن خالفَوا على أئمّة العترة في عقائدهِم لمكان أنّهم ناصرُوا في أمرٍ معه تشييدُ الدّين ، معه محو الجَور بإزالَة الظّلمَة ، ثمّ تمكّن أئمّة الهُدَى من سادات بني الحسن والحسين (ع) من الأمرِ لتُقام الأحكام والشّرائعُ حقّاً ، ويُطبّقُ العدلُ ، ويُنشر الاعتقاد الصّحيح ، فبالإمامَة تقومُ فرائضُ كثيرَة في الأمّة ، في الفقير والمظلومِ وفي تشييد كيان المُسلمين ، وتطبيق الشّريعة المحمديّة ، وبالضدّ يكونُ الخاذلُ لدعوات أئمّة الهدَى كالرّافضة محلّ ذمّ وسخط من أئمّة العترَة  لمّا كان خذلانُهم لأئمّة العترة من أسباب تسلّط الظّلمَة ، ليسَ الأمرُ خذلانٌ منهم ، بل كانوا يسعون إلى تخذيل النّاس عنهُم ، وعدم القيام مع أئمّة العترَة (ع) ، فكانوا بهذا قد قطعوا حبلاً من الإمامَة به ومعه تُشيّدُ فروضٌ كثيرةٌ وكبيرة في الأمّة ، من رفع الجور ، وتطبيق أحكام الشّرع ، فكان الرّافضَة أسوأ النّاس حالاً في ذلك الزّمان يتديّنون بمُعاداة أئمّة العترة (ع) وثوراتهم ، جعلوا ذلك لهُم شعاراً ، فكانَ ذلك ممّا يسرّ الظّلمَة المتنفّذين حكّام الجَور منهم ، لأنّ هذا يخدمُ مشروعَهم الحاكم السّلطويّ في ذلك الزّمان ، قال العلاّمة الحلّي متكّلماً عن سُليمان بن خالد الأقطَع: ((لَم يخرُج مِن أصحَاب أبي جَعفَر غَيرُه)) [خلاصة الأقوال: 153] ، يعنِي معَ زيد بن عَلي (ع) ، ثمّ لم يكن سُليمان بن خالد لسبب خُروجِه مع الإمَام زيد بن عَلي (ع) مرضياً عند بقيّة الجعفرية، فلزمَ توبَته!، وقالَ محقّق كتاب كامِل الزّيارات في الأقطَع : ((الظّاهر أنّ الرّجل كَان إمَاميّا لكنّه رَجَع عندمَا خَرج زيد بن علي، فمالَ إليه وصَار زَيديّا، ونقلَ الكشّي روايات في ذمّه، غَير أن الظاهر مِن الرّوايات التي نقلَها الصّدوق رُجوعُه إلى مَذهَب الحقّ)) [هامش كامل الزّيارات لجعفر بن محمد بن قولويه، هامش ص26، للمحقق الشيخ جواد القيومي] ، وأصرحُ منه ما ذكرَه الميرزا النّوري، قال: ((عَن سُليمَان بن خَالِد البُجلي -الأقطَع الكُوفي-، وكَان خَرج مَع زَيد بن علي ؛، فَأفلتَ . قُلتُ : ثمّ تَاب ورجعَ إلى الحقّ قَبل مَوته، ورَضِي أبو عَبد الله ؛ عَنهُ بَعدَ سَخطِه، وتوَجَّع بموتِه)) [خاتمة المستدرك: 4/328] ، وكذلك لم يخرج أحدٌ من أصحاب الإمام الصادق (ع) مع الإمام زيد بن علي (ع) ، وناهيك بمن بعده من الأئمة ، فيقول الشيخ حسن الأمين : ((فكانَ زيدٌ مَعذوراً في خروجِه على هِشَام بن عبد الملك، وإنْ لَم يخرُج مَعه ابن أخيه ولا أوصَى أحَدا مِن أصحَابه بالخروجِ مَعَه، وَلم يَكُن بَنو الحسَن بِهذه المثابَة فإنّ خُروجَهُم لَم يَكُن مُستسَاغاً لَدى الإمام المذكُور كما يتجلّى ذلك وَاضحاً في جوامِع حَديثهِم وأخبارِهم وفي بعض الكُتب المؤلّفة في الأنسَاب، ومن المُسَلَّم عند كثير مِنهم انحرافُ بَني الحسَن عن الأئمّة مِن أبنَاء عمّهم المذكورين)) [مستدركات أعيان الشيعة: 1/71] ، فيتأمّل النّاظر ذلك من حال الرّافضة مع أئمّة العترة (ع) ، ثمّ ينظر الباحث بأنّهم مع ذلك قد توجّهوا إلى أئمّة العترة (ع) بالذمّ الشّديد في مصنّفاتهم ، وقد فصّلنا ذلك من حالهم في كتابنا (الرافضَة) ، فليُراجعه المُهتمّ ، فزادوا في ذمّهم سادات بني الحسن والحُسين (ع) على قول النّواصب ، وأتَوا بما لم يقُله النّواصبُ في المقَال ، والله المُستعان. وهذا ذكرناهُ لتقفَ على حال الرّافض الخاذلين لأئمّة العترة والمحرّضين عليهم والذّامين لهم والرّاوين فيهم أنّهم هُم النُصَّاب كما في روايات الإماميّة ، ثمّ القول بأنّ الرّافضة كانوا مع ذلك الرّفض للخروج مع أئمّة العترة من سادات بني الحسن والحسين (ع) على عقيدَة التوحيد ، نعني أنّ الرافضة كانوا على عقيدة التوحيد والتنزيه ، فذلك مما لا يثبُت من حال جُملتهم ، وقد وقفتَ قريباً كيف جعل الشّريف المرتضى رُؤساء الإمامية في ذلك الزّمان في مصافّ المشبّهة والحشويّة كالهشامين وغيرهما ، فإنّ التنزيه ما شاعَ في الإماميّة إلاّ في زمن المُفيد تقريباً ، في القرن الرّابع الهجريّ .

نعم! وهذا مضمون سُؤال توجّهَ سابقاً ، نأتي به ، وبالجواب عليه ، لعلّ من فائدةٍ ، فهُ, مرتبطٌ بهذا المقام .

كان في السّؤال :

كان يخرجُ مع الأئمّة من بني الحسن والحُسين (ع) ، أصنافٌ من النّاس من غير الزيدية ، بل قد خرجَ معَ الإمام زيد بن علي (ع) من المُحكِّمَة (الخوارج) ، فهل خرجَ أحدٌ معهم من الرافضَة وإن كانوا على المُعتقد الإماميّ ، يعني مع المُخالفة في المُعتقد كحال سائر المُسلمين غير الزيدية الذين قد يخرجون مع أئمّة الزيديّة ؟!.

والجواب :

أنّ أصول جميع المُسلمين تُصحّح الإمامَة في سادات بن الحسن والحسين (ع) ، وبالتّالي الإجابَة والائتمام بدعواتهم ، فمن قال الإمامة في قريشٍ ، فهُم يجوّزون الإمامَة في بني الحسن والحسين ويأتمّون بدعواتهم لمّا كانوا قرشيين ، ومن قالَ أنّ الإمامة في جميع الأمّة ، فهو يجوّز الإمامة في سادات بني الحسن والحسين ويأتمّون بهم لأنّهم من الأمّة ، فأصولهم الدينية لا تمنعُ من الائتمام وإجابة دعوات بني الحسن والحسين (ع) ، إلا الإمامية ، فإنّ أصول الرّافضة ومنهم الإماميّة أنّ الإمامة لا تجوزُ في سادات بني الحسن والحسين (ع) ، وإنّما هي محصورةٌ مُقصورَةٌ على الاثني عشر فقط ، وأنّ دعوات إمامة بني الحسن والحسين باطلةٌ وتعدّ وبغيٌ على أئمّتهم ، لذلك تجدُ أنّهم على مرّ التأريخ لا يستيجبون لدعوات سادات بني الحسن والحسين (ع) ، الإمام زيد بن علي (ع)، والإمام النفس الزكيّة محمد بن عبدالله بن الحسن (ع) ، وأخوه الإمام إبراهيم بن عبدالله بن الحسن (ع) ، فإذا وقفتَ على أنّ شيعياً كانَ مُتابعاً مُؤتّماً مُبايعاً بالإمامة لسادات الزيدية من بني الحسن والحسين (ع) عرفتَ أنّه لن يكون من الرّافضة الإماميّة ومن قال بقولهم في الوصيّة والنّصوص . ويؤكّد هذا أعلامُ الإماميّة من عدم خروجِ أحدٍ من أصحاب أئمّتهم مع الإمام زيد بن علي (ع) على فضله وشُهرة مقامه بين العترة والأمّة ، قال العلاّمة الحلّي متكّلماً عن سُليمان بن خالد الأقطَع: ((لَم يخرُج مِن أصحَاب أبي جَعفَر غَيرُه)) [خلاصة الأقوال: 153] ، يعنِي معَ زيد بن عَلي (ع) ، ثمّ لم يكن سُليمان بن خالد لسبب خُروجِه مع الإمَام زيد بن عَلي (ع) مرضياً عند بقيّة الجعفرية، فلزمَ توبَته!، وقالَ محقّق كتاب كامِل الزّيارات في الأقطَع : ((الظّاهر أنّ الرّجل كَان إمَاميّا لكنّه رَجَع عندمَا خَرج زيد بن علي، فمالَ إليه وصَار زَيديّا، ونقلَ الكشّي روايات في ذمّه، غَير أن الظاهر مِن الرّوايات التي نقلَها الصّدوق رُجوعُه إلى مَذهَب الحقّ)) [هامش كامل الزّيارات لجعفر بن محمد بن قولويه، هامش ص26، للمحقق الشيخ جواد القيومي] ، وأصرحُ منه ما ذكرَه الميرزا النّوري، قال: ((عَن سُليمَان بن خَالِد البُجلي -الأقطَع الكُوفي-، وكَان خَرج مَع زَيد بن علي ؛، فَأفلتَ . قُلتُ : ثمّ تَاب ورجعَ إلى الحقّ قَبل مَوته، ورَضِي أبو عَبد الله ؛ عَنهُ بَعدَ سَخطِه، وتوَجَّع بموتِه)) [خاتمة المستدرك: 4/328] ، وكذلك لم يخرج أحدٌ من أصحاب الإمام الصادق (ع) مع الإمام زيد بن علي (ع) ، وناهيك بمن بعده من الأئمة ، فيقول الشيخ حسن الأمين : ((فكانَ زيدٌ مَعذوراً في خروجِه على هِشَام بن عبد الملك، وإنْ لَم يخرُج مَعه ابن أخيه ولا أوصَى أحَدا مِن أصحَابه بالخروجِ مَعَه، وَلم يَكُن بَنو الحسَن بِهذه المثابَة فإنّ خُروجَهُم لَم يَكُن مُستسَاغاً لَدى الإمام المذكُور كما يتجلّى ذلك وَاضحاً في جوامِع حَديثهِم وأخبارِهم وفي بعض الكُتب المؤلّفة في الأنسَاب، ومن المُسَلَّم عند كثير مِنهم انحرافُ بَني الحسَن عن الأئمّة مِن أبنَاء عمّهم المذكورين)) [مستدركات أعيان الشيعة: 1/71] .

فإذا وقفتَ على هذا وقفتَ على أنّ سلف الإماميّة والرّافضة بعُموم ، ليسو من تلك الجماعات التي كانت تُبايع أئمة الزيدية من بني الحسن والحسين (ع) وإن خالفوهم في المعتقد ، كبيعة المرجئة للإمام زيد بن علي (ع) ، والائتمام به أو المحكّمة (الخوارج) ، فتأمّل ذلك موّفقاً ، فإنّ من يُنبُ إلى الشّيعة وهُو مع سادات بني الحسن والحسين مؤتمّاً بهم فإنّه لن يكون إلاّ زيديّاً غالباً ، إذا ما استثنينا من ارتضى لنفسه ممن ظاهره الزيدية في عموم الاتباع ثمّ خرجَ عن أصولهم في أصلٍ جامِع كما يُحكى عن أصنافٍ من الزيدية في كتب الملل والنّحل من جريرية وغيرهم -إذا قد صحّ ما يُحكى عنهم من مخالفات على أصول العترة- .

وهذا كلام الإمام الناطق بالحقّ يحيى بن الحسين الهاروني (ع) ، (ت424هـ) ، في أنّ سائر الأمة تُصحّح إمامة بني الحسن والحسين وتُجيزها (الإمامة) فيهم ، وإن خالفوا في مقتضى الحصر في البطنين ذرية الحسن أو الحسين ، فالكلام حول جواز أن يكون الإمام حسنيا أو حسينياً وأن تكون له البيعة والطّاعة ويكون معه الخروج ، إلا أصل الإمامية فإنه يمنع من ذلك ، قال (ع) : ((اعلم أن أصول جميع المثبتين للإمامة ، والقائلين بحاجة الناس إليها سوى الإماميّة على اختلافهم في الشّرائط الموجبة لها ، تقتضي القول بإمامة زيد بن علي -عليه السلام- ،… ، والغرض بما أوردناه أن نكشفَ عن ظهور الحال في وجوب القول بإمامته على مذاهب أهل العلم أجمعين ، من الموافقين والمخالفين ، سوى الطاهرة التي حُرِمَت التّوفيق ، ….، ولم يشذّ عن بيعته عليه السّلام- إلاّ هذه الطّائفة القليلة التوفيق التي قطعَت من حبل أهل البيت -عليهم السلام- ما أمرَ الله به تعالى أن يُوصَل ، وفرّقَت بين عترة النبي -صلى الله عليه وآله- في الموضع الذي أمر تعالى بالجمع فيه)) اهـ [الدعامة:229-230] .

نعم! وبهذا وما مضى عرفَت أنّ الإمامية في قراءة التأريخ لم يكونوا من أولئك الخارجين مع سادات بني الحسن والحسين (ع) ، حتّى لو صحّ أنّه ليس كلّ خارجٍ معهم هو من الزيدية بالضّرورة ، فذلك صحيحٌ ، إلاّ أنّ من كان خارجاً معهم وهو من الشيعة فإنّه لن يكون إلاّ زيديّاً ، كما تقدّم . وإذا ذكرت أسماءٌ من أعلام الشيعة كأبي حمزة الثمالي والأعمش وغيرهم وقالوا بايعوا الإمام زيد بن علي (ع) ، والإمامية يقولون أنّهم منهم ، فنقول أنّ الزيدية لم تُصحّح تلك الدّعوى من إماميّة أولئك ، وقد وقفت على قول أعلامِهم ومحقّقيهم أنّه لم يخرُج من أصحاب الإمامين الباقر والصّادق صلوات الله عليهما أحدٌ مع الإمام زيد بن علي (ع) ، وأيضاً نؤكّد أنّ الإمامين الباقر والصّادق لا يصحّ أنّهما على قول الإمامية أصلاً ، فهو مذهبٌ صنعَهُ الخوف من هشام بن عبدالملك ، وشكّلته الرّوايات الكثيرة الضّعيفة في تراثهم ، والله المستعان)) .

المقدّمة الثّالثة : أنّ المذكورين من الفقهاء ، كأبي حنيفَة ، والشّافعي ، ومالك ، وسفيان الثّوري ، فإنّك إذا وقفتَ أحداً من الأئمّة يُثني عليهم وينسبهُم إلى الزيديّة ، فإنّه يُثني عليهم لا على الأصل الذي أنتَ تستصحبهُ عنهم من كونهم مشبّهة ومُجبرة أو على غير ولاية آل محمّد في التشيّع ، فهذا هُو الذي يكونُ معه التناقض والتعجّب ، وإنّما ذلك مبنيّ على أصلِ أنّهم كانوا على اعتقادٍ صالح في التوحيد والعدل والولاية لآ محمّد والنّصرة ، وهذا بيّنٌ من كلام الإمام شيخ الإسلام مجدالدّين بن محمد المؤيّدي (ع) لو تأمّلت سباق كلامِه ، ويقول الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في سياق ذكر العدليّة : ((ومِنهم الشّافعي: محمد بن إدريس الذي يضرب به المثل، العالم الذي ضَرب في كل علم بنصيب وافر، وذهَب مذهب الزيدية في العَدل والتوحيد، وهو أحدُ الدُّعاة ليحيى بن عبدالله -عَلَيْه السَّلام- وقُيّد وحُبس لأجل ذلك، وأُفْرِجَ عنه بلطف الله سبحانه)) [الشافي] ، وكذلك قيل في غيره من المذكورين ، فيعلمُ صاحب الشّبهة أنّ ذلك الثناء هُو تابعٌ لأصلٍ قد ثبتَ للمادحِ في الاعتقاد والولاية .

فإن قيل : وتلك الشّهرة عن المذكورين في الاعتقادات التي تخالف على الزيدية .

قُلنا : كم قد ظُلمَ أعلامٌ في كُتب التراجم والسّير ، وعلى رأسهم أمير المؤمنين (ع) على شُهرته ، وُنسب إليه ما لا يقولُ به ولا يعتقدُه ، وكم من رجلٍ تتزيّن به الحشويّة وهُو على غير اعتقادِهم عند التتبّع والتثبّت ، علما أنّ أقصَى ما قد تقولُه هُو أنّه لم يثبُت عن هؤلاء اعتقاد الزيديّة ، فيكون ذلك نظرُك خاصّتُك ، وأنّ الذي يكفي في رفع تعجّبك من ثناء الزيدية على المذكورين هُو أن تقف أنّ ذلك بناء على أصلِ صلاحِ اعتقادِهم  ، فيكون نقاشُ هل ثبتَ ذلك الاعتقادُ عن المذكورين أمرٌ زائدٌ على المطلب هُنا . ثمّ نلفتُ إلى أنّ الحاكم هُو قول إجماع أئمة العترة في الأصول والفروع إذا كانَ الأمرُ اتّباعٌ وطلبُ هداية ، لأنّ الشارع الحكيم قد أمرَ باتّباع العترة لا شيعَة العترة ، إذا قد التبسَ على الباحث أقوال لهؤلاء المذكورين لم يستطع معها التمييز ، مما انتشرَ عنهم في كُتب المُسلمين ، مما لا يصحّ نسبتُه إليهم ، فيعرفُ المكلّف كيفَ يتبّع الهدي النبويّ في اتّباع العترة دوناً عن غيرِهم ، ولذلك فلا يصحّ أن يقول صاحب الشّبهة أنّ ذلك المدح أو الثناء على المذكورين قد يُفسّر قول البعض من الفرقة السنيّة أنّ الزيدية أقربُ إليهم ، لأنّ الأصلَ عند الزيدية في التلقّي هُو الأخذُ عن سادات العترة (ع) في الأصول وتقديم روايتهم والفروع ، فإذا كانَ قول أبي حنيفَة وقد تتلمذ على الإمام زيد بن علي (ع) ، وأخذَ عن الإمام الصّادق (ع) سيُقارب قول الزيدية ، فذلك لمكان التلمذَة على علماء العترة ، فلا تُعكّسُ المسَائل ، ثمّ الزيديّة حالها في الأصول معلوم من التوحيد والعدل والوعد والوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر والإمامة ، والفرقة السنية تُخالفها في جُملة ذلك ، وكذلك خال الزيدية في الفروع البارزَة معلومٌ كالقول بحيّ على خير العمل ، وعدم المسح على الخفّين ، والقول بالشّاهدين والولي في النّكاح ، وكذا عدم التأمين ، والإرسال في الصّلاة ، وتكبير الجنازة خمس تكبيرات ، وأمثال ذلك من مسائل الفروع البارزة التي تُخالف على الفرقة السنيّة ، فيعودُ صاحب الشبهة ينظرُ أنّ الزيدية فكرٌ تابعٌ لأئمّة وسادات العترة في أصوله وفروعه . أختمُ في هخصوص من ذكرهم صاحب الشّبهة بأنّ من أرادَ أن يعرفَ الاضطراب في تشويه النّقل عنهم في الاعتقاد فلينظُر ما تحتجّ به الأشاعرة على السلفيّة في هذا المقام ، وذلك القدر من المُنازعات في عقائد المذكورين من الفُقهاء ، فإنّهم لا يرتضونَ من السلفيّة تلك الأقوال المفيدة للتجسيم والتشبيه ؛ وإنّما ذكرنا هذا لتقفَ على أنّ عقائد كثيرَة تُنسب للمذكورين وهي محلّ نقاشٍ كبيرٍ وتحقيقٍ عنهم في التتبّع .

المقدّمة الرّابعة : نأتي بها كفائدةٍ وتنبيهٍ ورفع تعجّبٍ عن صاحب الشّبهة بعد البيان الذي سبقََ في المقدّمات السّابقة ، وأصل الزيدي في الثناء على الفقهاء المذكورين والنّسبة إلى الزيدية ، فقد كان مِنْ تعجّبُ صاحب الشبهة توثيقهم مَع قولهم بالتشبيه والتجسيم والجبر وعدم الولاية والتشيّع ، فنذكرُ له من رجال الإماميّة الذين وثّقهم أعلامُ الإماميّة مع فسادِ عقائدِهم تشبيهاً وجبراً واختلال ولايَة ، ثمّ هُم عُمدةٌ في الرّواية والأخذ والتلقّي والثناء عند الإماميّة ، وإنّما ذكرتُ هذا –وأنا أعلمُ أنّ له تأصيلٌ واسعٌ في شروط الحديث- ليقفُ صاحب الشّبهة على التعجّب الذي يُتوجّهُ إليه التعجّبُ حقّاً ، لأنّه توثيقٌ وثناءٌ يصحبُه إقرارٌ بالتشبيه والجبر والعقائد الفاسدَة من أصحابها ،وليسَ ذلك حال المذكورين من الفقهاء عند الزيدية ، فإنّهم يرفعون عنهم العقائد الفاسدَة لمّا قرروا الثناء عليهم والمدح أو النسبة إلى الزيدية ، فمن ذلكَ قول الشيخ الطّوسي : ((إنّ كَثيراً مِن مُصنِّفي أصحَابِنا وأصحَابِ الأصُول ، يَنتحلون المذَاهب الفَاسِدَة ، وإنْ كَانت كُتبهم مُعتمَدَة)) [الفهرست:32] . فتتأمّل كيفَ أنّ أصحاب المذاهب الفاسدَة ، والتي منها التشبيه والتجسيم والجبر ، والواقفة وولاؤهم في إنكار الأئمّة مختلٌ ، وغيرها من العقائد ، كيفَ أنّ كُتب هؤلاء مُعتمدةٌ عند الإماميّة ، وأنّهم كثيرٌ لا قليلٌ ، ومنها يأخذون وينقلون عن سادات العترة ، والأولى هُنا أن يُقال بأنّ هذا يُفسّر لنا سبب ابتعاد الإمامية عن عقيدة أئمّة العترة وفروعهم ، والله المُستعان ، ما دام أنّ هذه الكُتب مُعتمدَةٌ عند الإماميّة ، ومن هذه الكُتب أصولٌ !. الآن صاحب الشّبهة سيعودُ يقرأ المسألة برمّتها قراءة جادّة في التمييز ، لأنّ صاحب الشّبهَة وجدناه في موضعٍ ينعى على الزيدية أخذهم من كُتب الحاكم الجَشمي المُعتزليّ ، ويجعل ذلك مِنْ شَواهِد أخذ الزيدية عن المُعتزلة ، والزيديةُ لا تُنكر تداخل المشيخَة مع المُعتزلة ، إلاّ أنّ الزيدية مع ذلك التّداخُل فإنّها لا تعتبرُ المُعتزلة إلاّ آخذين اعتقادهم عن أئمّة العترة (ع) ، وعلى رأسهم أمير المؤمنين (ع) ، عدا قولهم في مسألة الإمامة ، ثمّ الزيدية أصولُ فكرهم في الاعتقاد في التوحيد والعدل وطُرقهم إليه معلومةٌ عن سلفهم من سادات بني الحسن والحُسين (ع) ، فعقيدة العترة في مصنّفاتهم خاصّتهم معلومة قبل الحاكم الجَشمي (ت494هـ) ، ومعلومَة قبل أبي الحسين البصري (ت436هـ) ، وقبل أبي هاشم الجبائي (ت321هـ) ، وقبل أبي علي الجبّائي (ت303هـ) ، فقد قال بها الإمام الهادي إلى الحقّ يحيى بن الحسين (ع) ، (ت298هـ) ، وقبله جدّه الإمام نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم (ع) ، (169-246هـ) ، والإمام الناصر الأطروش الكبير الحسن بن علي الحسيني (230-304هـ) ، وقبلَهم الأئمة زيد بن علي (ع) ، (ت122هـ) ، والصّادق جعفر بن محمد (ت148هـ) ، والنفس الزكية محمد بن عبدالله بن الحسن (ت145هـ) ، وغيرهم من سادات العترة ، فإنّ أصول الزيدية في التوحيد والعدل والوعد والوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإمامة مَعلومة عن هؤلاء الأعلام من سادات بني الحسن والحسين (ع) ، قبل الحاكم الجشميّ ، وقبل أعلامٍ غيره من المعتزلة ، ثمّ إنّ الحاكم الجشميّ قد تأثّر بالزيدية وأصبحَ زيديّاً ، وهُو ممن يقول بعصمَة أمير المؤمنين (ع) ، وتقديمه ، ويقول بحجيّة إجماع العترة (ع) ، ويقول بإمامة أئمّة العترة ، ثمّ مُعتزلة بغداد قد تأثّروا بقول الزيدية فقالوا بتفصيل أميرالمؤمنين على غيره ممّن تقدّمه ، فأنت تلحظُ العكسَ في التأثّر ، وإن كتانت مسأل الأصول لا تقليد فيها ، وإنّما نذكرُ هذا هُنا من باب الطّرق إلى الأعلام من العترة (ع) ، وارتباط الخلَف بالسّلف ، فإنّ التداخُل في المشيخة إذا كان أصلُ العترة معلوماً يستطيعُ الناظر تمييزه من مصنّفاتهم وأقوالهم –عليهم السلام- فإنّه لا يضرّ في المعرفة ، ويكون وجهه المُذاكرَة ، ألا ترى أنّ الشيخ المفيد قد تتلمذ على يد الجُعل المعتزليّ ، وألا ترى أنّ جُملةً من تفاسير المعتزلة قد ضمّنها شيخ الطّوسي كتابه (تفسير التبيان) ، حتّى قامَ أحد المحقّقين باستخراج تفاسير شيوخٍ من المعتزلة المندثرة والضّائعة مِن كتاب الطوسي هذا ، والشّاهدُ هُنا هُو الأخذُ أو العُكوف على مصنّفات المعتزلة ، فهل يُقال من ذلك كتأثّر نحوه إذا لم يكُن لذلك التأثّر أثرٌ !.  ثمّ أختمُ بأنّه في واقع التأثير العقائديّأو الفقهيّ بعُموم فإنّ صاحب الشّبهة لو قلبَ ظهرَ وبطن كُتب الزيديّة أو ناقشَ فكرَهم لمَا وجدَ للفقهاء المذكورين : أبي حنيفة والشافعي ومالك وسفيان الثوري أيّ تأثيرٍ في النّقل الذي يُعتمَدُ عليه في التأصيل الفكريّ أو حتّى في الفُروع ، إلاّ ما يكون في ذكر الِفقه المُقارَن في كُتب بعض الأئمّة فإنّها تذُكرُ أقوالٌ منسوبَةٌ إليهم كما يذكرُ المُصنفّون أقوالَ غيرهم من الفقاء والِفَرق بما فيها أقوال الإماميّة ، وهذا نذكرهُ فيمَا لو جمدَ صاحب الشّبهة على أنّهم ليسو عدليّةً ولا أهل ولاية ، أو يكون لهم ذكرٌ في إسنادِ الرّوايات ويكونُ أغلب مَا يُروى عنهم غالباً قد ثبتَ من طُرقٍ أخرى للمجتهدِ من الأئمّة (ع) ، فتكون الروّاية محلّها التكثّر أو المُتابعات ، كما أنّ المُجتهد لا يجوزُ له تقليدُ غيره من أئمّة العترة فضلاً عن هؤلاء الفقهاء أو غيرِهم ، وخُلاصته أنّنا لو قدّرنَاهم غير موجودينَ أصلاً  -نعني الفقهاء المذكورين- ما كانَ لذلك أثرٌ في الفكر الزّيدي بعُموم ، وهذا البيان منّا لا يُنافي ما ثبتَ لهم من فضلٍ أو خروجٍ مع أئمّة العترة –عليهم السلام- أو مُبايعة وتأييد ، وذلك لم ينَل شرفَهُ الرّوافض ، والله المُستعان .

نعم! وإنّما المُخلّ هُو اعتمادُ الكُتب الفاسدَة كما يصفُ الشيخ الطوسي ، وعقيدَة العترة أئمتهم المعصومين غير مُحرّرةٍ عند الإماميّة ، وغير مُستقرّة ، وغير معلومَةٍ ، يتجاذبُها الفقهاء والمراجع والرّجال الإمامية ، القميّون المشبّهة يجعلونها على الشتبيه والجبر ، وغيرهم على تحريف القرآن ، وغيرهم على التفويض والغلوّ ، وغيرهم على الرأي والاجتهاد وعدم العصمَة ، وغيرهم على منهجية الإخبارية أو الأصولية أو الشيخيّة وتفاصيلُ اختلافهم يضرّ بمنهجيّات مُتعدّدة في المعرفَة الكاملة للفكر والمذهب ، فكانت هذه الكُتب الفاسدَة والأصول هي سببٌ في الانحراف وعدم التمييز الصحيح لقول سلف الإمامية أئمّتهم . فإن قيل : العُلماء والفقهاء يميّزون منها الصحيح والضّعيف ؟!. قُلنا : وكذلك ملّ مُختلفُ من جماعات الإمامية من المشبّهة أو المنزّهة أو القائلة بالرّأي في حقّ الأئمّة تصنّفُ كُتباً فقهيّةً عن الأئمّة بهذا المنوال ؛ فإنّهم يدّعون التمييز والتصحيح والتضعيف ، ثمّ لا أثر للعترة الثاني عشر ليفصل ويُبيّن ما هُو مستقرّ أقوال سلفه من هذا التضارب الروائي الهائل في كُتب الإمامية أصولاً وفُروعاً ، والذي زاد وفاقَم حالَه وأمرَه سوءاً اختلاف شيوخ الطائفة وعلماء الإمامية منه على الأقوال العقائدية والفروعية البارزة المتعدّدة  حتّى لعن بعضهم بعضاً ، ونسبَ بعضهم بعضاً إلى الغلو والتقصير والتفويض ، وحم بعضهم على بعضٍ بالنجاسَة لمكان ذات الأصول والمنهجيّات والفكر . فيظهر للنّاظر أنّه لا مُقارنَة بين تداخُل المشيخَة بين الزيدية والمُعتزلة ، لأنّ طريق التمييز معلومٌ من اعتقاد أئمّة العترة ومُستقرّ قولِهم ، ومن خالفَ على أصلٍ من أصول الزيدية عُلمَ معه أنّه خالف على طريقة ومنهج وفكر واعتقاد أئمّة العترة (ع) ، وليسَ ذلك حالُ الإماميّة ، وهذا ما قد طوّلنا فيه قريباً من غياب تأثير العترة على فكر الإمامية ، وأنّه ليسَ مرتبطاً بالعترة من جهَة العلم بأنّ ما هُم عليه هُم اعتقاد العترة حقّاً وأنّهم عنه راضون ، وإنّما ذلك منهم أنظارٌ خاصّة عقليّة وتدبّرات قرآنية وانتقاءات بين أخبار متضادّة عن أخيار بني الحسين (ع) .

أعودُ وأذكُر رجالاً أثنى عليهم الإماميّة أو وثّقوهم وهُم على العقائد الفاسدَة ، بعد أنّ مرّ مَعك قَول الشيخ الطوسي أنّ كثيراً من أصحاب الأصول الفاسدَة ومصنّفي أصحابهم ينتحلون المذاهب الفاسدة وأنّ كُتبهم مُعتمدة عند الإماميّة ، فمن أولئك الرّجال :

  • هارون بن مسلم بن سعدان الكاتب : قال عنه الشيخ النّجاشي : ((ثِقةٌ ، وَجهُ. وكانَ لَه مَذهبٌ في الجَبر والتّشبيه)) [رجال النجاشي:438] ، فلعلّ صاحب الشّبهة يتعجّب ، من الثّناء بكون الرّجل وجهاً ، علما أنّ البعض قد يذهبُ إلاّ أنّ جميعَ من يذكرُهم النجاشي في كتابه إماميّةٌ في التشيع ، إلا أن يستنثي هُوَ، وهذا قولٌ من قائله لا يصحّ ، والشّاهد هُنا هو ذات التوثيق والثناء على الرّجل رغم كونه مشبّهاً ومُجبراً .

  • محمّد بن الخليل أبو جعفر السّكاك البغدادي : قال عنه النّجاشي : ((صاحبُ هِشَام بن الحكم وتلميذه ، أخذ عنه. لَه كتبُ ، منها : كتابٌ في الإمامة ، وكتاب سمّاه التوحيد وهو تَشبيه ، وقَد نُقضَ عَليه)) [رجال النجاشي:328] ، وقال البروجردي : ((منها كتاب التوحيد ، إلاّ أنّ “جش” [أي النجاشي] قَال : أنّه تَشبيهٌ . يَعني ، ليسَ بتوحيدٍ بَل تَشبيهٌ وَشِرْكٌ. ويُستفادُ مِن “ست” [أي الفهرست للطوسي] كَونه إمامياً ، و” كش” [أي رجال الكشي] جَلالَته)) [طرائف المقال:1/348] ، فتنظُر كونَ الرّجل إماميّاً ، معَ أنّه مُشبّهٌ ، ثمّ هُو جليلُ القدر !. وهذا يستحضرُ معه النّاظر قولنا أنّ فكر الإماميّة الذي ارتباطهُ بالعترة غير مُستقرٍّ عند الإماميّة يدّعيه كل أحدٍ منهم ، المجسّم والمنزّه ، فمحمّد بن الخليل هذا لم يمنعه تشبيهه من أن يكون إماميّاً ، ولعلّه يروي ذلكَ التشبيه عن أخيار بني الحسين (ع) ، ويرى أنّ اعتقادَه اعتقادهُم .

  • وهنا أذكرُ جملةً من الأعلام الذي بعضهُم وصف بأعظم الثناء من كونه من وجوه الطائفة وأعلامها : فيقول الشريف المرتضى : ((وقال هِشام بن الحكم، وعلي بن مَنصور، وعَلي بن إسماعيل بن ميثم، ويُونس بن عبد الرّحمن مولى آل يقطين، و ابن سالم الجَواليقي، و الحَشوية و جماعة المشبهة : أنّ اللّٰه جل و عز في مَكانٍ دُون مَكان ، و أنّه يَتحرك ويَنتقل، تعالى اللّٰه عن ذلك عُلواً كبيراً)) [رسائل المرتضى:3/281] ، وهؤلاء قد جاء فيه أخذٌ وردّ ، واحتملَ جُملتهم الإماميّة يذبّون عنهم عدم التجسيم ، وإن كان الثّابتُ هو التجسيم ، والله المُستعان ، ونخصّ هشام بن الحكم ، وهشام بن سالم ، ولولا أنّ القصد الإشارَة بعُموم لينظر الباحث ويتدبّر ، ويقف صاحب الشّبهة ، قبل أن يُطلق الكلام على عواهنه ، وإلاّ لأتينا على هؤلاء وغيرهم ممن يؤثر عنه التجسيم والتشبيه من أصحاب الإماميّة بمزيدٍ تفصيلٍ واحتجاجٍ ، ولكن ليسَ هذا غرضنا هُنا .

نعم! ومن هذه المقدمة ، وما سبق من المقدمات وقفت على بيان ما اشتكل على صاحب الشبهة في البناء ، والحمدلله .

–  إن قيل : الإمامية في الأحاديث والرواية يروون الأخبار برمّتها ، التي توافق الإمامية والتي تُخالفهم ، وهذا من باب أمانة النقل ، ثم يقومون بتمييز الصحيح من السقيم ، وأنتَ قد قلت في جواب سابق لك ما نصّه : ((أنّ الأصل من الرّواية والحكايَة هي حكايَة الصّحيح دوناً عن الغثّ غير السّمين)) اهـ . ومع اعترافكم بعدم روايتكم لغير الصحيح وهو بنظركم ما خالف فِكركم ، فجعلتم فكركم هُو المعيار ، بحيث تَروون ما وافقه باعتباره صَحيح ، وتطرحون ما خالفه باعتباره غير صحيح . ومَادام هذا معياركم في الرواية فلن تقبلوا بأي رواية تُخالف فكركم كونها غير صحيحة ، والأصل عندكم في الرواية والحكاية هو الصحيح بنظركم . والأمر الآخر الذي ينبغي  الإشارة إليه : أنّ مَن كان مثل الزيدية لايروي إلا ما صَحّ عنده أنه عَن العترة ، ومن الطبيعي بأن لا تجد ما تستدل به عليه في كتبه ، وذلك أنه لا يرويه كون أصل الحكاية والرواية عنده إنما هو الصحيح .

– قلنا : أنّ صاحب الشّبهة لم يفهَم كلامَ الفقير حسبَ مقاصدِه ، ولا حسبَ توجيه العبارَة ، وأنا أبيّن ذلك ، وبيانُ الشّخص لكلامِه أدلّ وأوضَح ، فإنّ طبيعَة الجواب الذي وقف عليه صاحب الشّبهة وجّهه أحد الإخوة كقراءة مقارنَة بينَ الكمّ الروائي الحديثيّ السنّي والكمّ الرّوائي الحديثيّ الزّيدي ، فكانَ من الجَواب أنّ أسباب تلك الكثرة الروائية عندَ الفرقة السنيّة ، تأتي من الاهتمام بالتّكرار ، ثمّ من الحَشو بجمع المُتناقضَات ، وهذا قول الفَقير : ((فأمّا ما عَليه مُصنّفات أهل الحديث من الفرقَة السنّية من تكرارٍ الأحاديث فذلك يندُر عندَ الزيديّة ، وكذلك جمعُ المُتناقضَات من الأخبَار التي لا يصحّ منهَا (حقيقةً) إلاّ أخبارٌ بمنهجيّة واحدَة ، فإنّ الزيديّة لم تحِرص على جمَعها وتكثيرِ تلك الأخبار بجمع المُتناقضَات)) اهـ ، فالنّدرَة في مصنّفات الزيديّة لاحقةٌ بتكرار الأخبَار ، ولاحقةٌ برواية المُتناقضَات ، لأنّ صاحب الشّبهة لعلّه فهم أنّ جميع ما ترويه علماء الزيدية في أخبارِهم كلّه صحيحٌ وفقَ قولِهم وطريقتهِم ومنهجهِم ، وذلك لا يصحّ ، فإنّ هُناك من الرّوايات في المصنّفات الحديثيّة ما هو ضعيفٌ إذا أعملنَا عليه شروط الزيدية في قبول الأحاديث أو ردّها ، والحكاية بالنّدرَة هُو مقارنة بما لدَى أهل الحشو من رواة الأحاديث في العقائد والفقه والسّير وفضائل الأعمَال وأمثال تلك الموضوعات ، فيقفُ صاحب الشّبهة على ذلك ، وإلاّ سبزمُ من فهمِه أو تجيهه لكلامِ الفقيرِ أنّ جميع روايات الزيدية في مصنّفاتهم الحديثيّة صحيحٌ ، وهذا لا يُقال به . ثمّ كان من سؤال السّائل ، قولُه : ((إنّ ذلك من إنصاف المُحدّثين أن يرووا مَا وافقَ فكرَهم وماَ خالفَه بذلك التنوّع والزيدية لم ترو بذلك التنوّع ؟!.)) اهـ . فأتينا على الجوابِ بتأصيلٍ ، ضمّناه دورَ العترَة في تمييز الأخبَار وضبطهَا في مقام الاحتجاح ، لا أنّ المقصدَ أنّه لا يوجد أخبارٌ ضعفافٌ في روايات الزيدية الحديثيّة مُطلقاً ، وإنّما المقامُ عند التأصيل هُوَ أنّ الوجه في التصدير من تلك الأخبار التي روتها الزيدية أو رُويت بعُموم شاركهم غيرهم في الرّواية هُو الأخذ بالصّحيح من الأخبار وفق ضوابط الزيدية في التصحيح والتضعيف ، دوناً عن الأخبار الضّعيفَة من مصنفات الزيدية أو غيرهم ، وأنّه من دعوى  القلّة في الرّواية كما يقوله البعض عند الزيدية ، فإنّها فيها الكافيةُ لمّا احتوت الأخبار الصّحاح التي معها وبها يقوم التكليف ، فكان هذا قولنا بتمَامه ، وينبغي التفريقُ بين ما وجهه تأصيلٌ ، وبينَ ما وجهُه كلامٌ عن الأصحَاب : ((قُلنَا : أنّ الأصل من الرّواية والحكايَة هي حكايَة الصّحيح دوناً عن الغثّ غير السّمين ، وكتاب الله تعالى كتابٌ لم يَحتَو من النّقل والحكايَة عن الأقوام السّابقَة والأنبياء والقَصص إلاّ وجهٌ واحِد وهُو الصّحيح ، دوناً عن تلك الأخبار الإسرائيليّة المكذوبَة التي عجّت بهَا أسفَار اليَهود والنّصارى ، وما ذلك إلاّ لأنّ القُرآن منهَجٌ يُحدّد طريقاً واحِداً لذلك المَنهَج ، وكذلك السنّة من لسانِ نبيّنا محمّد صَلوات الله عَليه وعلى آله لن تكون منهُ إلاّ بمنهَج واحِد لتسير عليه الأمّة لا يحتملُ من لسانِه قولُ تلك المُتناقضَات وذلك الحَشو الذي حُشِرَ في مصنّفات أهل الحَديث ، فأخَذت الزيديّة أصحّه أو أليقَه واقرَبه بالصحّة ثمّ ضبطَته بشروِطَها في القَبول للأخبَار ، وذلكَ أنّ أئمّة العترَة على فِكرٍ يشهَدُ له الشّرع بمُقارنَة القُرآن من إجماعاتهِم فكفاهُم ذلكَ عن تلكَ الحاجَة لذلكَ الكمّ الهائل من الرّوايات المُتناقضَة في كُتب الغَير بإيرادِ القَليل النّافع ، الذي ابتنى عليه إجماعاتهم وكان لا يُخالفُ على معصوم تلك الإجمَاعات المُقارنَة للكتاب التي لا تُخالفُه ، فالكثرَة بجمع المُتناقضَات وحشوَها لا تكون مدحاً إلاّ لو تعدّدت السنّة عن رسول الله صَلوات الله عليه وعلى آله ثمّ أخذَت الزيديّة بسنّة واحِدَة وطريقَة واحدَة انتقَتها من سُنن رسول الله صَلوات الله عَليه وعلى آله ، ولكن عندمَا تكون السنّة واحِدة عن رسول الله صَلوات الله عَليه وعلى آله فإنّ تحصيلَ تلك السنّة والحِرص على إصابَة وجهها هُو القَدر الواجِب ، فتأمّل ذلك ، ثمّ إنّ المُحدّثين قد أخفَوا أحاديث كثيرَة في فضائل أمير المُؤمنين والعترَة في أصول صحاحهم ومسانيدهِم البارِزَة إلاّ مَنْ رحِمَ الله منهُم ، ومعَ ذلكَ خرجَ روايات في فضائل العترَة ، والوجودُ لا يُلغي المُصادرَة للكَثير ، أو قلّة الرّواية لطُرق تلك الأحاديث حتّى أفادَت الظنّ وعدَم تأصيل المنهجيّة عندَ المُتأخّرين بما غُمِطَ من وجوهها وطُرقَها أوّلاً ، ثمّ لسنَا ننُكر وجود أحاديث فضائل العترَة في كُتب المُحدّثين رأساً وإنّما نقول بأنّها شُذِّبَت أحاديث صحيحَة كثيرَة غير ما رُوي ، ومعَ ذلكَ بقيَت الأحاديث التي تقومُ بها الحجّة على المُكلّفين لمّا كانت لُطفاً إلهيّا كحديث الغَدير والمنزلَة والثّقلين والسّفينَة وأمثالِهَا ، نعم! الحاصل لم تهتمّ الزيديّة بجمع الأخبَار لمجرّد الجَمع ، وإنّما جمَعت ما هُو موجّه ويدلّ على أصلٍ أو فرعٍ قائم من التّشريع وذلكَ هُو الكافِي عندَ التّحقيق ، فما زادَ الطّين بلّة إلاّ ذلك الحَشو بالأخبار المُتناقضَة التي لو ضُبطَت قاعدَة الرّوايات والتأصيل منهَا ، ما خرجَ من ذلك الجمع إلاّ عذباً فراتاً مُستساغاً يكونُ معه الخلافُ الفكريّ أقلّ لمكان صفَاء السنّة المحمديّ’ وعدم احتمالِها ذلك التّناقض النّاتج من ذلك الموروث الرّوائي ،

خُلاصَته : أنّ العبرَة للباحث إن قامَ يُقارن بين ذلك الحَجم والكمّ الروائي عندَ المُحدّثين وبينَه عند الزيديّة ، فجعلَ تلكَ الكثرَة عندَ المحدّثين دليلاً على أحقيّة ، أو دليلاً تفوّق منهجيّ ، فإنّ ذلك البَاحث لم يعِ حقّاً أن العبرَة ليسَت بذلك الكَيف وقد حَوت مصنّفات الزيدية الحَديثيّة والأصوليّة والفروعيّة تلك السنّة مُسندةً ومُرسلَةً عن رسول الله صَلوات الله عليه وعلى آله التي بهَا تقوم الشّرائع والأحكَام ، وفي الأثر عَن عبدالله بن مَسَعود رضوان الله َعليه : ((لَيْسَ الْعِلْمُ عَنْ كَثْرَةِ الْحَدِيثِ ، وَلَكِنَّ الْعِلْمَ عَنْ كَثْرَةِ الْخَشْيَةِ)) [المُعجم الكَبير] ، وعَن مَالك بن أنَس : ((إِنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ بِكَثْرَةِ الرِّوَايَةِ ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ نُورٌ يَجْعَلُهُ اللَّهُ فِي الْقَلْبِ)) [تفسير ابن كَثير] .وعَن سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ ، قَالَ : قَالَ لِي ابْنُ شُبْرُمَةَ : ((أَقِلَّ الرِّوَايَةَ تَفْقَهُ)) ، ويروي الرّامهرمزي ، بإسنادِه ، حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ ” أَنَّهُ مَرَّ هُوَ وَرَجُلٌ ، يُقَالُ لَهُ أَبُو يُوسُفَ ابْنُ تَمِيمٍ عَلَى رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، فَقَالَ لَهُ أَبُو يُوسُفَ : إِنَّا نَجِدُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنَ الْحَدِيثِ مَا لا نَجِدُهُ عِنْدَكَ ؟ قَالَ : ” أَمَا أَنَّ عِنْدِي حَدِيثًا كَثِيرًا ، وَلَكِنْ هَذَا رَبِيعَةُ بْنُ الْهُدَيْرِ كَانَ يَلْزَمُ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَذْكُرُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلا حَدِيثًا وَاحِدًا ” [المُحدث الفاصل بين الرّواي والوَاعي] ، وروَى أيضاً ، ثنا مَذْكُورُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ عَفَّانَ ، يَقُولُ وَسَمِعَ قَوْمًا ، يَقُولُونَ : نَسَخْنَا كُتُبَ فُلانٍ ، وَنَسَخْنَا كُتُبَ فُلانٍ ، فَسَمِعْتُهُ ، يَقُولُ : ((تَرَى هَذَا الضَّرْبَ مِنَ النَّاسِ لا يُفْلِحُونَ ، كُنَّا نَأْتِي هَذَا فَنَسْمَعُ مِنْهُ مَا لَيْسَ عِنْدَ هَذَا ، وَنَسْمَعُ مِنْ هَذَا مَا لَيْسَ عِنْدَ هَذَا ، فَقَدِمْنَا الْكُوفَةَ ، فَأَقَمْنَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، وَلَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَكْتُبَ مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ لَكَتَبْنَا بِهَا ، فَمَا كَتَبْنَا إِلا قَدْرَ خَمْسِينَ أَلْفِ حَدِيثٍ ، وَمَا رَضِينَا مِنْ أَحَدٍ بِالإِمْلاءِ إِلا شَرِيكًا فَإِنَّهُ أَبَى عَلَيْنَا ، وَمَا رَأَيْنَا بِالْكُوفَةِ لَحْنًا مَجُوزًا )) [المُحدث الفاصل بين الرّواي والوَاعي] ، ويروي أيضاً ، ثنا هَانِئُ بْنُ سِكِّينٍ الْعَبْسِيُّ ، قَالَ : سَمِعْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَذُكِرَ عِنْدَهُ كَثْرَةُ الْمُحَدِّثِينَ ، فَقَالَ : ((أَوَ لَيْسَ يُضْرَبُ مَثَلٌ : ” إِذَا كَثُرَ الْمَلاحُونَ غَرِقَتِ السَّفِينَةُ)) [المُحدث الفاصل بين الرّواي والوَاعي] ، وصدقَ سُفيان ، فتلك السنّة التي نُقلَت عن أئمّة العترَة واعتمدَتها واحتجّت بهَا ، وإن كاَنت قليلةً فخيرُها كَثير إن شَاء الله تعالى ، نعم! فهذه الأخبَار والآثَار عن أهل الحَديث أتيتُ بها من أقوالِ سلفهِم القصدُ منَها أن يظهَر لذلك البَاحث أنّ ذلك الحَجم والكمّ والكثرَة في الرّواية عندَ غير الزيديّة لا تدلّ على حقّ أو يُنسبُ منَها للزيديّة عَدم اهتمامٍ بالنسّة المطهّرة طالما أنّها قد اهتّمت في جمع السنّة بأسانيدَها ومُرسلاتِهَا التي تقومُ بالتّكليف من كتاب الله تعالى وشريَعة سيّدنا محمّد صلوات الله عَليه وعلى آله ، فتفهّم ذلكَ فقد ذكرتُ لكَ تأريخ الرّواية عند العترَة وما تأثّرت به عبر الدّول المتقدّمة وجهودَهم مع ذلكَ وما كان يُشغلُهم عن تحصيل ما حصلّه المُحدّثون جرحاً وتعديلاً وروايةً للحَديث لمّا كانَ أولئكَ آمنونَ على أنفُسهِم لا يُخيفون السّلطان ولا يخافُونَه ، وأولئكَ سيرتُهم ما علِمتَ من الأمر بالمَعروف والّنهي عن المُنكَر ، ثمّ ذكرتُ لكَ ما قد حرصَ أئمّة العترَة وشيعتُهم على إيصالِه من السّنة ولو بقلّة إلى ذلك الجَمع الكبير والهَائل عندَ غيرِهم ، وما هُو الأصل الذي يبني عليهم الباحِث والنّاظر من عدَم الاعتبار بكثَرة الرّواية دونَاً عن وصول النّقي منهَا الصّافي مُسنداً ومُرسلاً )) اهـ . فيتأمّل النّاظر المقاصد ووجوه العبارات ، فإن أصرّ صاحب الشّبهة على فهمٍ من كلامِنا ، فإنّ الفقير صاحبُ الكلام وقد بيّنه ، وهذا يكفي في المقام .

نعم! ولعلّ الأخ صاحب الشّبهة يُريدُ أن تروي الزيدية الإسرائيليّات في كُتب المحدّثين ، أو تمام روايات الحشوية التي أثقلَت كاهل الأمّة ، فما الذي سيُميّز طريقَة أهل البيت (ع) في الرّواية والهداية إذا كان حالُهم في الرواية للشريعة حالُ غيرهِم ممّن هم محل انتقادٍ كبيرٍ من المُسلمين وغيرهم من تلك الروايات التي لا تصحّ في النّسبة إلى رسول الله –صلوات الله عليه وعلى آله- ، وهذا من أعجب المطالب. أو لعلّ الأخ صاحب الشّبهة يُريدُ أن تروي الزيديّة النسخ الموضوعَة والأصول التي امتلأت بها أسفارُ الإماميّة ممّا لا أصلَ له يصحّ عن أصحابهِم المتقدّمين فضلاً عن أخيار بني الحسين (ع) ، فضلاً عن رسول الله –صلوات الله عليه وعلى آله- ، حتّى أضاعَت تلك الرّواية الإمامية المتناقضَة في كلّ بابٍ طريقَة أهل البيت (ع) وسنّتهم ومنهاجهم وتشتّت الإمامية قبل غيرهم في ذلك !. أينَ اللطفُ الإلهيّ في هذا المنهج ؟!. اللطف الذي جُعل معه أهل البيت (ع) مُقرّبون إلى الهداية مُبعدون عن الضّلال ، إذا كانت كُتب الإمامية بتلك الكثرة الروائية التي أصبحوا معها حشوية الشيّعة بلا مُنازع ، حتّى نفر البعضُ عن مذهبهم لأجل ذلك ، هذا ليسَ من المطالب العادلَة ، ولا من مطالب أهل التّحقيق ، وإلاّ لزمَ الإمام الصّادق (ع) أن يروي عن المخالفين عن آبائه الباقر والسجّاد والحسين وأمير المؤمنين –عليهم السلام- ، كما يروي هُو عَن أبيه الباقر عن آبائه –عليهم السلام- ، ليُقال أنتَ إنّما تروي وجهاً واحداً من الأخبار تحفظهُ عن آبائك ، ولا تروي ما يرويه المُخالفون عن آبائك ، لا تروي ما يرويه بنو عمومتك مثلاً من بني الحسن عن آبائهم الذين هُم آباؤك ممّا يُخالفُ عليك ، لتكون بهذا مُنصفاً  ، أو لنعلمَ كيف نُحاجّكَ ، فإنما أنت تروي الأخبار التي تُوافق انتقاءك عن آبائك –والعياذُ بالله- ، وتترك الرواية عن آبائك التي لا تُخالف انتقاءك ، اليسَ يسوغُ مثلُ هذا القول حسبَ منطق صاحب الشّبهة ، أعزّ الله الإمام الصادق وشرّفه . 

ثمّ هل يسوغُ القول للكُليني وهُو ينتخبُ كتابه الكافي طيلة عقدين من الزّمان وأكثر لا يأخذُ إلاّ ما صحّ عندَهُ ويتركُ ما لم يصحّ عندَه ، أن يُقال له أنت غير مُنصفٍ على هذه المنهجيّة ؟!. كان يجبُ أن تذكرُ روايات الزيدية والفرقة السنية والإسماعيلية التي تُخالفُ على الإمامية ، ليتمكّنوا من الاحتجاج علينا عند الاحتجاج ؟!. ولئلا يُقال أنك إنما تنتقي ما يصحّ عندكَ فقط دون ما لا يصحّ ؟!. ومع ذلكَ فإنّ الفكر الذي لا يطّرد في الصّواب يقع في العثرات ، فإنّ جُملةً مِن روايات الإمامية الصّحيحَة عندهم تحجّهم وتُفنّد فكرَهم وتجعلُهم مُخالفين لأئمّتهم ، فيعودون بذلك إلى التقيّة !. نعم! فالزيدية غنيّة عن أمثال تلك الأصول الموضوعَة والنّسخ التي انتشرَت في كُتب الإمامية ، حتّآ وصّفَ ذلك العلامة الرّجالي الإمامي محمد باقر البهبودي وهو يتكلّم عن بيئة الرّواية الإماميّة ، قال : ((فَتارةً كَانوا (أي وَضّاعوا الحَديث) يَأخُذون أصْلاً مَعروفاً أو كِتاباً مشهوراً وَينتسِخُون مِنه نُسَخَاً عَديدةً ويدسّون في خلالها أحَاديث مِن مَوضُوعَاتِهم، أو يُحرّفون كَلماتها طبقاً لأهوَائهم، وَبعد إتمام النّسخة، يُسَجِّلون عَلى ظهرها: ((قُرئَ عَلى فُلان في الشَهر الفُلاني بمحضرٍ مِن أصحَابِه)). ثمّ يُفرّقون هَذه النّسخ المدسوس فِيهَا في دُور الوَرَّاقين أو يجعلونها في مُتناول الضُّعفَاء مِنَ المحدِّثين.

وتَارةً كانوا يختلقون صَحيفةً كاملةً فيها الغلوّ والأكاذيب ويَكتبون على ظهرها ((أصلُ فُلان)) ، و «كِتاب فُلان» ثمّ يدسّون هذه النسخ المُفْتَعَلَة في كُتب الوَرّاقين، أو يَبيعُونَها بأيدي الصِّبيان والعَجائز الأمّيين كَأنها مَورُوثة مِنْ أكابرِ المحدِّثين)) [معرفة الحديث:77] . فأيّ فضلٍ أو مدحٍ في مثل هذا الحال الذي تزدادُ به الرّوايات التي لم تصحّ عن أصحاب أخيار بني الحسين ، فضلاً عن أن تصحّ عن أخيار بني الحسين (ع) ، ثمّ يقول البهبودي الإماميّ يتكلّم أيضاً عن أولئك الوضّاعين مِن  أصحابهم ومَنْ تلكَ صِفَتهُم : ((وَتنفيذاً لمكائدهم وَترويجاً لأكاذيبهم، زوّروا أحَاديث في جَواز الأخْذ عَن النُّسَخ مِن دُون تحقيق وتبيّن، وَاختلَقُوا رِوَايات تجوِّزُ الرِّواية عن الغُلاة والكذابين مِن دون تحرُّج، فانخدَع بهذه المَكِيدَة، وهيَ أخبَث المكَائد، جمَاعَة مِنَ المشايخ السَّاذَجين وَالرّواة المغفَّلين فَأوردوا تلك الأكاذيب المزوَّرة في مُؤلّفَاتهم وَاجتَهَدُوا في نشر تُرَّهاتهِم وأساطيرهِم يَحسَبون أنّهم يُحسنونَ صُنعاً)))) [معرف الحديث:79] ، وقد مرّ معك قول الشيخ الطّوسي : ((إنّ كَثيراً مِن مُصنِّفي أصحَابِنا وأصحَاب الأصُول يَنتحلون المذَاهب الفَاسِدَة وإنْ كَانت كُتبهم مُعتمَدَة)) اهـ ، ثمّ نجدُ الشريف المرتضى ، يقول : ((وفِي رُواتنا وَنقلة أحَاديثنا مَن يَقول بالقِياس ويَذهَب إليه فِي الشّريعَة ، كَالفضل ابن شاذَان ويُونس وجماعة معروفين ، ولا شُبهة في أنّ اعتقَاد صِحّة القياس في الشريعة كُفرٌ لا تَثبت مَعَه عَدالة .

فَمِن أين يَصحّ لنَا خَبرٌ وَاحِدٌ يَروونه ممّن يَجوز أن يكون عَدلاً مَع هَذه الأقسَام التي ذكرنَاها [أي الواقفة والمخمسة والمجسمة القميّة] حتّى نّدعي أنّا تُعبِّدنا بِقَوله)) [رسائل المرتضى:3/311] ، ويقول السد محمد بن سعيد الحكيم ، في ذكر الدسّ في ورايات الإمامية : ((وَهُو [أي الدّس] مَوجُود في أغْلَب الأخبَار التي بِأيدينا)) [  المحكم في أصول الفقه:3/214] ، ومن أراد الاستزادة راجع مبحثنا عن الإظلام الروائي عند الإمامية ، راجع كتاب (النقض على كتاب (واستقر بي النوى) ، ففيها يوجّه ويُفيد ، فليسَ في مثل تلك الكثرة الروائية ما يُفيدُ الإنصاف ، بل هُو معولٌ في الإفساد والهَدم والتشتيت لتراث العترة المحمديّة ، ويرفع عن العترة إذا كانت المراجع ورواة أحاديث الإمامية هُم الحُجج صفة اللطفيّة وكونهم سفينة نوح للأمّة ، فقد افترقت الإمامية واختلفت كثيراً في التصحيح والتضعيف لتلك الأخبار ، بل اختلفوا في أصل ومصطلح الحديث نفسه . فتستحضرُ أنّ الزيديّة إذا اعتبرَ النّاظر روايتها قليلَةً ، فإنّ العترةَ قائمةٌ على ذلك ، لمّا كانت معدن الهداية ، وليس من شرط الهداية أن يأتي الهادي بكلّ غثّ وسمينٍ في منهجيّته ، ومعَ ذلك فإنّ الناظر قد يرى في مصنّفات الزيدية الحديثيّة أخبارٌ لها وجوه في الرّواية وعللٌ كمعرفة الرّجال أو الوقوف على طرق الرّواية أو الوقوف على ما يرويه الآخَر ، وإن كانَ من تلك الأخبار ما لا يصحّ ، ثمّ آل محمّد يميّزون ذلك في كُتبهم العقائديّة ، والفقهيّة ، وفي فضائل الأعمال ، ويُوجّهون ذلك ، فيتنبّه لذلك النّاظر ، ثمّ مهما كان فإنّها لا تُشكّل ظاهرةً حشويّة كتلك التي لدى الإماميّة ، ومن أراد معرفة ذلك طالَع مقدّمة تهذيب الأحكام للشيخ الطّوسي ، فيتأمّل ذلك النّاظر موفّقاً ، والحمدلله .